الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تراتيل شهادة بقلم: أ. علاء الدين صلاح عيد

تاريخ النشر : 2014-08-26
تراتيل شهادة (قصة قصيرة)
بقلم أ. علاء الدين صلاح عيد
لم يكن ذلك اليوم من أيام الصيف الحارة كباقي أيام الصيف المعهود، ولكنه جمرة كباقي جمار أيام الحرب العدوانية على قطاع غزة من العام 2014م، فأزير الطائرات العدوانية لا تزال تشعل السماء، وسواد القنابل الحاقدة تتربع على زرقة السماء الصافية، لتخلوا معه كل مظاهر التغريد للطيور المحلقة في سماء غزة الحزين، لتعلن بوقاحة استمرار الحرب العدوانية على قطاع غزة حتى اللحظة. وفي جانب آخر وعلى بقعة من بقاع ارض قطاع غزة، تعالت صوت الضحكات البريئة هنا وهناك في فناء ذلك المنزل البسيط، لأم وأطفالها، الذين راحوا يلهون في فناء المنزل، رغماً عن قسوة الظروف، وزئير الطائرات الإسرائيلية، وتلبد السماء بدخان القصف المتواصل هنا وهناك، والأم تحاول جاهدة إخفاء معالم خوفها وقلقها عن أعينهم البريئة، من خلال مشاركتهم ألعابهم البريئة.. وفي ظل هذه اللوحة الأسرية البسيطة ومن بعيد كانت هناك طائرة غادرة تترصد هذه العائلة وتنظر لهم بعين الحقد المعهودة وتنتظر الفرصة للفتك بفريستها، فلم يكن يعجبها براءة الأطفال، ولم يرق لها أبداً هذا العنفوان الطفولي في هذا المنزل، رغم أجواء الرعب التي تحاول قذفها في قلوبهم، فأخذت وضعية الاستعداد، وتشابكت أصابع الكفر على أزرار الحقد، لتضغط بكل قسوة على صواريخ القتل والظلم، وعلى الفور اتجهت الصواريخ بكل حقد نحو فناء ذلك المنزل، تسابق الزمن نحو الفتك بضحيتها، وهناك وسط تعالي ضحكات الطفولة، كانت طفلة تلهو مع أخويها الصغار بكل براءة وفجأة لمحت من بعيد تسابق الصواريخ نحو عائلتها، وحدقتا عيناها تتسع أكثر فأكثر، في محاولة منها لاستيعاب الموقف، لتتجزأ الثواني لديها إلى أجزاء متناثرة، تلفتت يمنة ويسرة عساها تجد ما تحمي به جسدها من صواريخ القتل القادمة من السماء، ولكنها تذكرت أمها وأخويها، وهل يكفي جسدها الضعيف لحمايتهم، حارت، فخارت قواها، فسقطت على الأرض، وعيناها ترقبان تقدم الصواريخ نحو عائلتها، وتقترب أكثر فأكثر، و... فجأة غشى عيناها ضوء أبيض، فأغمضت عينيها على الفور، وحينما قامت بفتح عينيها وجدت جناحين أبيضين ضخمين يحولان بينها وبين الصواريخ القادمة من السماء، وتلفان جسدها بالكامل، ومن وراء هذين الجناحين رأت ناراً هائلة تعم في المكان، وتقلبه رأسه على عقب، ولم يستطع عقلها الصغير استيعاب ماذا يحدث؟ فالنار تحرق كل شيء من حولها، إلا أن هذين الجناحين يحمياها من كل شيء، حاولت سبر أغوار الموقف، فنظرت أكثر للجناحين فوجدتها لرجل متلحف بالبياض، بوجه مشرق، يسبقه النور، فتلعثمت حروفها متسائلة :
من أنت؟ وماذا يحدث؟
لم يجبها الرجل، وإنما اكتفى بابتسامة واسعة رأت معها إشراقة الشمس الجميلة، شعرت معها بالطمأنينة ونسيت هول الموقف وقسوته، حاولت أن تنهض من جلستها وتبادر إلى ذهنها أمها وأخوتها الصغار، فتساءلت : أمي وأخوتها؟
أيضاً لم يجبها الرجل وانما اكتفى بابتسامة واسعة، أكثر إشراقة ونضارة، وخفض بجناحه أكثر فرأت أمها وأخوتها في نفس حالتها، يحتضنهم جناحه فهرعت بسرعة نحوهم وعانقتهم، وهي تصرخ باكية: أمي، أخوتي، حمدا لله على أنكم بخير؟
ابتسمت الأم وقالت بهدوء: الحمد لله يا بنيتي، الحمد لله
تراجعت الطفلة عن صدر والدتها، وقالت وهي تشير إلى ذلك الرجل صاحب الجناحين الذي أنقذهم، وقالت :
هذا الرجل يا أمي أنقذنا، سأبلغ والدي كي يشكره.
ابتسمت الأم دون أن تتحدث، واكتفت بالنظر إلى ذلك الرجل الذي يشبه الملائكة، أو ربما هو كذلك، فما كان من الرجل إلا أن رفع جناحيه عنهما، وكانت الفاجعة ، فمن وراء جناحيه كان الخراب يعم أرجاء المنزل، فكل شيء تدمر بالكامل، والجثث ملقاة هنا وهناك, والأشلاء المتناثرة بين تفاصيل أركان المنزل، راحت أعين الطفلة تنظر هنا وهناك في هذا الخراب الذي حل بمنزلهم، ولكن عيناها ميزتا شيئاً غير مسبوق، ولم تكن عيناها تصدقان ما ترآه، فقد رأت نفسها ملقاة على الأرض، وأمها، وأخوتها أشلاء متناثرة، هنا وهناك، لم تكن تعرف ماذا يحدث، وكيف ترى نفسها ميتة على الأرض، وهي بنفسها ترى ذلك، وكيف لأمها أن تكون بجوارها تحادثها، وجسدها ممزق على الأرض، حارت الطفلة في هذا الأمر فما كان منها إلا أن نظرت إلى ذلك الرجل وعيناها ترسمان استفهامات حائرة لما يدور في عقلها الصغير، فما كان من الرجل إلا أن ابتسم ابتسامة حزينة، ولم ينطق بأي حرف، بل مد جناحه مرة أخرى لهم، واحتواها مع أمها وأخوتها، وحلق بهم في عنان السماء، لم تسطع الطفلة فهم ما يحدث ولا كيف لها أن تكون محلقة في عنان السماء على جناح هذا الرجل، وفجأة تذكرت والدها، فاستدارت نحو والدتها وقالت: أمي ، ألن نأخذ والدي معنا؟ أخبري هذا الرجل أن والدي لازال بالأسفل
ابتسمت الأم وقالت: نحن سنسبق والدك إلى من سبقونا من الشهداء، ووالدك سيلحق بنا عندما يشاء الله يا ابنتي.
وعلى الرغم من صعوبة الفهم إلا أن عقل الطفلة الصغير استوعب الأمر، وأدرك كل شيء، فقالت لوالدتها:
هذا يعني اننا أصبحنا شهداء، وذهبنا إلى السماء؟؟
ابتسمت الأم ولم تجب، وإنما أشارت لطفلتها الصغيرة إلى نقطة بدأت تظهر من بعيد، فتحولت أعين الطفلة لما تشير إليه الأم، وكان ما رأته أصعب من أن يوصف، أصعب من أن يتم تخيله، فمن بعيد كان هناك موكباً طويلاً به الورود البيضاء على الجانبين، والعصافير المغردة تحوم فوق هذا الموكب، الذي كان على ما يبدو مهيأ لاستقبالهم. راحت أعين الطفلة تدور في هذا المشهد الرائع، وكان من العجيب أن ترى أطفالاً صغاراً، كانت قد رأتهم شهداءً على شاشات التلفاز ومنهم من كانت تعرفه شخصياً، من أبناء الجيران ومن عائلتها، وقد لبسوا الأبيض وتحفهم الخضرة من حولهم، ومن إن رأوها قادمة مع عائلتها حتى هرعوا نحوها، واستقبلوها بابتسامتهم العريضة، وصيحاتهم الفرحة بهم، وكأنهم كانوا بانتظارها، أدركت الطفلة أنها الآن أصبحت منهم، وتنتظر معهم القادمين من الشهداء، أدركت أنها الآن في عليين.
تمت
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف