الأخبار
غالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليمي
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

غسيل الاموال بقلم:المستشار د.ناجى حمادة

تاريخ النشر : 2014-08-29
غسيل الاموال بقلم:المستشار د.ناجى حمادة
المستشار د  ناجى حمادة غسيل الاموال

إنَ فكرة إنشاء قضاء جنائي دولي ليست بفكرة جديدة،  وإنما تعود جذورها إلى عصور تاريخية قديمة، وفي هذا الصدد يذهب العديد من الباحثين إلى إنَ أولى تطبيقات القضاء الجنائي الدولي تعود إلى التاريخ
المصري القديم

حيث أن الاعتقاد سنة  1286 قبل الميلاد،  كما أجرى ملك بابل نبوخذنصر محاكمة ملك يودا المهزوم سيد بيترياس، (1) كما جرت محاكمتان إحداهما لـ(Cnradin  Von  Hohenstafen ) في نابولي عام 1268 والأخرى لمحاكمة ارشيدوق النمساSire Pierre  de Hagenbach) ) في إقليم الراين حيث تمت محاكمته وإصدار الحكم علية بالإعدام.(2) ولذلك أخذت فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب تبرز بين أوساط القانونيين في المجتمع،  ولكن يلاحظ بان فكره معاقبة مجرمي الحرب ووضع آليه لعقاب منتهكي القانون الدولي الإنساني بدأت بمبادرات فردية أكثر منها رؤى حكومات ودول،  ودفعت بها جماعات ومنظمات غير حكوميه لتصبح ابرز انجازات القرن.(3)
فقد نادى السيد ( غوستاف مونييه ) احد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1872. أي بعد صدور اتفاقيه جنيف لعام 1864 الخاصة لمعالجة جرحى الحرب،  حيث نادى بضرورة إنشاء واستحداث محكمة جنائية دولية لمنع مخالفات الاتفاقية والمعاقبة عليها، وتقدم بمشروعه هذا إلى(اللجنة الدولية لغوث العسكريين الجرحى )(4) واقترح أن تضم المحكمة في قوامها ممثلا عن كل طرف من الطرفين المتحاربين وثلاثة ممثلين عن الدول المحايدة ينتخبون بالقرعة،  وبين في مقترحه بان المحكمة لا تنظر في قضية ما من تلقاء نفسها بل تنتظر رفع دعوى من قبل دولة متحاربة،  أما تنفيذ الحكم فانه يقع على عاتق ألدوله التي صدر الحكم ضد احد رعاياها.(1)
وعلى الرغم من المقترحات التي تقدم بها السيد(غوستاف مونييه) إلا انه يلاحظ بانها قد بقيت حبرا على ورق ولم تر النور رغم كل الجهود التي بذلها.
ومن خلال ما تقدم عرضه من الجهود والمحاولات الرامية إلى إنشاء قضاء جنائي دولي،  وعلى الرغم من إنشاء عدد من المحاكمات الدولية التي سبقت الحرب العالمية الأولى، إلا أنَ هنالك الكثير من الفقهاء والباحثين في إطار القانون الدولي يرون بان فكرة إنشاء محكمه جنائية دوليه تعود إلى الحرب العالمية الأولى.(2)
ولذلك وتماشيا مع الرأي السابق فإننا سنتناول مراحل تطور وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ابتداءً من فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية  بموجب نظام روما الأساسي.


اولاً:  مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى
بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وراح ضحيتها ما يقارب العشرين مليون شخص.(3) شعر العالم بحاجة ماسة إلى ضرورة إيجاد قواعد قانونية ملزمة واتخاذ إجراءات جديدة تحول دون وقوع حرب عالمية أخرى، وكذلك من اجل وضع حد لتصرفات الأشخاص والدول التي تهدد السلم والأمن الدوليين،  وفرض الجزاء الجنائي بدلاً من الجزاء المدني على مجرمي الحرب.(1)
فقد عرف المجتمع الدولي الحاجة إلى وجود محكمة من نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وجاء ذلك على اثر تطور الحس الجماعي الدولي بخطورة ترك بعض الأعمال المرتكبة زمن النزاعات المسلحة بدون تحريم وملاحقة ومعاقبة من
يقترفها، (2) لذلك تمخض عن هذه الدعوات لإنشاء محكمة جنائية دولية عدة تطبيقات لها،  منها ما جاء في معاهدة فرساي بشان تشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الإمبراطور الألماني السابق غليوم الثاني، وكذلك ما جاء به عهد عصبة الأمم في المادة (14) منه’، وكذلك ما جاءت به اتفاقيتا 16 / تشرين الثاني /1937.
ومن اجل إعطاء صورة واضحة عن كل من هذه التطبيقات،  فإننا سنتناول ذلك من خلال التالي:
1  :  معاهدة فرساي عام 1919
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وما خلفته وراءها من ضحايا وانتهاكات فاضحة للمعاهدات الدولية والأعراف من قبل القوات الألمانية،  شعر المجتمع الدولي بالحاجة الماسة إلى إيجاد قواعد وإجراءات قانونية تحول دون وقوع حرب عالمية أخرى، ولذلك تعالت الأصوات التي تدعو إلى إنشاء محكمة جنائية دولية لمعاقبة مجرمي الحرب.(3)
وعلى اثر ذلك اتجه المنتصرون في الحرب إلى إنشاء لجان تحقيقية مهمتها إثبات مخالفات قوانين وأعراف الحرب ومعاقبة مجرمي الحرب الألمان عن الجرائم التي ارتكبوها وكان من هذه اللجان، لجنة تحديد مسؤوليات مبتدئي الحرب ومعاقبة مجرمي الحرب الألمان.(1)
ولذلك جاءت معاهدة فرساي لعام 1919، لتنص في المادة (227) منها على تحميل الإمبراطور الألماني غليوم الثاني المسؤولية الجنائية الدولية.(2) وإحالته’ إلى الحلفاء لمحاكمته طبقاً لأسمى بواعث السياسة الدولية عن جريمة عظمى ضد الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات.(3) ولكن الظروف السياسية حالت دون أن تلقى المبادئ التي قررتها معاهدة فرساي التطبيق الصحيح، إذ إن جريمة شن الحرب التي اتهم بها إمبراطور ألمانيا لم تجر بشأنها محاكمة.(4)
لأنَ الإمبراطور غليوم قد حصل على حق اللجوء السياسي في هولندا، ورفضت الحكومة الهولندية تسليمه حتى توفى عام 1941.(5)
وهنا يمكن القول بان هنالك عدة اعتبارات أثرت في قرار هولندا وهي تدخل البابا لمصلحة الإمبراطور الألماني ومعارضة الوفد الأمريكي والياباني باعتبار أنَ الرؤساء في حال ارتكابهم جرائم، يجب أن يحاكموا أمام شعوبهم فقط .(6)
وعلى الرغم من أن الحلفاء طلبوا تسليم الإمبراطور الألماني.(1) إلا أنَ حكومة هولندا أصرت على حقها في منح اللجوء للاجئين السياسيين. وهو اتجاه رحبت به الدول المنتصرة.(2)
2 :  عصبة الأمم ومحاولات إنشاء محكمة دولية
كان إنشاء عصبة الأمم نتيجة لتجنب الحروب والكوارث الناتجة عنها،  وقد جاء في عهد العصبة الذي أصبحت نصوصه سارية المفعول بتاريخ 10/كانون الأول /1920، على وجوب صيانة السلم العالمي والتزام الدول باللجوء إلى الطرق السلمية لحل نزاعاتها وتوقيع العقاب على الدول المعتدية.(3) وخلال هذه الفترة أثير موضوع إنشاء محكمة جنائية دولية من جديد،  فقد نصت المادة (14) من عهد العصبة على أن يتولى مجلس ألعصبه مشروع إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة وعرضه على الدول الأعضاء،  وبموجب ذلك تألفت لجنة استشارية من قبل مجلس العصبة تأخذ على عاتقها مهمة تقديم المشروع لتأسيس المحكمة.(4)
وفي الوقت الذي قدم فيه هذا المشروع،  قدم مشروع آخر بتأسيس محكمة عليا خاصة بمحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم دولية أو أعمال تهدد السلم و الأمن الدوليين، والى جانب هذا المشروع قدم مشروع أخر يقضي بعدم إنشاء محكمة مستقلة بمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية، وإنما بتأسيس شعبة جنائية خاصة لهذا الغرض تعمل ضمن نطاق محكمة العدل الدولية الدائمة.(5)
ولكن لم يكتب لأي من هذين المشروعين الأخيرين النجاح، وذلك لان الرأي السائد آنذاك كان يقضي بان مشروع تأسيس محكمة دولية جنائية لا يمكن أن يكتب له النجاح، ما لم يسبق ذلك اتفاق بين الدول على القانون الواجب تطبيقه’ في هذا الموضوع .(1) ولذلك وافقت الجمعية العمومية على المشروع الأول وهو إنشاء محكمة العدل الدولية الدائمة.


تاريخ المحاكم الجنائية الدولية

3  :  اتفاقيتا 16 /تشرين الثاني /1937
في سنة 1937 تقدم الوفد الفرنسي باقتراح إلى عصبة الأمم يدعو إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع قيام الأعمال الإرهابية وضرورة معاقبة مرتكبيها من قبل محكمة جنائية دولية.(2)
وكان هذا الاقتراح كرد فعل للأعمال الإرهابية التي أودت بحياة ملك يوغسلافيا الملك السكندر، وكرد فعل ضد الأعمال الإرهابية التي ارتكبت ضد وزير الخارجية الفرنسي المسيو (باترو) في مرسيليا في تشرين الأول/1934.(3)
وعلى اثر هذا الاقتراح وجهت الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في 16/تشرين الثاني يتم بمقتضاه الالتزام بتحديد معنى عبارة (أعمال ألإرهاب ) ومن ثم اعتبارها أعمالا جنائية تستحق العقاب.(4) وخلال هذا المؤتمر تم الأتفاق على تحديد أعمال الإرهاب في المادة الأولى من المعاهدة. كما جاءت المادتان الثانية والثالثة لتتناولا أنواع الجرائم التي تعتبر من قبيل الأعمال الإرهابية.(5)
وفي نفس اليوم الذي عقد فيه المؤتمر الأول الخاص بتعريف أعمال الإرهاب،  عقد مؤتمراً ثانياً من اجل إيجاد صيغة قانونية لمحاكمة المتهمين بالجرائم التي حددها المؤتمر الأول، لذلك جاءت المادة الأولى من الاتفاقية الثانية والتي تتكون من ستة وأربعين مادة،  لتنص على ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين بالجرائم التي حددها المؤتمر الأول.(6)
أما المادة الثالثة من هذه الاتفاقية، فقد نصت على أن تكون المحكمة الجنائية الدولية المراد تكوينها، محكمة دائمة،على أن تدعى إلى الاجتماع كلما رفعت إليها دعاوى تدخل ضمن اختصاصها.(1)
ولكن يلاحظ بان الجهود الكبيرة التي بذلها المؤتمرون في هذين المؤتمرين لم تلق النجاح على الصعيد العملي، حيث لم يكتب النجاح لأي من الاتفاقيتين أن توضع موضع التنفيذ على الصعيد العملي، وذلك لعدم التصديق عليها، وكذلك لنشوب الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من ذلك، فان هاتين الاتفاقيتين تبقيان بحق من الاتفاقيات التي ساهمت في تطور مفهوم المسؤولية الجنائية الدولية، واعتبرتا فيما بعد من السوابق المهمة التي خدمت تطور القانون الدولي.
ثانياً :   مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الحاضر
خلال فتره انتهاء الحرب العالمية الثانية شهد العالم تطورات عدة فيما يتعلق بإنشاء المحاكم الجنائية الدولية،  إذ تم تشكيل عدة محاكم جنائية دولية تختلف من حيث طبيعتها وإنشائها، فبعضها قد تم تشكيلها من قبل الحلفاء المنتصرين، وهي محكمة نورمبرغ عام 1945 ومحكمة طوكيو عام 1946،  وكذلك المحاكم ألمشكله من قبل مجلس الأمن والتي تشمل محكمة يوغسلافيا السابقة عام 1993، ومحكمة رواندا عام 1994.
وعلى الرغم من أن المحاكم الدولية التي شكلها الحلفاء تختلف عن المحاكم الدولية المشكلة من قبل مجلس الأمن من حيث طريقة إنشاءها، إذ أن كلاً من محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو قد تم تشكيلهما باتفاق بين الدول المتحالفة المنتصرة خلال الحرب العالمية الثانية.(2) في حين نشأت كلاٌ من محكمة يوغسلافيا السابقة ومحكمة رواندا بقرار من مجلس الأمن،  إلا انه يلاحظ على هذه المحاكم السابقة إنها محاكم مؤقتة وليست دائمة،  ولذلك جاءت فكرة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة والتي تم وضعها موضع التنفيذ من خلال إقرار نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة ودخوله حيز التنفيذ عام 2002.
ومن اجل إعطاء نبذة مختصرة عن المحاكم الجنائية الدولية التي تشكلت خلال هذه المرحلة فإننا سنتناول ذلك من خلال الفروع التالية.
الفرع الأول، المحاكم الدولية المؤقتة، والتي سنتناول فيها محاكم المنتصرين والتي تشمل محكمتا نورمبرغ وطوكيو، وكذلك المحاكم الدولية المشكلة من قبل مجلس الأمن، اما الفرع الثاني، وسنتناول فيه المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

1 :  المحاكم الدولية المؤقتة
بداية يمكن القول بان المجتمع الدولي قد عرف نوعين من المحاكم المؤقتة،  فكان للمنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية إن شكلوا محاكم لتتبع الخارجين عن أحكام القانون الدولي،  ثم تكفل مجلس الأمن بتكوين محاكم جنائية دولية خاصة لنفس الغرض.(1)
ولذلك سنتناول هذه المحاكم الدولية بالدراسة من خلال الأتي:
ا : محاكم المنتصرين ((محكمتي نورمبرغ وطوكيو))
على الرغم من إبرام العديد من معاهدات السلام بعد الحرب العالمية الأولى كمعاهدة فرساي عام 1919، إلا إنها لم تنجح في ترسيخ السلام على ركائز ثابتة ومتينة، ولم تستطع عصبة الأمم وقف التدهور الحاصل على المستوى الدولي والإخلال بالسلم العالمي،  لذلك باتت التصريحات الصادرة من المسؤولين تشكل أساسا جديدا للمسؤولية عن الجرائم الدولية خاصة في وقت الحرب.
ففي 25 /تشرين الأول (أكتوبر)/1941 صرح الرئيس الأمريكي روزفلت " بان الإرهاب والترويع لا يمكن أن يجلب السلام إلى دول أوربا،  انه لا يفعل شيئاً سوى بث الحقد الذي سيؤدي يوما ما إلى قصاص رهيب " وفي الوقت نفسه صرح رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل " بان الجزاء على الجرائم المرتكبة يعد من الآن من المقاصد الرئيسية للحرب".
وفي 13/1/1943 أكد تصريح سان جيمس بالاس والصادر عن تسع دول أوربية.(1) بان هذه الدول تضع من بين أهدافها ومقاصدها ضرورة توقيع العقاب من خلال قنوات عادلة ومنظمة على المجرمين و المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية سواء أمروا بها أو نفذوها أو ساهموا في ارتكابها.(2)
وبمقتضى هذا التصريح فقد تم تشكيل لجنة خاصة للنظر في جرائم الحرب المرتكبة وتتكون هذه اللجنة من ( 17) دولة ممثلة بأعضاء عنها. وقد أطلق على هذه اللجنة ((لجنة الأمم ألمتحدة لجرائم الحرب )).(3)
ومن ابرز التصريحات التي صدرت خلال هذه الفترة هو تصريح موسكو في30/ تشرين الأول عام 1943 الصادر عن الرؤساء (( روزفلت – تشرشل – ستالين )). فقد أرسى هذا التصريح قواعد أكثر تحديدا في مجال المسؤولية الجنائية الدولية ومحاكمة المجرمين بشكل حاسم،  إذ بموجبه – أي التصريح- يجب أن تطال المحاكمة كل من ارتكب جريمة دولية أو جرائم ضد الإنسانية .(4)
وبعد استسلام ألمانيا، ثم اليابان، اختلف الحلفاء فيما بينهم بشان مرتكبي الحرب،  فكان رأي البعض منهم عدم الالتجاء إلى المحكمة والاكتفاء بإصدار قرار مشترك يقضي بان مجرمي الحرب يعتبرون خارجين عن القانون،  بيد أن البعض الأخر قد ذهب مذهبا عكسيا تماما ينادي بوجوب إجراء محكمة عسكرية وعادلة، وهو الرأي الذي خلص إليه المجتمعون وتبناه مؤتمر لندن الذي كان منعقدا في تلك الأثناء، وتمخضت اجتماعاته عن عقد اتفاقية ((لندن )) الشهيرة في 8/8/1945.(5)
وبمقتضى هذه الاتفاقية التي تتكون من سبع مواد قانونية، فقد تم إنشاء محكمة عسكرية دولية عليا لمحاكمة مجرمي الحرب، والحق باتفاقية لندن السابقة نظام المحكمة العسكرية المسمى بنظام محكمة نورمبرغ.(1)
وقد عقدت هذه المحكمة جلساتها في مدينة نورمبرغ الألمانية الجنوبية والتي كانت المركز الرئيسي للحزب النازي، وحكمت هذه المحكمة بالإعدام على عدد من القادة النازيين الألمان،  أمثال المارشال هرمان،  وفون وينشيروب،  والفرد روزنبرغ،  وغيرهم من القادة والزعماء الألمان الذين كانوا مسؤولين عن سلسلة من المذابح وأعمال القتل الجماعي.(2)
ومن الجير بالذكر القول هنا بأن أخر سجين نازي أمام هذه المحكمة قد انتحر وهو
(رودولف هس) عام 1987.(3)
أما فيما يتعلق باليابان فانه بتاريخ 19/1/1946 اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرارا بإنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين عن الجرائم والمجازر التي ارتكبوها وقد أطلق على هذه المحكمة (محكمة طوكيو ) لانعقادها في مدينة طوكيو في اليابان.(4)
وقد تم إصدار قرار إنشاء المحكمة استنادا إلى ما تم الاتفاق علية في مؤتمر بوتسدام بين ترومان وستالين وتشرشل بشان محاكمة مجرمي الحرب.(5)
وتختص هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية وكذلك جرائم معاهدات الحرب وهي مخالفات قوانين وأعراف الحرب. وقد أصدرت هذه المحكمة في 12/11/1948 عده أحكام منها (6) أحكام بالإعدام.(1)
ولذلك انتهت هاتان المحكمتان بانتهاء مهمتيهما المؤقتة. ولنا أن نثير تساؤلاً فحواه.
" ما هو واقع هاتين المحكمتين ؟"
بتعبير آخر "هل إن إنشاء هاتين المحكمتين قد تم لتستكمل به الدول المنتصرة انتصارها ضد الدول المهزومة أم إن إنشاءهما لاعتبارات قانونية وإنسانية تقوم على الردع وتحقيق العدالة ؟"
للإجابة على هذا التساؤل نقول بان هاتين المحكمتين كانتا من قبيل إخضاع الدول المنهزمة في الحرب لإرادة الدول المنتصرة، فهي من باب الثار ادخل بها في باب المحاكمات القانونية العادلة. فعلى الرغم من الجرائم التي تم ارتكابها من قبل القوات الألمانية واليابانية، إلا انه في نفس الوقت يمكن القول بان اليابان قد أصابها ضرر بالغ لم يلحق بدولة أخرى، فقد هاجمتها الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلة ذرية على مدينة هيروشيما في 6/8/1945، حيث قضت على (180) ألف نسمة من مجموع (340) ألف نسمة ( أي أكثر من نصف سكان المدينة )، وكذلك شن الإتحاد السوفيتي (سابقا ) حربا على اليابان ودخلت القوات السوفيتية منشوريا وكوريا، وفي 9/8/1945 أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي حيث أودت بحياة (8)ألاف ياباني.(2)
وعلى الرغم من فداحة الجرائم التي ارتكبتها الجيوش والقادة لدول الحلفاء،  إلا انه لم تشكل أية محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين آو البريطانيين أو الفرنسيين عن الجرائم التي ارتكبوها سواء في ألمانيا أم في اليابان.
ولذلك وجهت إلى هاتين المحكمتين العديد من الانتقادات،  وكان من أبرزها هو مخالفتيهما لمبدأ احترام قانونية الجرائم والعقوبات.(3)
إذ أن نظام هاتين المحكمتين قد جاء بقواعد قانونية لم تكن موجودة أو مقننة وقت ارتكاب الجرائم.(1) ومما يؤخذ عليهما أيضا هو مخالفتهما لمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية مما يعد خرقا واضحا لقواعد القانون الدولي الجنائي المتعارف عليها.(2)
لذلك نلاحظ بان هذه المحاكم قد جاءت بالشكل المرغوب به والمطلوب من الدول المنتصرة ضد الدول المنهزمة،  فهي أرادت تحقيق رغبات الدول المنتصرة أولا، ثم بعد ذلك ينظر إلى الناحية الإنسانية والقانونية والدولية.(3)
وهنا يلاحظ بان هاتين المحكمتين " قد ظلتا مطبوعتين بطابع مصدريهما ويغلب عليهما الطابع السياسي وعدم الحياد،  وشكلتا بالأحرى تطبيقا لقانون المنتصر وعدالته أكثر منه تطبيقا لقانون مجتمع الأمم العالمي".(4)
ولكن يلاحظ على الرغم من الانتقادات الموجهة لمحكمتي نورمبرغ وطوكيو . إلا إنهما اتخذتا أساسا لإنشاء قضاء جنائي دولي، إذ لا بد من الاعتراف لهذه المحاكمات إرساؤها مبدأ مسؤولية الأفراد الجنائية في القانون الدولي، بالإضافة إلى إلغائها مبدأ واجب الطاعة لأوامر الرؤساء عندما تكون هذه الأخيرة مخالفة لقواعد القانون الدولي.(5)

وعلى اثر ذلك دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولي.(6) إلى إعداد مشروع يحدد الأعمال التي تعد في نظر فقه القانون جرائم مخلة بسلم الإنسانية وأمنها، فقد كلفت الجمعية العامة بقرارها رقم 177 بتاريخ 21/11/1947 لجنة القانون الدولي بصياغة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ وفي الحكم الصادر عن هذه المحكمة.(7)
ب : المحاكم الجنائية الدولية المشكلة من قبل مجلس الأمن ( :( Ad  Hoc
" اعتقد الكثيرون من دون شك إن الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية – المخيمات الوحشية،  الإبادة، والمحارق – لا يعقل أن تحصل مجددا، لكنها،  رغم ذلك حصلت في كمبوديا وفي البوسنة والهرسك وفي رواندا،  لقد اظهر لنا هذا  الزمان،  بل هذا  العقد إن قدرة الإنسان على فعل الشر لا حدود لها" هذا ما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان في كلمته عند إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .(1)
فما حصل من ماسي ومجازر بعد تفكك يوغسلافيا في البوسنة والهرسك والمجازر التي شهدتها رواندا في أفريقيا اثر خلاف عرقي،  كل ذلك أشعل الفتيل من جديد محركاً الدعوات إلى ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب،  وانتهى الأمر إلى إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة استنادا إلى قرارات مجلس الأمن الدولي لعام 1993/1994، خصصت لمحاكمة مجرمي الحرب في تلك الدول.(2)
ولأهمية هاتين المحكمتين سنتناول كل منهما في البنود التالية.(3)
1 -  المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة .
كان للإحداث الدولية الدامية التي حدثت بعد انهيار جمهورية يوغسلافيا السابقة وما جرى فيها من أحداث وفظائع يندى لها جبين الإنسانية، وما ارتكبت من جرائم التطهير العرقي، والتي كانت هدف الحرب وليس نتيجتها غير المقصودة، (4) بالإضافة إلى أعمال العنف التي اتخذت عدة أشكال منها الإبادة الجماعية والاغتصاب المنظم والمجازر والتعذيب وإبعاد المدنيين الجماعي.
كل ذلك أدى إلى أن ينهض مجلس الأمن بمسؤوليته باعتباره حارسا على امن الإنسانية وسلمها كرد فعل للانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان التي ارتكبت في أراضي يوغسلافيا السابقة،  وتمثل دوره من خلال إصدار العديد من القرارات التي تتعلق بالحالة في يوغسلافيا السابقة باعتبارها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.(1)
واستنادا إلى التقارير المرفوعة إلى مجلس الأمن والتي تقرر وجود ممارسات بشعة وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني.(2) فان مجلس الأمن اخذ ذلك بنظر الاعتبار واصدر قراره المرقم 808 في 22/2 /1993 القاضي بإحداث محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في أراضي يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991.(3)
وبموجب هذا القرار فقد تم تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة حيث اعتمده المجلس بقراره المرقم 827 في 25/5/1993، (4) وقد أجريت العديد من التعديلات على النظام الأساسي لهذه المحكمة.(5)
ففي تشرين الثاني (نوفمبر )/2000 عدل مجلس الأمن النظام الأساسي للمحكمة لتوفير مجموعة مؤلفة من (27) قاضيا يمكن لهم أن يساعدوا القضاة الدائمين والبالغ عددهم (16) قاضيا.(1) وفي إطار هذه المحكمة المؤقتة،(2) يثار التساؤل التالي:
- ما هو الواقع الفعلي لوجود المحكمة ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إنه على الرغم من أن النصوص الشكلية للمحكمة الدولية كانت أكثر تطورا في مثل هذه الحالات،  فقد فرضت الظروف السياسية أن تخصص المحكمة فقط ليوغسلافيا السابقة،  فهي محكمة مؤقتة ويعود السبب في ذلك التخصص من خوف الدول وبالذات المسيطرة على مجلس الأمن من أن يكون وجود المحكمة مبررا لتقديم قضايا تمس دولاً غير مرغوب في إدانتها.(3)
فالمحكمة الدولية كانت ذات طابع سياسي، وسبب ذلك يعود إلى إن إنشاءها تم من قبل هيئة سياسية وهو مجلس الأمن، والذي يعتمد في قراراته على تقديرات سياسية محكومة بمصالح الدول المؤثرة فيه.(4)
فبعد أن شنت قوات الناتو الحرب بقيادة الولايات المتحدة على يوغسلافيا،  فان المحكمة الدولية كثفت نشاطها بشكل متصاعد،  وتحولت المحكمة إلى تابع لحلف الأطلسي لتنفيذ ما يخطط لها، واتضح ذلك بشكل خاص بعد أن تم توقيع اتفاقية التعاون بين الناتو والمحكمة في عام 1996، وأصبحت المحكمة بالنسبة إلى الناتو سلاحاً للتدخل في الشؤون الداخلية لدول البلقان.(5)



ويلاحظ على هذه المحكمة بان الأحكام التي صدرت على بعض المتهمين أمامها، كانت العقوبات فيها لا تتناسب مع ما جاءت لتعاقب علية من جرائم.(1)
ومن ناحية أخرى فانه على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبت من قبل حلف الناتو أثناء الحملة الجوية على يوغسلافيا عام 1998، إلا أن المحكمة الدولية لم تلفت النظر لمثل هذه الانتهاكات، والكوارث ((حيث اخذ المدعي العام للمحكمة بتوصية غير ملزمة أصلا للجنة التحقيق التي كان قد شكلها في 14/5/1999 بعدم تحريك دعوى بسبب – عدم الوضوح في القانون – رغم وقوع العديد من الانتهاكات لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد قانون النزاعات المسلحة، والتي جاءت هذه المحكمة لملاحقة مرتكبيها في هذه المنطقة من العالم )).(2)
2-  المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا :
كان للمجازر التي شهدتها رواندا في أفريقيا اثر خلاف عرقي وما جرى فيها من العديد من جرائم القتل والتنكيل الجماعي التي ارتكبت من قبل (الهوتو) عام 1994، والتي حصدت أرواح أكثر من مليون ونصف المليون شخص من قبائل ((التوتسي والهوتو )).(3)
كل ذلك دفع حكومة رواندا أن تلجا إلى مجلس الأمن الذي كان قد شكل لجنة من الخبراء للتحقيق في الجرائم المرتكبة في رواندا عام 1994 بموجب قراره المرقم (935) عام 1994.
واستنادا لما تقدم فان مجلس الأمن اصدر قراره المرقم (955) في 18/11/1994 مستندا في ذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم ألمتحدة باعتبار إن الحالة في رواندا تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.(1)
ويقضي القرار بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة،(2) للنظر في جرائم ضد الإنسانية، وجريمة إبادة الجنس البشري، وكذلك خرق المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والمتعلقة بتامين المعاملة الإنسانية لغير المقاتلين النظاميين، إضافة إلى أحكام البروتوكول الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية لعام 1977.(3)
وضمن إطار هذه المحكمة يلاحظ بأنه على الرغم من الميزانية الكبيرة المخصصة لهذه المحكمة التي تضم (16) قاضيا و(800) من العاملين،(4) إلا أنها – أي المحكمة – لم تحاكم إلا مجموعة قليلة  من المتهمين، (5) فحتى نهاية آذار عام 2003 أصدرت هذه المحكمة (10)أحكام تتراوح بين السجن مدى الحياة وبين البراءة.(6)
كما يلاحظ بان النظام الأساسي الخاص لهذه المحكمة قد استند على الأسس نفسها التي استند عليها النظام الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة من حيث اعتماد نظامها على ميثاق محكمة نورمبرغ وكذلك المشروع الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي حول الجرائم الماسة بأمن الإنسانية والتي من أهم أحكامها المسؤولية الفردية الجنائية، وعدم حصانه رؤساء الدول من المسؤولية وعدم جواز الدفع بصدور أوامر من الرؤساء لارتكابه جريمة، وعدم الحكم بعقوبة الإعدام على المتهمين الذين تثبت مسؤوليتهم.(7)
2 : المحكمة الجنائية الدولية الدائمة
على الرغم من إنشاء عدد من المحاكم الجنائية الدولية خلال فتره ما بعد الحرب العالمية الثانية التي نحن بصددها، إلا أن هذه المحاكم والتي بلغ عددها أربع محاكم دولية،  كانت جميعها مؤقتة، وهو ما يعكس الوضع الدولي الذي لا يزال يشكو نقصاً فادحاً في العدالة والنزاهة، وهذا ما جعل مشروع المحكمة الجنائية الدولية يتعثر في كل مره يحاول فيها القيام، وسنلاحظ بان الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تؤجل في كل مره البت في مشروع المحكمة الجنائية الدولية الدائمة متذرعة بذريعة عدم تعريف ((العدوان)). ولكن يلاحظ بأنه على الرغم من إن الجمعية العامة أصدرت قرارا رقم 3314 في

14/12/1974 والذي يقضي بتعريف (العدوان) إلا انه يلاحظ بان مشروع المحكمة الجنائية الدولية لم ير النور إلا في 17/تموز /1998 وذلك على اثر انتهاء المؤتمر الدبلوماسي الدولي للمفوضين في مقر منظمة الأمم ألمتحدة للأغذية والزراعة في روما (ايطاليا )المعقود للفترة من 15/حزيران /1998 حتى 17/تموز /1998. ليعلن بذلك عن ولادة ما يسمى بـ ( نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية(ROME STATUTE OF INTERNATIONAL CRIMINAL COURT ) في 17/7/1998.
وفي إطار هذا الموضوع يثار التساؤل التالي، وهو كيف وصل المجتمع الدولي إلى إقرار اتفاقية روما بشان إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ؟
للإجابة على هذا السؤال، فان ذلك يستلزم الوقوف على بدايات طرح مشروع إنشاء المحكمة باعتبار إن هذا المشروع قد تم تناوله ضمن إطار جديد وهو إطار الأمم ألمتحدة،  وهو ما سيتم تناوله في الأتي.
ا :بداية المشروع :
بعد أن تم تأسيس هيئة الأمم ألمتحدة عام 1945، فان موضوع إنشاء محكمة جنائية دولية قد حاز على اهتمام الكثير من المهتمين والمعنيين بالشؤون الدولية، وضمن هذا الإطار قدم الوفد الفرنسي إلى اللجنة المتخصصة في تطوير القانون الدولي وتقنينه التابعة للجمعية العامة مشروعاً يتضمن ضرورة إعطاء محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في الجرائم التي يرتكبها رؤساء الدول ومجرمو الحرب،  وكذلك تضمن المشروع دعوة لتأسيس محكمة جنائية دولية خاصة تمنح صلاحية النظر في الجرائم ذات الصفة الدولية.(1)
وعلى اثر ذلك أوصت اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة بإحالة الموضوع إلى لجنة القانون الدولي للوقوف على إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية متخصصة بالنظر في جرائم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية.
وبناءً على ما تقدم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة القرار رقم 260 في 9/كانون الأول /1948 وبموجبه طلبت الجمعية العامة من لجنة القانون الدولي التابعة لها دراسة إمكانية إنشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة، وبنفس الوقت طلبت الجمعية العامة من اللجنة دراسة إمكانية تأسيس محكمة جنائية دولية ضمن إطار محكمة العدل الدولية.(2)
وقد تضمن قرار الجمعية العامة السابق ذكره نص لاتفاقية ((منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها)) والتي قد نصت في مادتها الأولى على مايلي (( يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية آو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أراضيها، أو أمام محكمة جنائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترفت بولايتها)).(3)
ب: تطورات إنشاء المحكمة الجنائية الدولية حتى انعقاد مؤتمر المفوضين في روما

سبق وان رأينا بان الجمعية العامة أصدرت قرارها رقم 260 في 9/12/1948 لتكلف بموجبه لجنة القانون الدولي لدراسة مدى إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية،  وبناء على هذا التكليف فان هذه اللجنة قد بدأت دراستها واجتماعاتها لدراسة هذا الموضوع منذ عام1950.
وقد توجت دراساتها بتقديم تقرير إلى الجمعية العامة أكدت فيه بان تأسيس محكمة جنائية دولية لغرض محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم الدولية الأخرى هو أمر مرغوب فيه ويمكن تنفيذه، أما فيما يتعلق بالاقتراح الثاني – إمكانية تأسيس محكمة جنائية دولية ضمن إطار محكمة العدل الدولية ممكن، ولكن بعد تعديل النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، إلا أن اللجنة لا تحبذ هذا المشروع.(1)
وبناءًً على ما جاء في تقرير لجنة القانون الدولي بان إنشاء محكمة جنائية دولية أمر ممكن ومرغوب فيه، شكلت الجمعية العامة بموجب قرارها في 12/12/1950 لجنة خاصة تتكون من (17)دوله مهمتها وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة.وتجتمع هذه اللجنة في جنيف ابتداءً من 1/8/1951.(2)
وبعد التقارير المقدمة إلى هذه اللجنة.(3) فإنها قد انتهت من وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة وقدمته إلى الجمعية العامة لغرض المناقشة أو تقديم الاقتراحات حول هذا الموضوع.

• الاختلافات حول موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
بعد أن تقدمت اللجنة الخاصة بمشروعها إلى الجمعية العامة،  تمت مناقشة المشروع في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة عام 1952،  وقد قدمت الدول الأعضاء اقتراحاتها وملاحظاتها حول هذا المشروع،  وقد انقسمت الآراء حول فكرة إنشاء المحكمة إلى اتجاهين.(4)
الاتجاه الأول، عارض إنشاء محكمة جنائية دولية مستندا على حجج منها:
- إن القضاء الجنائي الوطني يعد أهم معالم السيادة في الدولة،  وان إنشاء قضاء جنائي دولي معناه انتهاك للسيادة الوطنية للدول.
- إن إنشاء محكمة في ظل هذه الظروف غير مجد ولا يعود بالنفع في الظرف الدولي الراهن.
- إن وجود هذه المحكمة متعلق بنشوب الحروب، وان استمرارها لا مبرر له، وان المحاكم التي تنشا بسبب ظروف معينه ولهدف محدد تكون عادة أكثر حسماً في الأمور وأكثر هيبة.
أما الاتجاه الثاني، فانه قد أيد مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية مستندا أيضا على الحجج التالية.
- إن مفهوم السيادة بالمعنى التقليدي لا معنى لـه في ظل شبكه العلاقات الدولية، فالعلاقات الدولية أفرزت ظهور تكتلات إقليمية لها تأثيرها على مفهوم السيادة مثل الجماعة الأوربية، وجامعة الدول العربية، وكذلك إن الانضمام إلى منظمة الأمم المتحدة يعني في حد ذاته تنازلا عن فكرة السيادة المطلقة للدولة، بحيث أن عناصر السيادة تقلصت.(1)
- إن محاكمة مجرم أمام محكمة سابقة الوجود على وجود الجريمة أكثر عدلا وأفضل من محاكمة أمام محكمة نشأت بسبب الجريمة، لان قيام المحكمة المسبق ابعد عن عقلية الثار والانتقام، كما كان في محكمتي نورمبرغ وطوكيو، ومن ناحية أخرى إن وجود المحكمة المسبق يعتبر عامل ردع للحؤول دون قيام جرائم أو التفكير في ارتكابها.
ونتيجة لتعارض الآراء حول مشروع المحكمة الجنائية الدولية، تبنت الجمعية العامة قرارها المرقم 687 في 5/12/1952 والذي بموجبة انشات لجنة جديدة عام 1953 تتكون من ممثلي (17)دولة، (2) وحددت مهمة اللجنة في ما يلي :
1- دراسة النتائج المترتبة على تأسيس محكمة جنائية دولية والبحث عن الطرق التي يمكن بموجبها تأسيس مثل هذه المحكمة.
2- دراسة العلاقة بين هيئة الأمم ألمتحدة والمحكمة المقترح إنشائها.
3- إعادة النظر في مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة.
وبناءً على المهمات الملقاة على عاتق اللجنة، فإنها قد بدأت بمباشره أعمالها في الفترة من 27/تموز إلى 20/آب/1953 ووضعت نظاما أساسيا جديدا للمحكمة، واقترحت عدة طرق لإنشاء محكمة جنائية دولية.(1) وقدمت اللجنة مشروعها إلى الجمعية العامة للمناقشة، ولكن يلاحظ بأنه على الرغم من التجاوب الملموس لدى الكثير من الدول الأعضاء لإنشاء محكمة جنائية دولية، الأ انه كان هنالك من يشكك من الدول في جدوى قيام مثل هذه المحكمة ما لم يسبق ذلك اتفاق الدول على تعريف كلمة ((العدوان)).(2)
وعلى هذا الأساس أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 989 في 14/12/1954 والذي بينت فيه بان موضوع تأسيس محكمة جنائية دولية متعلق ومرتبط بمشكلة تعريف العدوان من ناحية، وبمشكلة الاتفاق على مشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن في العالم من الناحية الأخرى، وعليه، اقترحت الجمعية العامة تأجيل البت في موضوع تأسيس محكمة جنائية دولية إلى أن يتم الاتفاق على تعريف العدوان ومشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن في العالم.(3)
وعلى الرغم من أنَ تعريف العدوان قد تم انجازه أمام الجمعية العامة من خلال قرارها رقم 3314 في 14/12/1974 إلا أن موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد بقى معلقا ولم يتم النظر فيه.
في حين يلاحظ بان مشروع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد أثير من جديد وذلك عندما ناقشت لجنة القانون الدولي مشروع قانون الجرائم المخلة بسلم الإنسانية منذ أعوام 1986-1989.(1)

ولكن يلاحظ بان مشروع إنشاء محكمة جنائية  دولية قد أثير بشكل أعمق عندما اقترح وفد دولة ترينداد وتوباغو في عام 1989 على الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء محكمة جنائية دولية بهدف مكافحة ما اعتبره الوفد إحدى الجرائم الدولية المقررة حديثا وهي تجارة المخدرات ويعد هذا الاقتراح الذي لم يكن جديدا بالنسبة للأمم المتحدة بمثابة استجابة لأعمال اللجنتين الخاصتين اللتين انشاتهما الجمعية العامة لوضع مشروع نظام أساسي لمحاكم جنائية دولية في عامي 1953,1951.(2)
واستجابة لهذا الاقتراح وجهت الجمعية العامة في قرارها عام 1989 طلبا إلى لجنة القانون الدولي لدراسة موضوع أنشاء محكمة جنائية دولية للنظر في جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الدول وفي الجرائم الدولية الأخرى التي تتقرر مستقبلا في قانون الجرائم الدولية .(3)
وبناءا على ذلك واستجابة لقرار الجمعية العامة استغلت لجنة القانون الدولي تفويض الجمعية العامة لها في موضوع إنشاء محكمة جنائية دولية ابتداءً من دورتها الثانية والأربعين عام 1990 وحتى دورتها السادسة والأربعين عام 1994، وتوصلت اللجنة إلى مشروع النظام الأساسي للمحكمة وقدمته إلى الجمعية العامة.(4)
وعلى اثر ذلك أصدرت الجمعية العامة بتاريخ 9/12/1994 قرارا رحبّت فيه بمشروع اللجنة الدولية للمحكمة الجنائية الدولية، وقررت إنشاء لجنة متخصصة مفتوحة أمام الدول الأعضاء في الأمم ألمتحدة مهمتها استعراض القضايا الرئيسية والفنية والإدارية الناشئة عن مشروع النظام الأساسي الذي أعدته لجنة القانون الدولي، وحددت في قرارها أن تجتمع اللجنة المتخصصة في دورتين الأولى من 3-13 نيسان /1995، والثانية من14 –25 /آب /1995.(1)
وبعد انتهاء هذه اللجنة المتخصصة من أعمالها وعقب عرض تقرير هذه اللجنة عن أعمالها على الجمعية العامة، أصدرت الأخيرة قرارها رقم 50/46 بتاريخ 11/12/1995 الذي يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية لإنشاء محكمة جنائية دولية تكون مفتوحة العضوية أمام جميع الدول الأعضاء في الأمم ألمتحدة، ومهمتها إعداد مشروع نص يستحوذ على أوسع إجماع ممكن من اجل عرضه على المؤتمر الدبلوماسي للأمم المتحدة، وقد نص القرار على  أن تجتمع اللجنة التحضيرية
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف