الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مـَرَض الـفـِـصــام بقلم:د.عبـد القـادر حسين ياسين

تاريخ النشر : 2014-08-29
مـَرَض الـفـِـصــام بقلم:د.عبـد القـادر حسين ياسين
مـَرَض الـفـِـصــام

الـدكتور عبـدالقـادر حسـين ياسـين*

سحبني الصديق الجزائري عبد العـزيز بوخروبة   من يدي ، ومن شرفة داره البعـيدة عن العاصمة ،  أشار الى عجوز فرنسي في ساحـة الطبقة الارضية راح يـُشذب أشجاراً مثمرة ، ويسقى صفـوفا من الأزهار اليانعة ، ويـُقلب التربة بعـناية وصبر ، حول بعض اشتال الخضروات الموسمية التي زرعها في ظل تلك الاشجار.

كان مستغـرقا في نشاطه وهو يتـلمس براعم الأزهار ، ويتحـسـَّس حبّ الليمون ، وعناقـيد الدالية المخضرة الصلبة تتدلى بلا حصر من سقف التربيعة الخشبية.

قلتُ ، وقد اعجبـني المشهد : "حديقة غـنـَّاء جميلة وارفة الظلال ، وإنسان يعرف كيف يعيش"
ردَّ الدكتور بوخروبة : "ولكن ليس هذا هو المهم...!"

نظرتُ اليه ، وكان ما يزال يتابع تحركات ذلك العـجوز الفرنسي وهو منكبٌ على سقي أزهاره وأشجاره . وعندما لاحظ نظرات الفضول تـُطل من عـينيّ قال :

"إسمه باتريس موليه ، يعمل خبيرا في المؤسسة الوطنية للصناعات المعـدنية ، ويعيش هنا منذ سنوات ... يقضي أيام عطلته في معظم الاحيان بين الاشجار الباسقة في هذه الحديقة الصغيرة ، يزرع الخضار والفواكه والازهار ، ويهدي لنا  ، من حين الى آخر ، نتاج حديقـته".

قـلتُ :"غنيٌ عن البيان انه شخصٌ منتج رغم أنـه تجاوز الستين من عمره... ليتك تزرع المساحات العاريـة المحاذية لدارك ، وبذلك تمضي أوقات فراغـك في ما يـفـيـد ، وتمارس بعض النشاط اليدوي الذي يصبح ضروريا لذوي الياقات البيضاء ، وخاصة للعاملين في المجال الثقافي والفكري والتعـليمي"...

إبتسم صديقي وقال :"هـذا ، يا سـي عبـدالقـادر ، عـين الصواب ... ولكنه جزء فقط مما أردت أن أحـدثـك بشأنه . باختصار شديد ، هذا الرجل العجوز الذي تراه الآن يعمل بكل هذا النشاط وهـذا الحرص على التعلق بالارض وما تنبت ، هل تبدو عليه سمات من سيرحل غـدا ونهائيا الى بلاده؟"

ولم أعرف،  للوهلة الاولى ، بماذا أجيب الصـديق الجزائري .

وتابع الدكتور بوخروبة حديثه قائلا :"لقد انتهى عـمله في بلادنا ، وسيعـود نهائيا الى فرنسا ... لقد ذكرني بالامس بذلك ، وكان قبل شهرين قد أخبرني بموعـد رحيله ... وأشهد أنه ، منذ ذلك التاريخ ، وهو يعمل بالحديقة الصغيرة بنفس الهمـَّة والنشاط والحب الذي عهدناه فيه قبل اكثر من خمس سنولت ... لقـد أدهش الجيران وهم يرونه صباح كل أحد على هذا النحو ، وتساءلوا مستغـربين :

"كيف يتسنى له أن ينكبَّ على العمل في حديقة منزله بمثل هذه الروح وهذا الوفاء ، وهو سيغادر بلادنا نهائيا ؟!"  وتطوع أكثر من واحـد ليقـول لهـم  بأنه لو كان في مكـان  هـذا الأجنبي وظروفه لما حفـل البتة بتلك الحديقة ، ولأهملها منذ أشهر".

نظر اليَّ صديقي طويلا ...
كانت الحكاية قد انتهت ...
وكان العجوز الفرنسي ما يزال في ساحة الطبقة الارضية يدور بين شجيراته المزهرة ،
وكنت بدوري قد استـوعـبت كل التفاصيل وكل الاشارات المحملة بالدلالات ، وفهمت مدى هذا التعارض الفاضح بين نمطـين من انماط السلوك والتفكير ،  بين عـقـليـة تعـيش نهارها لنهارها ولنفسها ،  ولا ترى الخير الا من منظورها الفردي الأناني،  شعارها المرفوع دائما "اللهم يا ربّ نفسي...!" أو "بعـد حـمـاري مـا ينبت حشـيش" ، كمـا يقـول الأخـوة السـوريون ...

كما أدركت ، بالمقابل ، معنى أن تكون متحـضراً ، ومعـنى أن تكون الحضارة ممارسة ، قولا ً وفعـلاً وليس مجرد شعارات جوفاء ، وكيف تكون الحـيـاة تواصلاً وعطاءاً واستمراراً ، لا توقـفا او انقـطاعا عـن الآخرين  ، او انغـلاقا عمـا حـولنـا .

إن الحكاية قصيرة وبسيطة :
مشهد عادي لرجل أجنبي يعـود غـدا الى بلـده ،
ولكنه ما زال ، حتى اللحظة الاخيرة ،  يزرع حديقة المنزل الذي يسكنه ويـعـتـني بازهارها وثمارها...

قلت لنفسي وأنا أتـأمل المشهـد :
"لا يكفي الانسان ان يـَطـَّـلع على أفكار حضارته وقـيمها ،
بل لا بـدَّ من أن نترجم هذه القـيم في سلوكـنا وعلاقـاتنا مع الآخرين ،
في أخلاقـنا وأعـمالنا ،
والا سقـطـنـا فيما يـُسميه  سـيغـمونـد فرويد بـ"مرض الفـصام".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتـب وأكـاديـمي من فـلـسـطين مـقـيـم في السـوبـد.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف