الأخبار
بلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع الشعب الفلسطيني.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولى
2024/4/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأزمة الأوكرانية وأمن الطاقة (1) بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني

تاريخ النشر : 2014-05-01
الأزمة الأوكرانية وأمن الطاقة (1)
الدكتور بهيج سكاكيني

ما زالت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تبحث عن عقوبات اقتصادية ذات تأثير فعال على روسيا وذلك بهدف فرملة الاندفاع الروسي على الساحة العالمية والتقليل من قدرته على مد نفوذه في منطقة اوراسيا الاستراتيجية وذلك في محاولة بائسة ويائسة لعزله عن محيطه ومحاصرته جغرافيا وربما عسكريا من خلال خلق مزيد من التواجد العسكري لقوات الحلف الأطلسي والقوات الامريكية في محيطه وعلى حدوده مباشرة. وبالرغم من العنتريات الكلامية للإدارة الامريكية، والتصريحات النارية التي تأتي من هنا وهناك للمحافظين الجدد الذين يبدو على أنهم بعثوا للحياة مرة أخرى مع الازمة السورية والازمة الأوكرانية، كما يتضح من الآراء والافتتاحيات للعديد من الصحف الرسمية الامريكية وتلك التابعة للمحافظين الجدد، نقول بالرغم من كل هذا فان العقوبات التي فرضت لغاية الان لم تتجاوز سوى وضع القيود على حركة بعض الشخصيات من روسيا أو شبه جزيرة القرم الى جانب بعض العقوبات التي تمس بدرجة لا تذكر على حركة الأموال، ومؤخرا أضيفت 17 شركة روسية الى قائمة العقوبات. ولعل السبب الرئيسي في ذلك لا يعود الى حسن النوايا الامريكية او الأوروبية، ولكنه يعود الى مدى تضرر الاقتصاد الأوروبي بالدرجة الأولى من التصعيد والتصادم مع روسيا وخاصة في مجال تأمين مصادر الطاقة الضرورية لدوران عجلة الاقتصاد الأوروبي المترنح أصلا بمجمله، والذي ما زال يعاني من ركود غير مسبوق أوصل العديد من دوله الى حافة الإفلاس كما كان الحال في اليونان لولا ضخ ما يقارب من 90 مليار دولار لضمان تلافي حالة الانهيار التام للدولة.
يلعب أمن الطاقة عنصرا أساسيا في تأطير وتحجيم ردود افعال الدول الأوروبية في مجال العقوبات الغير مبررة تجاه روسيا للأحداث التي شهدتها وتشهدها أوكرانيا في المرحلة الحالية، والتي تتحمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المسؤولية الأكبر ان لم تكن المسؤولية الكاملة عنها. وما نقصده بأمن الطاقة هنا هو الاعتماد على مصدر للطاقة الذي يستطيع تأمين الطاقة بدون انقطاع وبأسعار رخيصة لضمان دوران العجلة الاقتصادية للبلد المعني دون انقطاع الذي قد يتسبب عن خسارات فادحة لاقتصاد.
تعتمد الدول الأوروبية الى حد كبير على الغاز الروسي كمصدر من مصادر الطاقة التي تستوردها القارة الأوروبية. ويقدر أن شركة الغاز الروسية غازبروم قد أمدت الدول الأوروبية 155 بليون متر مكعب من الغاز العام الماضي، وهذا يشكل ما يقارب من 31% من احتياجات الدول الاوربية مجتمعة (3 ابريل فايننشال تايمز 2014 ). ولقد لخصت الصحيفة بمقال تحت عنوان "الإدمان الأوروبي الخطير على الغاز الروسي" مدى اعتماد كل دولة من الدول الأوروبية على استيراد الغاز من روسيا عام 2012، وهي أرقام مذهلة للغاية. فهنالك عدد من الدول تستورد كل احتياجاتها من روسيا وهي فنلندا، بلغاريا،استونيا، لاتفيا، ليثوانيا، تشيكوسلوفاكيا وسلوفاكيا. وعلى الرغم من أن بقية الدول الاوروبية لا تصل نسبة وارداتها من الغاز الروسي الى 100%، الا انها في معظمها ما تزال وارداتها من هذه المادة الاستراتيجية عالية حيث تصل هذه النسبة الى 80% بولندا، 86 % رومانيا، 71% النمسا، 60% اليونان، 45 % سلوفينيا، 36 % المانيا و 28% إيطاليا. وليس سرا ان الدول الأوروبية وبتشجيع ظاهر ودؤوب من الولايات المتحدة تسعى للتخلص من هذا الاعتماد الكبير على هذه المادة الاستراتيجية والتي يمكن استخدامها كسلاح سياسي. ولقد بذلت الولايات المتحدة قبل سنوات جهودا لإقناع الدول الأوروبية بدعم مشروع "Nabucco" وهو خط الغاز الذي كان من المفترض أن يقوم بنقل الغاز الطبيعي من حقول الغاز في أذربيجان الى وسط وجنوب شرقي أوروبا بدلا من " South Stream" الروسي لشركة غازبروم الروسية. ولكن مشروع Nabucco لم يكتب له النجاح للعديد من الأسباب، التي لا مجال لذكرها هنا. ومع مجيء الازمة الأوكرانية عادت قضية الاعتماد الكبير للغاز الروسي تتصدر الاهتمام، وخاصة وان ما يقارب ثلثي الغاز الروسي الذي يغذي الدول الأوروبية يمر في مرحلة ما بالأراضي الأوكرانية. ولم يغب عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ان يذكر الأوروبيين بهذا الامر وضرورة التخلص من الاعتماد المفرط على الغاز الروسي، نظرا لإمكانية استخدام هذه السلعة كسلاح سياسي من قبل روسيا.
ولقد مرت للدول الأوروبية بتجربتين وذلك في عامي 2006 و 2009 عندما قامت الشركة الروسية غازبروم بقطع إمدادات الغاز لفترة بسبب عدم تسديد أوكرانيا للديون المستحقة عليها للشركة وعدم قبولها رفع الأسعار الذي أقدمت عليه الشركة، وقيامها في عام 2009 بسرقة بعض الغاز المار عبر الانابيب بأراضيها والذي كان من المفترض ان يذهب الى الدول الأوروبية. وعلى أثرها قامت بعض الدول الأوروبية وخاصة تلك الواقعة في الجنوب الشرقي من أوروبا والتي تعتمد اعتمادا شبه كامل على الغاز الروسي بإغلاق المدارس والابنية الحكومية بعدما فرغت كميات الغاز لديها. وقامت بلغاريا بتوقيف الإنتاج في المصانع الرئيسية، أما سلوفاكيا فقد أعلنت حالة الطوارىء. ولقد أدى قطع امدادات الغاز الروسي عن أوروبا بارتفاع حاد في أسعاره العالمية. ولقد أعقب هاتين الحادثتين وخاصة عام 2009 الى قيام بعض الدول الأوروبية باتخاذ بعض التدابير التي من الممكن أن تخفف من اثار مثل هكذا حوادث مستقبلية. فقد عمدت بعض الدول الى زيادة سعة تخزين الغاز الطبيعي بالإضافة الى قيام البعض ببناء محطات مجهزه لاستقبال الغاز المسال المستورد من قطر ونيجيريا. ولكن هذه التدابير ليست بالكافية على الاطلاق لتحقيق التحرر النسبي من الاعتماد على الغاز الروسي.
ويشير الدكتور برينشتاين كلنت المتخصص والباحث في شؤون الغاز والبترول الأوروبي والروسي بأن على الدول الأوروبية استثمار ما يقرب من 215 بليون دولار وتحمل زيادة سنوية قدرها 37 بليون دولار فيما إذا قررت التخلص من الاعتماد على الغاز الروسي بالدرجة التي هي عليها الان، وهذه مبالغ لا تستطيع الدول الأوروبية توفيرها وخاصة في ظل مناخات اقتصادية متردية، وبالتالي فان برينشتاين يستخلص " بانه سواء أحبت أوروبا الامر أم لم تحبه فإنها ستبقى في حالة اعتماد على الغاز الروسي". وهذا ما قد يفسر تردد العديد من الدول الأوروبية وعدم تحقيق نوع من التوافق او الاجماع الأوروبي على اتخاذ أو تبني حزمة من العقوبات الاقتصادية الموسعة ضد روسيا التي تسعى اليها الولايات المتحدة ( الموقع الاخباري ابريل American Interest 28).
مع التطور الذي حصل في التقنيات الذي اتاح استخراج الغاز والنفط الصخري في الولايات المتحدة بكميات ضخمة مما وضعها في المرتبة الأولى عالميا الان من حيث انتاج الغاز، تعالت بعض الأصوات في أمريكا من الجمهوريين للإسراع في تصدير الغاز الى الدول الأوروبية وذلك للتقليل من اعتمادها على استيراد الغاز الروسي، وخاصة بعد الاحداث في أوكرانيا. ومن المؤكد ان مثل هذه الدعوات لا تنبع من محبة في الاستخدام الاستراتيجي لمصدر الطاقة هذا في دعم الحلفاء في الخارج بقدر ما هو دعم للشركات الامريكية العملاقة وإيجاد أسواق جديدة لها، بالإضافة الى محاربة روسيا اقتصاديا في سلعة أساسية تساهم فيما يقرب من 50% من الدخل الروسي. ولقد شاركت في هذه الحملة عدد من الصحف المعدودة على اليمين الأمريكي والمحافظين الجدد مثل وورلد ستريت جورنال ( 3 & 6 مارس 2014) وغيرها. ان تصدير الغاز الصخري الأمريكي الى أوكرانيا التي تهدد روسيا بقطع الغاز عنها فيما إذا لم تقم بدفع المستحقات عليها لشركة غازبروم، او الى الدول الأوروبية ممكنا من الناحية النظرية، ولكن هذا ليس بالأمر السهل تحقيقه في المرحلة الحالية، حتى لو قررت الإدارة الامريكية الان ان تقوم بذلك. وذلك يعود لعدة أسباب، لعل من أبرزها ان الولايات المتحدة لا تمتلك الا محطة واحدة فقط لديها التجهيزات الكافية لنقل الغاز الطبيعي المسال عبر المحيط الأطلسي الى أوروبا. وربما هذا يعود الى ان الولايات المتحدة كانت معنية سابقا ببناء محطات لاستقبال الغاز المسال المستورد، وذلك قبل التغير الدراماتيكي الذي حصل بالقدرة التقنية الامريكية، التي سمحت باستخراج الغاز الصخري الأمريكي ووضعها في مصاف الدول القادرة على تصدير هذا الغاز. وعلى الرغم من وجود عدة طلبات مقدمة من شركات البترول لبناء البنى التحتية الضرورية التي ستمكنها من تصدير الغاز الطبيعي المسال، فان هذه الطلبات ما زالت قيد البحث للحصول على الموافقة من إدارة الرئيس أوباما. وحتى لو تم الحصول على الموافقة على بناءها الان، فان الامر سيستغرق عدة سنوات قبل التمكن من تصدير كميات كبيرة من الغاز الى الدول الأوروبية. ومما يجدر الاشارة اليه هنا ان الامر الخاص بالبنى التحتية لا يقتصر على أمريكا فقط بل يتعداه ليشمل الدول الأوروبية أيضا، فالغاز الطبيعي المسال يجب ان تستقبله محطات على الطرف الاخر أي في الدولة المستوردة، والتي تكون قد جهزت لتحويل الغاز المسال من السائل الى الحالة الغازية لتوزيعه. وفي المرحلة الحالية لا تمتلك الدول الأوروبية العدد الكافي من هذه المحطات التي يمكنها من خفض اعتمادها على الغاز الروسي بدرجة ملموسة ( 5 مارس Council of foreign policy، 2014 ). وتجدر الإشارة هنا أيضا الى نقطة هامة، وهي ان القرارات بشأن التصدير أو الاستيراد يتخذ من قبل الشركات وليس من قبل الحكومات في الدول الغربية، ويبقى المحرك الرئيسي للأنشطة الاقتصادية لهذه الشركات هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح. ومن المعروف الان ان تصدير الغاز المسال الى الأسواق الاسيوية يحقق أرباحا أكبر بكثير من الأسواق الأوروبية، وبالتالي لن يتواجد أي دافع مادي لدى هذه الشركات الامريكية لتصدير الغاز المسال الى أوروبا في اللحظة التي تتمكن بها من التصدير.
هنالك جدل قائم في الولايات المتحدة حول ما يمكن فعله بهذه الثروة الطبيعية للطاقة. وتتضارب مصالح ثلاثة مجموعات أمريكية بهذا الشأن. فبينما تقف الشركات الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة بشكل مكثف، مثل الشركات التي تعمل على استخلاص معدن الألومنيوم الذي يتطلب صهره أولا أو الشركات التي تعمل على تحضير الإسمنت ضد عملية تصدير هذا الغاز وذلك لأنها تسعى للحصول على مصدر رخيص للطاقة، الى جانب الشركات الكيماوية الجبارة مثل شركة Dow chemicals التي تستخدم الغاز ومكوناته كمواد خام أولية لتحضير العديد من المركبات الكيماوية، فان شركات الغاز والبترول تسعى للحصول على تراخيص تسمح لها بتصدير هذه السلعة التي ستحقق لها أرباحا طائلة، نظرا لتزايد الطلب عليها في الأسواق العالمية، متحججة بان هذا سيخلق مزيد من فرص العمل في الداخل الأمريكي ويقلل من نسبة البطالة، بالإضافة الى الإشارة الى الأهمية الجيوسياسية للغاز كمصدر للطاقة في تمتين سوق الطاقة العالمي أمام الاهتزازات في حالة تعرضه لأزمات أو للاستغلال من قبل البعض، مما قد يهدد أمن الطاقة العالمي ومن ضمنها المصالح الاقتصادية والحيوية للدول الغربية. وبدلا من تصدير الغاز تنادي الشركات الصناعية بأفضلية تصدير التكنولوجيا التي طورت في الولايات المتحدة والتي ساعدت في الاستخراج التجاري للغاز الصخري، حتى تتمكن الدول الأخرى في استخراج غازها الصخري. أما الفريق الثالث فهو فريق المحافظة على البيئة الذي يقف ضد استخراج الغاز الصخري وخاصة بكميات هائلة وذلك للأضرار البيئية من تلوث للمياه والشواطىء الناجمة عن عمليات استخراجه. وكل هذا يدلل ان على الإدارة الامريكية والكونغرس ان تتخذ القرارات التي من شأنها تحديد ماهية واهداف استخدام هذه السلعة، واذا ما كانت ستستخدم كسلاح استراتيجي لضمان أمن الطاقة العالمي ودعم الحلفاء في مواجهة روسيا التي تملك ما يقرب من 20% من المخزون العالمي للغاز، أو لاستخدامها لدعم وتطوير الصناعات الداخلية الامريكية والحفاظ على أسعار منخفضة للطاقة داخل أمريكا وتحقيق نوع من الحرية والتخلص النسبي من الاعتماد على مصادر الطاقة المستوردة، مما يتيح للإدارة الامريكية هامش اكبر من المناورة في العلاقات الخارجية وخاصة مع دول الخليج العربي. ومما لا شك فيه ان الازمة الأوكرانية ستلقي بظلالها على الداخل الأمريكي وستزيد من الجدال الدائر في مراكز القرار الأمريكي حول اهداف استخدام هذه الثروة الطبيعية. وبغض النظر عما ستؤول اليه هذه النقاشات فإنه من المؤكد ان دخول مصدر الطاقة هذا على الساحة سيكون له ابعاد جيوسياسية التي ستلقي بظلالها على السياسية الخارجية الامريكية.

الدكتور بهيج سكاكيني
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف