استيقظ من نومه مبكرا … الضوء يرشح من النافذة … الصمت الشاسع يلف الفضاء … انسحب من فراشه الدافئ … وقف لصق النافذة ، يستوعب المدى المسدود بجدار أزرق … رفع يديه أعاد ترتيب شعره … السماء ترسل رذاذا متصلا على مهل … عبرت في زمن كاللسعات … على شعرها ندى الرذاذ وقد تورد وجهها فرآه صافيا كالصحو … الحيوية تتدفق من جسدها الممتلئ … سحر كامن من فائض أنوثتها الظاهرة … إنها تحتفظ بتيار سري و قوي … شاكسته … غامزته بعينيها صراحة لانت تقبضات وجهه.. ابتسامتها تطن في رأسه … الخواطر تتخلله كومضة وتنأى به إلى واقع قصي و سري فيدب فيه خليط من اللذة والتمني … تحتضنه الأحلام المحمومة ، فيشهق مزيدا من الهواء ويضحك بتوتر وعي غائم… عوّد نفسه على حبها… يراها من الزاوية التي تزيد من حبه لها وتعلقه بها … ليس من اليسير حبها ونسيانها … ليس ثمة ما يدعو للقلق والخوف … هناك متسع من الوقت… لكن الوقت قد يقصر ويضيق كحبل مشنقة … بدأ الهدير … عبس على الفور … أخذ الغضب يلوك روحه … ضربه شعور لا يقاوم بأن هذا يحدث مرة واحدة في العمر ، وأنه سيبقى معزولا بمنأى عن كل عوالمها الصغيرة المدهشة ، وأن الوحشة تسكنه ، تسكن بيته حتى النهاية ، فهو مفرد والناس أنساب تتناسل وتملأ الكون ، ولسوف يبقى هو وحده في علبة مقفلة وتذهب هي …أنه الخاسر … عاد إلى رسالته التي كتبها قبل فترة ضغطها على قلبه…كلماتها يابسة شائخة ورغم ذلك تمنحه جرعات دفء… فكر وفكر …الاستطراد في التفكير جعله يطلق ضحكة مرة … اللحظات مشحونة …ظل مبهوتا … يجب ألا يكون القرار مباغتا وعشوائيا ..فالحياة حياته ليس من السهل حسم الأمر فالفشل يعني أن كل السياط ستنهال عليه وهذا يخيفه حتى الموت … كلما تقادم الوقت عاودته الوحدة تهرش خلاياه يكظم صيحة من أعماقه … القرار كامن في نقطة غائرة فيه لم يبلغها بعد التنافر يلتبسه … الشهقات تتصاعد … ثمة ما يوحي بالنقيض الذي يصدمه … ذاكرته متماسكة بقوة حفظها ومقاومتها للنسيان وهي صحوى له بالمرصاد … يتحسس ذاته ، ذاته كاملة … من منا ليس له ماض …؟… تجذرت صورة ماضيها في روحه وتمددت فيه سرا يخجل من إعلانه … نجح في التكتم طويلا … لكن لماذا لا ننزع أشواك الماضي من فراشنا؟؟ لماذا لا نستبدل الملاءة الملطخة بأخرى نظيفة ؟؟ المبالغة في الحكمة تعني التنازل عنها وهذا أمر مخيف … العذر غير مقبول … لا مبرر… أطال التحديق في القرار… يعود إلى صورة وجهها القمحي الصغير كلما عنّ عليه القرار كان ينتظر بصبر صوتا يحدد خطواته التالية … أعاد التحديق في القرار … امتلأ به حدا لا رجعة فيه أمسك القلم بسرعة خاطفة ، كأنه ينقض على فريسة تكاد تفلت … يده ترجف ضغط عليها بيده الأخرى حتى لا تنزلق الكلمات … بزغت الكلمات من أعماقه المعتمة هادئة رتيبة … أكمل الرسالة … أنا موافق … فلنلتق … يومها استيقظ مبكرا ، ونام مساء مبكرا .
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )