(أن تسبب الخوف للآخرين يعني أن تكون خائفا بقية حياتك ، لم يسبق أن استطاع أحد بث الذعر في قلوب الناس مع احتفاظه بسلامه الداخلي )
يمر بنا قطار أميرة الأحزان والأحلام في المسافة الممطوطة بين ليل الجرح الصاخب و النهارات المشتعلة ، وعبر النوافذ تحدّق فينا وجوها نصف منسية من الشهداء و الأحياء ، و وجوه الأحبة الذين أجبروك على الرحيل عنهم لتبقى مشتعلا في الجسد و الروح ، و تتساءل بحسرة : متى يعود بنا القطار إلى الأمام ؟؟!! لكن القطار يتابع مسيرته مسرعا بصمت الشهداء ودمهم الأنيق الطازج ، أحاول أن أنادي أحدهم ، أو ألوّح له بمنديل يدي المبتورة ، لكن القطار يمضي في الضباب المسائي الكئيب ، لتقول له : وداعا... بلّغ سلامي لكلّهم ، ثم تضمّك غزة عنيفا إلى صدرها المفروش بالمسامير من جديد ، وتستقبلك الغربة كالصفعة ، وتطوف بك في الشوارع المفخخة بكل أنواع القتل جوا و بحرا و برا !! لتتركك غير مستقر في حصارك أمام فوهة الوقت و المدفع ، لتربي الأمل و الصبر و الحلم .
( أنا أحمد العربيّ - فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار - فليأت الحصار
و أنا حدود النار - فليأت الحصار
و أنا أحاصركم
أحاصركم )
القصف شامل و مضطرب ، جُنّ القصف ، القصف يمزق خبزنا وطفولتنا ودفاترنا وقمرنا ، القصف يلاحقنا في البيوت و الأزقة و الشرفات وفي دورتنا الدموية ، القصف متألق ومدهش ، القصف يُعد الوليمة على بريق الطائرات في صحراء الليل الوحشي، عناق شرس بين الأجسام و القذائف ( لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة. أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية.)
والموت يزدحم ويضغط ، من يُنظم ازدحام هذا الموت القادم من عشر جهات ؟؟! كيف يستطيع الواحد منا تدبّر موته أو حياته وسط فوضى الموت ؟! فبين الطلقة والطلقة نبضة واحدة فقط ، فالوقت من دم !!
( نمتُ قبل ساعتين .. وضعتُ قطعتي قُطنٍ في أُذنيّ ,
ونمت بعدما استمعتُ إلى نشرة الأخبار الأخيرة ,
لم تقل إني ميت , معنى ذلك أنني حيّ ..)
لا للنوم ولا لليقظة ، نندهش من أننا ما زلنا أحياء !! نفتش في كل لحظة عن أسمائنا في قائمة الشهداء علنا نجدها !! لكن هناك متسع للموت ، فلا تنس أن تموت ، مُت كما تشاء : خنقا ، أشلاء ، حرقا ، لكن شهيدا شهيدا شهيدا !!
(أَلشهيد يُحاصرني كُلما عِشت يوما جديدا
ويسألني : أَين كنت ؟ )
هناك وقت للحياة و للموت ، نحن أسياد الوقت ، هناك وقت لتفسح طريقا ، لتلتقط أنفاسك ، لتحتضن ضحاياك ، لتصلي ، لتحيي زوارك ،لتمزق الحصار و الذل ، لتكفكف دمك المسفوح و هناك وقت لتطول البطولة .
(و لم نعثر على شيء يدلّ على هويتنا ، سوى دمنا الذي يتسلّق الجدران !! )واقفون بين رصاصتين ، ساهرون بين فوهتين ، خالدون هنا خلود بحرنا الذي يتنهد نسيما مالحا كالدمع ، نراقب الضوء في جرحنا ، نراقب وهج الورد في دمنا ، لم نتعب !! هدفنا أن نكون .
(وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
سلامٌ على من يشاطرني الانتباه إلي
نشوة الضوء ، ضوء الفراشة ، في
ليل هذا النَفَقْ .)
وجنكيز خان يتسامر كل ليلة عن مصير المدينة ( ألهذا أخذْت حياتي لتصنع منها حياتك ؟! ) يتناول الجعة ، يثمل ويسأل : كم بيتا هدمتم ؟!كم زيتونة اقتلعتم ؟ّ كم طفلا حرقتم ؟! أنا مجنون و مجنون في السلام و الحرب أنا مرعوب وفاشل!! أريد المزيد من القصف و النسف و العسف !!! كم تبقى من الوقت لنشيع الجنازة ؟!! متى سنرقص ؟! متى سنسكر ؟ ! كيف سنحتفل ؟! من سندعو للاحتفال من المتآمرين المنبطحين ،و الضحايا المؤجلين الذين سيدفعون الفاتورة الطويلة لنفقات الاحتفال الجهنمي ؟!! متى سنشرب نخب انتصار الهزيمة بنكهة الدم الحار ؟؟!!
( إلي قاتلٍ : لو تأملت وجه الضحيّةْ
وفكرت ، كنت تذكَّرت ...)
وغزة وسط الإعصار ، مدججة بالحزن و بالأحلام ، تكتظ بالطائرات و الأرواح المسافرة ، و الفرح المسروق ، غزة مدينة الأعياد ، مدينة الولادة والموت ، مدينة الحصار و الأبرياء و الشهداء و اللاجئين ، مدينة التجار الجشعين و الشواطئ و الصيادين المقهورين والموت المفروش كسجادة ، والجرح الذي ينمو كغابات لا حدود لها ، غزة ما زالت ترفع رايات الحلم والفرح ، والطائرات تحوم وتحوم لتصنع كرنفالا جهنميا .
(عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات ،
بيضاء بيضاء ، تغسِل خدَّ السماء
بأجنحةٍ حرَّةٍ ، تستعيد البهاء وملكيةَ
الجو واللَهو . أَعلى وأَعلى تطير
الحمامات ، بيضاء بيضاء )
لا تندهش وأنت ترى الإعلانات عن المقويات الجنسية و العطور و المكياج تختلط بصور وأسماء الشهداء ،لا تنزعج وأنت تستمع لقهقهات الشامتين وتحليلات المنظرين المفلسين ، تختلط صور العظماء بأشباح الأنذال ، والجبن بالشجاعة !!!
( وحيدون ، نحن وحيدون حتى الثُمالة
لولا زيارات قوس قُزح
لنا أخوة خلف هذا المدى.
اخوة طيّبون. يُحبوننا. ينظرون إلينا ويبكون.
ثم يقولون في سرّهم:
ليت هذا الحصار هنا علنيٌّ .. ولا يكملون العبارة: ... )
أصرخ في آذانهم : وجهي كوجهكم ، و الدم الذي يبصم على جوفي المتمرد دمكم وقبلتي قبلتكم ، ورصاصتي رصاصتكم ، لست غريبا عنكم يا ساكني مدن الورق المسلح بالتماثيل .
أجسادنا ستبقى حقلا لمعركتك ، الرحيل عنك صار مستحيلا ، فلا رحيل !! رغم مستنقع الرعب وجحيم الحصار المروّع ، فالرحيل عنك يعني دخول زنازين الذل ، سنبقى هنا على شواطئك الحالمة بالورد و الأغاني و الحب ، سنبقى لك وقودا وشهودا ...
( لما جاءني الأمس ، قلت له:
ليس موعدنا اليومَ ، فلتبتعد
وتعال غداً ! )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
يمر بنا قطار أميرة الأحزان والأحلام في المسافة الممطوطة بين ليل الجرح الصاخب و النهارات المشتعلة ، وعبر النوافذ تحدّق فينا وجوها نصف منسية من الشهداء و الأحياء ، و وجوه الأحبة الذين أجبروك على الرحيل عنهم لتبقى مشتعلا في الجسد و الروح ، و تتساءل بحسرة : متى يعود بنا القطار إلى الأمام ؟؟!! لكن القطار يتابع مسيرته مسرعا بصمت الشهداء ودمهم الأنيق الطازج ، أحاول أن أنادي أحدهم ، أو ألوّح له بمنديل يدي المبتورة ، لكن القطار يمضي في الضباب المسائي الكئيب ، لتقول له : وداعا... بلّغ سلامي لكلّهم ، ثم تضمّك غزة عنيفا إلى صدرها المفروش بالمسامير من جديد ، وتستقبلك الغربة كالصفعة ، وتطوف بك في الشوارع المفخخة بكل أنواع القتل جوا و بحرا و برا !! لتتركك غير مستقر في حصارك أمام فوهة الوقت و المدفع ، لتربي الأمل و الصبر و الحلم .
( أنا أحمد العربيّ - فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار - فليأت الحصار
و أنا حدود النار - فليأت الحصار
و أنا أحاصركم
أحاصركم )
القصف شامل و مضطرب ، جُنّ القصف ، القصف يمزق خبزنا وطفولتنا ودفاترنا وقمرنا ، القصف يلاحقنا في البيوت و الأزقة و الشرفات وفي دورتنا الدموية ، القصف متألق ومدهش ، القصف يُعد الوليمة على بريق الطائرات في صحراء الليل الوحشي، عناق شرس بين الأجسام و القذائف ( لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة. أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ في حلكة الأَقبية.)
والموت يزدحم ويضغط ، من يُنظم ازدحام هذا الموت القادم من عشر جهات ؟؟! كيف يستطيع الواحد منا تدبّر موته أو حياته وسط فوضى الموت ؟! فبين الطلقة والطلقة نبضة واحدة فقط ، فالوقت من دم !!
( نمتُ قبل ساعتين .. وضعتُ قطعتي قُطنٍ في أُذنيّ ,
ونمت بعدما استمعتُ إلى نشرة الأخبار الأخيرة ,
لم تقل إني ميت , معنى ذلك أنني حيّ ..)
لا للنوم ولا لليقظة ، نندهش من أننا ما زلنا أحياء !! نفتش في كل لحظة عن أسمائنا في قائمة الشهداء علنا نجدها !! لكن هناك متسع للموت ، فلا تنس أن تموت ، مُت كما تشاء : خنقا ، أشلاء ، حرقا ، لكن شهيدا شهيدا شهيدا !!
(أَلشهيد يُحاصرني كُلما عِشت يوما جديدا
ويسألني : أَين كنت ؟ )
هناك وقت للحياة و للموت ، نحن أسياد الوقت ، هناك وقت لتفسح طريقا ، لتلتقط أنفاسك ، لتحتضن ضحاياك ، لتصلي ، لتحيي زوارك ،لتمزق الحصار و الذل ، لتكفكف دمك المسفوح و هناك وقت لتطول البطولة .
(و لم نعثر على شيء يدلّ على هويتنا ، سوى دمنا الذي يتسلّق الجدران !! )واقفون بين رصاصتين ، ساهرون بين فوهتين ، خالدون هنا خلود بحرنا الذي يتنهد نسيما مالحا كالدمع ، نراقب الضوء في جرحنا ، نراقب وهج الورد في دمنا ، لم نتعب !! هدفنا أن نكون .
(وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
سلامٌ على من يشاطرني الانتباه إلي
نشوة الضوء ، ضوء الفراشة ، في
ليل هذا النَفَقْ .)
وجنكيز خان يتسامر كل ليلة عن مصير المدينة ( ألهذا أخذْت حياتي لتصنع منها حياتك ؟! ) يتناول الجعة ، يثمل ويسأل : كم بيتا هدمتم ؟!كم زيتونة اقتلعتم ؟ّ كم طفلا حرقتم ؟! أنا مجنون و مجنون في السلام و الحرب أنا مرعوب وفاشل!! أريد المزيد من القصف و النسف و العسف !!! كم تبقى من الوقت لنشيع الجنازة ؟!! متى سنرقص ؟! متى سنسكر ؟ ! كيف سنحتفل ؟! من سندعو للاحتفال من المتآمرين المنبطحين ،و الضحايا المؤجلين الذين سيدفعون الفاتورة الطويلة لنفقات الاحتفال الجهنمي ؟!! متى سنشرب نخب انتصار الهزيمة بنكهة الدم الحار ؟؟!!
( إلي قاتلٍ : لو تأملت وجه الضحيّةْ
وفكرت ، كنت تذكَّرت ...)
وغزة وسط الإعصار ، مدججة بالحزن و بالأحلام ، تكتظ بالطائرات و الأرواح المسافرة ، و الفرح المسروق ، غزة مدينة الأعياد ، مدينة الولادة والموت ، مدينة الحصار و الأبرياء و الشهداء و اللاجئين ، مدينة التجار الجشعين و الشواطئ و الصيادين المقهورين والموت المفروش كسجادة ، والجرح الذي ينمو كغابات لا حدود لها ، غزة ما زالت ترفع رايات الحلم والفرح ، والطائرات تحوم وتحوم لتصنع كرنفالا جهنميا .
(عندما تختفي الطائرات تطير الحمامات ،
بيضاء بيضاء ، تغسِل خدَّ السماء
بأجنحةٍ حرَّةٍ ، تستعيد البهاء وملكيةَ
الجو واللَهو . أَعلى وأَعلى تطير
الحمامات ، بيضاء بيضاء )
لا تندهش وأنت ترى الإعلانات عن المقويات الجنسية و العطور و المكياج تختلط بصور وأسماء الشهداء ،لا تنزعج وأنت تستمع لقهقهات الشامتين وتحليلات المنظرين المفلسين ، تختلط صور العظماء بأشباح الأنذال ، والجبن بالشجاعة !!!
( وحيدون ، نحن وحيدون حتى الثُمالة
لولا زيارات قوس قُزح
لنا أخوة خلف هذا المدى.
اخوة طيّبون. يُحبوننا. ينظرون إلينا ويبكون.
ثم يقولون في سرّهم:
ليت هذا الحصار هنا علنيٌّ .. ولا يكملون العبارة: ... )
أصرخ في آذانهم : وجهي كوجهكم ، و الدم الذي يبصم على جوفي المتمرد دمكم وقبلتي قبلتكم ، ورصاصتي رصاصتكم ، لست غريبا عنكم يا ساكني مدن الورق المسلح بالتماثيل .
أجسادنا ستبقى حقلا لمعركتك ، الرحيل عنك صار مستحيلا ، فلا رحيل !! رغم مستنقع الرعب وجحيم الحصار المروّع ، فالرحيل عنك يعني دخول زنازين الذل ، سنبقى هنا على شواطئك الحالمة بالورد و الأغاني و الحب ، سنبقى لك وقودا وشهودا ...
( لما جاءني الأمس ، قلت له:
ليس موعدنا اليومَ ، فلتبتعد
وتعال غداً ! )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )