*أربع قصص من غزة* *بقلم/ توفيق أبو شومر*
لم أكن أتخيل أن أرى ما رأيتُ هذا اليوم في مستشفى الشفاء في غزة، صباح يوم الجمعة 25/7/2014
بعد وقوفي دقائق أمام الكاميرا للتعليق على ما يجري من أحداث، أحاط بي عدد كبير من أهلنا المهجرين من الشجاعية، ومن المناطق المُدمَّرة يسألونني عن موعد إعلان وقف إطلاق النار!
كانتْ وجوههم مملوءة بالإصرار على الحياة، على الرغم من مأساتهم المادية والعاطفية الكبيرة، أفاق بعضُهم من الصدمة، وأصبح أكثر هدوءا، أما الآخرون فما يزالون واقعين في قلب الصدمة، يحتاجون إلى مَن ينصرهم، ويُعزز صمودهم، ويقويهم بالاعتناء بهم!
اقترب مني شابٌ في العشرينيات من عمره قال: أرجوك أريد أن أعرف متى يمكنني العودة إلى بيتنا؟
ومتى ستكونُ الهدنة؟
حاولت أن أجيبه بكلمة:
قريبا.
ولكنه أصرَّ على معرفة الوقت والزمن! ولما قلتُ له إننا نحن المحللين نتوقع فقط، ويمكن أن يحدث العكس بعد دقائق من حديثنا، لأن السياسة ليست قانونا، بل لعبةٌ من الألعاب يفرضُ شروطها الأقوياء. رأيتُ دمعةً تدور في مقلتيه، وتلون عينيه بحمرة الأرق والسهاد، فقلت له أين تسكن؟ قال: شرق الشجاعية، بجوار مستوطنة نحال عوز، أنا أعرف أن جيش المجازر قد تجاوز بيتنا، ووصل إلى مسافة أقرب من غزة. قلتُ:
ألستَ سليما معافى ، أنتَ وعائلتُك؟
فاضت عيناه بسيل من دموعٍ حاول أن يُخفيها بالنظر إلى قدمية، ثم قال:
أنا الوحيد الذي تمكنتُ من الوصول إلى مستشفى الشفاء، لم يبقَ لي أحدٌ!!!
القصة الثانية،
في اليوم نفسه، اقتربَتْ مني مجموعة من أطفالِ المُهجَّرين، ممن يقطنون مدارس الوكالة المجاورة، وهم يسألون:
متى ستنتهي الحرب؟
سألتُ أصغرهم سنا، وهو في الصف الثاني الابتدائي:
ماذا ترغب أن تكون عندما تكبر؟ قال:
أودُّ أن أصبح مسعفا طبيا!!
لم أكن اتوقع هذه الإجابة، لأن معظم الأطفال دائما يتراوحون في أمنياتهم، بين الطبيب والمهندس والمعلم.
وقال معلِّلا: لقد أنقذ المسعفون أختي وأخي من بيتنا المهدوم، ونقلوهما إلى المستشفى ، وهما هناك منذ خمسة أيام، والمسعفون هم الوحيدون القادرون على إنقاذ الناس!!
أما القصة الثالثة فهي لعجوز من منطقة جُحر الديك، لم تبكِ على ضحايا أهلها وجيرانها فحسب، بل بكت أيضا على بقرتها التي كانت توشك أن تضع مولودها أثناء العدوان، والتي تمثل لها كل ثروتها، وبكتْ أيضا على ثلاث أشجار التين الضخمة التي تُنعش ميزانية الأسرة بما تبيعه من ثمارها، وبخاصة في شهر رمضان، فهي كما تقول جارتها التي تسكن معها في مدرسة وكالة الأمم المتحدة، تستيقظ من النوم فزعة، وهي تقول:
ولدتْ البقرة!!
أما القصة الرابعة، فهي من أقاصيص عملية (إبادة الأُسر) التي يمارسها المحتلون، والتي وقعتْ أيضا في اليوم نفسه، ففي الثالثة من صباح اليوم نفسه، جرى نقل عروسٍ جديدة إلى المستشفى وهي في حالة الخطر، بعد أن دمَّرتْ الطائراتُ منزلها ، وهي نائمة، وكانت تحمل في بطنها جنينها الأول ، ولكنها فارقتْ الحياة بمجرد وصولها إلى المستشفى، وأجرى الأطباءُ لها عملية ولادة قيصرية، فولد الطفلُة سليمة ، ولدتْ من رَحِمِ الموتِ، كرمز للحياة التي لا تموت!!
استعدتُ بيتَ شاعرنا محمود درويش، من قصيدته" عن إنسان":
وحبوب سنبلةٍ تَجِفُّ.... ستملأُ الوادي سنابل!!
لم أكن أتخيل أن أرى ما رأيتُ هذا اليوم في مستشفى الشفاء في غزة، صباح يوم الجمعة 25/7/2014
بعد وقوفي دقائق أمام الكاميرا للتعليق على ما يجري من أحداث، أحاط بي عدد كبير من أهلنا المهجرين من الشجاعية، ومن المناطق المُدمَّرة يسألونني عن موعد إعلان وقف إطلاق النار!
كانتْ وجوههم مملوءة بالإصرار على الحياة، على الرغم من مأساتهم المادية والعاطفية الكبيرة، أفاق بعضُهم من الصدمة، وأصبح أكثر هدوءا، أما الآخرون فما يزالون واقعين في قلب الصدمة، يحتاجون إلى مَن ينصرهم، ويُعزز صمودهم، ويقويهم بالاعتناء بهم!
اقترب مني شابٌ في العشرينيات من عمره قال: أرجوك أريد أن أعرف متى يمكنني العودة إلى بيتنا؟
ومتى ستكونُ الهدنة؟
حاولت أن أجيبه بكلمة:
قريبا.
ولكنه أصرَّ على معرفة الوقت والزمن! ولما قلتُ له إننا نحن المحللين نتوقع فقط، ويمكن أن يحدث العكس بعد دقائق من حديثنا، لأن السياسة ليست قانونا، بل لعبةٌ من الألعاب يفرضُ شروطها الأقوياء. رأيتُ دمعةً تدور في مقلتيه، وتلون عينيه بحمرة الأرق والسهاد، فقلت له أين تسكن؟ قال: شرق الشجاعية، بجوار مستوطنة نحال عوز، أنا أعرف أن جيش المجازر قد تجاوز بيتنا، ووصل إلى مسافة أقرب من غزة. قلتُ:
ألستَ سليما معافى ، أنتَ وعائلتُك؟
فاضت عيناه بسيل من دموعٍ حاول أن يُخفيها بالنظر إلى قدمية، ثم قال:
أنا الوحيد الذي تمكنتُ من الوصول إلى مستشفى الشفاء، لم يبقَ لي أحدٌ!!!
القصة الثانية،
في اليوم نفسه، اقتربَتْ مني مجموعة من أطفالِ المُهجَّرين، ممن يقطنون مدارس الوكالة المجاورة، وهم يسألون:
متى ستنتهي الحرب؟
سألتُ أصغرهم سنا، وهو في الصف الثاني الابتدائي:
ماذا ترغب أن تكون عندما تكبر؟ قال:
أودُّ أن أصبح مسعفا طبيا!!
لم أكن اتوقع هذه الإجابة، لأن معظم الأطفال دائما يتراوحون في أمنياتهم، بين الطبيب والمهندس والمعلم.
وقال معلِّلا: لقد أنقذ المسعفون أختي وأخي من بيتنا المهدوم، ونقلوهما إلى المستشفى ، وهما هناك منذ خمسة أيام، والمسعفون هم الوحيدون القادرون على إنقاذ الناس!!
أما القصة الثالثة فهي لعجوز من منطقة جُحر الديك، لم تبكِ على ضحايا أهلها وجيرانها فحسب، بل بكت أيضا على بقرتها التي كانت توشك أن تضع مولودها أثناء العدوان، والتي تمثل لها كل ثروتها، وبكتْ أيضا على ثلاث أشجار التين الضخمة التي تُنعش ميزانية الأسرة بما تبيعه من ثمارها، وبخاصة في شهر رمضان، فهي كما تقول جارتها التي تسكن معها في مدرسة وكالة الأمم المتحدة، تستيقظ من النوم فزعة، وهي تقول:
ولدتْ البقرة!!
أما القصة الرابعة، فهي من أقاصيص عملية (إبادة الأُسر) التي يمارسها المحتلون، والتي وقعتْ أيضا في اليوم نفسه، ففي الثالثة من صباح اليوم نفسه، جرى نقل عروسٍ جديدة إلى المستشفى وهي في حالة الخطر، بعد أن دمَّرتْ الطائراتُ منزلها ، وهي نائمة، وكانت تحمل في بطنها جنينها الأول ، ولكنها فارقتْ الحياة بمجرد وصولها إلى المستشفى، وأجرى الأطباءُ لها عملية ولادة قيصرية، فولد الطفلُة سليمة ، ولدتْ من رَحِمِ الموتِ، كرمز للحياة التي لا تموت!!
استعدتُ بيتَ شاعرنا محمود درويش، من قصيدته" عن إنسان":
وحبوب سنبلةٍ تَجِفُّ.... ستملأُ الوادي سنابل!!