الصباح فضي لامع ، السماء الآن ناعمة نقية جدا ، و الهواء هادئا كثيرا ، أنا في حلم اليقظة ، أتحسس قلبي المنهك ، شكرا إلهي ما زال قلبي يدق !!
لأول مرة أحاول أن أشرب قهوتي الصباحية المرة الداكنة من على شرفة البيت ، بعد انقطاع دام صيفا محترقا ، أمثْل أمام نفسي ، في قيلولة عميقة مرهفة ، و أبدأ في البحث عن ابتسامة ، عن فرح خجول ، عن حقيقة ولو كانت وهما !!
نادى المنادي : أغلق عينيك لترى ميراث القصف وسط صحراء الركام في داخلي و خارجي !!
(نم يا حبيبي ساعة ً حتى نموت
هي ساعة للانهيار
هي ساعة لوضوحنا
هي ساعة لغموض ميلاد النهار
كم كنت وحــــدك ، يا ابن أمّي )
أفتح عينيّ في داخلي !! تكتظ الصور والظلال المهجورة ، تتشابك الأغصان اليابسة المشرعة كالبنادق ، ترفّ رايات الحمام الحمراء ، في داخلي و خارجي ، أرض حزينة ، وسماء آب تقطر مطرا حمضيا بلون البرتقال !! ومشيعون لم يسأموا ، ولاجئون مكدسون ، يتنزه الموت بينهم شاملا مختالا !!
) ويا موت انتظرْ، يا موتُ
حتّى أستعيد صفاء ذهني في الربيع
وصحّتي، لتكون صيّاداً شريفاً لا
يصيد الظبي قرب النبع )
في داخلي و خارجي صيف لاهب في لقطة أخيرة و غريبة ، صيف يتغذى على دمنا الثلجي الحزين ، يغتسل الماء بدمنا !! إذا حضر الماء بطل التيمم !! الدم ثلج !! الدم لا يُزيّف .
(آه ، يا دمنا الفضيحة ، هل ستأتيهم غماما ...
هذه أمم تمر ُّ وتطبخ الأزهار في دمنا ... )
في داخلي و خارجي ناس متعبون بأرواح عارية ، وعيون ناعسة مليئة بالحكايا ، يحملون قلوبهم و أوجاعهم على ظهورهم ، يتسكعون حيارى من غضبة الحلم ، تهشمهم خيول الريح ، يبحثون عن فجر يليق بعيونهم الحالمة ، يخترعون حياتهم ، يفتشون عن حقائب مدرسية وسط الشظايا ، يستغيثون من وحل هائل ، و يرددون أغنيات الرحيل و العودة !!
( يخرج الشهداء من أشجارهم ، يتفقدون صغارهم
يتجولون على السواحل ، يرصدون الحلم والرؤيا
يغطون السماء بفائض الألوان ، يفترشون موقعهم
يسـمـّون الجزيرة ، يغسلون الماء ، ثم يطرزون حصارنا )
يصيح الألم و الأمل و الحرية : يا هذا خذ حصتك من الألم و انتظر حصة ليست بالأخيرة .
التقط وردة واحدة متبقية من أثر أهازيج فرح الجنائز ، ولا تبرح الحطام ، فعمّا قريب سيحلق نسر حديدي يدميك ، أو عصفور فوق السياج ينقر جدار الحصار اليابس ، وقت الفجر الذي يليق بعيونكم الهائلة ، فالغيم لا يكذب ، آه من دكتاتورية الجغرافيا !!
( كنّا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار
ماذا تبقى منك غير قصيدة الروح المحلّق في دخان القيامة ؟!! )
في خارجي داخلي ، يطل القمر على السهرة من بين الغيوم الماكرة مقنعا خجلا ، من المُسوخ الذين يتلون على مسامعه فصلا جديدا من الجحيم ، وقصصا جديدة عن العبث و القيء ، وعن الأذرع الفولاذية التي تمتد لمهد الورد تبحث عنه في ضوء عاصف عبر ثُقب الليل المكدس ، ولا يرسلون حمامةً إلى البرّ لتعود بأخضر الزيتون ، مسوخ ينصّبون أنفسهم آلهة قتل ، يحتسون نخب الدم على مهل و يتلذذون !! والقطعان تنتشي ، وتستلذّ ، وتستزيد ، فالازدهار الوحيد عندهم هو في الدعارة التي انتقلت من البيوت السرية إلى الساحات و الباحات !! نحن قتلى بالطبع ، لكننا لن نموت!!
( حياتنا عبء على ليل المؤرّخ كلّما
أخفيتهم طلعوا عليّ من الغياب ...
حياتنا عبء على الرسّام أرسمهم
فأصبح واحداً منهم ، ويحجبني الضباب
حياتنا عبء على الجنرال كيف يسيل
من شبحٍ دم؟!! وحياتنا
هي أن نكون كما نريد ، نريد أن
نحيا قليلاً، لا لشيء بل لنحترمَ
القيامةَ بعد هذا الموت... واقتبسوا
بلا قصدٍ كلامَ الفيلسوف: الموت
لا يعني لنا شيئاً، نكونُ فلا يكونُ
الموت لا يعني لنا شيئاً يكونُ فلا
نكونُ
ورتّبوا أحلامهم
بطريقة أخرى ... وناموا واقفين!)
يخيم صمت مديد أبيض في صحراء القلق ، صمت رث لا يليه كلام و لا لغو ، وهدوء الضحايا المليء بالدم وبالحجارة ، هدوء يمزقه زغاريد الوداع ، هدوء يجرفه الريح الملتهب ، فيتحطم ملجأك الأخير تحت سيف اللهب .
أقلب الفنجان ، ألعق بقايا دمي المتخثر ، وأنتظر ما سيقوله المنجمون !!
( لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك )
صدق المنجمون و لو كذبوا !! أمد إصبعي لأنظف بقايا القهوة المرّة السوداء من الفنجان .
كذب المنجمون ولو صدقوا .
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
لأول مرة أحاول أن أشرب قهوتي الصباحية المرة الداكنة من على شرفة البيت ، بعد انقطاع دام صيفا محترقا ، أمثْل أمام نفسي ، في قيلولة عميقة مرهفة ، و أبدأ في البحث عن ابتسامة ، عن فرح خجول ، عن حقيقة ولو كانت وهما !!
نادى المنادي : أغلق عينيك لترى ميراث القصف وسط صحراء الركام في داخلي و خارجي !!
(نم يا حبيبي ساعة ً حتى نموت
هي ساعة للانهيار
هي ساعة لوضوحنا
هي ساعة لغموض ميلاد النهار
كم كنت وحــــدك ، يا ابن أمّي )
أفتح عينيّ في داخلي !! تكتظ الصور والظلال المهجورة ، تتشابك الأغصان اليابسة المشرعة كالبنادق ، ترفّ رايات الحمام الحمراء ، في داخلي و خارجي ، أرض حزينة ، وسماء آب تقطر مطرا حمضيا بلون البرتقال !! ومشيعون لم يسأموا ، ولاجئون مكدسون ، يتنزه الموت بينهم شاملا مختالا !!
) ويا موت انتظرْ، يا موتُ
حتّى أستعيد صفاء ذهني في الربيع
وصحّتي، لتكون صيّاداً شريفاً لا
يصيد الظبي قرب النبع )
في داخلي و خارجي صيف لاهب في لقطة أخيرة و غريبة ، صيف يتغذى على دمنا الثلجي الحزين ، يغتسل الماء بدمنا !! إذا حضر الماء بطل التيمم !! الدم ثلج !! الدم لا يُزيّف .
(آه ، يا دمنا الفضيحة ، هل ستأتيهم غماما ...
هذه أمم تمر ُّ وتطبخ الأزهار في دمنا ... )
في داخلي و خارجي ناس متعبون بأرواح عارية ، وعيون ناعسة مليئة بالحكايا ، يحملون قلوبهم و أوجاعهم على ظهورهم ، يتسكعون حيارى من غضبة الحلم ، تهشمهم خيول الريح ، يبحثون عن فجر يليق بعيونهم الحالمة ، يخترعون حياتهم ، يفتشون عن حقائب مدرسية وسط الشظايا ، يستغيثون من وحل هائل ، و يرددون أغنيات الرحيل و العودة !!
( يخرج الشهداء من أشجارهم ، يتفقدون صغارهم
يتجولون على السواحل ، يرصدون الحلم والرؤيا
يغطون السماء بفائض الألوان ، يفترشون موقعهم
يسـمـّون الجزيرة ، يغسلون الماء ، ثم يطرزون حصارنا )
يصيح الألم و الأمل و الحرية : يا هذا خذ حصتك من الألم و انتظر حصة ليست بالأخيرة .
التقط وردة واحدة متبقية من أثر أهازيج فرح الجنائز ، ولا تبرح الحطام ، فعمّا قريب سيحلق نسر حديدي يدميك ، أو عصفور فوق السياج ينقر جدار الحصار اليابس ، وقت الفجر الذي يليق بعيونكم الهائلة ، فالغيم لا يكذب ، آه من دكتاتورية الجغرافيا !!
( كنّا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار
ماذا تبقى منك غير قصيدة الروح المحلّق في دخان القيامة ؟!! )
في خارجي داخلي ، يطل القمر على السهرة من بين الغيوم الماكرة مقنعا خجلا ، من المُسوخ الذين يتلون على مسامعه فصلا جديدا من الجحيم ، وقصصا جديدة عن العبث و القيء ، وعن الأذرع الفولاذية التي تمتد لمهد الورد تبحث عنه في ضوء عاصف عبر ثُقب الليل المكدس ، ولا يرسلون حمامةً إلى البرّ لتعود بأخضر الزيتون ، مسوخ ينصّبون أنفسهم آلهة قتل ، يحتسون نخب الدم على مهل و يتلذذون !! والقطعان تنتشي ، وتستلذّ ، وتستزيد ، فالازدهار الوحيد عندهم هو في الدعارة التي انتقلت من البيوت السرية إلى الساحات و الباحات !! نحن قتلى بالطبع ، لكننا لن نموت!!
( حياتنا عبء على ليل المؤرّخ كلّما
أخفيتهم طلعوا عليّ من الغياب ...
حياتنا عبء على الرسّام أرسمهم
فأصبح واحداً منهم ، ويحجبني الضباب
حياتنا عبء على الجنرال كيف يسيل
من شبحٍ دم؟!! وحياتنا
هي أن نكون كما نريد ، نريد أن
نحيا قليلاً، لا لشيء بل لنحترمَ
القيامةَ بعد هذا الموت... واقتبسوا
بلا قصدٍ كلامَ الفيلسوف: الموت
لا يعني لنا شيئاً، نكونُ فلا يكونُ
الموت لا يعني لنا شيئاً يكونُ فلا
نكونُ
ورتّبوا أحلامهم
بطريقة أخرى ... وناموا واقفين!)
يخيم صمت مديد أبيض في صحراء القلق ، صمت رث لا يليه كلام و لا لغو ، وهدوء الضحايا المليء بالدم وبالحجارة ، هدوء يمزقه زغاريد الوداع ، هدوء يجرفه الريح الملتهب ، فيتحطم ملجأك الأخير تحت سيف اللهب .
أقلب الفنجان ، ألعق بقايا دمي المتخثر ، وأنتظر ما سيقوله المنجمون !!
( لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي..
أحزاناً تشبهُ أحزانك )
صدق المنجمون و لو كذبوا !! أمد إصبعي لأنظف بقايا القهوة المرّة السوداء من الفنجان .
كذب المنجمون ولو صدقوا .
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )