الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حكاية قرية بقلم أسامة عبد الكريم

تاريخ النشر : 2014-08-28
حكاية قرية بقلم أسامة عبد الكريم
حكاية قرية مصرية

كانت القرية (س) تقع علي ربوة عالية كآلاف القري في زمن الفيضان الذي كان يغمر الأرض حولها، كان يتوسط الربوة مسجد القرية، ومن المركز كانت تتجه إلي الأطراف شوارع ضيقة وملتوية إلتواءً شديدا. البيوت متقاربة والأسطح متشابكة لتصل إلي شارع أرحب يتخذ شكلا دائريا حول القرية سُمي بداير الناحية.
كانت القرية منذ القدم تعيش في شبه عزلة، وكانت علاقتها بالدولة تكاد تكون شبه منعدمة، فلا اهتمام بالمرافق العامة ولا الخدمات ــ في وقت كان الاستعمارهو الذي يسيطر علي مقدرات البلاد ــ فلم يوجد شعور قوي بالانتماء إلي الدولة من جانب أهلها البسطاء. بل إن هذه العلاقة تتخذ شكلا من أشكال الكراهية والعداء ؛ فمنذ القدم كانت الدولة ترسل رجالا يُسميهم القرويون "السلطة" لتنتقي الشباب الأقوياء من أجل العمل بالسخرة في مشاريعهم العامة كشق الترع والقنوات. كان القليل منهم يعود بعد فترة من الزمن وقد أُنهكت قواه والكثير يضيع مع من ضاعوا. وفي وقت لاحق بعد طرد الاستعمار لبعض الرجال الوطنيين، دخلت الدولة في دوامة حروب لا تنتهي مع دولة صغيرة زرعها الاستعمار قبل رحيله لتكون شوكة في ظهر البلاد التي أُجبروا علي تركها، شارك أبناء القرية كغيرهم في الحروب وكالعادة فُقد عددٌ لا بأس به من أبنائها في تلك الحروب، وفي فترة لاحقة لم تتغير القرية كثيرا، عن ذي قبل، فقر مدقع في كل جوانبها وإهمال من الدولة التي تتحجج بأنها استنزفت مواردها في الحروب، ولكن سرعان ما بدأت القرية تخرج من عزلتها مع أول موجة من موجات الهجرة الخارجية، فهاجر بعض  من أبنائها إلي دول الخليج، بدأت الهجرة علي استحياء ثم زادت ونمت حتي كاد لا يخلو بيت من مهاجر أو أكثر.
مع انتهاء عهد الاستعمار وبناء السد العالي والتحول من ري الحياض إلي الري الدائم، انتهي عصر الفيضان والغمر بالمياه فبدأت تنزل القرية من ربوتها وتنتشر بعض المساكن فيما يلي داير الناحية، كان النمو بطيئا ثم سرعان ما انتشر بعد الهجرة إلي بلاد البترول، فامتدت القرية نحو الجنوب ونحو الشمال ونشأت أحياء جديدة وشوارع أكثر اتساعا وانتظاما.
كانت العزلة تفرض نمطا من العلاقات الاجتماعية يتميز بروح التعاون تشهد بذلك طيقة بناء البيوت القديمة علي الربوة العالية، فهي متجاورة ومتلاصقة وشوارعها ضيقة لتقترب  أكثر من البيوت المقابلة لها. كانت الحارة كلها تكاد تكون أسرة واحدة، متعاونة ومتحابة، مآتم القرية هي مآتم للجميع وأفراحها هي أفراح للجميع.
ذات ربيع نشطت رياح الخماسين، فاشتعل حريق كبير وما أكثر حرائق القرى في ذلك الوقت من العام؛ بسبب قش الأرز الجاف الذي يعلو أسطح المنازل والرياح الخماسينية القوية.
في الحرائق الصغيرة كان يتعاون الجميع علي الإطفاء أما هذا الحريق فكان المصاب به جللا وكادت تحترق القرية جميعا. وهنا تجلت روح التعاون في أقوي صورها بين الغني والفقير والقوي والضعيف وتدخلت الدولة بشكل مباشر لتتعامل مع هذه الكارثة.
ومنذ ذلك الحين بدأ الناس يعون ما يمثله هذا النمط من البيوت القديمة ذات الأسطح المغطاه بالقش والحطب الجاف من خطورة فحاولوا أن يتجنبوا هذا في بيوتهم الجديدة، فتباعدت المنازل واتسعت الشوارع وخلت الأسطح من القش والحطب. ومع هذا التباعد في الجوار بدأت العلاقات تتسم بالاستقلالية إلي حد ما، وكان هذا إيذانا بخطوة ربما كانت صغيرة ولكنها هامة نحو التحول من نمط القرية إلي نمط المدينة.
مع مطلع الألفية الثالثة، ظهر جيل أكثر تعليما من الأجيال التي سبقته وأكثر ثقة في نفسه وأقدر علي استخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، فكان هذا الجيل هو نواة ثورة ستحدث و ستغير وجه البلاد. ولما كانت القرية تخطو خطوات نحو نبذ العزلة فقد تأثرت سريعا وبشكل غير متوقع بالمؤثرات الحديثة، وأصبح شباب القرية جزء لا يتجزأ من  منظومة لشباب آخرين يعيشون علي نفس الأرض ويحلمون  بنفس الأحلام، يلهثون وراء كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا فانتهت عزلة الجيل الجديد وكادت تنتهي عزلة الأجيال التي تسبقهم.
في الخامس والعشرين من شهر يناير 2011 استيقظت القرية علي حدث لم يكن ليخطر ببال أحد ، فبفضل التكنولوجيا التي برعوا فيها - و التى ربما لم يعرفوا كيف يحسنون استخدامها - إلا أنها أبقتهم داخل بوتقة الحداثة، ثورة حطمت رمزا من رموز الفساد الذي ساد طويلا حتي يئس الناس من التغيير. فتابعوا الحدث، بل أصبحوا هم أنفسهم جزءا من هذا الحدث يشاركون في صنع التغيير كلٌ  بطريقته. شعر أهل القرية ولأول مرة أن هذا البلد بلدهم. شاركوا في صنع مستقبلهم السياسي وخرجوا في جماعات مع أول استفتاء  ليدلوا برأيهم وهم يعرفون أن إرادتهم لن يُزوّرها أحد.
تلاحقت الأحداث وتواري شباب الثورة خلف طمع الطامعين من الساسة.  وظهر ما لم يكن يحبه الناس من آثار سلبية للثورة تمثلت في سرقة وبلطجة وغياب كامل للأمن وعلي المستوي السياسي حدث انقسام حاد ما زالت تعاني منه البلاد – ولكن - ما زال الأمل معقودا علي الجيل الجديد في تغيير البلاد إلي الأفضل والتغلب علي الصعاب.
لن تسقط دولة أكثر سكانها شباب. هم فقط يحتاجون أن يخرجوا من عزلتهم مرة أخري كما فعلوها أول مرة في 25 يناير وأن يتوحدوا علي كلمة واحدة، فلا أمل إلا بهم ولا بناءً إلا بسواعدهم.
بقلم أسامة عبد الكريم
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف