الأخبار
تفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطيني
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفنان الراحل "أحمد الربيعي" .. وهذا الكاريكاتير العجيب بقلم:د. حسين سرمك حسن

تاريخ النشر : 2014-09-02
الفنان الراحل "أحمد الربيعي" .. وهذا الكاريكاتير العجيب بقلم:د. حسين سرمك حسن
الفنان الراحل "أحمد الربيعي" .. وهذا الكاريكاتير العجيب
-------------------------------------------------------
د. حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة – 22/5/2014
فاز رسام الكاريكاتير العراقيالمبدع الراحل (أحمد الربيعي) بإحدى جوائز مسابقة الكاريكاتير العربي 2013 في نسختها الثانية التي أعلنت عنها مؤسسة دار الشرق ، مشاركاً مع 157 رسام كاريكاتير عربي آخر ، بكاريكاتير عجيب ومدهش في موضوعه ، وفي شكله الفذّ المعبّر عن ذلك المضمون .
يمثل الرسم إنساناً يسجد أمام كرسي .. فما هو الغريب في ذلك ؟
الغريب أولا -وهذا أمر مفروغ منه - أن الإنسان لا يجوز أن يسجد لكرسي مهما كان لأنها ردّة إلى الوثنية التي تستخف بعقل الإنسان وروحه . أمّا من الناحية  السياسية ، فقد قدمت شعوب الأرض في كفاحها عبر مئات السنين من أجل الحرّية والكرامة الملايين من الشهداء من أجل الخلاص من "الوثنية" السياسية ؛ من عبودية الكراسي ، ومن عبودية من يجلسون عليها ؛ ملوكا يتنعمّون بالحقّ الإلهي ، أو رؤساء طغاة جثموا على صدور هذه الشعوب وأجهضوا آمالها وخنقوا الكثير منها حتى الموت .
لكن .. و"لكن" هذه سوداء ضخمة في بلداننا ، مازال الكرسي يُعبد فيها . وتُسفح من أجله الدماء والكرامات وتُزهق الأرواح البريئة . حكّامنا يستميتون من أجل الحفاظ على الكرسي ، وهذا ليس غريبا في سيكولوجية السلطة والقوّة والطغيان وغريزة العدوان المتأصلة في النفس البشرية . لكن الغريب هو أن يعبد الإنسان العادي الكرسي ويركع له .. ويسجد . وقد جعل أحمد هذا الإنسان ساجدا لكرسي فارغ ، وهذا من أوجه فرادة رؤيته الباهرة . لم تعد هناك حاجة لطاغية - مهما كان لونه ونوعه - يجلس متربّعاً على الكرسي ليخيف البشر ويدفعهم إلى الركوع ؛ طاغية يرسمه رساموا الكاريكاتير عادة بعينين وحاجبين شيطانيين وأنياب تسيل منها الدماء . صار الكرسي الفارغ رمزاً للطغيان وعلامة لبث الرعب في نفس الإنسان ليخر ساجدا له . وهذه كارثة كبرى من كوارث التربية السياسية الطغيانية في بلداننا . صار الرقيب داخليّاً وإثارة الرعب شرطيّة -Conditioned حسب التعبير البافلوفي الدقيق في تجارب العالم الروسي الشهير على الكلاب . فليس شرطاً أن يكون الفرد "المُرعب" حاضرا لتنشلّ أطراف المواطن وتنخذل إرادته ، بل يكفي حضور "رمز" يمثّله كصورة كرسيّه مثلا أو صورته الورقية معلقة على الجدار .
لكن سخرية المبدع أحمد السوداء ، وفلسفته ، لم تقف عند هذا الحد من الرؤيا الفريدة ، فقد جعل للكرسي ملامح حيوانية ،الأهم فيها هو أن قوائمه ما هي إلّا أطراف أربعة لأكثر الحيوانات هشاشة : الغزال أو الظبي . وهذا المواطن في ركوعه المذلّ الأبدي لم يتحيّن أية فرصة ليرفع رأسه ، ويرى الطبيعة "الهشّة" لهذا الكرسي الذي أذلّه وأهانه . لكن هذا في الظاهر ، وسنرى ما يفصح عنه "الباطن"بعد قليل .
هناك ملمح آخر مهم ، هو أن ذراعي الكرسي ممسكتان باستماتة وقوة ، برأس الحيوان الهش ، وكأنه يُغمض عينيه ، ويلجمه عن أي حركة .  أمّا الجسم الكلّي للكرسي بمسنده الظهري وذراعيه ، فيبدو كأنه يتربع على ظهر هذا الكائن الضعيف .. يمتطيه ، ويغلق عينيه عن رؤية أي شيء كما قلت . هل في هذه الحركة تعبير عن غفلة شعوب كاملة عن حقيقة ضعف هذه الكراسي "الحاكمة" المتجبّرة التي تهاوى بعضها بنفخة جماهيرية عزوم كما رأينا ؛ غفلة صارت "عادة" ، و"عبادة" ، مثلما كانت تعبد الجاهلية آلهتها التي تصنعها من التمر مع فارق خطير هو أن البشر عندنا لا يجرؤون ولا يتجاسرون على مجرد التفكير بـ "أكل" ، أو حرق ، الكراسي التي يصنعونها من "خشب" وجودهم ، بفعل جبنهم وانشلال إرادتهم .
وحين تتأمل ملابس الشخص الساجد ، ستجدها من نفس قماشة جسم الكرسي (مسنده وذراعاه) وألوانه ، كما أن يدي الشخص الساجد ليستا طبيعيتين ، بل كأنهما في الطريق إلى التحوّل إلى قوائم حيوانية .
ولاحظ مظهر القدمين الذي يمكن أن يُفسر على أساس أنه يعكس شكل جوربين ، ولكنه في الواقع يشبه حافرين حيوانيين .
وهناك "أُذُن" الشخص الساجد التي رسمها أحمد بصورة غريبة ، فهي ليست الأذن البشرية المعتادة ، إنّما هي "كتلة" مغلقة رمزا لصمم العبد .. عبد الغريزة والسلطان ؛ عن صوت ضميره وعن دعوة الحق للتغيير . وقد تهدّل صيوان الأذن هذه ، والتحم بشحمتها التي أصبحت عريضة يُمسك بها ما يشبه الإصبعين دلالة على التأنيب والتذكير بحال العبودية والولاء الأعمى وعبادة الكرسي الموثّن . كما أن الشكل الأسفل يبدو وكأنه "مفتاح" علب كناية عن أن رأس هذا الإنسان صار آليّاً ، يُفتح ، ويُغلق ، ويُحشى ، وتُعلّب محتوياته .
لكن عبقرية أحمد لم تتوقف عند هذا الحد ، فقد استخدم تقنية من تقنيات مدرسة الجشطلت –Gestalt ، وهي "تنظيم الشكل والأرضية - Figure–ground organization"، واستثمار تبايناتها الخلّاقة التي تُربك إحساس المتلقي وتخلق لديه نوعا من أوهام وخداعات الإدراك التي تُثري الدلالات المستترة للشكل المطروح ، وتُغني الرسم أو اللوحة بالكثير من الإحالات . من أمثلة هذه التقنية الشهيرة : صورة وجه العجوز والبنت ، وكذلك الكأس أو الزهرية (المزهرية / الفازة) ذات الوجهين المتقابلين (وكلاهما مرفقتان مع المقالة) .
فما الذي فعله أحمد ؟
لقد جعل الجانب الأيسر المقابل لنا من وجه الشخص الساجد ، وجهاً آخر لشخص ينظر نحو الكرسي ولسانه بارز قليلا وكأنه يسخر منه . هذا الرأس جزء من جسد حيث يمتد في صورة الكفين – أو ما يشبه الكفين اللذين في طريقهما ليصبحا طرفين حيوانيين– ليشكّل جذع وطرفي شخصٍ مستلق على ظهره باسترخاء ، ورأسه محصور بين ساعد الشخص الساجد ورأسه . وهذا الشخص صغير الحجم وكأنه دمية . فهل جاء الشخص الساجد بهذا الشخص ليقدّمه أضحية وقربانا ؟!! هل تمثل هذه الأضحية الناس المقهورة التي يجب أن يقدّمها كل متسلق لكي يصل إلى غايته في امتطاء الكرسي ؟ يأتون دائما وهم يحملون "صور" و "أصوات" الشعب لإثبات صعودهم السلّم بصورة شرعية . لكن هذا الساجد غافل عن قناعة الشخص الرمز "الشعبي" الحقيقية وهو يمد لسانه ساخرا من وراء "عينيه" .
إن كون لون قميص وبنطال الشخص الساجد هو من نفس لون ظهر الكرسي وذراعيه يثير تساؤلات جديدة : هل كان أحمد يريد القول إن هذا الشخص الساجد ، وبالتحوّلات التمهيدية التي تجري على جسمه وكيانه بفعل عبوديته وانذلاله ، يتحيّن الفرص ، أو ينتظر دوره ليصبح كرسيّاً مهما كان الثمن فادحا .. هل هي سياسة النفاق في الخضوع تمهيدا للإنقلاب .
لكن هناك لمحة فنّية شديدة الدلالة تعبّر عن هذه العبقرية التي خسرناها بصورة مبكرة للاسف . تأمّل الشخص بأكمله : تحوّلات أطرافه .. سماته السلوكية والعقلية المعبّر عنها بسجوده وشكل أذنه .. طبيعة رأسه .. وألوان ملابسه .. ثم تأمّل الكرسي .. ستجد أن الكرسي هو الشخص بعد أن فقد رأسه .. فقد عقله .. فقد أهم مقوّم يميّز الإنسان من الحيوان . ثم تأمّل جسد الكرسي ؛ متكأه وذراعيه ، وهما ملونان بنفس لوني جذع وساقي الشخص (أي بلا رأسه) ستجد أنهما قريبا الشبه برأس حمار !! مفتوح الفكّين !! رأس حمار مركّب على جسم ظبي صغير ! أي خلطة عجيبة هذه ؟! وأي هشاشة ومسخرة خُدعنا بها قرونا طويلة ساجدين للطغيان وغير قادرين على رفع رؤوسنا لنشاهد بأمّ أعيننا "الطبيعة" الممسوخة لكرسي الطغيان ورمزه ؟!
وقد استخدم أحمد اللون الكاكي لجسم الشخص الساجد الذي سوف يتحوّل إلى جسد الكرسي ، وهو اللون المعروف برمزيته للسطوة العسكرية والتسلّط والطغيان الذي تَداوَلَنا (رمز الرجل الصغير على ساعد الرجل الساجد) لعقود طويلة على كرسي واحد . لكن السؤال الأكثر إثارة للإنجراح والخيبة والإحساس بالخديعة : تُرى أين كانوا يُلقون بهذا "الرمز / الشعب/الدمية" الصغير حين يقفزون من السجود إلى التربع ؟
تحية للفنان الراحل أحمد الربيعي .




 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف