الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

محمود درويش : شعرية الحياتي بقلم:د. عبدالله عيسى

تاريخ النشر : 2014-07-02
محمود درويش : شعرية الحياتي بقلم:د. عبدالله عيسى
محمود درويش * : شعرية الحياتي

د. عبدالله عيسى **
٥- من شاعرية التجريدي ّ إلى شعريّة الحياتي ّ:
٥-أ:
منذ خمسينات القرن الماضي ، أيضاً ، تزامنت ظاهرة الاقتراب من الحياتي ّ مع ظاهرة الترميز الأسطوري ّ كأحد تجليّات الإصرار على كتابة التجربة الخصوصيّة .
هذه الروح الباحثة عن كتابة إبداعية جديدة لتجربة الذات الشاعرة مسٌت لحظة الخلق الشعريّة ، كون هاتين الظاهرتين تشتركان في مقاطعة التجريدي ّ المطلق وتجسيد إيقاعات التجربة بالصورة أو الأسطورة بانزياحات جوهرية في الكلمة ، تصورات وعلائق .
إن نهوض تفاصيل ومفردات الحياتي ّ ، وصور وحالات المعيشي ّ ، إلى اللغة استقدم ، لا بد ّ، استبدالاً للعناصر اللغوية المألوفة ، واختراقاً لبُناها المعهودة القائمة على التجريديّة والذهنيّة ، مما خص ّ الكلام الشعري ٌ بطاقات دلاليّة جديدة ، ومكّن الرؤيا الشعرية من ولوج فضاءات مجهولة ، حيويّة ، ومتعددة ، خاصة أن هذا النهوض تعمّق في ملامسة الصوت الشعري ٌ بأبعاده المختلفة ( الأنا ، الآخر /الأنا، نحن .. الخ ) ، والعالم ٓ الشعري ّ بمداراته المتنوعة على صعيد العلاقات بين العناصر الدالّة المتفاعلة و البناء بشكل عام ّ.
ولأن ملاحقة هذه الاتجاهات لا يشكّل مشغلاً لبحثنا هذا ، فإن عنايتنا بنماذج يتكثّف فيها انحسار الموضوعات الكونيّة الكبرى ، وانشغال الرؤيا الشعريّة على عوالمها من أشياء وحالات الحياتي ّ والمعيشي ٌ .
٥-ب
يتأمَّلُ أَيَّامَهُ في دخان السجائر،
ينظُرُ في ساعة الجَيْب:
لو أَستطيع لأبطأتُ دَقَّاتها
كي أُؤخِّر نُضْجَ الشعير!...
ويخرج من ذاته مرهقاً نزقاً:
جاء وقتُ الحصادْ
أَلسنابلُ مثقلةٌ، والمناجلُ مهملةٌ، والبلادْ
تَبْعُدُ الآنَ عن بابها النبويِّ.
يُحَدِّثُني صَيْفُ لبنانَ عن عِنَبي في الجنوب
يُحَدِّثُني صَيْفُ لبنانَ عمَّا وراء الطبيعةِ
لكن دربي إلى الله يبدأ
من نَجْمَةٍ في الجنوب...

- هل تُكَلِّمُني يا أَبي؟
- عقدوا هُدْنَةً في جزيرة رودوس ،
يا بني!
- وما شأننا نحن، ما شأننا يا أبي؟
- وانتهى الأمرُ ...
- كم مرّةً ينتهي أَمرُنا يا أَبي؟
- إنتهى الأمر. قاموا بواجبهم:
حاربوا ببنادقَ مكسورةٍ طائرات العدوّ.
وقمنا بواجبنا، وابتعدنا عن الزَنْزَلَخْتِ
لئلاّ نُحرِّكَ قُبَّعَةَ القائد العسكريّ.
وبعنا خواتم زوجاتنا ليصيدوا العصافير
يا ولدي!

- هل سنبقى ، إذاً ، ههنا يا أبي
تحت صفصافة الريح
بين السموات والبحر؟

- يا ولدي! كُلُّ شيء هنا
سوف يُشْبِهُ شيئاً هناك
سنُشْبِهُ أَنفُسَنا في الليالي
ستحرقنا نجمة الشَبَه السرمديَّةُ
يا ولدي!

- يا أَبي ، خفِّف القولَ عَنِّي!
- تركتُ النوافذَ مفتوحةً
لهديل الحمامْ
تركتُ على حافَّة البئر وجهي
تركتُ الكلامْ
على حَبْلهِ فوق حبل الخزانةِ
يحكى ، تركتُ الظلامْ
على ليله يتدثَّرُ صُوفَ انتظاري
تركت الغمامْ
على شجر التين ينشر سِرْوالَهُ
وتركتُ المنامْ
يُجدِّدُ في ذاتِهِ ذاتَهُ
وتركتُ السلام
وحيداً ، هناك على الأرض...

- هل كُنْتَ تحلُمُ في يَقْظتي يا أَبي؟
- قُمْ . سَنَرْجِعُ يا ولدي!(١)
عادة ما تتشابك النماذج الشعرية المؤسسة على حضور الحياتي ّ - المعيشي ّ في مقدرتها على صياغة نسيج نصي ّ مبني ّ على درامية العلاقات بين الأشياء ، أو تفكٌكها ، أو ربطها بين أشياء وعوالم متباينة ، لكنها في القصيدة الدرويشية الجديدة تتقدّم بمقترحات جمالية بكيمياء معاناة الكلمة والروح في توهج جمرة الكشف عن الذات والعالم ، لاكتشافها في ماء الكتابة الجديدة التي تتقدّم فيها حياتهما نحو ضفّة تخرج من رماد الموت مبللّة بأنفاس الأبدية .
إن حساسيّة المفردات العادية ، اليومية تحرّض الصورة على أن تخلع عنها مزايا التجريد والمطلق وتُحيلها إلى جسد مقروء . كما أن نسج هذه المفردات الحياتيّة في صورة مجسّدة تسمو بنكهة الإنساني ّ يرفع حساسيّتها من العادي ّ المألوف إلى مستوى يشحنها بدلالات وإيحاءات جديدة .
فيما تمارس الأشياء العادية ، اليومية ( دخان السجائر ، ساعة الجيب .. الخ ) قابلية صعود المفردات الحياتيّة من عاديّتها للمشاركة في صياغة العلاقات الدراميّة في النص ّ الشعري ٌ بدلالاته التاريخيّة القائمة على إعادة صياغة زمن الذاكرة .
هذه المفردات والأشياء الحياتية ، بما فيها المفرطة في عاديّتها ، تستمد حيويّة ومقدرة على الإدهاش حين تتجسّد في حركيّة صورة مصاغة بإيقاعات زمن الحلم المفتوح على تاريخ يبدأ من حديث الذاكرة الذي يفجّر نبرة الصوغ الحياتي ّ ، مما يجعل الكلام العادي ّ يرتقي بدلالاته وإيحاءاته إلى مستوى الحياة العاديّة ، والإنفتاح على حركيّتها .
٥-٢
تمثُل القصيدة الجديدة حساسية الاقتراب من روح الحياة ، أشياءً وتفاصيل وحالات ٍ و هواجس..، تجسّدت برؤيا كسر الصورة الكليّة المجردّة للعالم ، وإعادة بنائه بالتقاط حركية مفرداته ، وخلقه بما توحي به توتّرات التجربة ذاتها .
وفق هذه النظرة ، فإن الاتصال بعناصر وجزئيات الحياة ، واختبار تفاعلها في النص ّ ، تبعاً لما تستقدمه الرؤيا ، مكّن من الافتراق عن الأدوات التعليريّة المألوفة المؤسّسة على التجريديّة أو الذهنيّة ، وتشكيل عوالمها الشعريّة بالصورة المجسِّدة لحركية الحياتي ّ- المعاشيّ كما تستحضرها التجربة التي غالباً ما تسقط عن هذه المفردات أبعادها القيميّة ودلالاتها المعهودة .
كما أن كتابة التجربة الغالم ٓ بناء على حركية الأشياء تُشيّئ ُ العالم ، وتسمح في المحصلة بكتابة تحولات الإنسان إلى عالم شيئٍي ّ من خلال إعطاء معانٍ جديدة للأشياء والعالم ، اولاً ، في علاقتهما بالإنسان .

الهوامش :
(١)- أنظر . محمود درويش . لماذا تركت الحصان وحيداً . دار الريس لندن . ط١ . ١٩٩١. ص٣٦-٣٧ .

*مقالة من كتاب " محمود درويش : التجدد الدائم والجديد الأبدي . قراءة في علم جماله الشعري " ينشر تباعاً ، وهو جزء من رسالة دكتوراه أنجزت عام ١٩٩٩، الكتاب مترجم بالروسية ، وألقيت منه محاضرات في جامعات ومعاهد ومحافل عديدة .
**أكاديمي وشاعر فلسطيني مقيم في موسكو .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف