الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في عينيه يكبُر الزعتر بقلم:خالد رباح العربي

تاريخ النشر : 2014-08-27
سميح القاسم :
بلغني أنك مذنبٌ ، ثم بلغني أنك لم تغتسلْ من خطيئتِك الشاردة ، ها أنت الآن ترحلُ خلسةً ، كما يليق بشاعر متمرس ، ترحل بثيابٍ بيضاء كالثلج ، بدماء نقية لا يُرى فيها غيرُ احمرارها العادي ، أيها الرجل الذي قاسمَنا وقاسمناه معالمَ الحنين لهذه الأرض ، فسنوات حنينك لها قياساً بسنوات عمرك تبدو أكثر كثافةً وفيضاً ، وكأنها بدأت ببدايات عمرك أو لكأّن الحنينّ عندك يشبه نبعاً تفجر بعد طول انحباس وفاض ، تُراك لا تمشي ، بل تتواثب منتصبَ القامة ، مرفوع الهامة ، عالي الصدر ، حتى لكأن قدميك تأبيان أن تلمسا أديم الأرض ، وللحديث عنك فإني أفتش عن لغة غير التي ندركها وتعرفها ، فالحديث بالكلام عن سيد الكلام ضربٌ من العبث ، ومحاولةٌ يائسة للانتحار ، فاترك لي الآن بياضك ، واحمرار دمك النقي ، وجلدَك العادي لأكتب عليه شعري فيك ، علّني أتابع حياتي من جديد ، أيها الرجل الذي ظلمناه وأنصفته الأرض .
بهذه الكلمات التي أشعر بحراجة الموقف لضعفها وعجزها أمام قلبِك الذي يضج بالبهاء ، أعاتبك .. أعاتبك .. أعاتبك ، أيها الرجل النبيل الذي عرف كيف يحل لغز الأرض وطلاسم الضائعين ، ها أنا الآن أتعلم لغةَ الكتابة وقواعدَ النحو .. لأُنصِفكْ ، وها أنت الآن تُعلمنا لغةَ النهر والصخر .. لتُكمِلك ، ها أنا الآن أسابق مفرداتِ الذاكرة وكراسةَ الصرف .. لأكتُبكْ ، وها أنت الآن تسابق الريح والعواصف .. كي تستقبلكْ ،ها أنا الأن أنتخب الأسئلة ، وها أنت الآن تسكن صمت الأجوبة ، فارفق بقلبي .. كي يسألك !! .
هنا في مكان ما نجهله وتعرفه البيادر والنجوم ، يرقد سميح القاسم ، يلبس جلباب الأرض التي أحبها ، يمتطي ذراتَ التراب التي سكنها قبل أن تسكنَه ، يستعير منها نبضَه الجديد ، تاركاً خلفَه ملايين الأسئلة التي نبحث فيها عن الوطن الضائع ، وهناك يكتشف سميح القاسم الأرضَ فيه ، تنمو أعشابُها في قصائده ، وفي عينيه يكبُر الزعترُ البلدي ، ومن قلبه تتفتح شقائق النعمان ، هناك .. تكتبه الأرض في كل فصلٍ من فصولها ، وأنا .. أنا الذي تعلمت قواعد الإعراب وفنون النحو ، وسرقت الكتاب المدرسي والمحبَرة ، أنا هنا، أبحث عن الكلمات التي تُنصِفه فلا أجد .
رحل الفارس الأخير إذن ، بسنواته التي كانت محملةً بهواجس الناس وأحلامِهم وأوجاعهم ، ربما لأنه أدرك أن أبديةَ الخلود تكمنُ في الارتقاء بشكل خرافي ، تماماً كرفاقه الذين عبروا بكبريائهم ومجدهم إلى سماءات الخلود الأبدي ، فلا شك أن فارسَنا هذا بعطائه ومجده يمثل ذلك النموذج الافتراضي ، نموذج المقاتل الذي أراد أن ينسج على مهل خيوط موته بكلماته وأصابعه ، ولنا هنا ألف سؤال ، وألف سر غامض ، ولنا هنا ألفُ اعتقاد أسطوري ، يذوب فيه الفرح والحزن ، ويختمرُ به العادي باللامعقول ، هل كان رحيلُه موتاً أم حياةً وانبعاث ، كما أرادت كلماته المتوهجة في عينيه وقصائده .
وأياً كان رحيله فقد كان هذا الرحيل بدايةً لخلوده ، وعرساً لدى الملائكة ، تستكمل معه طقوسَ الوداع الأخير ، تشاركه .. تحتفي به .. وتعبده .
إذن ؛ رحل سميح القاسم ، ولا يمكن لنا أن نكتب كل شيء عنه ، فعذاب الكلمة أقسى من أن يتحمله إنسان بمفرده ، ولا يمكن لأحد أن يفسر الحزنَ الذي نعيشه ونحياه لفراقه ورحيله ، لكننا لن نبكيه ، لأننا نؤمن أن أيَّ إنسان يموت ، لا ينتهي في نظر الذين يحبونه ، إلا إذا غسلوه بالدموع ، الدموع هي ذرات التراب الأخيرة التي تجلل الميت وتقول أنه انتهى ، ولأننا قُساة عنيدون ، سنكتفي ببكاء أضلعنا عليه ، تنزل دموعنا إلى الداخل ، وهذه الدموع الحزينة تطفو مرة أخرى على شكل صرخاتٍ وتوجع ، لتُعلمَنا أن موت سميح القاسم ، تُغني له الطيور ، وتبكيه النساء ، ويهزُّ له الرجال رؤوسَهم لوعةً ، ويتذكره الصغار لآخر أيام العمر .
فتجرد أيها الشاعر من عالمنا السفلي ، الذي يتآلف فيه أصحابه والمبتلون به مع كل ما هو مرفوض ، وارتفع قمراً بعيداً عن مكونات النفس البشرية ، التي تحمل في أعماقها أدنأ وأخس ما يمكن أن نتصوره عن الرداءة الإنسانية ، وليكن موتُك كزجاجٍ مطحون ، ينسرِب في أعماقنا ، يُهضم .. لكنه لا يُنسى .

خالد رباح العربي – غزة
21 – أغسطس -2014
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف