الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حسن صعب " الإنسان" بقلم:المهندس محمد قباني

تاريخ النشر : 2014-08-29
حسن   صعب  " الإنسان" بقلم:المهندس محمد قباني
حسن   صعب  " الإنسان"
المهندس محمد قباني
الحديث عن حسن صعب كالحديث عن امثاله من الشخصيات الفكرية او النضالية الغنية المتنوعة الكفاءات والاهتمامات، يجب ان ينطلق من معرفة الجانب الانساني في الشخص المعني.
‏وحسن صعب المفكر الاسلامي والدبلوماسي وأستاذ علم السياسة ورائد الانماء في لبنان والمبشر بمعجزات الثورة العلمية والتكنولوجية وطليعتها ثورة المواصلات الاعلامية والمناضل اللبناني العربي، والمنادي بحتمية التواصل الانساني.
حسن صعب هذا هو قبل كل شىء الانسان الذي حقق الابداع في كل هذه الحقول والمجالات. الانسان بكل ما فيه من عناصر وراثية وتجربة حياة. والانسان عنده محور كل شيء. فهو الرأسمال الأول لأي شعب حي. وهو محور الانماء الذي خصص له ربع القرن الاخير من حياته. ألم يكن شعاره الدائم انماء الانسان ، كل إنسان وكل الإنسان.
‏وقد اتاحت لي صلة قربى تطورت الى صداقة فيما بعد، أن أعرف حسن صعب الانسان منذ طفولتي، وأتعلم منه ، ومن تجربته الغنية، وسيرة حياته التي تميزت بالنضال المستمر منذ أتى الحياة الدنيا يتيم الاب حتى الساعات الاخيرة قبل مغادرتها وهو على فراش الموت، فاقدا القدرة على الكلام ، ملوحا بقبضة يده اليمنى للأحبة الهلعين حول فراشه، شادا من ‏عزيمتهم ، وكأن المريض سواه.
‏مرحلة الطفولة
ولد عام 1922 وحيدا من زواج أبيه وأمه القصير العمر. فوالده حسن صعب الذي حمل اسمه توفي قبل ولادته بثلاثة اشهر، وكان عائدا من مصر بطريق البحر فدفن في فلسطين ، ووالدته حفصة نعماني. وكانت جدته هند نعماني مربيته الاولى وهو رضيع. ثم تعهدته أخته منتهى دوغان مع ابنتها سامية (أي والدتي) التي كانت تكبرة بستة أشهر. فكان خالا لها وأخ رضاعة في آن. وكانت أخوة وصداقة  استمرت طوال ‏حياتهما، اذ غادرت الحياة كما أتت اليها ،‏قبله بعدة أشهر.
‏سيرة حياته منذ طفولته ترسم صورة الانسان العصامي المكافح.     ~
بدأ دراسته في ابتدائية أبي بكر الصديق ، من مدارس جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في ‏بيروت ، وكان يعمل أحياناً منذ كان في الثانية عشرة ليؤمن دخلا اضافيا.
‏الدراسة في الكلية الشرعية ثم في القاهرة
‏عام 1935 اختار المفتي الشيخ محمد توفيق خالد مجموعة من طلبة المقاصد للدراسة في الكلية الشرعية في بيروت (المعروفة بذكرى خالد والحوت) (عرفت لاحقا بثانوية أزهر لبنان) وضمت الى حسن صعب ، محمد البعلبكي، بهيج عثمان ، رمضان لاوند، شفيق يموت ، محي الدين العربي العزوري، عبد الله المغربل ، زين العابدين عيتاني، ابراهيم نحاس، ابراهيم زين، رؤوف كزكزك (من حماه). أحمد يوسف حمود، محي الدين خالد وعباس ‏خليفة.
‏ثم اختار بعد سنتين دفعة ثانية أبرز من فيها حسن خالد (مفتي الجمهورية اللبنانية لاحقا) ‏سهيل ادريس، طه الولي ، عبد الحفيظ سلام ومختار الجندي. بعض هؤلاء التلامذة انتقل الى الدراسة المدنية باكرا كمحمد البعلبكي الذي تابع دراسته في الجامعة الاميركية في بيروت. والبعض الآخر انتقل ال الازهر الشريف في القاهرة، ثم انتقل الى كلية الآداب بجامعة القاهرة ومنهم حسن صعب وبهيج عثمان حيث نال شهادة الليسانس عام 1942.
‏في جامعة القاهرة كان حسن صعب لولب الحركات الطالبية وقائد المظاهرات المطالبة بالاستقلال والحرية. وعندما قاد تظاهرات الترحيب بأول وفد استقلالي لبناني يزور القاهرة برئاسة رياض الصلح عام 1943 ، طلب منه رياض العودة الى لبنان للالتحاق بوزارة الخارجية.
المرحلة الدبلوماسية الاولى 1944 – 1960
وفي طريق عودته برا ال بيروت اعتقلته السلطات البريطانية في فلسطين عقابا على نضاله الطالبي العربي في مصر. و لم يفرج عنه الا بعد ضغوط كبيرة مارسها أصدقاؤه في بيروت. بدأ حياته الدبلوماسية مع أول مباراة في وزارة الخارجية عام 1944 فألحق بمفوضية لبنان في باريس عامي 1945 – 1946 ضمن البعثة الدبلوماسية التي يرأسها أحمد الداعوق، ثم كنائب قنصل في اسطنبول ( 1946 – 1947)، فرئيس لدائرتي الصحافة الثقافية في الادارة المركزية لوزارة الخارجية اللبنانية (1947 - 1950) ثم عين سكرتيرا للسفارة اللبنانية في واشنطن وقائما بالاعمال بالوكالة (1950 - 1956) وكان السفير يومها، شارل مالك. وفي واشنطن أنهى دراساته العليا ونال الدكتوراه في علم السياسة عام  1956 من جامعة جورج تاون.
‏وعاد الى الادارة المركزية لوزارة الخارجية عام 1956 ليصبح مستشارا ومديرا للشؤون السياسية بالوكالة. عام 1957 وكان استاذا في الجامعة الاميركية في بيروت، تعرف الى نعمت حبيب غندور، فتزوجها، وانجب منها ولداه حسان ومروان. وأسس عام 1958 الجمعية اللبنانية للعلوم السياسية وكان أول رئيس لها.
‏استقال من وزارة الخارجية عام 1960 ليخوض معترك الحياة السياسية العملية بعد أن درس علم السياسة في مختلف الجامعات في لبنان. وكانت تجربة انتخابات دائرة بيروت الثانية مريرة بالنسبة له.
‏ فالبلاد كانت خارجة من أحداث 1958 تعيش مناخاتها السياسية المتطرفة وكان الفوز في معظم مناطق لبنان لرموز ما عرف "بالثورة" و "الثورة المضادة" . وحورب الدبلوماسي المثقف والعصامي ابن مدارس المقاصد والازهر الشريف بأنه غربي الميول السياسية. والحقيقة أنه كان منفتحا ومطلعا على الثقافة الغربية مع التزام بجذوره الثقافية العربية - الاسلامية، ومع التزام بتوازن دقيق يجمع بين القومية العربية ‏والوطنية اللبناية بصيغة كامل لا تناقض.
المرحلة الدبلوماسية الثانية 1961 - 1964
عاد الى العمل الدبلوماسي عام 1961 كمستشار ثقافي لبناني في أميركا الشمالية. وفي الفترة بين 1961 و 1964 قام حسن صعب بنشاط خارق زار جميع الولايات الاميركية بالاضافة الى كندا، وألقى محاضرات في مئة وثمان وعشرين جامعة تناولت مختلف القضايا ‏اللبنانية والعربية مع تركيز خاص على القضية الفلسطينية والتواصل الاسلامي المسيحي. كما اتصل شخصيا بكل طالب لبناني في الولايات المتحدة وكندا حاثا إياه على العودة ‏الى الوطن.
بيروت اولاً و اخيراً مرحلة العطاء الكبير 1964 – 1990
‏للكن هوى حسن صعب يبقى في لبنان ، في العاصمة بيروت، وفي منطقة رمل الظريف - الزيدانية بشكل خاص. فاتخذ عام 1964 قرار الاستقرار النهائي في بيروت. استقال من السلك الدبلوماسي نهائيا وانصرف الى التدريس الجامعي والكتابة. وأسس مع زكي مزبودي وشارل رزق " ندوة الدراسات الانمائية" التي قام لها الجزء الأكبر من حياته وأطلق مع رفاقه، ومن خلالها، بداية الوعي الانمائي، وضرورة تحقيق ثورة انمائية أرادها ‏شاملة وفي مختلف الحقول.
ربع القرن الاخير من حياة حسن صعب وفي بيروت وخارجها تميز بالعطاء اللامحدود. تدريس في الجامعات : اللبنانية والقديس يوسف والروح القدس في الكسليك والجامعة الاميركية والاكاديمية اللبناية والمدرسة الحربية بالاضافة الى المعاهد العليا في القاهرة وجامعة الكويت وجامعة الرياض فضلا عن جامعة اوتاوا في الولايات المتحدة الاميركية. وعمادة لكلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبناية، وتأسيس لهيئة التعبئة الوطنية في بيروت اثر نكسة حزيران 1967، والتي نشط فيها برئاسته نخبة المثقفين والقياديين اللبنانيين في مختلف الحقول في تجربة تعبوية فريدة. واذا كان البعض قد انتقد تلك التجربة في حينه واعتبرها تنفيسا للطاقات التي  تفجرت ما بعد النكسة ،‏فان الاكثرية اعتبرتها تعبئة حقيقية في مجال ايجابي، وان كان نظريا، لطاقات لم يكن متاحا لها أصلا ان تشارك في الحرب على الجبهات. وأبرز ما فيها أنها شملت مختلف الاتجاهات السياسية في عمل موحد من أجل قضية قومية : قضية الصراع العربي - الاسرائيلي ومن منطلق يعتبر الصراع حضاريا بالدرجة الأولى ويعمل على هذا الاساس .
‏وتحقيق لمشروع قانون انتخابي موحد شاركت في وضعه جميع الاحزاب اللبنانية عام 1973 بعد اجتماعات متواصلة استمرت عدة أشهر في ندوة الدراسات الانمائية وهو ما اعتبر في حينه انجازا كبيرا لا يستطيع تحقيقه سوى حسن صعب.
‏وتنظيم أو ترؤس او مشاركة في عشرات المؤتمرات والندوات والمحاضرات بينها 14 مؤتمراً انمائياً في بيروت وحدها بين اعوام 1964 و 1990 فضلا عن تأسيس معهد الانماء العربي في طرابلس الغرب 1972، وهو المؤسسة التي ارادها موقعا للعلماء العرب المنتشرين في العالم، وحلم  بمدينة للعلماء تحضنهم، وهو حلو لم يتحقق لانقطاع علاقته بالمعهد بعد فترة قصيرة من تأسيسه. وعشرات المؤلفات في مختلف الحقول ومئات المحاضرات في مختلف بقاع الارض.
‏وانجاز لبناني تاريخي لحسن صعب لعله انجازه الاكبر كما يقول الرئيس سليم الحص وهو ادخال لبنان في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) بعد غياب لبناني استمر عشرين عاماً ،‏وانتخابه عضوا في مجلسها التنفيذي ونائبا لرئيس مؤتمرها العام سنة 1985، قبل خمس سنوات من اقرار مجلسي الوزراء والنواب لانضمام لبنان
للمنظمة المذكورة.وكان يوم الثاني والعشرين من تموز 1990 ينوي السفر الى تونس للشماركة في اجتماع المجلس التنفيذي وليزف للعرب بشرى قرار مجلس الوزراء بتصديق انضمام لبنان الى "الكسو" عندما فاجأته النوبة القلبية الاخيرة.
نظرة الى الانسان
 لو كان علي أن اختصر نظرتي الى حسن صعب الانسان الذي كان لقلت: كان عقلا وكان ارادة. كان عقلا نيراً وارادة صلبة. العقل عنده برأي هو عقل الفيلسوف المنفتح على مختلف العلوم والثقافات والتجارب الانسانية، الحالم بمستقبل أفضل لأمته وللإنسانية. وهو العقل الذي جعل منه في آن المفكر الاسلامي والدبلوماسي واستاذ في علم السياسة ورائد الانماء وسوى ذلك. هو العقل الذي ينهل من تراثه العربي والاسلامي ويتكيف مع آخر الانجازات العلمية والتكنولوجية.
‏هكذا كان طفلا في الكلية الشرعية عندما اعتبر أن غايتها : (الكلام له) "أن تجمع في ‏تعليم الطالب بين علوم الدين وعلوم الدنيا ،‏لتهيء المتخرج لأن يعلم الانسان علوم الدين بلغة دنيوية، أي علوم السلف بلغة العصر. فعُمدنا ونحن نكاد نتجاوز الثانية عشرة من عمرنا "مشايخ عصريين".
‏وهكذا كان عندما ألف كتابه الرائد "الاسلام وتحديات الحياة العصريية" الذي دفع ببعض السياسيين لترشيحه لمنصب الافتاء لكنه اعتذر.
‏كان يؤمن بقدرة العقل البشري على صنع التقدم ، وكان يؤمن بأن للعقل العربي دورا يجب أن يلعبه في الحضارة الانسانية ، وان الشعب الذي ابرز يوماً "ابن خلدون" و "ابن ‏رشد" وسواهم قادر أن يلعب الدور الرائد في العالم من جديد. وكان يعتقد أن التواصل الحضاري بين الامم هو الطريق الى المستقبل. وطريق العرب بشكل خاص. وفي هذا المجال قدم كتابه "تحديث العقل العربي".
واذا كان لحسن صعب عقل الفيلسوف العصري، فقد كانت له ارادة حديدية جعلت البعض يشبهه بالجرافة البشرية. وصفه البعض بأنه ليس حسن صعب بل "حسن مستحيل". و كان يضحك لهذه التسمية. والحقيقة أنه كان طوال حياته يقهر الصعاب ولا ‏يعرف المستحيل.
‏عندما ساءت صحته وهو في الخامسة عشرة قضى قرابة عام كامل في بحمدون الضيعة ‏برعاية الشيخ يوسف الهبري. وقد أكمل في المنزل دروسه كاملة ورفع الى الصف الاعلى دون أن يؤثر وضعه الصحي على تقدمه الدراسي.
‏وكانت ارادته تدفعه دائماً لتحقيق ما يعجز عنه غيره. وهل حقق سواه مشروع قانون موحد للانتخابات النيابية شاركت في وضعه جميع الاحزاب ؟
‏وهل يستطيع غير حسن صعب أن يدخل بلاده في منظمة عربية اقليمية (السكو) وينتخب عضوا في مجلسها التنفيذي قبل ان تقر حكومة بلاده أو مجلسها التشريعي الانضمام اليها بخمس سنوات.
‏وحسن صعب دائم التجدد، دائم الشباب، صديق مختلف الاجيال. فهو صديق احمد الداعوق، وزكي النقاش وعبد الله اليافي الذين يكبرونه بحوالي ربع قرن، وصديق عبد الله المشنوق، وصبحي المحمصاني، وحميد فرنجية، وجميل مكاوي، وقسطنطين زريق ،‏وادمون رباط، وعبد الله العلايلي ومحمد علي حماده، الذين يكبرونه بعشر سنوات أو أكثر ومنير غندور الذي يكبره بثمان سنوات. وصديق الشيخ حسن خالد والشيخ صبحي الصالح ، وبهيج عثمان ، وجوزيف مغيزل وزكي مزبودي الذين تتقارب أعمارهم مع عمره. وصديق عصام خليفة والهام كلاب ،‏وروحي بعلبكي، وسواهم ممن يصغرونه بجيل كامل. ونقرأه في كتابه " شخصيات عرفتها وأحببتها´´ يقول : " ان كل انسان منا يتعلم من الانسان الآخر، طفلا كان هذا الانسان أم شيخاً، ويتعلم منه من طور الطفولة حتى طور الشيخوخة. وبوسعي أن أقول بأنني لم أقابل أي انسان الا واغتنيت بمعرفته.  فكل انسان هو ثروة مكنونة في ذاته".
وأذكر في هذا المجال قوله في حزيران الماضي عندما سألته عن مشاريعه بعد التقاعد وكنت اتوقع مشاريع راحة مع الاسرة في الولايات المتحدة فاذ به يحدثني عن مشاريع عمل جديدة في لبنان. وضحك قائلاً :"انني أشعر أنه لا عمر لي أي انني لا أشيخ".
‏وقد أساء البعض تفسير بعده عن زوجته وولديه طوال سنوات الحرب، وربما اعتقد هذا البعض أن السبب خلاف ما. والحقيقة أنه أصر على سفر ولديه لاكمال الدراسة في الولايات المتحدة وعلى مرافقة والدتهما لهما بسبب صغر سنهما. وبقي هو على ارتباطه بأرض الوطن فظلم نفسه من اجل بلاده بعيدا عن عائلته. وكان ينتظر الفرص بفارغ الصبر ليكون ال جانب زوجته وولديه. ليكون أباً وهو الذي حرم من ان يكون له أب ولو ليوم واحد.
‏حسن صعب الانسان هو رجل الحوار الدائم والمؤمن بحرية الرأي وبالديمقراطية يمارسها ويبشر بها. نراه يحاور في بيروت ويحاور في انطلياس وفي طرابلس وزحلة ويحاور الاشقاء العرب والاجانب في المؤتمرات الدولية في شتى أنحاء المعمورة. لم يكن يعترف بباب موصد أمام الحوار بين اللبنانيين، وبالتال اخترق كل حواجز الحرب النفسية والأمنية وزار معظم المناطق اللبنانية وكان لولب الكثير من مؤتمرات الحوار الوطني، ولعل من أبرزها الحوار الذي قادته ندوة الدراسات الانمائية بشخصه مع نقابة الصحافة بشخص نقيبها رياض طه في مطلع الحرب عام 1975 .
‏وشارك في العديد من مؤتمرات الحوار الاسلامي المسيحي في سائر أنحاء العالم وأبرزها هيئة الحوار الاسلامي المسيحي للندوة اللبنانية في بيروت 1967 – 1968  وحلقات الحوار الاسلامي - المسيحي لمجلس اتحاد الكنائس المسيحية 1970 - 1976 .
‏وكان لولب النشاطات الثقافية ليس فقط من خلال الجمعيات التي أسسها منذ كان طالباً في مدرسة أبي بكر الصديق بل من خلال التجمعات الثقافية التي شارك بها مع أبرز الهيئات الثقافية اللبنانية في السنوات الثلاث الاخيرة.
وفي كل حياته الحوارية والفكرية كان حسن صعب ثورة مستمرة من اجل العقل والاعتدال وصنع التقدم. وجسد حسن صعب، التكامل الدقيق بين الايمان بالله، والثقة ‏الكبيرة بقدرة العقل البشري على صنع التقدم.
‏قليلون هم الحياديون او اللامبالون في نظرتهم لحسن صعب ، فمعظم الناس معه أو ضده كما الحال بالنسبة لأصحاب الفعل والموقف في شتى المجالات. والرجل مقاتل مدني يقاتل بالكلمة والموقف من اجل كل ما يؤمن أو يقتنع به. لايهادن ولا يجامل. لا يهمه من يرضى ومن يغضب. المهم أن تسير جرافته البشرية لتحقيق أهدافها، تقتحم الصعب وتتحدى المستحيل.
لهذا نجح كأبرز اساتذة السياسة وعلمائها و لم ينجح كسياسي محلي. نعم، مقاتل مدني ومناضل من اجل الحياة ومن أجل التقدم من البداية حتى النهاية. أو لم يناضل منذ يومه الاول ضد اليتم والفقر والمرض والجهل. أو لم يكتب في مذكرات اليوم الأخير وكانت الأزمة القلبية قد داهمته :
‏"خلقنا لنحيا، الحياة وحدها تستحق أن نكونها، وأنا أريد أن أكون ، أريد أن أحياء أريد أن أتحرك ، أريد أن أخلق، أريد أن أذهب الى تونس لأحارب من أحارب في "السكو" ولأسالم من أسالم. هكذا كان وجودي في هذه المنظمة بعد ان اقتحمت لبنان فيها عام 1985 بعد مقاطعة خمسة عشر عاما. لماذا فعلت ذلك، لأن لبنان عربي، بل رائد في منظمة الثقافة العربية".
والرجل الذي لم يتوقف عن الكتابة أثناء نوبته القلبية الاخيرة ، حسن صعب العقل النير والارادة الجبارة ، لم يتوقف عن العمل المتواصل ليل نهار. لم تثنه عملية القلب المفتوح في لندن عام 1974، ولا نصائح الاطباء في السنوات الاخيرة بعد نكستين صحيتين في القلب عامي 1986 و 1987  فنشر في العام الاخير ثلاثة كتب وترك عدة مخطوطات غير منشورة و كأنه يسابق القدر.
حسن صعب لم يحاول يوماً أن يجمع مالاً، لكنه ترك ثروة‏ضخمة من الكتب والمقالات والانجازات العلمية، وعائلة صغيرة، العلم محورها : حسان الدكتور في الهندسة الكيمائية، ومروان الد كتور في طب الاشعة، والزوجة نعمت الدكتورة في علم المكتبات.
في الساعات الاخيرة وفي رواق مستشفى الجامعة الاميركية المجاور لغرفته سألت ابن خالته، وفيق العجوز، هل أنتما من عمر واحد، الثامنة والستين؟ فأجابني : عمر حسن معب الحقيقي ليس المذكور في هويته الشخصية، لقد عاش حسن خمسماية سنة. فعطاء كل سنة من حياته يوازي عدة سنوات.
‏ويجوارنا على فراش الوداع كان حسن صعب في ساعاته الاخيرة قلبه ورئتاه يشغلهما جهاز التنفس الآلي. فاقدا القدرة على الكلام. العقل والارادة سليمان ، يرفع يده اليمنى، شادا قبضته لدى دخول أحد الاحبة غرفته، فهو يريد ان يؤكد ويقول، ما زلت أناضل.

__________________

•    نائب بيروت
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف