الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

صديقي ديفيد وديمقراطية ابن العم بقلم:م . معاذ فراج

تاريخ النشر : 2014-08-27
صديقي ديفيد وديمقراطية ابن العم بقلم:م . معاذ فراج
صديقي ديفيد ... وديمقراطية ابن العم

سحب صديقي الأسترالي ديفيد نفسا عميقا من سيجارته البيضاء الطويلة ، ونفث سحابة من الدخان الأزرق غطت معظم ملامح وجهه ، بينما كانت عيناه الزرقاوتان مدهوشتان مشدوهتان تنظران لشاشة تلفزيونية كبيرة مثبتة في صالة قهوة عربية في إحدى ضواحي مدينة سيدني ، توقفنا فيها لاحتساء قدحين من القهوة التركية ، كان ديفيد قد شد جلد وجهه وهو يصوب نظره باهتمام بالغ لمجموعة من الجنود الذين يدوسون بأحذيتهم على أجساد بعض المتظاهرين في إحدى الدول العربية الثائرة ، عابس الوجه متقطب الجبين ظل ينظر ، أشاح بوجهه عن الشاشة قليلا ، ونظر إليّ مستغربا وكأنه يستحثني لأشاركه عبوسه ، طرفت عيناه قليلا ، ثم أعاد نظره ليكمل المشهد الذي بدا وكأنه يراه لأول مرة في حياته ، توقف ... سحب نفسا دخانيا جديدا ، ثم طالعني بشيء من الانكسار وسألني عما شاهده في ذلك المشهد السابق ، فأخبرته بأن ما رآه قبل لحظات يحدث الآن في دولة عربية ، يحاول شعبها التحرر من سطوة حاكمهم الديكتاتور ، لينعموا قليلا بتذوق طعم الحرية والديمقراطية بعد هذه السنوات العجاف الطويلة من الذلة والعذاب  ...

ابتسم ديفيد ابتسامة خفيفة خبيثة ، بدا من خلالها بياض أسنانه ثم قال لي متهكما : يؤسفني يا صديقي العربي بأنكم معشر العرب لا تعرفون المعنى الحقيقي للديمقراطية ، وإن عرفتموها يوما ما ، فإنكم لن تحسنوا استخدامها أبدا ، فقلت له : ولم هذا التجني يا صديقي ؟ فأخبرني بأنه قضى سنوات من حياته كمهندس في معظم دول الخليج ، وزار الأردن والعراق ، وبعضا من الدول العربية بحكم عمله في قطاع الاتصالات ، فلم ير أي مؤشر للديمقراطية مطلقا في مجتمعاتنا ، حتى على مستوى القرية والأسرة الواحدة ، فالأسرة العربية كما يقول ديفيد تقدس رب أسرتها لدرجة العبادة ، فأمره مطاع ، وعصيانه ضياع ، حتى لو كان مخطئا ، وكذلك الأمر بالنسبة لشيخ العشيرة والقبيلة ، وأكمل فقال : وحتى لو قدر لكم بني العرب أن تجربوا الديمقراطية ، فأنا واثق بأن ديمقراطيتكم ستكون معلولة مهزوزة ، فأنتم تهتمون بالعرق ونسب الدم والطائفية أكثر مما تهتمون بمن سيقودكم للإصلاح والترقي ، فقلت له : قد أتفق معك في كل ما قلته ، فتجربتنا الديمقراطية لا زالت تحبو مقارنة بتجربتكم في دولتكم العامرة وفي باقي الدول الغربية ، وأنا أؤيدك في أننا لو قدر لنا ممارسة الديمقراطية فلن تعدو كونها ديمقراطية لابن العم أو الأخ أو صاحب النسب ، وأكملت فقلت : لكن ألا ترى معي يا صديقي بأننا لو جربنا ممارسة ديمقراطية سيئة خيرا لنا من ديكتاتورية جيدة ؟ فهز رأسه وأجاب بنعم ، وألا ترى معي يا صديقي بأن المجتمع الأسترالي كان عشائريا في أزمانه القديمة ، يدين كما نفعل الآن للاسم الأخير في كل تصرفاته ؟ وأن بداية الديمقراطية حتى في بلادكم كانت سيئة لا تقارن بديمقراطيتكم الآن ؟ قال لي : نعم كنا كذلك ندين للعشائر والإقطاعيات ، لكننا تحررنا من سطوة العشيرة والقبيلة بعد ذلك ، وأصبح مجتمعنا مجتمعا مدنيا لا قيمة لهذه الأشياء في عرفه وتفكيره ، لكني أرى بأنه ومع مرور السنوات تترسخ هذه العقلية لدى مجتمعاتكم وتتزايد أكثر فأكثر ، ويرثها الصغير عن الكبير ، بل ويرضعها مع حليب أمه كذلك ، قلت له : قد لا أتوقع نجاحا باهرا للديمقراطية في بلد كالعراق واليمن وليبيا مثلا ، فهذه دول لا زالت القبيلة والعرقية طاغية راسخة في عقول ومفاهيم أهلها ، لكني قد أقلل من سطوتها في بلد مثل مصر وتونس وسوريا ، فهي مجتمعات مدنية بحتة ، لا وجود فيها للقبيلة والعشيرة ، وإن وجدت فأظن بأن تأثيرها على الشعب تجاوز المعطيات السياسية التي تُخرج الديمقراطية عن مسارها الصحيح ، فوافقني كذلك في هذه النقطة الأخيرة ... ثم انتهى حينها حديثنا وانصرفنا  .

أثناء عودتي من عملي ، وطوال قيادتي للسيارة بقيت أفكر في ما قاله صديقي ديفيد ، أقلب كلامه في عقلي جيئة وذهابا ، وأقف مع كل كلمة قالها ، بصراحة ومع أنني كنت موقنا بصدق كل عبارة قالها ، خصوصا حين عشت ومررت بعدة تجارب فاشلة للديمقراطية في كثير من البلدان العربية ، إلا إنني أحسست أني أسمع هذا الكلام لأول مرة في حياتي ، ككثير من الصور التي تراها كل يوم في حياتك ، فلا تفكر فيها إلا بعد أن يطرقها في عقلك طارق ، أو يلقيها في روعك طيف مارق ... فعلا ما أسوأ ديمقراطيتنا وما أبشعها وما أسخفها ، كيف لا وهي ديمقراطية قائمة على أساس واحد ، أساس شربناه وتجرعناه صغارا كما قال صديقي الأسترالي ، ومارسناه حتى رغما عن أنوفنا ، أساس يمكن اختصاره بتلك العبارة القديمة الجديدة : أنا وأخي على ابن عمي ، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب ... حتى لو كان الغريب أفضل مني ومن أخي ومن ابن عمي ، فنحن ضده أبد الدهر وطوال الحياة ، حتى لو كان الغريب فاهما عالما عاقلا مصلحا فالعداء له والويل له ، المهم أنا وأخي وابن عمي وعشيرتي وطائفتي ... ويل للعرب من شر قد اقترب ... فعلا ما أقبح ديمقراطيتنا كما قال صديقي ديفيد . ..
 
معاذ فراج -- [email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف