الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حب رامي والقصبجي لأم كلثوم بقلم:مصطفى نصر

تاريخ النشر : 2014-04-23
حب رامي والقصبجي لأم كلثوم بقلم:مصطفى نصر
حب رامي والقصبجي لأم كلثوم
 من خلال أغنية يا قلبي بكرة السفر

مصطفى نصر

    استمعتُ إلى تسجيل نادر للسيدة أم كلثوم لأغنتيها الجميلة والصعبة على كل المغنيين سواها: " يا قلبي بكرة السفر " وذلك من خلال البرنامج الإذاعي القديم     " من تسجيلات الهواة "   وقد غنتها أم كلثوم  عام 1937 في قاعة " إيوارت " بالجامعة الإمريكية.
قدمتْ هذا التسجيل صديقة أم كلثوم السيدة  " عبدية عبد الله "، وقد قام الملحن الجميل " عمار الشريعي " بتنقية الصوت وتجميع الأسطوانات الشمعية لتخرج الأغنية بصورة جيدة. قام الشريعي بهذا العمل لمدة تزيد عن الست ساعات. ودار حديث قصير بينه وبين المذيعة " مشيرة كامل "  قبل إذاعة الأغنية، حكت فيه عن قيامه بهذا العمل وكأنه  " جواهرجي " يرفع تراب الزمن المتراكم على قطعة من الماس، فأكد الشريعي على قولها، وأضاف بأنه أحس وكأنه جراح يعيد النبض إلى  قلب هذا العمل، وهو خائف عليه وكأنه قطعة منه. فكل من في هذا التسجيل أحبابه وناسه، أم كلثوم وما لها من قدسية في نفوسنا، ورامي الحبيب إلى قلبه، والقصبجي الذي وصفه بأنه عمنا وأبونا ومربينا، فقالت له مشيرة كامل:
-    أحس أنه له عندك معزة خاصة.
فقال: أي حد بيحب الموسيقى لازم يحب القصبجي.
ست ساعات وكأنهم ست دقائق، رغم الخوف على التسجيل، يحس بالسعادة والمتعة وهو يعمل، وطوال الوقت يقرأ الفاتحة إذا ما سمع غناءً عبقريا من أم كلثوم، أو جملة جميلة من رامي، أو قطعة موسيقية من القصبجي، أو عزفاً رائعاً من أحمد الحفناوي على الكمان، أو من عبده صالح على القانون. يحس أنه محضون بأحبابه وأهله، والده وجده وباقي ناسه.
كما أن اللحن فتح مبين للإذاعة، وربما  للثقافة والموسيقى العربية كلها. فمعلوماتنا إن القصبجي لم يلتق بأم كلثوم بلحن كبير في قدر " رق الحبيب "، التقى معها في أعمال صغيرة مثل " صباح الخير ياللي معانا " ، لكن أول مرة يعرف الشريعي أن لحناً بهذه الجودة  وهذا القدر كان بين أم كلثوم والقصبجي، قد يفوق  لحن أغنية    رق الحبيب. ولحنه لها قبل رق الحبيب بثلاث سنوات.
تسأل مشيرة كامل: اللحن بدأ بمقام " الرصد " لكن فيه مقامات          كثيرة أخرى.
فيقول الشريعي:
-  بعد إذاعة هذه الأغنية في برنامجك هذا، أرسل لي صديق رسالة على " الإميل " قائلا بالحرف  الواحد:"  مش أنت عمار الشريعي تقدر تقوللي الأغنية دي من    مقام إيه ؟! "
القصبجي في هذا اللحن عامل زي الإكسبريس الذي لا يقف على محطات، هو حر، منطلق، عمري ما شفته منطلق هكذا، سايق بلا فرامل، سايب نفسه في حالة وجدانية وحسية عالية جداً ما بيفرملش بيعمل إللي هو عايزه. ناسي الجمهور، لا يتذكر أمامه سوى أم كلثوم، وهو يعلم أنها ستغني أي شيء يفعله، ولو حط عفاريت في اللحن ستؤديه. سايب نفسه لدرجة لا تستطيعين أن تحكمي منطق مقامي لمدة دقيقتين، يبتدي في حتة، ويروح لحتة تانية، عمال يتنطط،عمل تحويلتين جوه الغنوة مش متعودين عليهما، ولم يتكررا بعد ذلك. مقامين مش قرايب، لكن عمل كوبري، زرق إزاي مش عارف، الله يسامحه عمنا القصبجي دوخنا وراءه  تحليلا ودراسة.
قالت المذيعة مشيرة كامل:
-  القصبجي بيستعرض في قدرته على الانتقال من مقام لآخر ببراعة شديدة جداً هل يستطيع ملحن آخر أن يفعل هذا ؟
فيقول الشريعي في حماس شديد:
-  لا والله ولا حد من جيله، لا عبد الوهاب ولا السنباطي، ده راجل مفتري. يعني قاعد مش فارقة معاه حاجة خالص، رق الحبيب شفت ناس بيغنوها، لكن هذه الأغنية "يا قلبي  بكرة السفر " أزعم أن مافيش حد يقدر يغنيها إلا أم كلثوم.
تذكرت الملحن السكندري محمد أبو سمارة -  الذي مات دون أن يأخذ حقه مثل الكثيرين من فناني الإسكندرية -، كان يغني على عوده أغاني من تلحين القصبجي في قاعة من قاعات قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية، وتوقف عن الغناء والعزف فجأة وقال:
-  أفضل من طور في الموسيقى في مصر سيد دويش والقصبجي.
ودهشت لقوله – وقتها – فقد قرأت كثيراً عن سيد درويش، وعن تطويره للموسيسقى واطلقوا اسمه على مسارح وقاعات كثيرة، وأنتجوا فيلماً عن حياته، لكن القصبجي أول مرة أسمع عنه هذا الكلام.
وعندما شاهدت فيلم " عايدة "، وسمعت ألحانه الجريئة والجديدة والتي كانت سبباً في عدم نجاح الفيلم، أدركت مدى تطور هذا الرجل العجيب، الناس في ذلك الوقت لم يستطيعوا احتمال تطور بهذا القدر، وتعاملت معه أم كلثوم على أنه سبب       فشل فيلمها.
وتسأل مشيرة كامل:
-    هذه الأغنية غنتها أم كلثوم  لأول مرة عام 1935، لكن هذا التسجيل كان في عام 1937، أترى أن هذه أفضل فترة غنت فيها أم كلثوم.
فيجيب: الثلاثينات والأربيعينات أفضل فترة في جمال صوت أم كلثوم، قطرة من قدرة الله، ربنا حط نقطة كده من قدرته قال لها: خدي أنت والباقي لأ.
    كتب أحمد رامي "  يا قلبي بكرة السفر "، عندما علم أن أم كلثوم ستساقر للمصيف إلى رأس البر، ياه، وستغيب شهر أو شهرين، فاعتبر أن هذا عذاب لقلبه فكيف سيستطيع البعد عنها كل هذه الأيام، فكتب:
يا قلبي بكرة السفر        ونغيب عن الأوطان
وتطول ليالي السمر        في البعد والأشجان
وإزاي أشوف  القمر         من غير حبيب قلبي
ما يكون قريب جنبي
 والنسمة تسري وتتألم
واحنا ساكتين والروح على الروح بتسلم
والعين في العين
ما الذي حدث؟!، ستغيب أم كلثوم عن القاهرة بضع أسابيع، لكن بالنسبة لرامي والقصبجي هذا شيء لا يطاق، فيقول لقلبه: "... ونغيب عن الأوطان " كأن رأس البر خارج مصر،   تذكرت الفتاة التي كانت تلبس نظارة وتقص شعرها كأنها ولد، وعملت في شركتنا مدة قصيرة، كانت رومانسية، ومثقفة، تجلس بجواري في سيارة الشركة التي تمشي على البحر من المنتزه حتى الشاطبي، وتصر على الجلوس بجانب النافذة لتشاهد البحر، قلت لها يوما:
-    إنني لا أحب الحب الذي يبديه رامي لام كلثوم،  ففيه خضوع وضعف.
فقالت ببساطة شديدة:
-    أم كلثوم لا تُحب إلا هكذا.
لقد أحب رامي أم كلثوم، وأحبها القصبجي العظيم وكانت قيثارته التي يعزف عليها ألحانه، لكنها حرمته من العزف عليها لسنوات طويلة جداً مكتفياً بالعزف خلفها على العود لألحان من صنع موسيقيين بعضهم أقل من قدراته وموهبته، لكن حبه العجيب لها يجعله لا يستطيع البعد عنها.
يقولون: إنه في بداية أربعينيات القرن الماضي، صدرت جريدة أخبار اليوم بعنوان رئيسي " زواج أم كلثوم من محمود الشريف " – فانقلبت الدنيا، ومما تأثر بهذا أثنان: محمد القصبجي الذي حمل مسدسه وهجم على سكن أم كلثوم غاضباً، وأطلق رصاصة في الهواء، مما اضطرت أم كلثوم أن تطلب له البوليس، وتم تصفية الموضوع،  وبسبب هذا لم تتعاون  معه في أي أغنية بعد ذلك، واكتفت بأن يمسك لها الفرقة التي تصاحبها في الغناء، ويعزف على العود خلفها.
أما أحمد رامي فقد قرأ الجريدة وهو يرتدي البيجامة ويلبس الشبشب، ففتح باب شقته، وهو مازال يقرأ الجريدة، وربما لم يغلقه خلفه، وسار في الشارع هكذا وكأنه منوم مغناطيسيا، ثم ركب الأتوبيس الذي سينقله إلى مكان سكن أم كلثوم، وفوجئ بالكمساري ينظر إلى ملابسه مندهشاً؛ وقتها أدرك أنه من هول الصدمة لم يغير ملابسه، وسار بالبيجامة والشبشب.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف