الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشيطان لا يعظ بقلم : محمود حسونة

تاريخ النشر : 2014-04-22
الشيطان لا يعظ بقلم : محمود حسونة
كان النهار يحتضر وهو عائد إلى بيته ، دفع الباب الثقيل بقوة ليتمكن من الدخول ، بالكاد استطاع ذلك ، لضيق المدخل ، ظهر باب الغرفة الوحيدة مفتوح كفم جائع ، تسلل لداخل الغرفة ، فظهرت زوجته متكومة في الركن الرطب بلا حراك وعيناها تنوسان ، وأطفالها الثلاثة مبعثرون حولها ضحايا لفقر مؤلم ، استل الجوع منهم النضارة و النوم و الحيوية ، نظرت إليه زوجته بعيون ذابلة ، ولم تحرك ساكنا ، تنهدت تنهيدة عميقة ، ثم سألته : هل أحضرت شيئا ؟ أشاح بوجهه الشاحب دون إجابة ، كررت السؤال مرة أخرى ، أحسّ بشيء ثقيل يضغط على صدره فزفرت أنفاسه اللاهثة ولم يرد ، سحبت زوجته الغطاء فوق رأسها وكمشت أطرافها ، وزاد التصاق أطفالها بها وهم يئنون .
انسحب كالمهزوم من الغرفة التي بدأ الظلام يطمس تفاصيلها ، بعثر الأواني المكدسة وكأنه يبحث عن شيء ، لم يعثر عليه ، فنثر الأواني بعصبية ، استدار عائدا إلى الغرفة وهو يتمتم ، لمح ومضة خاطفة لمعت في عينيه ، اقترب منها أكثر ، إنها بقايا مرآة مهشمة ، تناول قطعة صغيرة منها ونظر إليها ، محاولا لأول مرة منذ زمن تفحص معالم وجهه ، فلم تظهر إلا عيناه ، حدّق أكثر ، بدت عيناه على وشك الإطباق ، وشيء ثقيل مكدّس فيهما ، حاول فتحما أكثر ، ففشل ، استعان بإصبعه المرتعش لفتح إحداها ، عندها شعر بفزع لم يتوقعه ، بدت عينه مطفئة باهتة وذابلة ، بقايا ضوء النهار ما زال يرشح من شقوق السقف و الشباك الخشبي الواطئ ، وجّه قطعة المرآه نحو فمه ، شاهد شيئا أفزعه أكثر ، أسنان مهترئه صدئة سوداء منفرة ، وفمه كقطعة من حريق ، ازداد خوفه ونفوره وحزنه ، وضع قطعة المرآة وابتعد ، إلا أنه عاد وأمسكها ، وعاد من جديد يتفحص وجهه ، تفرس كلّ ملامح وجهه بنظرات طويلة ، بدأ شيء غريب يعصف بداخله مزيج من حزن وحسرة ولوعة ، رغب في الكلام ، تلعثم ، ارتبك ، أراد أن يسأل سؤالا : فاندفع السؤال من فمه مع تنهيدة حزن عميقة : ماهذا ؟! أهذا وجهي ؟! أبعد المرآة قليلا ليرى وجهه كاملا ، كان وجها شاحبا وباهتا شمعيا وحزينا ، شيء ما صفعه بقسوة ، متى حصل هذا ؟! أرهف السمع لصوت أزيز أنفاسه المختنقة ، تحسس أوصاله ارتجفت من الفزع ، ما هذا ؟ ماذا أصابني ؟! حدّ ق في وجهه مرة تلو مرة ، وهو يدقق كل تفاصيل وجهه من أعلى لأسفل ومن اليمين إلى اليسار و بالعكس لم يظن أن وجهه على هذه الشاكلة المروعة : شحوب ، هزال ، تجاعيد ، ندبات ، إعياء ، وكان من السهل عليه الجزم على السبب ، لكنه حاول التغاضي ، لكن الحقيقة كانت له بالمرصاد ، حقيقة صارخة مدوية ، حاول كظمها ، فانفجرت الكلمات من بين شفتيه بفزع ، إنه المخدر الذي أوهمك بالأخيلة ، خرجت الكلمات من أعماقه المعتمة مرتجفة ، هل تستوعب الدرس ؟؟ أم تبقى كتلميذ غبي ؟؟ إنها الحقيقة الجازمة التي غيبتها هل ستدركها بتفاصيلها الدقيقة أم دون جدوى ؟؟ أصبح من السهل الجزم على هذه الحقيقة شعر بقضمات مهووسة ، بدوار صاخب ، تماسك شَعر بفرحة يغلفها حيرة وخوف ، اندفع فجأة نحو الغرفة واستلقى على سريره الصدئ ، كانت الحقيقة تمور في داخله ، وشيطان يمزق جوفه ، نظر إلى زوجته نظرة طويلة ، فشعرت أنه يستفزها ، نهضت ووقفت أمامه باهتة المنظر شديدة الإعياء نظرت إليه بنفاذ صبر نظرة حادة وحزينة .. نظرت إليه كما لم تنظر إليه من قبل. عادة ما تدل نظرات عينيها عن الذل والاستكانة ، لكنها هذه المرة نظرت إليه بتجهم وثبات ، قالت مرتجفة : لا شيء يجعلني هنا سوى هؤلاء و أشارت لأطفالها ، لكن لا شيء في العالم كله يجبرني على الموت أنا وأطفالي ، هل ستبقى على هذه الحال ؟ أجبني الآن ، بدت كلماتها المندفعة من أعماقها كعاصفة صغيرة تحوم حول رأسه وطنينها يكاد يمزق وجهه ، لم يكن متأكدا من أنّ زوجته هي المتحدثة ، يا إلهي عيناها مملوءة بالرعب والحزن ، هل سمعت جيدا ما قالته ؟ كانت تريد قول الكثير ، لكنها لم تقدر فهي منهكة بائسة ، لا تقدر حتى على الكلام ، عبست وانهمرت دموعها تبلل وجهها وتقطر على ثيابها ، بعدها بدأ الهدوء يعود لها ، فعادت لتجلس بين صغارها وأخذت تنظر إليهم بحسرة وإمعان.
كان الليل قد أرخى ستائره ، والبرد ينهش الأغطية التي تُدثر الصغار، أما هو فبقي ساهما تتجاذبه صورته في المرآة ، وكلمات زوجته المندفعة كالرصاص ، من الواضح أن أفكارا جديدة تغزو دماغه المرهقة ، هل تمعنت صورتك في المرآة ؟؟! هل سمعت زوجتك ؟ هل تأملت صغارك ضحايا البرد والجوع ؟؟ بدأ يجول بنظره أرجاء الغرفة ، الجدران قاتمة كالحة رطبة ، الأثاث بائس مهترئ ، السقف الواطئ ، شعر وكأنه داخل حاوية ممتلئة بخليط من قماش ، وركام من صفيح و حجارة وأجساد ملتوية وعيون وأواني صدئة ، وأخشاب محطمة ، بدت الأمور أكثر أهمية له إنها مسألة حياة أ موت ، مسألة كبرياء وشرف بل أهم مسألة في هذه الدنيا التي يعيش فيها ، نظر إلى زوجته ، يا لها من جميلة ومسكينة ، كانت مرحة الروح لكن روحها أخذت تعاني ، وتأملها وهي تحاول أن تصارع البرد ، مرتعدة الأوصال ، وجهها يوحي بالحزن والشقاء ونفاذ الصبر ، تفرس بنظرة طويلة بقايا أطفاله ، شعر بالخجل يسري في بدنه ، أرهف السمع لأزيز أنفاسهم ، كل جزء من المكان ينم عن ضياع ووهن ، وكأنه يسوق نفسه إلى الموت ، إنها أقسى لحظات حياته ، قال بصوت خفيض : أنا أحبكم جميعا ، وكرر: أنا أحبكم كثيرا ، قرر وضع حد لهذا الجبن والانهيار نهض كالمفزوع ، كل جزء في جسمه بدأ ينتفض ويتمرد على شيطان يكاد أن يجرفه ومن معه إلى الهاوية ، أصدر أقصى علامات التحدي ، وعلى وجهه علامات عجيبة للإصرار ، أخذ يتفحص ذاته بتعجب ، ما معنى هذا ؟ أأنا أمتلك كل هذه القوة ؟! أنا قوي ، من هذا الذي هو أنا ؟؟ أين كنت عني ؟ أين كنت مختبئ ؟؟ أسئلة محيرة تواجهه ، تلسعه توقظه تصفعه .
لقد جاءه الحزن مباغتا ، لم يتوقعه أو ينتظره ، وعليه الآن أن يتخلص منه ، لقد عاش حياته في سكينة وسلام دون أن يعرف أن هذا الحزن كان يتربص به ، وفجأة دون تحذير فاجأه ليعشش في داخله وداخل بيته ، فوجد نفسه مثقلا بالهموم ، يصارع االشيطان ، أيام مرت في ضباب وعتمة سحيقة خالية من الجمال و الفرح ، إن الحياة تمر سريعة في هذا العالم ، إن الأمور تكاد أن تنتهي بكارثة وسط الهذيان والفقر المدقع ، بدأ يشعر بالأسف على تلك الأيام ، وبأنه لا يستطيع العيش هكذا ، وأنه كان قاسيا مع نفسه ومع أهله ، وقد أساء كثيرا. ، كانت كل أسباب الحياة سعيدة متوفرة ، لكن المشكلة بدأت مع المخدر الشيطان اللعين ، ومن يومها وهو في غيبوبة الجنون لم يستيقظ منها أبدا ، لا يتذكر منها سوى أنه يتعاطى المخدر وينام ويتشاجر ، هكذا ضاعت من عمره ثلاث سنوات في جنون .
اندفع فجأة لخارج البيت ، وأخذ يحدق في الفضاء البعيد بعينين مملوءة بالحزن والحسرة ، كانت الريح الباردة تلفح وجهه الباهت الحزين ، فتذكره بالريحِ التي كانت تلفح وجهه قبل ثلاث سنوات فقط ، فتوقظ في داخله إحساسا مرا باللوعة والحسرة ، على تلك الأيام السعيدة ، عندما كان بعيدا عن هذا الشقاء اللعين ، فبدا وجهه حزينا جدا ، وانسابت دموع حارة على خديه الضامرين ، فرفع ذراعيه مشرعة إلى السماء ، تتوسل من في السماء أن يخلصه من هذا البؤس اللعين وفي انتظار استجابة السماء قرر وضع نهاية لهذا الرعب المميت ، ابتل وجهه بماء الدموع الحار، ثم أشرق وجهه بابتسامة عريضة، بدت سعيدة وجميلة ، ويداه المشرعتان ما زالتا تستقبل الرياح .
حينما استدار ليعود إلى بيته اصطدم بجسم ، لقد كانت زوجته التي مدت يدها الباردة لتمسح دموع عينيه ، فأمسك بها ودخلا بيتهما معا .

بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف