الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المعبر بقلم نازك التميمي

تاريخ النشر : 2014-08-28
بقلم نازك التميمي
لندن 2014
المعبر
توقفت السيارة عدة مرات وساهر لا يستطيع أن يتعرف  على حارته في ذلك المخيم العتيق. لا يستطيع أن يبوح للسائق الغريب بأوجاعه أو لعله لا يريد  أن يزيدعلى أوجاع هذا  السائق أوجاعاً آخرى وهو الذي مافتأ يتحدث من المعبر وحتى لحظة وقوف السيارة عن مشاكل غزة وأهلها مع الحصار اللعين. لايريد ساهر أن يقول بأنه قد غادر هذا المكان قبل ستة عشر عاماً. أخذ ساهر ينظر تارة يمنة وتارة آخرى يسرة و هو يعرف أن في هذه الحارة كان بيت جده القديم، لكن أمه أخبرتة بأنها بنت داراً جديدة وهو لا يعرف أين هي من بيت جده. قرر ساهر أن يتكلم أخيراً  ويقول  للسائق: " توقف من فضلك ، شكراً لك سأنزل هنا وأبحث عن المكن بنفسي لا عليك ." نزل ساهر ليبحث بنفسه مترجلاً، لعل مشاعره تقوده  إلى المكان الصحيح،  لعل رائحة خبز أمه وضجيج البيت الذي يعج بالصغار والكبار مجتمعين ينتظرون  وصوله ولكنهم لايعرفون ساعة الوصول بالتحديد فوصول القادم إلى غزة متوقف على مدى التسهيلات التي يلاقيها على المعبر، لعل هذا الضجيج يشده إلى الباب الذي يجب أن يتجرأ ويقرعه. نزل ساهر من السيارة وأنزل حقائبه التي أُثقلت بذكريات 16 سنة منذ أن غادر مخيم البريج وحمل معه حلمه وتصميمه بأن يترك آلام غزه ويرمي بها في بحرها الكبير. يرمي بتلك الأوجاع ويعيش حلمه بالدراسة والعمل وبأن يستمتع بحب الحياة وجمالها. كان لابد أن يغادر بعيداً عن صخب الحرب ولون الدماء وهو الإنسان الرومانسي الحالم الذي كان يتمنى لو أنه درس الموسيقى لكنه وبعد وفاة والده كان عليه أن يدرس الهندسة في جامعة بير زيت ويسكن مدينة رام الله التي وبعد الإحتلال قد فصلت وانعزلت عن أختها غزة فاستحال على ساهر أن يعود. عندما غادر كانت وقتها أمه صبية فقدت زوجها ولبست ثياب الحزن والهم معاً. نزل ساهر من السيارة وحرارة شمس غزة تلفح وجهه الأسمر وتغطي المكان. وجهه الأسمر الذي اعتاد منذ ثمان سنوات على جو مدينة لندن التي سكنها بعد أن غادر رام الله،  جو لندن المتقلب وأشهر شتاءها البارد والشمس التي لاتظهر إلا باستحياء في هذه المدينة التي طالما أطلق عليها اسم مدينة الضباب. هذه المدينة  التي تميزت ليست فقط ببرودة جوها ولكن أيضاً ببرودة مشاعر أهلها.
أسند ساهر ظهره على جدارٍ عالٍ يظلل المكان وخلال الدقائق القليلة مرت في مخيلته ذكريات الطفولة والشباب، ذكريات الغربة الطويلة. هل ستكفي إجازة عشرة أيام بأن يقص ويلخص هذه السنوات الطويلة لامه وأخوته؟ وهل سيكون وقع حديثه عليهم كوقع  معايشتهم هذه الذكريات معه خطوة بخطوة؟ هو لا يعرف جواباً لهذا السؤال أو ذلك؟ هل ستكفي الآيام العشرة أن يسمع لقصصهم وقصص من حولهم وهم لديهم الكثير فأهل غزة يعيشون الهم كما الفرح جماعاتٍ جماعات. هل ستكفي الآيام العشرة أن يشبع من أمه التي طالما انتظرته وكم من عشرة أيام مضت وهي تنتظره؟ أي شعور أو مشاعر ستنتابه وهو الذي تركهم كل هذه السنوات؟ هو أيضاً لا يعرف أجابات لكل هذه الأسئلة. مايعرفه الآن هو أنه يريد أن يراهم جميعا. أي شعور سينتابه عندما يغادر عائداً لعروسه التي تركها في لندن وهو الذي قد تزوج للتو من فتاته التونيسية الحسناء والتي جمعته بها الصدفة البحتة. هذه الصبية التي أحبته وسمار وجهه لخص لها القضية الفلسطينية كلها وهي التي تنتمي لاسرة تونسية تحب الفلسطينيين وتؤمن بقضيتهم. هذه الحسناء التي لا ذنب لها سوى أنها أحبت شاباً فلسطينياً.
هذا الشاب الذي حمل جرح غزة وجرح العائلة و جرح الغربة أيضاً ولكنه كذلك يحمل مشاعر المحبة والطموح وهو لابد أن يعود إليها فقد وعدها أن يبدأ المشوار معها وهي الشابة الصغيرة المفعمة بحب الحياة وبالأمل ببناء مستقبل مشرق.
" ياإلهي مالذي حصل لي؟ أين البيت.؟"
"أمي قالت لي على الهاتف أن هناك مدرسة للاجئين الفلسطينين عليها علم الأمم المتحدة  وهناك فرن للخبز بالقرب من البيت الجديد"
رفع ساهر رأسه إلى السماء و أخذ يحدق فيها ، أه ياسماء غزة كم تحملت لقد غطت نجومك وقمرك منذ سنوات سحب الدخان وأشتعلت فيك قنابل الفوسفور المضيئة
هذه السماء الزرقاء اليوم وشمسها المشرقة هي ليست كسماء لندن، لماذا كتب عليها أن تشتاح وتلبس السواد ليس لوجود الضباب والغيوم الحبلى بالمطر والخير كما هي الحال في سماء لندن ، بل هو سواد البارود ودخان القصف الذي اعتاد عليه أهل القطاع الحزين.
نظر ساهر إلى السماء وإذا بوجه إمرأة على سطح إحدى المنازل ينظر إليه بكل الحب والحنان الموجود على ظهر المعمورة كلها، هذا الحب الذي لم ير شبيهاً له في لندن. وجهاً يخصه هو وحده وقلباً يكاد يقفز من صدر هذه المرأة من الأعلى إلى الأسفل ليحضنه، إنه حتماً قلب أمه الرائع، هذه المرأة التي وبعد هذه السنوات هاهي مازالت تقوم بواجباتها وعلى أكمل وجه تقف تحت هذه الشمس الحارقة تنشر ملابس الأولاد والأحفاد معاً.
صرخت أم ساهر:" والله إنه هو، إنه هو هذا ساهر ساهر يما ياحبيبي أن هون يما ...أنا إمك ياساهر... باب الدار هيو يما هذا هو باب الدار ... هايني جاي يما أنا نازلة..."
وغابت صورة هذه المرأة وظن ساهر أنه يتخيل لأن الصورة اختفت كما البرق لتنزل بسرعة على درجات البيت لتلاقيه بحضنها وبقلبها المتلهف أن يغمره منذ سنوات. ولم تكترث وهي مهرولة بألام الظهر التي لم تعد تفارقها منذ أن غادر ساهر و منذ أن رحل أبوه عن هذا العالم من قبل.
أخذت تصرخ وتنادي على أهل البيت :" إجا هيو هون "
دخل ساهر البيت وجوه كثيرة قابلته، منها من لا يعرفها وقد جاءت إلى هذه الدنيا أثناء غيابه وهو منشغل وفي تحقيق أحلامه منهمك ومنها من يعرفها لكنها تغيرت ... تغيرت كثيراً
غيرها زمان غزة الحزين وحفر عليها خطوطاً تحكي قصصاً وتلخص رحلة عمر ومايمكن أن يحكيه بحر غزة لكل من جالسه وانفرد به.
هو رأى صوراً لهم من قبل لكن لاشيئ يشبه الواقع فعندما ترى الشخص، تلمسه، تشم رائحته ، تسمع صوته و تحضنه بحرارة  عندها تذوب الصور وتختفي وتتجلى مشاعر أخرى
ولابد أن القرب منهم أكثر،  والتحدث معهم فيما بعد سيخلق الذكريات الجديدة والجميلة ، سيتعلق ساهر بهم ، ولكن هل يريد ساهر أن يتعلق بهم وهل يريد أن يتعلق ببحر غزة و بأهل غزة؟
هذه كانت حالة ساهر بعد أن قضى تلك الأيام العشرة القليلة بعددها الطويلة بأحداثها.
قضاها في كنف الوالدة و الأخوة و الأخوات والأقارب.  تعلق ساهر بكل واحدٍ فيهم إلى درجةٍ لم يكن هو نفسه يتوقعها. عاش ألاماً كبيرة هي أكبر من أن تكفكفها هذه الأيام العشرة القليلة. لقد قابل أناس واستمع لحكاياتهم لايصدقها انسان وهي لاتمت لعالم لندن بصلة. هذا العالم الذي سيعود إليه أو لابد أن يعود إليه.
في جلسة من جلسات ليل غزة قال له أخوه:" أنت هناك في لندن تعيش في بحر مفتوح من الخيارات والأفاق التي لاتتوقف عند حد .... فتحتار وتتعب وأنت تبحث عن الخيار الأسلم ....أما نحن هنا في غزة ليس أمامنا سوى خيار واحد هو أن نعيش  ونقاوم الموت وأظن أننا أكثر سعادة منكم "  وضحك  ضحكة المتحايل على الزمن والقهر والألم
عاد ساهر إلى لندن، عاد إلى الحيرة تلك وفي جعبته آلاف التساؤلات، لعله بلٌّ شوقه وأحب أهله أكثر من أي وقت مضى.. لكن تناقضات الحياة في غزة ومفارقاتها انعكست على أفكار ساهر ومشاعره :"   متى ستتحقق العدالة السماوية"
لماذا كتب على صديقي الذي قابلته هناك أن تبتر يده الذي كان وكنا نتباهى بها وهو يسدد ضربات كرة السلة التي برع بها؟
لماذا كتب على ابن عمي، هذا الشاب الوسيم أن يعيش بساقٍ واحدة فقط لأنه من اسرة اختارت أن لاتُحمل أُسرة من تسبب بحادث السير أكثر مما تحتمل وقررت أن تلجأ للسلطات  التي بدورها  وعدت أن تساعد ومازال ينتظر تنفيذ الوعد.؟
لماذا كتب على أخي أن يعمل و هو مازال طالباً ويتعرض لهذا الحادث البغيض فيسقط أرضاً ليستيقظ و قد تغيرت معالم من وجهه وهو حتاج الاآن لأكثر منم عملية جراحية؟
تساؤلات وتساؤلات كانت تدور في رأس ساهر عندما استقل سيارته عائداً من مطار هيثرو إلى البيت
لايعرف من أين يبدأ  ليساعد كل من شاركه همه واستمع الى قصته وكان يقصها وكأنه يحمله مسؤولية وأمانة  المشاركة.
متى سيكون مشواره الثاني إلى غزة وهل هناك من الألم لم يتسع الوقت للاستماع إليه أو رؤيته؟
أفكار وأفكار ......أتعبته هذه الزيارة أكثر مما أرحته
لقد غادر غزة قبل ستة عشر عاما في رحلة هي رحلة تكوين  الذات وصناعة المستقبل... ولكنه اليوم يبدأ رحلة جديدة من نوعها ... هي رحلة البحث عن هذه الذات التي ضاعت في غياهب الغربة وهو الآن بأمس الحاجة أن يجدها ......
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف