الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يوم من طفولتي بقلم:خالدة ابو صبح

تاريخ النشر : 2014-04-17
يوم من طفولتي
خالدة ابو صبح

يسود الظلام , وينعق البوم على الشجر , يغلق الباب الرئيسي للمنزل حيث الطابق السفلي , ويصطف الأطفال بجانب بعضهم البعض استعدادا لرحلة النوم , تراهم يلتصقون بجانب بعضهم البعض كي يطردوا قرصة برد الشتاء , او ربما خوفا من الفراغ الذي قد يجلب لهم الأشباح والشياطين  والأرواح الشريرة . في فضاء تلك الغرفة الواسعة والتي تتسع لعشرة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشر والثلاث سنوات يسود الصمت ويهمهم في آذانهم وقع شي ما .
في هذه الغرفة الواسعة يوجد شباكين , شباك ينفتح على برندة المنزل حيث معرش الدوالي وحديقة صغيرة يزرع فيها النعنع وبعض الأعشاب , أما الشباك الثاني فانه ينفتح على المدخل الرئيسي للمنزل والمحاذي للشارع حيث المارة , في هذا الشباك يوجد كسر لأسباب سياسية تتعلق بانتماء العائلة لبعض التنظيمات المنشقة عن منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات وهذه الأسباب كانت اكبر من أن يتفهمها هؤلاء الأطفال الذين كانت تتساقط على رؤوسهم كل ليلة الحجارة الغاضبة وزجاجات المولوتوف من أهالي القرية,  وكان من الغباء أن يتم إصلاح هذا الزجاج لان مصيره الكسر بفعل غضب أهالي القرية على هذه العائلة نظرا لانتماءاتهم السياسية , لكن كل ما في الامر ان هذا الكسر كان مصدر رعب وخوف لهؤلاء الأطفال حيث كانت تتسرب منه الظلمة وسواد الليل عدا عن تسرب البرد خلسة إلى أجساد هم  واحيانا كانت تتسرب منه الشياطين والأرواح الشريرة .
في هذه الغرفة يوجد تلفازين , تلفاز صورة بدون صوت أما الآخر فهوت صوت بدون صورة , لكن براعة الأطفال كانت اكبر من ضيق الحال , حيث وضعوا التلفازين فوق بعضهم البعض , وكان هناك إجماع من قبل العشرة أطفال على مشاهدة نفس المحطة وفي هذه الفترة لم يكن إلا خمس محطات  , محطة تبث من الأردن واحدة باللغة العربية والثانية باللغة الانجليزية , ومحطة تابعة للمحتل والعدو الإسرائيلي  تبث باللغة العربية وكانت تسمى  محطة إسرائيل الأولى ومحطة ثانية تبث باللغة العبرية بلغة العدو المغتصب  وكانت تسمى محطة إسرائيل الثانية  , ومحطة ثالثة من الدولة الشقيقة سوريا , لكن هذه المحطة كان بثها ضعيف بحكم   التشويش الواقع عليها من المحتل الاسرائيلي الا ان  البرامج  التي كانت تقدمها  جميلة ونوعية ناهيك عن  جمال المذيعات, لكن الأطفال كانوا  يستمتعون بمشاهدة برنامج وثائقي حول مصارعة الثيران كل ليلة   على محطة الأردن الثانية الناطقة باللغة الانجليزية  بعد أخبار الثامنة , وكان مشهد المصارعة يبدو كاملا حيث ينقل التلفاز الأسفل الصورة بينما التلفاز الأعلى  ينقل الصوت وبذلك استطاعوا أن يروا مشهدا كاملا ومثيرا .
أميرة  تلك الفتاة البدينة  الممتلئة وذات الوجه المرشوم بالحبوب والبثور والتي تتوسط هؤلاء الأطفال عمرا ابنة السبع سنوات  تخاف من الظلمة , وتكره ساعة الليل , لان لها قصة مع الليل , تخاف من سواد الليل الذي يتسرب إلى الغرفة من كسر الزجاج , تخاف من صوت ورنين الحجارة الملقاه على منزل عائلتها , تخاف من صوت الأقدام التي كانت تدور حول زوايا المنزل كل ليلة , تخاف من نباح الكلاب التي كانت تخترق مسامعها من الكسر الزجاجي , تخاف من صوت كان يأتي من بعيد من إحدى مغارات هذه القرية القريبة من منزل عائلتها وطالما سالت والدتها عن هذا الصوت وقالت لها والدتها ان هذا الصوت يعود لملك شخص قتل مغدورا خلال الانتفاضة  وكانت اميرة تسمع هذا الصوت كل ليلة حيث كان صوت رجل منحور يصرخ ويصيح يابا .... يابا . كانت تسمع صوت هذا الرجل المنحور كل ليلة من كل شبابيك المنزل وبالأخص شباك الغرفة الثانية التي يفصلها كرودور طويل عن الغرفة التي  تنام بها اميرة  مع بقية إخوتها وكانت هذه الغرفة تطل على وادي كبير مزروع بالقمح  محاط بجبل حيث كانت المغارة تتوسط هذا الجبل وتخرج منها اصوات ذلك الرجل المنحور لتصل الى اميرة  حيث وحدتها وخوفها .
أميرة منشغلة وتفكر في مخاوفها التي تواجهها كل ليلة , بينما الأطفال ينظرون إلى التلفازين ويتصايحون ويمرحون  عند مشاهدتهم لمصارعة الثيران .
أميرة كانت تسبقهم إلى الفراش مبكرا , تراها تدفن رأسها بذلك الغطاء المهترء الذي يحمل رائحة عرق الصيف , تجاهد اليقظة , وتغمض عيناها وتطلب من الله ان ينيمها قبل ان ينام بقية الاطفال وتبقى وحدها تصارع الاصوات المخيفة وظلمة الليل . احيانا عندما كان يعلو صوت المرح من قبل بقية الاطفال على المشاهد المفرحة ترفع راسها لبرهة كي تسرق لحظة مرح معهم لكنها تعود لتدفن راسها بالغطاء كي تسبقهم الى النوم وكي تتجاوز كل هذه المخاوف , لكن النوم كان شاقا عليها, تغمض جفونها وترخي بجسدها وتحاول ان تفصل نفسها عن المحيط , عن الضوء , عن الكسر الزجاجي , عن الاصوات , لكن هيهات .......... هيهات .
الوقت مر سريعا , بقية الاطفال انهكوا من التعب واسترخت اجسادهم, والضوء قد انطفا , لم يبق في الغرفة الى صوت  التلفاز الذي يبث الصوت حيث كانت المحطات توقف البث عند الساعة الثانية عشرة ليلا , الكل تعب  الا اميرة   حيث باءت محاولاتها بالفشل فلم تستطيع النوم وفي نفس الوقت لم تشارك الاطفال بهجتهم لمشاهدة  مصارعة الثيران , ولقد اعتادت اميرة  على هذا الوضع كل ليلة ورغم ذلك كانت تحاول ان تنام وتقول ربما الليلة غير السابقة وربما استطيع ان ارغم جسدي على الاستجابة للنوم لكن بدون فائدة .
ترفع الغطاء عن وجهها  وتجلس , مرة تحدق بالشباك المكسور حيث الظلمة والسواد ومرة اخرى تنظر الى وجوه الاطفال النيام التي توحي بانهم اموات فبعضهم كان يغلق عينيه كليا ويفتح فمه  , والبعض الاخر  كان يغمض نصف العين , ناهيك عن سمفونية الشخير  بعضهم كان يحلم بصوت مرتفع احيانا يكون الحلم صوت صراخ واحيانا صوت ضحكات مرتفعة , وتتساءل اميرة  لماذا لا استطيع النوم ؟ لماذا يجب ان ارى كل هذه المشاهد كل ليلة ؟ ربما انا مع موعد مع شيئ مجهول , تحاول ان توقظ احدهم كي يخفف عنها الرعب لكن لا احد يجيب .
يزداد سواد الليل في الغرفة , يتغير البث عبر التلفاز لينقل صوت اللاسلكي الذي  يعود لدورية  لجنود الاحتلال الذين يدورون حول المنزل بحثا عن النشطاء السياسيين وتعي اميرة  ان هذه الاصوات هي اصوات الجنود القريبون من المنزل والذين قد يقتحموا المنزل في اي لحظة , الجرذان تتسلل بحثا عن قطع الخبز , تحاول ان تنهض على قدماها كي تطفا التلفاز وتوقف تردد اصوات جنود الاحتلال في مسامعها لكنها لا تقوى , تحاول ان تقوم لتشعل النور لكنها تخشى ذلك الكسر الزجاجي الذي رغم صغره الاا نها كانت ترى الجحيم من خلاله وطالما اعتقدت انه مصدر لكل الرعب المزروع بداخلها . اميرة محاطة بالمشاهد المخيفة داخل الغرفة وبالاصوات المرعبة القادمة من الكسر الزجاجي .فقط اصوات دون مشاهد وحدها من كان يرسم الصورة والمشهد المرعب لذلك الصوت القادم اليها من ذلك الكسر الزجاجي
تنظر مرة اخرى الى الشباك هناك ضوء قادم ينعكس على سماء الغرفة انه ضوء احدى السيارات المارة بالشارغ متاخرا والذي يعود  لاحد رجال القرية الذي ارسل زوجته لتضع مولودها في المستشفى فهذه هي الحالة الوحيدة التي تمر بها السيارات متاخرا في الليل اما لارسال النساء لوضع المواليد الجديدة او لارسال المرضى الى المستشفى ذهابا وايابا , يشعرها هذا الضوء الذي امتد الى وحدتها و رسم امتداده على وجهها وعلى حائط الغرفة بالراحة والطمانينة لبرهة , لكنه يعود ليختفي مرة اخرى , تقول في نفسها ليت هذا النور لا يغادر ابدا , ليت كل نساء القرية في حالة وضع مواليد  جديدة كي لا يفارقني الضوء , كي يؤنس وحدتي  , لكن هيهات .
اصوات الريح تزمجر بالخارج محدثة حركة فوضوية باوراق الشجر المنتشرة في الحديقة المحاذية للشباك , القطط والكلاب تدوس باقدامها على ورق الدوالي محدثة اصوات مخيفة تقرع اذان ومسامع الفتاة . كل شعرة في جسدها تهتز , يداها ترتجف وتبدا بالبكاء والعويل الامنقطع , تشعر ان هناك يقف احدهم وينظر اليها بعينين زرقاوتين دون ان ينطق باي كلمة لكنه كان يحدق اليها جيدا  , يتعالى صوتها فتقف جاثمة على قدماها وتسرع وتشعل النور وتعود مهرولة الى فراشها , تستمر بالبكاء طوال الليل لكن حاجز الاسمنت الذي يفصل الطابق السفلي عن العلوي لا يابه ببكائها ولا يوصله الى اذان والدتها التي ترقد بترقب وخوف وحيطة وحذر على ابنائها وعلى مصير عائلتها التي يتم مهاجمتها كل ليلة من اهالي القرية حاملين عصيهم وغضبهم وحجارتهم التي كانوا يلقوها على رؤوس الاطفال الصغار , لقد احدثت حجارتهم هذا الكسر الزجاجي الذي روع اميرة وحال دون قدرتها على النوم  .
سماعة الجامع تقرع معلنة قدوم الفجر  والامام اخذ يرتل بعض ايات الذكر الحكيم , الديك اخذ يصيح معلنا صفارة الانذار والد اميرة  يترجل من على الدرج ويربط الحصان بالشباك المكسور المطل على الغرفة , الحصان يداعب بفمه شباك الغرفة ويبدا بالصهيل , المفتاح الحديدي الكبير يدخل ثقب الباب حيث نزلت والدة اميرة  لكي تحضر كوبا من الشاي والافطار الصباحي الى والد اميرة  قبل ان يذهب الى الحقل . عندها يسود الامان وتعود اميرة  لتلقي براسها على تلك الوسادة الخشنة , وجسدها على تلك الفرشة الرقيقية التي تسرب صقيع الارض الى جسدها وتحت ذلك الغطاء المهترء والممزق ترقد بسلام وهي تنظر الى الكسر الزجاجي وفم الحصان  يداعب الكسر لمدة ساعة او ساعتين  قبل ان تذهب الى المدرسة , اخيرا تغمض عيناها وتصعد روحها الثكلى الي السماء متخطية كل الشياطين وكل الارواح الشريرة , متخطية الكسر الزجاجي المطل على الغرفة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف