الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ديوان الشاعر الفلسطيني المغترب محمّد الحنيني تصدير بقلم:د.خالد كاظم حميدي

تاريخ النشر : 2014-07-22
من كلِّ طيرٍ ريشة
ديوان الشاعر الفلسطيني المغترب محمّد الحنيني
تصدير
د.خالد كاظم حميدي/العراق/النجف
لا مراء في أن الفن يمثّل رؤية فلسفية مصوغة صياغة جمالية منبثقة من روح عاشقة، هي روح المبدع، الذي ينظر في نشاطه الفني إلى الكون بنظرة خاصة تتسم بالعمق والعبقرية والتميّز، لذلك نجده محاولا محاكاة الكون والواقع بتلك النظرة الخاصة المنبثقة من روح الموهبة والإيحاء العميق، فهي محاكاة متميزة يُسبغ عليها من روحه وعقله ورؤيته وفلسفته.
وقد انماز الأدب والشعر على وجه الخصوص من غيره من باقي النشاطات الإبداعية الإنسانية ومنها: الرسم والنحت والرقص وغيرها، بأنه يمثل الفن الأرقى والأكثر تأثيرا وديمومة وبقاءً؛  وذلك بسبب من أن الطبيعة الخام التي يصاغ منها الشعر وهي"اللغة"،  تمثل كيانا وكائنا متميزا بمرونته وطبيعته التي تحاكي الحس والعقل على حد سواء، كما أنها تمثل إشكالا معرفيا توقف عنده جلّ المفكرين والفلاسفة لما يحمل من تعقيد ابتسمولوجي تفرضه كل الأسئلة التي تطرح بشأنها، فيقف الباحث عن ماهيتها موقف الحائر المتأمل لمعرفة كل ما يتصل بها. بحثا وتنقيبا، استعمالا وتأويلا، دراسةً وتحليلا.
والسؤال الأكثر عمقا يتجه بإزاء اللغة إذا استعملت استعمالا خاصا وهو ما نطلق عليه اسم الأدب، الذي يرتكز فيه المستعمل على النسق اللغوي وينطلق منه إلى آفاق جمالية و تداولية غير مألوفة تفجأ المتلقي وتصدم توقعه، لتمنح نفسها بذلك إمكانية الإقناع والتأثير في السامع أو المتلقي.
فيتحرّك الشاعر بمسؤولية بما يملك من عمق ورؤية خاصة للكون، وروح تمتلك حسا مرهفا لكل ما هو جميل ولافت للتنبه، ليقف موقف الفيلسوف أو الحكيم ليقرأ هذا الكون بقراءته الخاصة التي آمن بها، فيجيء بملء وعي لطرح الأسئلة بقوالبه الخاصة ومعها إجابات بعضها صريحة، وأخرى ثاوية في أخبية القول حسبنا بالتأويل مجالا لاستنطاقها وقراءة معانيها بعمق وتذوق.
وهنا تولد الشعرية في صياغة اللغة، والتي تتحول فيها إلى دال سيميائي يمثل أعلى مستويات التأثير والانفعال، إذ إن الاستعمال يصيّر اللغة خطابا وجوابا لمواقف حدية كان قد توقف عندها المبدع، ولم يتوقف عند غيرها لأسباب معينة منها ما يتصل بالظروف والبيئة فضلا عن العادات والتقاليد والقيم وظروف المجتمع والتاريخ وغيرها.
وإذا كنّا ـــ اليوم ـــ بإزاء مهمة تصدير ديوان شعر فإننا نجد أنفسنا ضمن قراءة لفلسفة مبدع ينطبق عليه ما قلنا قبل قليل وأكثر بما يتصل بالرؤية والاستعمال.
وديوان"من كل طير ريشة"، للشاعر الفلسطيني المغترب محمّد الحنيني، يمثل طرحا عميقا لفلسفة هذا الشاعر ، والتصدير له يعني الوقوف على عتبات نصية كثيرة، تأتي في مقدمتها عتبة العنوان التي جاءت صياغتها مستفزة للذات القارئة بأن تتأمل وترصد من خلال التأويل معاني ثاوية في المتن الشعري، وهنا تظهر إمكانات الشاعر الحنيني في طرح رؤيته الشعرية طرحا ملفتا بوسائل جمالية وحجاجية متنوعة، انطلاقا من أن العنوان يمثل نظاما سيميائيا وعلامة لسانية لها دلالاتها الضمنية والإيحائية، التي يمكن استجلاؤها من خلال النظر العميق في بنية النص بوصفه عملا مترابطا محكوما بعلاقات دلالية ونصية وسياقية ينظر لها على وفق هذا المنظور المتكامل بافتراض وجود خيط دلالي يربط هذه العتبة النصيّة بما يليها من عتبات قد تتفق معها سطحيا وقد تفترق مع لحاظ الرابط العميق بينهما، لذا فإن التوقف عنده يعني استجلاء معان أودعها المتكلم على نحو مكثف يمكن تثويره من خلال الربط الدلالي بين العنوان بوصفة علامة وبين المضمون الدلالي للنص.
فعنوانه" من كل طير ريشة" يحوي على ترميز عال لأشياء أعمق وأبعد مما أشارت إليه مفردات العنوان بمستواها المعجمي، ودليل ذلك ما جاء في الديوان من معان لا تنتمي للحقول الدلالية لهذه المفردات، فاكتسبت من خلال الإسناد معاني إيحائية جديدة فيها رموز مكثفة ُتوقف سير عين القارئ ليتابع القصد الدلالي والجمالي الذي أودعه الشاعر في العنوان، ولربما يكون العنوان سؤالا مصوغا بطريقة خبرية تحقق غاياتها على المستويين السطحي والعميق، وإذا كنا معنيين بالعميق منهما فالعنوان يصبح عتبة إشارية منفتحة الدلالة خصبة التأويل ، تحث القارئ على عدم التوقف عند حدود الآخر الكاشف عن أبعاض الدلالة بما توفره له ثقافته وذوقه ومتطلبات عصره ، ليحاول متقرباً من المناطق البكر التي يتسع لها العنوان.
إذ تدعونا للغوص في أعماق روح الشاعر والبحث في زوايا الوجدان المبدعة قراءة وتأويلا، أفقيا وعموديا، سياقيا ونصيا، للبحث عن الدلالة المقصودة التي أودعها الشاعر في العنوان.
      وما أن نتجاوز هذه العتبة بشيء من رضا النفس بما اكتسبت من معان مقنعة حتى تعارضنا العتبة الأخرى التي تمثل تحديا آخر للشاعر وهي عتبة الإهداء، الذي لا يقل هو الآخر من القصد الذي يجعل القارئ بين أفقين هما: أفق القراءة والكتابة، فجاء نص الإهداء" إلى الذين كتبوا فقرأنا ،ونكتب فيقرأون" ومما لا شك فيه أن الحنيني لا يقصد بالقراءة والكتابة بمفهومهما السطحي بعدما أصبحا بمفهوم آخر لاسيما في مجالي النقد والفلسفة.
      وبذلك يصبح الإهداء حاملا لمعنى الوفاء لمن سبق بما قرأه الشاعر بعين فاحصة فاستحالت شعرا، وبالوقت نفسه يمثل الإهداء مسؤولية كبرى لجيل قارئ وآخر ينتظر القراءة للرؤية الشعرية في هذا الديوان ومتون أخرى.
           وإذا أردنا أن نمارس تجربة التأويل مع الإهداء، فيمكن أن نضع التساؤل الآتي: من هم الذين كتبوا في السابق ويكتبون ألان، ومن الذين يقرؤون ألان وسيقرؤون في المستقبل" هذا السؤال يجعلنا في حركة تفاعلية بين سابق ولاحق،بين كاتب لقصد، ومتأول لمعنى، وممارسة بين الأصالة والمعاصرة بما يحملان من خصائص وميزات تتكامل مع بعضها في مشروع بناء الإنسان والحياة.
    ونجد أن مطالبة الشاعر لنا بالقراءة يجعل التصدير لهذا الديوان مسؤولية كبيرة لفهم مقاصده في متنه الشعري الذي جاءنا مصوغا بلون شعري صعب المراس والمحاكمة، وهو ما يطلق عليه في النقد الحديث اسم" القصيدة القصيرة"، وهو لون شعري حديث لعل  أبرز من كتب به حديثا هو الشاعر العربي الكبير( أدونيس)، ويأتي الشاعر الحنيني مستعملا لهذا اللون الشعري الذي يتسم بالصعوبة على مستعمله كتابة وإبداعا، وعلى قارئه كشفا وتأويلا، فالقصيدة القصيرة تنماز بالاختزال والاقتصاد اللغوي مما يحتم على مستعملها التكثيف الدلالي شريطة الوضوح للقراءة المعجمية الأولى وعدم استغلاق منافذ المعنى مما يجعلها خارج نطاق الخطاب والنص، لذا لا يكتب في هذا اللون إلا من تمرس في تقديم المعنى واكتسب تجربة كبيرة على مستوى السياق المعجم.
    والصعوبة التي تواجه القارئ في القصيدة القصيرة هي في استنطاق هذا التكثيف الذي تتشح به،و التي غالبا ما توظّف الرمز إشارة إلى المعاني الثرّة التي يقصدها الشاعر.
ونظرة فاحصة للمتن الشعري القصير للشاعر الحنيني تنبئ بأنه كان ناجحا إلى حد كبير في إشاعة روح التفاعل بينه وبين قارئه وتحقيق عنصر الانجذاب لأسئلته وطروحاته من خلال أساليب مختلفة وأدوات متنوعة منها ما هو نصي وآخر مقامي تداولي وذلك من خلال: طرح السؤال والاستفهام حتى لو على سبيل الاستفهام الاستنكاري، فكثيرا ما تصدرت مقطوعاته بالسؤال الصريح أو المجازي، وهذا الأسلوب يحقق ما يسمى الانتظار والتشوق لما يأتي لاحقا  من معنى ، وبذلك يبقى المتلقي تحت سلطة المعنى الحنيني إلى نهايته وإذا كان السؤال مجازيا يكون التأثير اكبر وأكثر عمقا. ومن الممكن أن يمثل مجموع الأسئلة سؤالا فلسفيا واحدا يختصر تجربة شاعر مغترب بإزاء قضايا حدية وراهنة تعرض إليها في شعره حتى لو على سبيل الكناية والرمز.
    ومما حقق له روح التفاعل أيضا هيمنة أسلوب الشرط بأدواته المختلفة، ولذلك يجد القارئ نفسه بين فعل الشرط منتظرا اكتماله بمجيء الجواب، الذي تختتم به في الغالب قصيدته القصيرة.
    ومما يلفت الانتباه في هذا الديوان أن الشاعر يعتمد إلى حد كبير على استحضار عنصر المفاجأة على مستوى المعنى  لتحقيق أدبية النص، وهو ما يطلق عليه الإيقاع المعنوي وهو إيقاع ينشأ من حركة المعاني الكامنة في النفس والمتفاعلة مع الحركة التعبيرية ليكسبها نموا حيوياً يسري بفعل نظام العلاقات اللغوية والسياقية،والعلاقات الدلالية والإيحائية في النص.
وأخيرا نلحظ في الديوان رومانسية واضحة تخفي وراءها حزنا كبيرا وجرحا عميقا تتحول فيه المرأة إلى رمز دال على الوطن والأمة والقضية والهوية والمسألة الحدية المنسية، وربما قصد المرأة على حقيقتها وهي تحمل معها كل هذه المعاني فتجتمع الحقيقة وضدها في النص الواحد..
    هذا التصدير فيه دعوة للباحثين لقراءة نص الشاعر محمد الحنيني قراءة واعية وفاحصة ومتأنية تختلف عن قراءتي السريعة كي يأخذ المتن وصاحبه مكانهما في المكتبة الأدبية والنقدية.
والله المستعان على كل شيء.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف