الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرجل النازل بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2014-04-18
الرجل النازل بقلم:رائد الحواري
"الرجل النازل" علي السوداني
هذه المجوعة القصصية الثانية التي نتناولها لكتاب عراقيين، بعد احتلال العراق، فبعد مجموعة محسن الرملي "أوراق بعيدة عن دجلة" التي تناول فيها حنين العراقي للنبع الذي شرب منه، تأتي هذه المجموعة كتأكيد على حالة عدم التوازن عند العراقي عندما يكون مغتربا أو بعيدا عن الوطن، خاصة إذا كانت عملية الابتعاد ناتجة عن احتلال، وليس عن اضطهاد النظام، ففي الحالة الأولى يكون الهم شخصي أكثر منه وطني عام، أما في الحالة الثانية فيكون الهم العام هو من يفرض نفسه على الكاتب، حتى لو اخذ شكل الطابع الشخصي.
المجموعة صادرة عن "أزمنة للنشر والتوزيع"، عمان، طبعة أولى 1996، تنقسم إلى ثلاثة مستويات، في المستوى الأول كان الكاتب يعبر عن سخطه وغضبه عما آلت إليه الأمور، فقد أصبح هناك أكثر من ربع العراقيين يعيشون في حالة اللجوء والتشرد، فنجد الكاتب قد عبر عن هذا السخط من خلال استخدام ألفاظ بذيئة ومن خلال التمرد على شكل كتابة القصة، فيقول في بداية أول قصة في المجموعة والتي سماها "آخر أخبار الولد الجميل" "أنا اسعد إنسان على سطح الكرة الأرضية. أرجو أن تصدقوا ذلك على الفور. من يعتقد بي، سأشمله بنصف سعادتي، ومن يكذبني، فسأتهم أمه بالزواج من عشرة رجال في آن، أما من يقف على الحياد من طروحاتي العظيمة، فله مني أمنيات ودعاء بالموت في أول محاولة لعبور الشارع" ص11، من يقرأ هذه المقدمة يعتقد للوهلة الأولى بان كاتبها بعيد جدا عن الكتابة الأدبية، فهو يستفز القارئ بطريقة فجة، إن كان من خلال الأسلوب المباشر أو من خلال الشكل الأدبي والفني، فمثل هذه الكلمات لا تمت إلى الأدب بشيء، لكن بعد أن نتابع المجموعة نجد بان الكاتب تعمد استخدام أسلوب الاستفزاز للمتلقي، كتعبير عن قرفه وعدم رضاه عما حصل له ولبني موطنه من تشرد وتقتيل، ومن يتابع الأدباء العرب الذي مروا في هكذا ظروف، يجدهم يستخدمون عين الأسلوب، فرشاد أبو شاور في رواية "الرب لم يسترح في اليوم السابع" كان من خلال العنوان لوحده يستفز المتلقي، وأيضا عندما كتب محمود درويش "مديح الظل العالي" نجده قد عبر عن سخطه بكلمات تستفز لكل المسلمين عندما قال "اقرأ بسم الفدائي الذي خلق من جزمتا أفقا، الله جربناك جربناك" فعندما يكون الكاتب يعيش حالة التشرد، وبعد أن يقوم المحتل باستباحة الوطن، والأخوة العرب يشاركون المحتل ويسهلون عمله بكل ما يستطيعون من إمكانيات، لا بد أن نجد حالة الكفر بهذه الأمة التي تخذل المواطن والأوطان معا.
بمثل هذه الألفاظ والمعاني يتوغل أكثر "على السوداني في استفزاز القارئ "أنا ابن عاهرة/ سأخبركم بالأمر حال خروجي من المرحاض" ص12، الكاتب يعاني من حالة الاحتقان ولا يجد سوى هذا الأسلوب لكي يعبر عما يجول في نفسه من ضغط، يمكن أن يقول قال بان الأدب يختلف عن غير من أساليب التعبير عن النفس، وهذا صحيح، لكن حتى ضمن هذه الألفاظ كان الكاتب يقدم لنا شكلا أدبيا لم نعهده من قبل، فقد جعل من شكل القصة التي يكتبها يمثل هذا الامتعاض والقرف مما وصل إليه العراق والعراقي، ففي قصة "إعلان مدهش" نجده يستخدم شكلا غير مألوف في كتابة القصة وذلك عندما وضع جدولا كما هو الحال في أية قائمة رسمية، وضع فيها اسم الشخص والتهمة التي تنسب إليه وأيضا العقوبة المقترحة، فمثل هذا الشكل لم نعهده أبدا في أي عمل أدبي بتاتا، لكن الكاتب عندما جعل من تلك القائمة ما هي إلا أسماء لأدباء وكتاب وأشخاص لهم تأثيرهم على الكاتب، كانت تمثل تغيرا جميلا في شكل كتابة القصة، القائمة موجودة في الصفحات 27و28و29، وهي فعلا تمثل حالة فريدة ومتميزة في كتابة القصة العربية.
يعود علي السوداني إلى التوغل أكثر في إظهار ما يجول في نفسه من حالة عدم الاستقرار فيقول في قصة "أوراق مستلة" "عجلوا يا معشر الأرواح الروحانية بالظهورـ 2بأهياش 2 باهوش 2 رهاطيل 2 شعاشيائيل 2 صهائيل 2 عسقائيل 2 صمصمائيل2 عزاقيائيل.." ص31 بمثل هذه الطلاسم والتي تعبر عن القرف والسخط على الأوضاع يبدأ الكاتب قصته، فهو يريدنا أن نشعر به وبما يعاني، ولنا أن نستوعب حالته وما يمر به ـ إن كان على أساس انه إنسان أو أديب ـ فمن يقرأ هذه المجوعة لا بد له أن يستمتع بها.
وأيضا يجد التفهم والتعاطف مع الكاتب في شكل وأسلوب الكتابة التي اتخذها إحدى الوسائل التعبير عن الحالة الجمعية للعراق وللعراقيين وله أيضا، ولنقرأ ما كتبه في هذه القصة من عبارات تعبر عن حالة المزرية " .. حتى تلقيت تلك الكف الهائلة التي اختصرت المسافة الكونية من فرج أمي الآمن حتى مسقط جسدي المزرق" ص33.
إذن الكاتب كان يعتمد الشكل والألفاظ والجمل والأسلوب المباشر، ويتعدى على المحرمات ـ الأم ـ كحالة عن عدم رضاه وأيضا كتعبير عن قرفه وسخطه، وعدم وجود الآمل أو البديل لما يعاني. ففي هذا الجزء كانت العاطفة تلعب دورا حيويا في طريقة كتابة "علي السوداني" كمواطن يحتل وطنه بدعم وتأيد من قبل (الأخوة) إن كانوا عربا أم عراقيين، وهنا تكمن المأساة.
في القسم الثاني المسمى " من كتاب اليوميات" يستخدم الكاتب شكل القصة القصيرة جدا، والتي تطرح الفكرة بأقل عدد ممكن من الكلمات، وهذا الشكل من القصص لا يقدر عليه إلا من هو متمكن من شكل وأسلوب كتابة القصة، وهذا ما يؤكد لنا بان علي السوداني هو كاتب مبدع ومتألق إن كان على مستوى الشكل أو الأسلوب أم المضمون، فهو في هذا القسم يظهر لنا مقدرته على الاختزال وإيصال الفكرة بأقل عدد ممكن من الكلمات، فقد كتب بطريقة اقرب إلى الفلسفة، فكان لا بد للقارئ أن يتوقف عند كل قصة متفكرا متمعنا بما يرده الكاتب، فقد فرض الكاتب أسلوبه على المتلقي ولا يمكنه أن يمر عليه مرور الكرام كما هو الحال في اقسم الأول من المجموعة، فهنا كان لا بد من التروي والتأمل "ظل يحدق في المرآة، مفترضا خطوطا وتقاطعات تشبه الفجيعة. حلق شاربه القنفذي، وأطال لحيته، وجعد شعره، لكن ذلك لم يعجبه تماما. أعاد محتويات رأسه ثانية. وعندما حاول النهوض من مكانه لم يستطع، لقد سوره الإطار تماما" ص53، هناك مقولة تقول بان المعاناة هي من يصقل ويطور الموهبة، ا وان المعاناة هي من يخرج الموهبة من مكانها، اعتقد بان هذه المقولة فيها شيء من الحقيقة التي تنطبق على علي السوداني، فقد قدم لنا إبداعا قصصيا فريدا.
القسم الثالث أو المستوى الثالث من الكتابة نجده في قصة "الرجل النازل" وهنا يقدم لنا الكاتب شكلا جديدا في الكتابة، وكأنه يقول لنا انظروا إلى قدراتي في الشكل والأسلوب والمضمون، فانا استطيع أن اكتب بأكثر من شكل وأسلوب، وان أقدم أفكارا قد تبدو عبثية وأخرى ذات مضامين فلسفية، وأيضا اكتب قصصا استطيع أن اجعلها رواية، في هذه القصة قدم لنا الكاتب شكلا كلاسيكيا لكتابة القصة، ورغم انه ضمن قصته بشطرات مميزة، وضعها على أنها أبيات لقصيدة كتبها شاعر يبحث عمن ينشر له في زمن لا يحترم فيه إلا كتابات المديح والتفخيم، فتكون النهاية المأساوية لهذا الشاعر الذي لم يكتشفه الآخرون إلا بعد وفاته، وانتقال زوجته إلى حضن الرجل المتنفذ، ففكرة القصة تتحقق وتتكرر في العديد من المجتمعات العربية التي لا تعرف مبدعيها إلا بعد رحيلهم إلى عالم الموتى.
كما أن الشكل الأدبي الذي استخدمه علي السوداني يتماثل مع شكل كتابة القصة المتعارف عليها، وقد تناول تفصيل الشخصيات والمكان والحدث والتي تظهر قدرته على الانتقال إلى كتابة الرواية، في النهاية نقول بان هذه المجموعة فيها التمرد على الشكل والمضمون ومعا، كما أنها تمثل الحالة الواقعية التي يعاني منها العراقي بعد احتلال العراق وانتهاء العصر الذهبي للعراق وللعراقيين.
رائد الحواري
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف