بتير على لائحة التراث العالمي: بداية وليست غاية
بقلم: مصطفى بدر
منذ أن لاح سراب الجدار من بعيد في أفق بتير قبل سنوات, وهذا الشبح يفزع أهلها وينغّص عليهم ليلهم ونهارهم, فخط سكة حديد "القدس – يافا" ومنذ أن بنائه قبل أكثر من قرن, كان نعمةً ومصدر انتعاشٍ للسكان والمنطقة بأكملها في الـ50 سنةً الأولى من عمره, فهذا النعيم قد تحول بعد النكبة إلى جحيمٍ على القرية وأهلها؛ فأصبح القطار كأفعىً تحوم حول أراضي القرية, وكاد أن يكون سبباً في تهجير أهلها لولا استغلال الظروف وحنكة أبنائها التي أنقذت بتير وانتهت باتفاقية الهدنة (رودس) التي وقعتها الأردن مع العدو بعد النكبة.
وكثيراً ما سال دم أهل بتير ودمعهم على قضبان سكة الحديد, التي لم يرفضوا وجودها بقدر ما رفضت هي وجودهم بعد أن أصبحت شركة سكة حديد فلسطين بيد المحتل, لتبدأ حربٌ صامتةٌ طويلة, لم تتجسد معالمها إلا بعد أكثر من نصف قرنٍ في أروقة المحاكم وأوراق الصحف والشاشات.
ورغم كل تلك المؤآمرات على بتير, فقد أثبتت للعالم أجمع أن قريةً صغيرة استطاعت أن تهزم كياناً كاملاً بجيوشه واستخباراته ولوبياته وأجهزته الدبلوماسية, وأن الفلاح الفلسطيني الذي يزرع الباذنجان البتيري في مدرجات القرية قد أخزى المسؤولين الإسرائيليين وسوّد وجوههم أمام العالم, وأن حجراً أثرياً صغيراً متراصاً في مدرجات القرية قد صرخ ليفضح كذبة دولة إسرائيل, وبإصرار أهل القرية وزمرةٍ من موظفي اليونسكو استطاعوا جرّ القيادة الفلسطينية ورائهم على هذا الدرب ولفت أنظارهم إلى هذه الطريقة الفعالة في قلب الموازين.
كل العالم الآن يراقب بتير, وما الذي سيحصل بعد ذلك, والمعركة مستمرة في المحاكم مع الجيش الذي ليس إلا أداةً لتطبيق الجشع الصهيوني, ولم يفكر أهالي بتير يوماً بدخول قريتهم ومعالمها الأثرية ونظام الري المائي فيها إلى لائحة التراث العالمي لليونسكو كغاية, وإنما كوسيلةٍ من الوسائل في حماية أرضهم وتراثهم من الجدار الذي سيمزق بتير في وسط منطقتها التاريخية الخصبة, ولم يهتم أهالي بتير بالسياحة في القرية بقدر اهتمامهم بحفاظهم على أرضهم وجمالها وخيرها, فهم من يملكون هذه الأرض ويملكون هذا الإرث الحضاري الذي فوقها, ولا يحق لأيٍ كان أن يسلبه منهم.
والجميع يخسر في بتير بقيام الجدار؛ فالفلاح يخسر أرضه, وعاملو السياحة يخسرون رزقهم, وفلسطين ستخسر احدى أجمل بقاعها, ولكن هذه المرة, إلى الأبد.. والمعركة طويلةٌ جداً, ولا زلنا في البداية.. والطريقُ طويل..
بقلم: مصطفى بدر
منذ أن لاح سراب الجدار من بعيد في أفق بتير قبل سنوات, وهذا الشبح يفزع أهلها وينغّص عليهم ليلهم ونهارهم, فخط سكة حديد "القدس – يافا" ومنذ أن بنائه قبل أكثر من قرن, كان نعمةً ومصدر انتعاشٍ للسكان والمنطقة بأكملها في الـ50 سنةً الأولى من عمره, فهذا النعيم قد تحول بعد النكبة إلى جحيمٍ على القرية وأهلها؛ فأصبح القطار كأفعىً تحوم حول أراضي القرية, وكاد أن يكون سبباً في تهجير أهلها لولا استغلال الظروف وحنكة أبنائها التي أنقذت بتير وانتهت باتفاقية الهدنة (رودس) التي وقعتها الأردن مع العدو بعد النكبة.
وكثيراً ما سال دم أهل بتير ودمعهم على قضبان سكة الحديد, التي لم يرفضوا وجودها بقدر ما رفضت هي وجودهم بعد أن أصبحت شركة سكة حديد فلسطين بيد المحتل, لتبدأ حربٌ صامتةٌ طويلة, لم تتجسد معالمها إلا بعد أكثر من نصف قرنٍ في أروقة المحاكم وأوراق الصحف والشاشات.
ورغم كل تلك المؤآمرات على بتير, فقد أثبتت للعالم أجمع أن قريةً صغيرة استطاعت أن تهزم كياناً كاملاً بجيوشه واستخباراته ولوبياته وأجهزته الدبلوماسية, وأن الفلاح الفلسطيني الذي يزرع الباذنجان البتيري في مدرجات القرية قد أخزى المسؤولين الإسرائيليين وسوّد وجوههم أمام العالم, وأن حجراً أثرياً صغيراً متراصاً في مدرجات القرية قد صرخ ليفضح كذبة دولة إسرائيل, وبإصرار أهل القرية وزمرةٍ من موظفي اليونسكو استطاعوا جرّ القيادة الفلسطينية ورائهم على هذا الدرب ولفت أنظارهم إلى هذه الطريقة الفعالة في قلب الموازين.
كل العالم الآن يراقب بتير, وما الذي سيحصل بعد ذلك, والمعركة مستمرة في المحاكم مع الجيش الذي ليس إلا أداةً لتطبيق الجشع الصهيوني, ولم يفكر أهالي بتير يوماً بدخول قريتهم ومعالمها الأثرية ونظام الري المائي فيها إلى لائحة التراث العالمي لليونسكو كغاية, وإنما كوسيلةٍ من الوسائل في حماية أرضهم وتراثهم من الجدار الذي سيمزق بتير في وسط منطقتها التاريخية الخصبة, ولم يهتم أهالي بتير بالسياحة في القرية بقدر اهتمامهم بحفاظهم على أرضهم وجمالها وخيرها, فهم من يملكون هذه الأرض ويملكون هذا الإرث الحضاري الذي فوقها, ولا يحق لأيٍ كان أن يسلبه منهم.
والجميع يخسر في بتير بقيام الجدار؛ فالفلاح يخسر أرضه, وعاملو السياحة يخسرون رزقهم, وفلسطين ستخسر احدى أجمل بقاعها, ولكن هذه المرة, إلى الأبد.. والمعركة طويلةٌ جداً, ولا زلنا في البداية.. والطريقُ طويل..