الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مدرسة في السجن!بقلم عاطف سعد

تاريخ النشر : 2014-04-20
مدرسة في السجن!بقلم عاطف سعد
مدرسة في السجن!
بقلم عاطف سعد
قد يعجب القارئ، أن يعرف عن مدرسة أنشأها المعتقلون الفلسطينيون في سجن إسرائيلي مع بدايات انخراطهم في مقاومة احتلال بلادهم الذي وقع في حزيران 1967. وقد أسهم هذا الجهد، ضمن جهود أخرى، بتعزيز مشروع الصمود إبان الأسر من خلال عدم الانصياع لرتابة الزمن  واستثمار وقت السجن في مواصلة التعلم والتثقف.  لقد برهن المعتقلون الفلسطينيون  في وقت مبكر من اعتقالهم على تأكيد احترامهم وتقديرهم للتعليم في استغلال وقت السجن الطويل، بالدراسة والتثقف وتحصيل العلم.
ففي مطلع عام 1969، حصلت مجموعة منهم على موافقة مدير سجن نابلس المركزي "ميخائيل  جولان"  بإقامة صف تدريسي للمعتقلين اليافعين. وذاع صيت الصف في أوساط المعتقلين في سجن نابلس وغيره من السجون باسم "مدرسة السجن".
من خارج السجن، كان رئيس بلدية نابلس آنذاك المرحوم الحاج معزوز المصري، ( 1898 -1994 )  يُطالب بتمكين الفتية والصبايا، ممن اعتقلتهم القوات الإسرائيلية، تأدية فحص التوجيهي، أو امتحان الصف الثالث ثانوي.
وبتاريخ 24 أيار 1969، زار مدينة نابلس، الحاكم العسكري العام للضفة الغربية، الكولونيل فاردي الذي التقى المصري وأعضاء المجلس البلدي. فكان أول طلب تقدّم به رئيس البلدية أن يسمح الحاكم ل 29 طالبا و 5 طالبات بتأدية امتحان الشهادة الثانوية للعام 1969، وان يسمح لطالبين آخرين بتأدية امتحان الشهادة الإعدادية.
واللافت أن التوافق على "التعليم داخل السجن" لم يتم بتنسيق مسبق بين من هم داخل السجن و من هم خارجه. فكان الحاج معزوز المصري يقصد إشعار الحاكم العسكري العام بأهمية التعليم عند الفلسطينيين وإيجاد فرصة للتخفيف عن هؤلاء المعتقلين بالإفراج عنهم أو على الأقل  بإطلاق سراحهم ولو بكفالة.
وكان المناضل المعتقل تيسير قبعة، الذي بادر بطلب إنشاء الصف المدرسي يهدف إلى تجميع ما أمكن من طلاب معتقلين وتأهيلهم لتأدية الامتحان، إذا ما ووفق عليه، بصفته ناشطا طلابيا قبل اعتقاله.
تيسير قبعة ، الذي يشغل حاليا موقع نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، كان يمثل  المدرسة أمام إدارة السجن. وكان إلى جانبه في "طاقم التدريس" التدريس مثقفين وزملاء مناضلين، مثل ساجي سلامة خليل "أبو خليل" وأحمد دخيل الجمل. وكان الثلاثة  قبل اعتقالهم من كوادر حركة القوميين العرب التي انبثق عنها لاحقا تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.  حين اعتقاله في عام 1968، كان تيسير قبّعة رئيسا للاتحاد الدولي للطلبة الفلسطينيين الدارسين في البلدان الأجنبية. وانضم للمجموعة لاحقا، المناضل الفتحاوي عبد الآله الأتيرة (أبو خليل)، الذي تعرض للأسر الإسرائيلي  في أعقاب معركة الكرامة الباسلة التي وقعت في آذار 1968. وكان الأتيرة ،من ضمن أول مجموعة أدت امتحان التوجيهي بنجاح في مدرسة السجن.
غرفة المدرسة كانت منفصلة عن جسم السجن الرئيسي القائم في الجهة الغربية. كانت تقع بالضبط قبالة برج المراقبة وأقرب لمبنى إدارة السجن الواقع في الجهة الشرقية، وتطل على  ساحة الفورة  حيث "يتنزه" المعتقلين مرتين في اليوم لمدة نصف ساعة في كل مرة. وعلى بعد خمسة أمتار من غرفة المدرسة كانت توجد غرفة صغيرة ومقفلة ويسميها السجانين "غرفة المشنقة" غير المستعملة. غرفة المدرسة كانت تحمل الرقم 14، ويطبق عليها نفس النظام السائد في السجن. لكن "فورة" الساحة أو النزهة اليومية ومدتها نصف ساعة فكانت تتم في ساحة صغيرة مقابلة محاطة بالأسلاك الشائكة.
مدرسة السجن كان لها نظام. يبدأ التدريس فيها بعد تناول وجبة الفطور. وينتهي لذاك اليوم قبل موعد توزيع وجبة الغذاء في الثانية عشر ظهرا. كانت المجموعة الكبيرة، وعددها يتراوح من 24 -30 معتقلا، مقسمة إلى ثلاث مجموعات تدار على التوالي من قبل تيسير وساجي وأحمد. وكل مجموعة تراجع مادة معينة: رياضيات ، علوم ، لغة انجليزية أو لغة عربية تاريخ  وهكذا.
لم تتوفر كميات كافية من كتب المنهج المقرر. لكن رئيس البلدية وبتعاون وثيق مع مدير التربية والتعليم آنذاك المرحوم رشيد مرعي وبتنسيق من مقرر لجنة الامتحانات في المديرية المرحوم غازي المصري، نجحوا بإدخال كتاب واحد عن كل مادة مقررة في المنهاج بواسطة مندوب الصليب الأحمر
لم يكن التدريس أكاديميا مئة بالمائة، ما تيسر من الرياضيات والعلوم  يستوعبه الطلاب المعتقلين. وأحيانا لم يعرفوا كيف يحلون بعض المعادلات الرياضية، فينتقل المدرس لموضوع آخر مثل اللغة الانجليزية  التي كان ساجي سلامة خليل يتقن تعليمها. 
وفي شهر حزيران 1969 أدت مجموعة من الطلاب المعتقلين الفلسطينيين أول امتحان توجيهي في سجون إسرائيل. وقد خصصت "كافتيريا" السجن الخاصة بالسجانين لتقديم الامتحان الذي تم بإشراف مديرية التعليم في محافظة نابلس التي انتدبت موظفين اثنان لمراقبة الامتحان. كان المراقبان متعاطفين ومتعاونين إلى حد ما. اقتصر تعاونهما على تفسير بعض الأسئلة أو تقديم أجوبة في حدود معرفتهما. كانا متعاطفين مع معتقلين اظهروا حرصا على العلم والتعلم في ظروف شبه مستحيلة، ظروف السجن.
كانت تجربة مثيرة لمندوبي "التربية والتعليم"، رغم خشيتهما، أحيانا، أن لا يخرجا منه !
 استغرقت تأدية الامتحان سبعة أيام. وبعد بضعة أسابيع ظهرت النتائج : نجح نصف المتقدمين للفحص بمعدلات تراوحت بين 58%-61%. فيما رسب النصف الآخر. 
لكن التجربة كانت ممتعة للجميع. فالسجانين أظهروا احتراما للمعتقلين وللمراقبين. والعبرة الأهم كانت للجميع أنهم كانوا شركاء بتأسيس وعي جماعي بين أوساط المعتقلين الفلسطينيين لاستغلال وقت السجن بالتحصيل العلمي والمعرفي. 
 مدرسة في  السجن )(2)
 عاطف سعد
17 نيسان 2014

في الرابع من نيسان 1970، أنهى تيسير قبّعة محكوميته البالغة ثلاث سنوات، وأطلق سراحه. تعاقب على ادارة المدرسة من بعده: ساجي سلامة خليل من رام الله، رشيد عبد الرازق من قلقيلية، عادل سمارة من رام الله وفتحي ناصر من نابلس.
كان رشيد موقوفا بتهمة الانتماء لتنظيم الجبهة الشعبية. تولى الأدارة بضعة شهور ثم حل محله فتحي ناصر الذي كان محكوما بالسجن الفعلي لمدة عام ونصف بتهمة الانتماء لتنظيم فتح. أمضى ناصر مدة سنة في إدارة المدرسة ثم أفرج عنه بعد إنهاء محكوميته. وجاء بعده عادل سماره ، المحكوم خمس سنوات بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية، وكان منقولا من سجن بئر السبع.
ويذكر ساجي أنه ظل مديرا لمدرسة سجن نابلس مدة عامين، ثم انتقل بعدها لسجن رام الله حيث،" كررنا التجربة بدون إطلاق أسم مدرسة عليها." كما ذكر ساجي.
وبعد ساجي تولى مسؤوليتها الأستاذ عادل سمارة.
ويتذكر عادل حادثة طريفة وقعت له قبل توليه إدارة المدرسة.
في سنة 1972 نقلت زنزانة السجن عادل مع معتقلين آخرين  من سجن بئر السبع الى سجن نابلس. وفور وصوله الى سجن نابلس، أمر مدير السجن وكان يدعى آنذاك، ناتان، بوضع عادل في الزنزانة الإنفرادية! بعد عشرة أيام إستدعاه ناتان.
ودار بينهما الحوار التالي:
ناتان: "هل تعرف لماذا زنزنتك فور وصولك؟
عادل: "لأنني فلسطيني.."
 ناتان(يكمل جملته):" جميعكم فلسطينيون. لكن أنت تُثير الشغب والاضطرابات.
عادل: كيف عرفت؟"
 ناتان : " من ملفك."
عادل (يرد): ربما تغيرت.
ناتان: اسمع! كان في واحد من كفار سابا له أخت غير مستقيمة فكانوا يسمونه أخو الشرم..!! فقرر الرحيل لمدة عشرين سنة. ولما عاد بعدها، قالوا عاد أخو الشرمو ..! سأضعك في مكان يصيبك فيه الإضراب بالضرر! ستكون مدير مدرسة السجن. وهناك أتحداك أن تُضرب!
والحقيقة هي أن عادلا لم يضرب في مدرسة السجن، بل الطلاب المعتقلين ممن ينتمون لتنظيمات أخرى لم تعجبهم سياسة مدير المدرسة فقرروا إعلان الإضراب لتغييره. وطلب إجراء استفتاء عام بين الطلاب ليقولوا رأيهم فيه فجاء رد أكثريتهم بأن يبقى مديرا.
ويكتب عادل سماره عن تلك التجربة قائلا، " كانت تجربة عكست إختلالات مارستها قيادات معينة على وعي المعتقلين حتى وهم في فك الوحش".
 وبرغم ذلك ،"فقد نجحنا بتمكين 35 طالبا معتقلا من تقديم فحص الشهادة الإعدادية و60 معتقلا من تقديم إمتحان التوجيهي (الثالث ثانوي).
في أواسط عام 1970 أو مطلع عام 1971 ، تقلت إدارة السجن غرفة المدرسة من المبنى الشرقي للمبنى الغربي حيث يتواجد السجناء المحكومين والموقوفين ولجنة قيادة السجن (وكانت سرية في ذلك الوقت). في موقعها الجديد صارت تُعرف بالغرفة رقم 4، أما مكان تواجدها السابق في غرفة رقم 13، في المبنى الشرقي، فقد غيرت إدارة السجن استعمالها لتتحول لمشغل  خياطة قمصان وسراويل السجناء بلونها البني الغامق. وقد عمل في المشغل عدد يتراوح بين 10-12 سجينا أمنيا وكنت أحدهم.
تركَ نقل غرفة المدرسة لجسم السجن الرئيسي أثرا على علاقاتها مع باقي الأقسام. فبحكم الترابط المكاني بين غرفة المدرسة وباقي الغرف باتت العلاقات والاتصالات مع باقي السجناء وقيادة السجن أقرب وأسهل الأمر الذي أدى إلى زيادة الاهتمام بها مثلما زاد من التدخلات لاحقا.
وقد زارها وزير الشرطة الاسرائيلي شلومو هيليل أثناء زيارته للسجن، واستمع الى مطالب المعتقلين. وكان أهم مطلب، كما ذكر فتحي ناصر، تزويد الطلبة المعتقلين بنسخ من كتب اللغة الانجليزية وبعض القرطاسية. ولبى الوزير الطلب بعد أسبوع. ويتذكر ناصر أن نتان، مدير السجن، وأثناء تسليمه رزمة الكتب وقرطاسية، حذره من تسريبها للمعتقلين ممن هم خارج غرفة المدرسة. وبالطبع لم يكترث زملاء المدرسة بتحذيرات ناتان، وكانوا بين الفينة والأخرى "يهربون" لزملائهم ممن هم خارجها بعض ما يزيد عن حاجاتهم من دفاتر وأقلام بواسطة زملاء مثل هاني عيد وإياد الصفدي، اللذين كانا يعملان في قسمي المطبخ والمغسلة.  كما زار غرفة المدرسة  مدير مديرية التربية والتعليم في نابلس المرحوم رشيد مرعي لمتابعة احتياجات المدرسة وللتأكد من التزامها بمعايير الامتحانات وبخاصة للفئتين: طلبة التوجيهي (الصف الثالث ثانوي) وطلبة الأعدادي.
ويصف فتحي ناصر أحدى زيارات مرعي فيقول، " أحضر معه كشوفا لتدوين علامات الطلبة ودفاتر الامتحانات وسجلات رسمية ،حتى يتم تزويدهم بعد استيفائها بشهادة ممهورة بتوقيع مديرية التعليم. كان رحمه الله يتعامل مع مدرسة السجن مثل أي مدرسة خارجه. وكان يسأل أحيانا عن مؤهلات المعلمين داخل مدرسة السجن. ويقول لنا بدي تاخدوا الموضوع جد وترفعو روسنا. "
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف