زكية خيرهم الشنقيطي في نهاية سري الخطير
مونولوج السرد الذاتي
رجب الطيب
بإقرارها أو بإعترافها بأن نحو 90% مما جاء في نصها " نهاية سري الخطير" , إنما يعبر عن معاناتها الشخصية , وأن " غالية " بطلة النص , إنما تعبر عن زكية خيرهم التي عاشت في مجتمع شرقي مليء بالتناقضات الأجتماعية _ كما ورد في حديث لها مع العربية نت
تكون الكاتبة زكية خيرهم الشنقيطي قد وفرت كثيرا على الناقد أو القاريء المتابع حين يبدأ في محاورة نصها الموسوم ب " نهاية سري الخطير " ومحاولة الولوج الى مكنوناته الدلالية , للوقوف عند أسرار النص ومفاتيح قرائته التي تنطوي على إثارة غير محدودة على كل حال , وأن كان ذلك الأقرار _ المشار إليه _ قد أزاح الستارة عن تقدير القاريء المحترف , أن النص إنما هو سيرة ذاتية , فيه مواصفات وسمات ذلك النص المكتوب على ذلك النحو , حتى لا يتم التعامل معه وفق تقنيات أخرى , تدخل به الى حقل جنس سردي آخر .
كما هي في الواقع هي في النص :
نكاد نجزم ونحن لا نعرف الكاتبة شخصيا , على أن صفات شخصية " غالية " أنما هي صفات زكية في الواقع , من حيث أنها كانت فتاة " ملتزمة " أخلاقيا ودينيا , رغم سعيها المحموم " للحرية " , وتوقها الذي لا حدود له للتحقق عن طريق العلم , في النص , والأدب _ ربما _ في الواقع , " نحن هنا سنحاول أن نستخدم هامش ال 10 % الى أبعد الحدود " وذلك لفتح المجال أمام النص ليتشكل وفق معايير التخييل وأحتياجاته , وحيث ان حادثة نزع أو ازالة ختم العذرية أو غشاء البكارة قد تم في الواقع , كما حدث في النص , وكان ذلك الحدث حل عقدة الحبك السردي , في نهاية مطاف النص , فأنه يمكن القول , بأن أساس ما نستنتجه من صدق أدبي في النص أنما يعود الى أن القصة واقعية تماما , كما اعتاد بعض كتاب القصة الطويلة أو الرواية , قبل عقود على القول !
المونولوج تكنيك السرد الذاتي :
كان يمكن بالطبع لقاريء محترف , فضلا عن الناقد الأدبي أن يرجح أن " نهاية سري الخطير " انما هو نص للسيرة الذاتية , أكثر منه نصا روائيا متخيلا أو تم نسجه وفق أدوات حرفة الكتابة الروائية , بناء على عدد من المعطيات , منها , أن النص مكتوب وفق ضمير الأنا , وأن السرد الحكائي يدور وفق تقنية المونولوج الذاتي الداخلي , لبطلة النص " غالية " حيث لم يكن هناك فارق أو حتى تبادل للأدوار بين : الكاتبة , الراوية , والبطلة , ثم ان السرد كله يندفع وفق تقنية اليوميات المتتابعة , وليس هناك أهتمام بالأحداث التي تدور حول الشخصيات الأخرى , والتي كان حضورها , فقط لأضاءة الشخصية المركزية او المحورية لبطلة النص , ففي الرواية يكون الأمر مختلفا من حيث تنوع وتعدد الأصوات وحتى الرواة , وفق أكثر من ضمير : مخاطب , غائب , الأنا ,, بتعدد الشخصيات , حيث حتى أن اللغة تتعدد وتتنوع وفق ثقافة متعددة لشخصيات مختلفة .
في هذا النص هناك أقل من 5% منه كتب وفق ضمير المخاطب , حين كانت الكاتبة او الراوية تجلس على بعد سنتمترات من الشخصية , كمراقب , وحدث ذلك على الأغلب حين انتقلت الأحداث الى امريكا , حيث هناك بات الضغط النفسي على البطلة أقل , وبات بمقدور البطلة في النص , الكاتبة في الواقع ان تناقش الأمور بينها وبين نفسها , كما هو الحال بينها وبين زملائها الجدد بمن فيهم الأميركي لوتشيو , بروية أكبر .
كذلك من سمات السرد الذاتي أو السيرة الذاتية , عدم الأهتمام باحد مكونات النص الروائي , وهو المكان , وحتى الزمان , فهنا بالكاد أكتشفنا ان زمن الحدث كان قبل نحو عقدين حين تمت الأشارة الى أتفاق أوسلو , حين عرض عادل على غالية أن ترافقه الى عاصمة النرويج , كذلك حين كانت هناك اشارة الى الحصار الأطلسي على ليبيا مطلع تسعينيات القرن الماضي , وكذلك كانت هناك أشارة دلت على زمان النص الممثل وهو حديث لوتشيو معها واشارته الى مايكل جاسكون .
عشرة أعوام تفصل بين زمن الحدث الواقعي وبين زمن كتابة النص , المنشور عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004 في بيروت , ثم عشرة أعوام أخرى , تطرح سؤالا عن مشروع زكية خيرهم الشنقيطي الروائي , حيث هنا, يمكن الأشارة الى أن الفارق بين كاتب السيرة الذاتية وكاتب الرواية , أن الأول يحتاج وقتا كي يعيد ترتيب اوراقه للكتابه عن ما يثيره كقاريء اول لها , فيما كاتب الرواية المحترف , يمكنه ان يكتب عن أحداث متخيله او حتى عن أحداث يمكنه ان يحصل عليها بأية طريقة , من خلال بناء روائي تتحقق فيه معايير البناء الروائي . أما المكان فبالكاد تحددت ملامحه حين كانت تجري السيارة عبر صحراء الجزائر منتقلة بها ورفاقها من ركاب وسائقي السيارات الثلاث من المغرب لليبيا , وأذا كان من الطبيعي أن لا تظهر معالم مكان هو عبارة عن طريق تسافر عبرها الشخصية , فأن الأمر نفسه _ أي عدم الأهتمام بالمكان _ كان يظهر حين تكون الشخصية في طرابلس , صبراتة , فاس , السعيدية , حتى أهتمامها بتمثال الحرية لم يدفعها الى وصفه " جغرافيا " او بدقة التفاصيل , وذلك لآن أهتمام السرد الذاتي أو الروي في السيرة الذاتية , يكون بمتابعة الحدث , وليس لتشكيل الأجواء ومنها المكان , لتتبع التغيرات التي تحدث على الشحصيات في داخلها أو فيما بينها .
قوة النص / إيقاعه السردي
على اي حال يمكن القول بان كتابة السيرة الذاتية تحتوي على عنصر الصدق والتشويق , وكان _ برأينا _ احد أهم عناصر قوة هذا النص , هو إيقاعه السردي العالي والسريع , حيث كانت تتابع الأحداث كما لو كنا نشاهد فيلما سينمائيا , فكان عامل التشويق بالغ الحضور والوضوح , ولا نبالغ لو قلنا بأن من يبدأ في قراءة هذا النص لن يقوى على تركه , فكأنما هو مكتوب دفعة واحدة , دون توقف , لذا يشعر القاريء برغبة عارمة في قرائته دفعة واحدة أيضا .
شوائب لا تعيب النص
وحيث ان النص مكتوب بالعربية الفصحى , فأننا لا نجد بدا من محاكمته على هذا النحو , ومن يقرأ نصا لكاتبة مغربية , حتى لو كانت من أم سودانية واب موريتاني , لكنها ولدت وعاشت طفولتها وصباها في المجتمع المغربي وخضعت لقوانينه , عاداته وتقاليده , يتوقع ان يجد مفردات او حتى لهجة مغربية بين طيات النص , حدث هذا الأمر قليلا , في بعض المفردات , حيث تتابع الدفق السردي وفق العربية الفصحى , ولكن مع أخطاء لغوية ونحوية كثيرة _ أشارت خيرهم هنا الى المدقق الذي كان همه فقط ان يحصل على المقابل المالي , ونيتها اعادة تدقيق النص عند إعادة طباعته مرة أخرى _ , هناك أيضا أستطالات أنشائية , يمكن مع حذفها ان تتحقق رشاقة أفضل للنص _ وقد أشارت الكاتبة أيضا الى هذا الأمر حين قالت بأن الطبعة الجديدة ستكون في عدد صفحات أقل , ونحن بدورنا نشير الى أن كثيرا من الحوارات التي دارت بين الكاتبة / الرواي , أو البطلة وبين عديد من الشخصيات , خاصة في الفصول التي تتناول وجودها في امريكا وكان الهدف منها , تقديم صورة عن الأسلام , إنما هي زائدة , ولا ضرورة نصية لها !
عتبة النص / عنوانه :
تلقائية خيرهم , وعفوية غالية , والتي تظهر في نص مكتوب وفق طريقة " الهواة " بما فيها من صدق وحرارة , ظهرت على عنوان النص " نهاية سري الخطير " والذي يتم تداوله احيانا ب " سري الخطير " كان يمكن التفكير في عنوان أكثر جاذبية وإبهارا , ونحن نظن أن كلمة الخطير هذة تجيء وفق منطق المبالغة الأنشائية , التي عادة ما تنطوي عليها ثقافات محددة في المنطقة العربية , وتحديدا الثقافة المصرية / الليبية , حيث يلاحظ ان الأخوة المصريين يستخدمون هذة الكلمة كثيرا وفي الأشارة لأي أمر عادي , طبعا كان سرها المتعلق ببكارتها خطيرا جدا بالنسبة لها , ولكن كان يمكن مثلا البحث عن عنوان أدبي أكثر او له طبيعة روائية , مثلا , كان يمكنها التفكير ب " السر في بير " , صندوقي الأسود , وما إلى ذلك .
الخلاص الذاتي : فيلم هندي
يمكن القول بأن القاريء يتابع " غالية " بتشويق وتعاطف لا حدود لهما , فهي مسكونة منذ صغرها , بهاجس فقدانها لعذريتها , دون سبب محدد , وهي طوال النص لا تكف عن البكاء , كما انها دائما تشعر " بألام " في المعدة _ اظن ان هذا احد اعراض الإكتئاب النفسي _ الذي وصل بها الى ذروته حين حاولت الأنتحار , حين تقدم احد أبناء العائلات الصديقة لعائلتها لخطبتها , وحيث ان النص بدأ بسرد قصتها , منذ لحظة رفض أبيها عودتها للدراسة في أمريكا _ لا نعلم هنا لم وافق قبل عام , ورفض في العام التالي _ طبعا هذا الأمر يحتاج تبريرا دراميا في النص الروائي , ولكنه في السرد الذاتي _ اليوميات , المذكرات أو السيرة الذاتية _ لا يحتاج لذلك .
المهم أن غالية وهي تبحث عن حريتها , إنما كانت تبحث عن مساواة بين كونها فتاة أو أنثى وبين أخيها كونه ذكرا , لذا فأن إحتجاجها كان محدودا , هي لا تقبل ان يقرر أبواها مصيرها ومستقبلها , وان يحصرانه في تزويجها , في الوقت ذاته تمنع نفسها من عدم أرضائمها أو عن عقوقهما , وهي وإن كانت ترفض العادات والتقاليد الشرقية للمجتمع العربي / الإسلامي , إلا أنها تدافع عن الأسلام كعقيدة وكملتزمة اخلاقيا _ شوهدت هنا تواظب على الصلاة , وهكذا فان فكرة الحرية لم تكن مكتملة لديها , فهي بحثت عنها في المغرب العربي الممتد من المغرب الى ليبيا مرورا بالجزائر وتونس , عبر الصحراء التي بدت كسراب " هاجر " , وحيث انها كانت تتطلع لها وتظن ان تجدها _ أي الحرية , في امريكا , حريتها العلمية والمتضمنة منظومة الأخلاق , أخلاق المساواة بين الجنسين , وجدت نفسها ملاحقة من الرجل , وفق أكثر من نسق _ سمير والدكتور نبيل , ثم ملاحقة من لوتشيو ومن التحلل الأخلاقي الأمريكي , وفي النهاية وجدت ضالتها في الغرب الأوروبي وليس الأمريكي , حيث تواضع النظام الملكي النرويجي , الذي يسمح للمارة عبور الحديقة الملكية والتحدث للملك وإلتقاط الصور التذكارية معه , هكذا كان في واقع حال زكية خيرهم , وفي منطق نصها أيضا .
مختصر القول , بأن هذا النص وهو يدعو الى الحرية , وقع في شرك حد من فرصة إنطلاقه بعيدا , وكان هذا " الشرك " مزدوج الأضلاع أو ثنائي التركيب , فخلاصها , أي البطلة والكاتبة او المرأة عموما التي تتمتع بموهبة وذكاء وعقل في المجتمع الشرقي الباحثة عن التحقق , ليس إلتحاقا بالرجل , ولكن تحقيقا لذاتها العلمية او الأدبية كان خلاصا فرديا , هنا وجدنا غالية تذهب شرقا عبر الصحراء , ثم غربا الى أمريكا فاوروبا , ولا تتكيء في مغامرتها أو مواجهتها إلا على الرجل _ كان هنا واحدا من عدة شخصيات : سمير , الدكتور نبيل , ثم أنطون , ولوتشيو , ثم عادل _ ولم تفكر , اي لم يحدث لا في الواقع ولا النص ان رافقت او فكرت في مرافقة واحدة من زميلاتها أو صديقاتها , اللواتي لابد ان تكون قد وجدت واحدة منهن , على الأقل ضمن العشرة الأوائل الذين فازوا بمنحة التحصيل الجامعي في أمريكا .
و(حتى حين قدر لها ان تصادق أمرأة _ انجل ) لم تفعل إلا كمساعد لها , أي ان غالية كانت أقوى من أمرأة وأضعف من رجل , تساعد النساء وتحتاج مساعدة الرجال .
وهنا كانت البطلة تجد نفسها في مأزق حين أحبتهم كلهم _ سمير , نبيل , لوتشيو وعادل _ ولكن وفق مستويات متفاوتة , كانت خلالها أنانية , فهي تحتاج مساعدة سمير ونبيل , وحتى عبد اللطيف برعايتها ماليا واجتماعيا , لكن دون ان تقوى على ان تمنحهم المقابل الذي يسعون إليه وهو جسدها , إن كان وفق منطق الحب _ سمير , أو وفق منطق الزواج / الحلال _ نبيل . والشق الثاني من المأزق او الشرك الذي أشرنا إليه , كان عبر الهرب من المشكلة , بدلا من مواجهتها , فغالية تفكر منذ بداية النص حتى آخره ان تهرب من المغرب ومن مواجهة لحظة الحقيقة , لحظة إكتشاف انها ليست عذراء في ليلة دخلتها من أي زوج !
وللتدليل على ما نذهب إليه يكفي لنا أن نشير الى أنه كان يمكنها _ مثلا أن تبحث عن حل للمشكلة مع أختها سلمى , التي كانت قد اوحت لنا , بانها ربما كنت تعرف سرها , حين أرسلت الرسائل اليومية لنبيل ودعته للمغرب لأنقاذ أختها , كما كان يمكنها أن تبحث الأمر مع اختها العنود التي تعرف بالسر منذ أخبرتها وهي في السابعة عن بقعة الدم في سروالها الداخلي , فطلبت منها أن لا تخبر أحدا ولو كان امها , والتي أستغربت من كونها عذراء , حين خرج نبيل لهم بمنديل عليه دم من جرح أحدثه في ذراعه . وكان حتى يمكنها أن تقيم تحالفا مع فاطمة زوجة أبن الأيمان , لمواجهة الرجل الذي تخلصت منه قبل أن تصل للحدود الليبية . وكان يمكن أخيرا أن تفكر في " الحل " الذي تفتق به أخيرا عقلها _ لأعتبارات دراما النص , في النهاية , ونقصد بذلك ان تذهب للطبيب النسائي المختص , حيث كان يمكنها ان تفعل ذلك في المغرب , تونس , ليبيا , أوحتى أمريكا في المرة او السنة الأولى التي لم يتطرق لها النص أو فيما بعد , قبل أن تلتقي بعادل .
[email protected]
16 / 9 / 2014
مونولوج السرد الذاتي
رجب الطيب
بإقرارها أو بإعترافها بأن نحو 90% مما جاء في نصها " نهاية سري الخطير" , إنما يعبر عن معاناتها الشخصية , وأن " غالية " بطلة النص , إنما تعبر عن زكية خيرهم التي عاشت في مجتمع شرقي مليء بالتناقضات الأجتماعية _ كما ورد في حديث لها مع العربية نت
تكون الكاتبة زكية خيرهم الشنقيطي قد وفرت كثيرا على الناقد أو القاريء المتابع حين يبدأ في محاورة نصها الموسوم ب " نهاية سري الخطير " ومحاولة الولوج الى مكنوناته الدلالية , للوقوف عند أسرار النص ومفاتيح قرائته التي تنطوي على إثارة غير محدودة على كل حال , وأن كان ذلك الأقرار _ المشار إليه _ قد أزاح الستارة عن تقدير القاريء المحترف , أن النص إنما هو سيرة ذاتية , فيه مواصفات وسمات ذلك النص المكتوب على ذلك النحو , حتى لا يتم التعامل معه وفق تقنيات أخرى , تدخل به الى حقل جنس سردي آخر .
كما هي في الواقع هي في النص :
نكاد نجزم ونحن لا نعرف الكاتبة شخصيا , على أن صفات شخصية " غالية " أنما هي صفات زكية في الواقع , من حيث أنها كانت فتاة " ملتزمة " أخلاقيا ودينيا , رغم سعيها المحموم " للحرية " , وتوقها الذي لا حدود له للتحقق عن طريق العلم , في النص , والأدب _ ربما _ في الواقع , " نحن هنا سنحاول أن نستخدم هامش ال 10 % الى أبعد الحدود " وذلك لفتح المجال أمام النص ليتشكل وفق معايير التخييل وأحتياجاته , وحيث ان حادثة نزع أو ازالة ختم العذرية أو غشاء البكارة قد تم في الواقع , كما حدث في النص , وكان ذلك الحدث حل عقدة الحبك السردي , في نهاية مطاف النص , فأنه يمكن القول , بأن أساس ما نستنتجه من صدق أدبي في النص أنما يعود الى أن القصة واقعية تماما , كما اعتاد بعض كتاب القصة الطويلة أو الرواية , قبل عقود على القول !
المونولوج تكنيك السرد الذاتي :
كان يمكن بالطبع لقاريء محترف , فضلا عن الناقد الأدبي أن يرجح أن " نهاية سري الخطير " انما هو نص للسيرة الذاتية , أكثر منه نصا روائيا متخيلا أو تم نسجه وفق أدوات حرفة الكتابة الروائية , بناء على عدد من المعطيات , منها , أن النص مكتوب وفق ضمير الأنا , وأن السرد الحكائي يدور وفق تقنية المونولوج الذاتي الداخلي , لبطلة النص " غالية " حيث لم يكن هناك فارق أو حتى تبادل للأدوار بين : الكاتبة , الراوية , والبطلة , ثم ان السرد كله يندفع وفق تقنية اليوميات المتتابعة , وليس هناك أهتمام بالأحداث التي تدور حول الشخصيات الأخرى , والتي كان حضورها , فقط لأضاءة الشخصية المركزية او المحورية لبطلة النص , ففي الرواية يكون الأمر مختلفا من حيث تنوع وتعدد الأصوات وحتى الرواة , وفق أكثر من ضمير : مخاطب , غائب , الأنا ,, بتعدد الشخصيات , حيث حتى أن اللغة تتعدد وتتنوع وفق ثقافة متعددة لشخصيات مختلفة .
في هذا النص هناك أقل من 5% منه كتب وفق ضمير المخاطب , حين كانت الكاتبة او الراوية تجلس على بعد سنتمترات من الشخصية , كمراقب , وحدث ذلك على الأغلب حين انتقلت الأحداث الى امريكا , حيث هناك بات الضغط النفسي على البطلة أقل , وبات بمقدور البطلة في النص , الكاتبة في الواقع ان تناقش الأمور بينها وبين نفسها , كما هو الحال بينها وبين زملائها الجدد بمن فيهم الأميركي لوتشيو , بروية أكبر .
كذلك من سمات السرد الذاتي أو السيرة الذاتية , عدم الأهتمام باحد مكونات النص الروائي , وهو المكان , وحتى الزمان , فهنا بالكاد أكتشفنا ان زمن الحدث كان قبل نحو عقدين حين تمت الأشارة الى أتفاق أوسلو , حين عرض عادل على غالية أن ترافقه الى عاصمة النرويج , كذلك حين كانت هناك اشارة الى الحصار الأطلسي على ليبيا مطلع تسعينيات القرن الماضي , وكذلك كانت هناك أشارة دلت على زمان النص الممثل وهو حديث لوتشيو معها واشارته الى مايكل جاسكون .
عشرة أعوام تفصل بين زمن الحدث الواقعي وبين زمن كتابة النص , المنشور عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004 في بيروت , ثم عشرة أعوام أخرى , تطرح سؤالا عن مشروع زكية خيرهم الشنقيطي الروائي , حيث هنا, يمكن الأشارة الى أن الفارق بين كاتب السيرة الذاتية وكاتب الرواية , أن الأول يحتاج وقتا كي يعيد ترتيب اوراقه للكتابه عن ما يثيره كقاريء اول لها , فيما كاتب الرواية المحترف , يمكنه ان يكتب عن أحداث متخيله او حتى عن أحداث يمكنه ان يحصل عليها بأية طريقة , من خلال بناء روائي تتحقق فيه معايير البناء الروائي . أما المكان فبالكاد تحددت ملامحه حين كانت تجري السيارة عبر صحراء الجزائر منتقلة بها ورفاقها من ركاب وسائقي السيارات الثلاث من المغرب لليبيا , وأذا كان من الطبيعي أن لا تظهر معالم مكان هو عبارة عن طريق تسافر عبرها الشخصية , فأن الأمر نفسه _ أي عدم الأهتمام بالمكان _ كان يظهر حين تكون الشخصية في طرابلس , صبراتة , فاس , السعيدية , حتى أهتمامها بتمثال الحرية لم يدفعها الى وصفه " جغرافيا " او بدقة التفاصيل , وذلك لآن أهتمام السرد الذاتي أو الروي في السيرة الذاتية , يكون بمتابعة الحدث , وليس لتشكيل الأجواء ومنها المكان , لتتبع التغيرات التي تحدث على الشحصيات في داخلها أو فيما بينها .
قوة النص / إيقاعه السردي
على اي حال يمكن القول بان كتابة السيرة الذاتية تحتوي على عنصر الصدق والتشويق , وكان _ برأينا _ احد أهم عناصر قوة هذا النص , هو إيقاعه السردي العالي والسريع , حيث كانت تتابع الأحداث كما لو كنا نشاهد فيلما سينمائيا , فكان عامل التشويق بالغ الحضور والوضوح , ولا نبالغ لو قلنا بأن من يبدأ في قراءة هذا النص لن يقوى على تركه , فكأنما هو مكتوب دفعة واحدة , دون توقف , لذا يشعر القاريء برغبة عارمة في قرائته دفعة واحدة أيضا .
شوائب لا تعيب النص
وحيث ان النص مكتوب بالعربية الفصحى , فأننا لا نجد بدا من محاكمته على هذا النحو , ومن يقرأ نصا لكاتبة مغربية , حتى لو كانت من أم سودانية واب موريتاني , لكنها ولدت وعاشت طفولتها وصباها في المجتمع المغربي وخضعت لقوانينه , عاداته وتقاليده , يتوقع ان يجد مفردات او حتى لهجة مغربية بين طيات النص , حدث هذا الأمر قليلا , في بعض المفردات , حيث تتابع الدفق السردي وفق العربية الفصحى , ولكن مع أخطاء لغوية ونحوية كثيرة _ أشارت خيرهم هنا الى المدقق الذي كان همه فقط ان يحصل على المقابل المالي , ونيتها اعادة تدقيق النص عند إعادة طباعته مرة أخرى _ , هناك أيضا أستطالات أنشائية , يمكن مع حذفها ان تتحقق رشاقة أفضل للنص _ وقد أشارت الكاتبة أيضا الى هذا الأمر حين قالت بأن الطبعة الجديدة ستكون في عدد صفحات أقل , ونحن بدورنا نشير الى أن كثيرا من الحوارات التي دارت بين الكاتبة / الرواي , أو البطلة وبين عديد من الشخصيات , خاصة في الفصول التي تتناول وجودها في امريكا وكان الهدف منها , تقديم صورة عن الأسلام , إنما هي زائدة , ولا ضرورة نصية لها !
عتبة النص / عنوانه :
تلقائية خيرهم , وعفوية غالية , والتي تظهر في نص مكتوب وفق طريقة " الهواة " بما فيها من صدق وحرارة , ظهرت على عنوان النص " نهاية سري الخطير " والذي يتم تداوله احيانا ب " سري الخطير " كان يمكن التفكير في عنوان أكثر جاذبية وإبهارا , ونحن نظن أن كلمة الخطير هذة تجيء وفق منطق المبالغة الأنشائية , التي عادة ما تنطوي عليها ثقافات محددة في المنطقة العربية , وتحديدا الثقافة المصرية / الليبية , حيث يلاحظ ان الأخوة المصريين يستخدمون هذة الكلمة كثيرا وفي الأشارة لأي أمر عادي , طبعا كان سرها المتعلق ببكارتها خطيرا جدا بالنسبة لها , ولكن كان يمكن مثلا البحث عن عنوان أدبي أكثر او له طبيعة روائية , مثلا , كان يمكنها التفكير ب " السر في بير " , صندوقي الأسود , وما إلى ذلك .
الخلاص الذاتي : فيلم هندي
يمكن القول بأن القاريء يتابع " غالية " بتشويق وتعاطف لا حدود لهما , فهي مسكونة منذ صغرها , بهاجس فقدانها لعذريتها , دون سبب محدد , وهي طوال النص لا تكف عن البكاء , كما انها دائما تشعر " بألام " في المعدة _ اظن ان هذا احد اعراض الإكتئاب النفسي _ الذي وصل بها الى ذروته حين حاولت الأنتحار , حين تقدم احد أبناء العائلات الصديقة لعائلتها لخطبتها , وحيث ان النص بدأ بسرد قصتها , منذ لحظة رفض أبيها عودتها للدراسة في أمريكا _ لا نعلم هنا لم وافق قبل عام , ورفض في العام التالي _ طبعا هذا الأمر يحتاج تبريرا دراميا في النص الروائي , ولكنه في السرد الذاتي _ اليوميات , المذكرات أو السيرة الذاتية _ لا يحتاج لذلك .
المهم أن غالية وهي تبحث عن حريتها , إنما كانت تبحث عن مساواة بين كونها فتاة أو أنثى وبين أخيها كونه ذكرا , لذا فأن إحتجاجها كان محدودا , هي لا تقبل ان يقرر أبواها مصيرها ومستقبلها , وان يحصرانه في تزويجها , في الوقت ذاته تمنع نفسها من عدم أرضائمها أو عن عقوقهما , وهي وإن كانت ترفض العادات والتقاليد الشرقية للمجتمع العربي / الإسلامي , إلا أنها تدافع عن الأسلام كعقيدة وكملتزمة اخلاقيا _ شوهدت هنا تواظب على الصلاة , وهكذا فان فكرة الحرية لم تكن مكتملة لديها , فهي بحثت عنها في المغرب العربي الممتد من المغرب الى ليبيا مرورا بالجزائر وتونس , عبر الصحراء التي بدت كسراب " هاجر " , وحيث انها كانت تتطلع لها وتظن ان تجدها _ أي الحرية , في امريكا , حريتها العلمية والمتضمنة منظومة الأخلاق , أخلاق المساواة بين الجنسين , وجدت نفسها ملاحقة من الرجل , وفق أكثر من نسق _ سمير والدكتور نبيل , ثم ملاحقة من لوتشيو ومن التحلل الأخلاقي الأمريكي , وفي النهاية وجدت ضالتها في الغرب الأوروبي وليس الأمريكي , حيث تواضع النظام الملكي النرويجي , الذي يسمح للمارة عبور الحديقة الملكية والتحدث للملك وإلتقاط الصور التذكارية معه , هكذا كان في واقع حال زكية خيرهم , وفي منطق نصها أيضا .
مختصر القول , بأن هذا النص وهو يدعو الى الحرية , وقع في شرك حد من فرصة إنطلاقه بعيدا , وكان هذا " الشرك " مزدوج الأضلاع أو ثنائي التركيب , فخلاصها , أي البطلة والكاتبة او المرأة عموما التي تتمتع بموهبة وذكاء وعقل في المجتمع الشرقي الباحثة عن التحقق , ليس إلتحاقا بالرجل , ولكن تحقيقا لذاتها العلمية او الأدبية كان خلاصا فرديا , هنا وجدنا غالية تذهب شرقا عبر الصحراء , ثم غربا الى أمريكا فاوروبا , ولا تتكيء في مغامرتها أو مواجهتها إلا على الرجل _ كان هنا واحدا من عدة شخصيات : سمير , الدكتور نبيل , ثم أنطون , ولوتشيو , ثم عادل _ ولم تفكر , اي لم يحدث لا في الواقع ولا النص ان رافقت او فكرت في مرافقة واحدة من زميلاتها أو صديقاتها , اللواتي لابد ان تكون قد وجدت واحدة منهن , على الأقل ضمن العشرة الأوائل الذين فازوا بمنحة التحصيل الجامعي في أمريكا .
و(حتى حين قدر لها ان تصادق أمرأة _ انجل ) لم تفعل إلا كمساعد لها , أي ان غالية كانت أقوى من أمرأة وأضعف من رجل , تساعد النساء وتحتاج مساعدة الرجال .
وهنا كانت البطلة تجد نفسها في مأزق حين أحبتهم كلهم _ سمير , نبيل , لوتشيو وعادل _ ولكن وفق مستويات متفاوتة , كانت خلالها أنانية , فهي تحتاج مساعدة سمير ونبيل , وحتى عبد اللطيف برعايتها ماليا واجتماعيا , لكن دون ان تقوى على ان تمنحهم المقابل الذي يسعون إليه وهو جسدها , إن كان وفق منطق الحب _ سمير , أو وفق منطق الزواج / الحلال _ نبيل . والشق الثاني من المأزق او الشرك الذي أشرنا إليه , كان عبر الهرب من المشكلة , بدلا من مواجهتها , فغالية تفكر منذ بداية النص حتى آخره ان تهرب من المغرب ومن مواجهة لحظة الحقيقة , لحظة إكتشاف انها ليست عذراء في ليلة دخلتها من أي زوج !
وللتدليل على ما نذهب إليه يكفي لنا أن نشير الى أنه كان يمكنها _ مثلا أن تبحث عن حل للمشكلة مع أختها سلمى , التي كانت قد اوحت لنا , بانها ربما كنت تعرف سرها , حين أرسلت الرسائل اليومية لنبيل ودعته للمغرب لأنقاذ أختها , كما كان يمكنها أن تبحث الأمر مع اختها العنود التي تعرف بالسر منذ أخبرتها وهي في السابعة عن بقعة الدم في سروالها الداخلي , فطلبت منها أن لا تخبر أحدا ولو كان امها , والتي أستغربت من كونها عذراء , حين خرج نبيل لهم بمنديل عليه دم من جرح أحدثه في ذراعه . وكان حتى يمكنها أن تقيم تحالفا مع فاطمة زوجة أبن الأيمان , لمواجهة الرجل الذي تخلصت منه قبل أن تصل للحدود الليبية . وكان يمكن أخيرا أن تفكر في " الحل " الذي تفتق به أخيرا عقلها _ لأعتبارات دراما النص , في النهاية , ونقصد بذلك ان تذهب للطبيب النسائي المختص , حيث كان يمكنها ان تفعل ذلك في المغرب , تونس , ليبيا , أوحتى أمريكا في المرة او السنة الأولى التي لم يتطرق لها النص أو فيما بعد , قبل أن تلتقي بعادل .
[email protected]
16 / 9 / 2014