الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأجهزة الأمنية ودورها في مأزق (الربيع العربي)بقلم عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2014-05-19
الأجهزة الأمنية ودورها في مأزق (الربيع العربي)بقلم عادل بن مليح الأنصاري
الأجهزة الأمنية ودورها في مأزق (الربيع العربي)

لعادل بن مليح الأنصاري

في البدء ليس مهما ذلك التصنيف (الفصلي) لحقبة التغيرات العربية الحديثة , فليس هناك مقياس يوثق به لوصفه ربيعا أو خريفا أو صيفا أو شتاء , ولو أن بعض تلك الدول العربية لم تشهد إلا صيفا حارا طويلا لا نعلم نهاية له .
ربما داهمتني أفكار عن ذلك التحويل التاريخي الذي اجتاح بعض الدول العربية في ظل غياب أو غفلة عجيبة " للأنظمة الأمنية " في تلك الدول , أو ربما مدى الإرباك الذي اجتاح تلك الأنظمة أو سوء التقدير أو لنسمها بما شئنا !
العالم العربي قبل "هذا الربيع" لا شك هو غيره بعده , وحتى في أعمق الدراسات ربما يصعب حصر وتحديد أسباب هذا الاجتياح التاريخي المفاجئ للأحداث ودراميتها الشديدة أحيانا .
هنا نبدأ بتناول ما ترسب في قعر ذاكرتنا العربية "البائسة" عن بعض تلك الدول وأنظمتها وشعوبها , وما يهمنا هنا هو الوضع الأمني وما نتفق عليه من حيث الرؤية السابقة لربيعنا هذا .
فمثلا تونس وليبيا وسوريا , هناك صورة نمطية مازالت عالقة في ذاكرة الإنسان العربي عن أجهزتها الأمنية (مباحث أمن دولة- استخبارات – وغيرها) , ومثلي كأي عربي يذكر ذلك النمط من أنها أجهزة " قمعية قاسية لا ترحم مرعبة دقيقة سريعة التحرك " وربما نذكر تلك الأنماط السائدة وقتها سواء كانت حقيقية أو مجازية " من كون المواطن لا يستبعد أن يكون أخاه أو أباه أو ولده أو قريبه" منتسبا لأحد تلك الأجهزة ولن يتردد في الإيقاع به , وربما حتى بين الزوج وزوجته , وبعيدا عن مدى صحة ودقة تلك الصورة النمطية إلا أنها تعكس الثقافة السلوكية للإنسان العربي في التعامل مع تلك الجهات , ومدى خوفه منها وحتى من ظلمها وتجنيها لدرجة أصبح الكلام عنها أو حولها من المحرمات ومن الأمور المؤدية ( لوراء الشمس ) , ولم تقصر النوافذ الإعلامية خاصة السينما من تناول تلك الثقافات بشتى الصور والتي تتفق في تكريس النمط المرعب في التعامل مع تلك الجهات .
ولكن ما هو المأزق الذي وقعت فيه تلك الأنظمة لتزلزل الأرض من تحتها "على حين غرة" وتختفي تلك الصورة النمطية من دقة وسرعة وعنف تلك الأجهزة في التعامل مع بوادر الربيع العربي ؟
في اعتقادي السبب هو تكريس النمط المتوارث في التعامل بين المواطن وبين تلك الأجهزة , فرجال تلك الأجهزة توارثوا الصورة النمطية والتي تتراوح بين خوف المواطن وفكرة القسوة والسرعة والدقة في إيقاد نار ذلك الخوف باستمرار في ذاكرة المواطن العربي والحرص على توارثه لتلك الصورة أبا عن جد , مما نتج عنه ركود نمطي بين الجهتين , فهذا يخاف وذاك يخوفه .
استمر نمط التعامل حتى ما قبل تأجج ذلك " الربيع " , وهنا ظهرت الفجوة التنظيمية لتلك الأجهزة كما ظهرت السلوكيات النائمة في قلب ذلك المواطن .
أما بالنسبة للفجوة التنظيمية ( من وجهة نظري البسيطة ) , هي تركيز تلك الأجهزة لفكرة الخوف وتأجيج نلك الفكرة بشتى الوسائل والاعتماد عليها كصمام أمان ضد أي انفجار أو خروج عن الرتم المتوارث بين الجهتين , ثم غياب الدراسات الحديثة والمستمدة من تطور العلوم الاجتماعية والنفسية , والأهم إلقاء نظرة على صفحات التاريخ المختلفة والتي قد تتكرر فيها أنماط سلوكية بشرية إذا تشابهت الظروف والبيئات .
ذلك المأزق هو الاهتمام بقياسات الخوف وتداول ذلك الخوف وتوارثه والتندر بأخباره وتصويره فنيا بشتى الصور المرعبة لكسر أي نمط قد يخرج عن السياق المراد له .
وإغفال نمط أخر هو الذي تسبب حقيقة في اندلاع أعاصير ذلك الربيع , ذلك النمط ببساطة هو إغفال مدى الاحتقان وعدم الرضا عن قرارات متخذي القرار في الكثير من المسائل الهامة والتي أخذت مع الوقت تتسلل لصميم حياته ومعيشته وحتى كرامته ,
كانت تلك الصورة أشبه ببالون يزداد كل يوم حجما وضخامة وينتظر رأس الإبرة الصغير جدا ليحدث في الانفجار الغير متوقع .
لقد رضي رجال تلك الأجهزة بقشور الخوف وتناسوا لب الاحتقان الأخطر , ولم يقدر لذلك الربيع من إلقاء أعاصيره على مجتمعنا العربي إلا بعد أن وصلت تلك الاحتقانات لمستوى الاقتراب ثم الاصطدام برأس الإبرة والذي تغافل عنه رجال تلك الأجهزة .
ربما ساعد في اختفاء ذلك النمط الاحتقاني هو نموه ببطء شديد وخفي , وساعد في ذلك إذكاء ناره من قبل رؤوس السلطة في التمادي في الظلم وعدم تبني مبدأ ( العدالة الشاملة ) .
ولا ننسى ظهور تقنيات التواصل والتي فتحت " أنفاق زمنية " اختصرت الكثير من الوقت لتصل تلك الأنماط الاحتقانية لمرحلة الإعلان المدوي والتأثير المباشر بين المواطن المتلقي البسيط وبين النشطاء والذين "ربما" تكون لهم أهداف سلطوية لا تأخذ مصلحة ذلك المواطن بعين الاعتبار , وربما لو قدر لهم في الوصول للسلطة لأعادوا عجلة التعامل معه لذات الأساليب الساحقة والظالمة والتي طالما اشتكى منها عبر تاريخه البائس .
لقد فجر ذلك النمط الاحتقاني وبمساعدة ثورة الاتصالات والعبث في عقول الجماهير من أصحاب النوايا (الحسنة أو السيئة) على حد سواء في وصول "إبرة" الرفض لكل مظاهر الظلم وغياب "العدالة الشاملة" لبالون السلطة بأجهزته القمعية ليحدث فيها ما حدث .
وهنا يبرز سؤال مهم , هل ستتعامل بقية الأجهزة الأمنية لبقية الأنظمة بنفس الأسلوب البدائي من حيث التعامل مع المواطن العربي بعصا الخوف والتغافل عن بركان الاحتقان النائم ؟
وليس ذكاء لو قلنا أن هذا الخيار يعتبر "غباء" يرفضه التاريخ والعقل , ربما يجب على تلك الأجهزة البدء في تغيير معايير التعامل مع المواطن وتبدأ في قياس مدى الضغوط الملقاة على كاهلة واحتساب مقياس التراكم وقرع جرس الإنذار لرموز السلطة في حال لو وصل هذا المقياس لمستويات خطيرة .
إن أسلوب القمع يجب أن يندثر مع حقبات زمنية قضت نحبها أمام تطور كافة مجالات حياة البشر , ولا ننسى أن التقدم المستمر لبعض شعوب الأرض خاصة في مجال حقوق الإنسان ورفض كل أنماط الاستعباد والقهر يحتم عليها (ذات زمن) من التدخل لتغيير مسارات بعض الشعوب التي تأبى إلا استعباد الإنسان في حقبة زمنية ترفض ذلك وتعتبره مسألة إنسانية عالمية لا يمكن التغاضي عنها بأية حالة كانت , وفي ظل تداخل وتمازج مصالح البشر خاصة مع مرور الوقت يسهل على المنظمات العالمية ولا شك (ذات زمن) من الضغط وبكل سهولة لتغيير تلك الأنماط البدائية في التعامل بين البشر .
والحل هو مواكبة التطور البشري بدل إعاقته والوقوف ضد (طوفانه الذي لا مفر منه) .
كيف ذلك ؟ ؟ ؟
( بالعدالة الاجتماعية الشاملة )
تلك العدالة هي " فقط " التي تبدد الاحتقان الجماهيري وتبني جسورا من الرضا بين الشعوب وسلطاتها , وليس الخوف والقمع اللذان لن يصمدا طويلا أما عجلة التاريخ ولو اجتمعت كل أجهزة القمع في العالم لمده بروح الحياة .
ولنا في التاريخ أبلغ العبر وأصدق الدروس , فشاه إيران وبكل أجهزته الأمنية ومساندة أعتى أجهزة العالم في مساندته لم يقف أما الاحتقان المتراكم من ( بعض الإيرانيين ) ولم يصمد 24 ساعة بعد وصول خميني للمطار , هنا تغلب الاحتقان على الصورة النمطية للخوف والقسوة والدقة والقوة وكل الإمكانات الجبارة التي كانت تخدمه !
وفي صفحة أخرى من التاريخ نشاهد ( بن علي و القذافي وبشار ) بكل قوتهم وجبروتهم وثقتهم بأنفسهم وبأجهزتهم " الأمنية " وبكافة أنماط الخوف والتسلط والجبروت والقسوة , وقد سقطوا بكل سهولة كبالونات متفجرة بإبرة الاحتقان المتراكم من شعوبهم .
إن من أبلغ دروس التاريخ التي قد نتأملها أن التاريخ لا تتوقف عجلاته عن الدوران , حتى لو كانت الدولة عادلة , فالتغيير حتمية تاريخية , وإلا لدامت دولة النبوة ليومنا هذا , لقد كان ( محمد صلى الله عليه وسلم) يأمر الأمر فينفذه الصغير قبل الكبير وفي الخفاء قبل العلن , ومع هذا انتهت دولة النبوة , وحتى مع ظهور دولة الخلافة "يرى البعض" أن بوادر الاحتقان بدأت من أول أيام تلك الدولة بدءا من سقيفة بني ساعدة وحتى موقعة الجمل .
إن مبدأ ( العدالة الاجتماعية الشاملة) هو مبدأ " قد " يطيل عمر الدول لا أكثر وقد يساهم في كتابة تاريخ رجالها بماء الذهب وبياض الصحائف والذكر الحسن لا أكثر ,, أما " التغيير" فهو سنة كونية لا انفكاك منها ,,, ولكن ( بالعدل الشامل ) يطول عمر الدول وتسعد الشعوب وتنتشر الطمأنينة والمحبة والرضا بين البشر .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف