الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مقهى الدبابير بقلم: د. هدى برهان طحلاوي

تاريخ النشر : 2014-08-25
مقهى الدبابير بقلم: د. هدى برهان طحلاوي
مقهى الدبابير

كان المقهى وادعاً هانئاً يطل على شارع بغداد برصيفه العريض، وكان يغص بالرواد، وجلهم من كبار الذوات والعائلات المثقفة يجلسون لتجاذب أطراف الحديث والأخبار، أو يلعبون الورق والطاولة بهدوء وسكينة لا يزعجون المارة، ولا أحد من المارة يزعجهم إلى أن فكرت البلدية وقررت، فقتلت كيف قررت، حيث قررت أن تأكل نصف الرصيف وتخفض مستواه قليلاً لتصطف عليه السيارات، بعد أن كثرت وفاق عددها المواقف الخاصة والعامة، رغم أن عمارات هذا الشارع الجديدة كانت تستوعب كثيراً من الكراجات ضمنها في الطابق السفلي، إلا أنها لم تلزم بذلك من قبل البلدية، ولا من قبل أصحاب العقارات الجشعين الذين فكروا كيف يكسبون طابقاً في البناية ويربحون به الملايين، ويوقعون أصحاب الشقق بحيرة اتخاذ مواقف لسياراتهم لاحقاً.
فأصبح رواد المقهى يجلسون متأففين بين الفينة والأخرى من سيارة تصعد الرصيف وأخرى تنزل، وهذه تقترب منهم وتلك تبتعد، فيحمر وجههم من الغضب ويتواسون ببعضهم وألفتهم على امتعاض.
عدت من سفري ومررت بهذا المقهى فلاحظت أن رواده تناقصوا للنصف تقريباً، فتحسرت عليهم وقلت في نفسي: لعل بعضهم توفي أو قتل في أحداث الثورة، أو هاجر إلى الخارج، فجلهم كان من الشيوخ أو الكهول، ولم تحتمل قلوبهم ظلم ما يجري بالتأكيد، فترحمت عليهم، وتأسفت لفقدانهم، فأحدهم كان رفيق والدي أيام الطفولة، وآخر كان أستاذنا في الجامعة بمنتهى الحكمة والوقار، ولفت نظري عامل المقهى يحمل قميصه الخارجي ويقذفه في الهواء إلى سقف المظلة الخارجية للمقهى بحركات متكررة متلاحقة، فقلت في نفسي لعله يحرك الهواء قليلا فيغير من الجو الخانق في هذا الحر أثناء انقطاع التيار الكهربائي، وابتسمت وسرت وقلت أحدث نفسي: احتار الناس ماذا يفعلون ليعوضوا البشر عن الكهرباء والمكيفات والمراوح.
في اليوم الثاني مررت بنفس الوقت بحكم ذهابي لعملي يومياً سيراً على الأقدام، فوجدت رواده في تناقص أكثر، فقلت في نفسي: لعلهم قادمون بعد قليل، ووجدت عامل المقهى يحمل قاتلة الذباب اليدوية فقلت في نفسي أيضاً: أكيد من تراكم القمامة في الشوارع، وتكاسل عمال البلدية بكنسها وترحيلها، أليسوا هم من يتفرغ لأعمال أخرى ويسهرون على أمن البلد أو بعض الأشخاص الهامين فيه، ومن يجرأ على معاقبتهم؟!.
في اليوم الثالث بنفس الزمان والمكان فوجئت بعامل المقهى ومعه ثلاثة رجال كأنهم يتضاربون، فواحد يحمل عصا وبذيلها كاوتشوك التنشيف من الشطف، وآخر يلوح بصينية كبيرة ويستر بها وجهه كأنها ترس، والثالث يحمل خرطوم الماء الجاري ويرش الماء على أصحابه وفي الهواء، والأخير يصعد فوق كرسي وبيده قاتلة الذباب، ومن بعيد لمحت أحد المسلحين يجري باتجاههم، فقلت في نفسي: ماذا يجري بحق السماء؟! أينقصنا مشاجرات وسفك دماء في هذه المدينة؟! فاهتممت للموضوع ودققت النظر أكثر، فلم أجدهم يتضاربون، ولكنهم كانوا ينظرون كلهم لنفس المكان، وهو سقف الخيمة ويشيرون إلى زاوية فيها، فاقتربت منهم وسألتهم: ما الخبر؟ لماذا هذا اللغط والجلبة؟ فأشاروا إلى عش الدبابير الموجود في أنبوب الحديد الفارغ الذي يشكل مسنداً معدنياً لخيمة القرميد الموضوعة فوق الرصيف والمقهى، وشاهدت عدة دبابير تتطاير فوقهم وهم يحاولون قتلها أو رشها بالماء لإبعادها عنهم، فقلت لهم ليس هكذا تتخلصون منها، فإنها بهذه الطريقة تتكالب عليكم وتلسعكم أكثر، فقال لي أحدهم هل لديك خبرة يعني بقتلهم، فقلت لهم: نعم ما عليكم إلا بإحضار كبد خروف أو عجل ورش مبيد حشري شديد السمية فوقه تأتون به من صيدلية البلدية، وتضعونه في مكان مرتفع قرب عشهم فيأكلون من الكبد ويقتلون قتلاً لا حياة بعده، ثم تخربون لهم عشهم وتسدون منافذه، فقالوا: سنجرب هذه الطريقة إذاً فلقد احترنا وحيرنا السبل.
وفي اليوم الرابع قبل وصولي لنفس المكان فوجئت بقطط الشارع نافقة كلها، وبعضها مرمي قرب حاويات القمامة وبعضها الآخر يتمدد بقرف على الأرصفة، ولما اقتربت من المقهى كان العمال بانتظاري وهم يذبون عن وجوههم وعن الزبائن دبابير الخيمة اللعينة فقالوا لي: هل أعجبك ما حدث لقد وضعنا الفشة ليلاً حتى يستيقظ الدبابير باكراً ويأكلون منها، وجئنا صباحاً ولم نرها وازداد الدبابير تكالباً علينا، فقلت لهم: أيعقل أن تضعوها ليلاً وهم نيام؟ ألا تعلمون أن القطط جائعة أكثر من البشر في هذا البلد المنكوب؟!! لماذا لم تضعوها صباحاً؟ فنظر أحدهم للآخر وقال له: ألم أقل لك هذا؟!، ثم وجه كلامه لي قائلاً: حضرته يسهر للصبح على النت ولا يستيقظ باكراً إنه العاشق الولهان.
وأخيراً في اليوم الخامس ساد الهدوء المقهى، وبدأ الزوار يتوافدون عليه كالمعتاد، ولكن يتحدثون ويشيرون بأيديهم بارتياح هذه المرة، وكأنهم يتحدثون عن تاريخ ماض عريق في البطولة والظفر.
د. هدى برهان طحلاوي
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف