الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أسحار رمضانيّة (٢١) بقلم:نزار حيدر

تاريخ النشر : 2014-07-21
                 أسحار رمضانيّة (٢١)
                      نزار حيدر
   {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
   شرطان أساسيان للتصدي لموقع المسؤولية، الصبر واليقين، فهما سرّ الاستقامة المطلوبة من المتصدي، والتي امر الله تعالى بها نبيه (ص) بقوله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} من خلال الأخذ بأسبابها وأدواتها وشروطها، ولذلك فليس غريبا ان يكون علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي تصادف الليلة ذكرى استشهاده في محراب الصلاة في مسجد الكوفة، هو الامام وهو أمير المؤمنين وهو الخليفة بعد رسول الله (ص) لما تميّز به من صبر ويقين، فعندما سُئِلٓ فيما اذا كان قد استشار ابوه قبل ان يؤمن برسالة النبي (ص) أجابهم واثقا {وهل استشار ربّي أبي عندما خلقني؟} ولمّا ضربه اللعين ابن ملجم، قال {فزت وربّ الكعبة} وهو القائل {لو كُشف لي الغطاء ما ازددتُ يقيناً} في إشارة الى اعلى درجات اليقين.
   ان النصر وبكل أشكاله، سواء النصر على الذات او ما يُعرف بجهاد النفس، الجهاد الأكبر، او النصر على العدو الخارجي، او ما يُعرف بالجهاد الأصغر، لا يتحققان من دون هذين الشّرطين، فالشاكّ في منهجه او قضيّته لا يحقق نصرا، كما ان المتردّد الذي ينهار امام ابسط التحديات هو الاخر لا يحقق نصرا، ولذلك لا يمكن ان تتقدم مثل هذه النماذج الصفوف لتقود المسيرة ابدا، لانها ستقودها الى الفشل والى المجهول.
   ولقد وعد الله الصابرين يوم القيامة ما لم يعد غيرهم به، فقال في محكم كتابه الكريم {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} وفي الحديث القدسي الشريف أوحى الله تعالى الى نبيّه داوود (ع) {تخلّقْ بأخلاقي، إنّي أنا الصّبور، والصّابرُ إن ماتٓ مع الصبرِ ماتَ شهيداً، وإن عاشَ عاش عزيزاً} فبالصبر يحقق المرء الاستقامة التي تحقق النصر، فقال تعالى {فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
   ان اليقين الذي تميّز به الامام عليه السلام، والذي خلق كل هذا الوضوح في الرؤية والهدف والأدوات، هو الذي صنع منه نموذجا في الصبر على:
   اولا: تحقيق الهدف الأسمى، فلم يشأ الامام لغيّر ويبدّل، على الرغم من معرفته الكاملة بدواء القوم، الا انه كان يرفض سلوك طريقتهم لتحقيق الهدف، فظلّ يصبر عليه على الرغم من كل التحديات والضغوطات التي وصفها بقوله {لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هذِهِ الْمَدَاحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ} فكان يقول لهم موبّخا{وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي}.
   ثانيا: ولأنّه كان صابرا على الهدف ملتزما بالخط الذي رسمه لنفسه، لذلك رفض ان يلجأ الى الغش والتزوير والخداع للوصول الى هدفه، فعندما جاء له عبد الرحمن بن عوف قائلا (تبايعني على كتاب الله وسنّة نبيه وسيرة الشيخين) رفض الامام ذلك وقال {بل على كتاب الله وسنّة نبيه وعلى جهدي من ذلك وطاقتي} على الرغم من انه كان يعلم علم اليقين بان هذا الرفض سيكلفه خسارة (السلطة) الا انه تمسك بموقفه لانه كان صاحب مبادئ في السياسة والسلطة والإدارة وهو لم يكن طالب سلطة باي ثمن، ابدا، وإنما بثمن معقول لا يتناقض ومبادئه.
   انه كان ينتظر ان تتطابق السلطة مع قيمه ليقبل بها، وليس العكس، كما هو ديدن كثيرون، فكان عليه السلام يرفض الغدر والفجور كطريقة لتحقيق الهدف، لانه كان يعتقد بان الهدف المقدس والطاهر لا يتحقق الا بالوسائل المقدّسة والطاهرة، فعندما قيل له ان معاوية أدهى منه، رفض هذا الكلام والمنطق الأعوج وقال {وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
   ثالثا: كما كان صابرا على النقد والتجريح والمعارضة وحتى إطالة اللسان من قبل معارضيه، فعندما قال رجل من الخوارج، في قصة معروفة: قاتله الله كافراً ما أفقهه، ويقصد به الامام أمير المؤمنين (ع) وثب القوم لِيقتلوه، فقال (عليه السلام): رُوَيْداً، إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْب!.
   وليس سهلا ان يصبر الزعيم على النقد والمساءلة، فما بالك بالسب والتهجم عليه بالكلام البذئ والتهمة الباطلة؟ فها هي دساتير وقوانين البلاد العربية وجل الاسلامية، تنص على عقوبات مشدّدة ضد كل موطن يمسّ ما يسمونه بالذات الأميرية او القائد الضرورة او الزعيم الرمز!.
   لم يشأ الامام ان يتجاوز على حق من حقوق اي مواطن في دولته مهما حرّض ضده او كتب او قال، شريطة ان لا يرفع السيف بوجه الدولة ومؤسساتها، ولذلك لا نجد في دولة الامام (ع) سجين سياسي واحد او معتقل راي واحد، فهو ظلّ يستوعب المعارضة لا زالت لم ترفع السيف بوجهه، ولذلك رفض معاقبة (الخوارج) لازالوا يمارسون حقهم في إطار المعارضة السياسية السلميّة، فقال {لكم عندنا ثلاث خصال، لا نمنعكم مساجد الله ان تصلّوا فيها، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بحربٍ حتى تبدأونا}.
   ان الصبر على الرأي والرأي الاخر منهج ثابت عند الامام يستقيه من القران الكريم الذي يقول{اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} فكان (ع) يقول {وسأصبر ما لم أٓخٓفْ على جماعتكم، واكفّ ان كفوا، واقتصر على ما بلغني منهم} فكان (ع) مصداق لقوله تعالى {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
   رابعا: كما انّه صبر عن حقه بالخلافة فتنازل عنها من اجل تحقيق المصلحة العليا للأمة، فلم يشأ ان يكون سببا لفتنة كادت ان تُشعل أوارها عناصر صاحبة سوابق سيئة في العلاقة مع الاسلام والمسلمين، وعلى رأسهم ابو سفيان وكذلك عمّه العباس.
   فعلى الرغم من يقينه بحقّه في الخلافة، الا ان صبره كان اعظم يقينا منها، فقال عندما عزموا على بيعة الثالث {لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لاَُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الِْتمَاساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ}.  
   إنّ الصبر في هذه المواقف وأمثالها ليس بالأمر الهين، فلطالما تساقط فيها رجال رجال كأوراق الخريف.
   واليوم تحديدا، رأينا كيف يسقط فيها من يدعي التزامه بنهج الامام علي (ع) اذا به يستشيط غضباً اذا ما انتقد احدٌ قائده الضرورة، او تراه يقفز على كل المبادئ والقيم بمجرد ان يتّهم احدٌ معبوده الزعيم الأوحد، او تراه يسحق كل ما يؤمن ويعتقد به لمجرد ان يُلام القائد الضرورة على فشل او هزيمة، او انّه يخرج عن طوره فينسى حتى إيمانه وأخلاقه فيستعير لغة الشارع، بمجرد ان يسمع احدٌ يقول؛ ان على عين القائد الضرورة حاجب!!!.
   كما رأينا بآم أعيننا كيف يتكالب الرجال على السلطة ويتقاتلون ويصطرعون عليها، حتى اذا كان الثمن تدمير البلاد وتعريض الشعب لمخاطر جمة.  
   وكل رمضان وانتم بخير.
   ١٨ تموز ٢٠١٤
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف