الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الـعـَـرَب والدَوَران إلى الـخـَلـف بقلم:د. عبد القادر حسين ياسين

تاريخ النشر : 2014-04-13
الـعـَـرَب والدَوَران إلى الـخـَلـف بقلم:د. عبد القادر حسين ياسين
الـعـَـرَب والدَوَران إلى الـخـَلـف

الدكتـور عبد القادر حسين ياسين

تحفل الحياة الثقافية العربية، ولا سيما في ما نقرأه في الصحف والمجلات، وما نشاهده في محطات التلفزة، بكثير من المعلومات الغريبة والحكايات العجيبة التي ما برحت تتردد في أفواه الناس وعلى مسامعها من غير ان تثير أي ريبة أو شك أو حتى إحتراس معرفي.

إن كل رواية مما سأرويه، تبدو مسلماً بها، وقد اكتسبت قوتها من شيوعها لا من صدقـيـتـها. فكأننا في هذه المـعـمـعـة غافـلون تائهون ذاهـلون، مقودون بالتواتر وبالتكرار على غـرار كلام المشايخ في خُطب الجُمع.  وعلى سـبـيـل المثال لا الـحـصـر، صار ”أبو رغال” مثالاً للخيانة عندما عمل دليلاً لجيش أبرهة الحبشي حينما سار لاحتلال مكة. طيب! لماذا لم يُتهم أمير الطائف بالخيانة، وهو الذي كلـَّف ”أبا رغال” هذه المهة؟ بل إن أي كلمة لم تقل بحق أمير الطائف آنذاك، حتى اننا نجهل إسمه الى حد كبير. أما عبد الله بن سبأ الذي حـمـّله المؤرخون معظم خطايا المسلمين الاوائل، فلم تزودنا المصادر الموثوقة بأي برهان قاطع على وجوده. وعلى الارجح، فإن الذي اخـتـلـقـه هو المؤرخ سيف بن عمر التميمي، وهو مؤرخ كذوب ومحدّث ضعيف.

وكم قرأنا، تكراراً، الخطبة البليغة والرائعة لفاتح الأندلس طارق بن زياد حين وقف بين جنوده يراقب حرق سـفـنـه. لكن، ألم يتساءل أحد كيف لهذا المولى البربري الحديث العهد بالعـرب والـعـروبـة والإسلام ان يلقي مثل هذه الخطبة الـعـصـمـاء الفائقة البلاغة؟ وكيف يحرق قائد عسكري عـدته الحربية كلها قبل بلوغ النـصر؟ انه قائد مخبول بلا ريب لو كان فعل ذلك! والراجح لديّ أنه لم يحرق سفــئـه قط، ولم يبتدع تلك الخطبة المشهورة، فالقـصـة كلها موضوعة من ألفها الى يائها.

حكايات وأعاجيب

لا اظن أنني سأعـثر على عـربي واحد، من طـنـجـة إلى أم الـقـيـوين، حتى لو حملت مصباح ”ديوجين” وأمضيت عشرين سنة في التـفـتـيـش، يزعم إن في الامكان العثور على العدالة في المحاكم العربية، هذه المحاكم التي تعمل بقوانين الطوارئ وبإرادة الحاكم المستـبـد أولا وأخيراً. ومع ذلك فإن هذه المحاكم تـُصرّ على تزيين قاعات المحاكمات بالآية التالية: ”وإذا حكمتم بين النـاس فاحكموا بالعدل”. أما السجون العربية، وهي كما عـلـمـتـم، فلا يتورع القائمون عـليها عـن استفزاز السجناء المساكين، وسجـناء الرأي بالدرجة الاولى، فيعلقون لوحات بالخطوط العربية الجميلة للآية التالية: ”وما ظلمناهم ولكن كانوا أنـفـسـهم يـظـلـمـون”.

إن هذا الاستخدام غير النزيه للآيات القرآنية ووضعها في غير مواضعها من شأنه ان يمنح اياً كان من الناس الحق في إستخدامها في أي موضع. وهـذا ما حصل بالفعل، ففي احدى دورات الانتخابات النيابية في مصر، وكان السياسي المعروف اسماعيل صدقي مرشحاً، رفع أنصاره (أي هو نفسه) يافطة مكتوب عليها: ”وأذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعـد”. وأحـد الحلاقـيـن وضع فوق باب دكانه لوحة كـتـب عليها: ”نحـنُ نـقـُصّ عـلـيـك أحسنَ القـِصـَص” ورسم مقصاً الى جانب الآية الكريـمـة.


الدوران إلى الخلف
 
ما زال تاريخ العرب متسربلاً بالدين بطريقة مهينة. والمقصود هو سطوة الرؤية الدينية على الوقائع التاريخية، وليس المقصود بالطبع تاريخ الإسلام بحد ذاته، فهو شأن يشتبك بقوة بتاريخ العرب منذ 1400 سنة. وفكرة التاريخ عـنـد هـيـغـل مثلا تعني السير الى الأمام، أي الترقي المتواصل. أما فكرة التاريخ عـند الديانات فهي  ـ على العكس من المفهوم الهيغـلي ـ  تعني ”الـتـقـهـقـر”. أي أن التاريخ يبدأ من نقطة ما، ميلاد السـيـِّد المسيح أو صلبه، أو هـبوط الوحي على النبي محمد مثلا، وكل إبتعاد عـن هذه النقطة هو نـقـصـان، وكل اقـتـراب منها هو الكمال.

إنَّ الرؤية الدينية للتاريخ تؤدي الى عـدم المعـرفة تماما. وعلى سبيل المثال فإن النبي ابراهيم، بحسب الرواية السائدة ذات المصدر التوراتي، ترك مدينة ”أور الكلدان” وسار مترحلا الى بلاد كنعان، واستغرقت رحلته 15 عاماً حتى قطع المسافة من ”أور” في جنوب العراق الى ”حاران” في شمال سوريا ثم غـربا الى فلسطين. غير ان المسافة بين ”أور” و”حبرون” (الخليل) لا تحتاج هذا العـناء ولا ذلك الوقـت ولا المرور بمدينة ”حاران”. فلماذا كانت هذه المسيرة الغـريبة، ولا سيما انه لم يفعل شيئا في ”حاران”؟!
 
هنا بالذات تظهر فكرة ”التـقـهـقـر”. فالهجرات لا تنطلق ، عادة، من المدينة الى الصحراء، أو من البلاد الخصبة الى البلاد القاحلة (الأردن)، إلا اذا كان هـناك سبب حاسم أو جوهري. وفي رحلة النبي ابراهيم لا يوجد أي سبب حاسم او قاهر على الاطلاق. وللعلم، فإن ”أور الكلدان” الواردة في الترجمة العربية للتوراة غير صحيحة. فالنص الاصلي هو ”أور كسيديم” وليس ”اور الكلدان”. ودولة الكلدان قامت بعد مضي العهد المفترض لابراهيم بنحو ألف عام. وتحـيـلـنا اخطاء الترجمة في النصوص الدينية على الانجيل الذي ورد فـيه اسم ”سمعان القـيرواني”. والقـيـروان بناها عـقـبـة بن نافع في تونس بعد  700 سنة من الميلاد المفترض للمسيح. والصحيح انه ”سمعان القوريني” نسبة الى ”قورينيا” في ليبيا من أعمال برقة، وهي مدينة عين شباط اليوم.

الحـضارة العـربية والـتـقـهـقـر

الحضارة العربية انتهت كمدلول تاريخي منذ سنة 1258 ميلادية حينما سقطت بغـداد تحت حوافـر جيش هولاكو. أجـل ، لقد انقرضت الحضارة العـربية منذ نحو 756 سنة، لكن، هل انقـرضت الثقافة العربية؟  الثقافة لا تـنـقـرض حتى لو انـقـرضت الحضارة التي هي وعاؤها التاريخي. والثقافة هي النتاج الأسمى للحضارة، وهي تبقى حتى لو شرعـت الحضارة بالتـدهـور، أو أخذت في الانحطاط والانحلال، تماما مثل المهن التي تـنـقـرض، لكنها تـبـقـى في اسماء العائلات التي امتهنتها. فقد اندثرت مهنة صنع برادع الحمير ومهنة صنع الطرابيش، لكن عائلة البرادعي أو عائلة الطرابيشي تبقى لفترة طويلة حتى بعد إنـقـراض أساسها المادي، أي المهنة نفسها. وبهذا المعنى، فإن الثقافة تستمر ما دام المجتمع ينتج ثقافة ولو بشروط حضارية متدنية. وليس غريباً أن تصدر أهم الكتب في التاريخ العربي الوسيط في المرحلة التي اصطلح عليها بـ”عـصـر الانحـطاط” مثل: ”القاموس المحيط” للفيروز أبادي، و”لسان العـرب” لابن منظور، و”تاج العروس” للزبيدي، علاوة على مـقـدمـة  ابن خلدون. أما الحضارة العربية فهي شأن آخر، وقد اضمحلت، بالتدريج، منذ سـقـوط بغداد في سنة 1258 ميلادية، وظلت تحاول ان تتجدد حتى يومنا هذا، لكنها ما برحت عاثرة ومهيضة.

كان على المفكرين العرب أن يتأملوا في أسباب انحطاط العالم العربي. وفي هذا الميدان ظهرت أفكار كثيرة حاولت أن تفسر ظاهرة إنحطاط الحضارات. بعضها تحدث عن تفوق حضارات معينة، ودونية حضارات أخرى. ولا ريب في ان تحميل العرب، كمجموعة بشرية، الدور الرئيس في الانحطاط يجانب العلم. فقد كان للعوامل الجيوسياسية والمناخية شأن كبير في تقهقر المنطقة العربية منذ القرن العاشر الميلادي الذي سبق الحروب الصليبية وسقوط بغداد معا. ففي سنة 800 تقريبا، أي في أوج الحضارة العربية، كان عدد سكان المنطقة العربية نحو 30 مليون شخص، وعدد سكان اوروبا يساوي هذا الرقم ايضا. لكن في سنة 1000 تقريبا، بدأ عـدد السكان يتزايد بصورة متدرجة في أوروبا ذات المناخ البارد والمطير، بينما لم يسجل العالم العربي أي زيادة سكانية ذات شأن. وفي سنة 1600 وصل عدد سكان اوروبا الى مئة مليون نسمة، بينما ظل الوضع في العالم العربي على ما هو عليه، علاوة على موجات القحط والتصحر.

وفي ذلك الوقت تماما كان ”فاسكو دي غاما” يكتشف رأس الرجاء الصالح الأمر الذي أفقد خطوط التجارة القديمة أهميتها، وأدى الى انتقال مركز الثـقـل التجـاري من البحر الأبيـض المتوسط الى المحيط الاطلسي، أي من أيدي العرب الى الاوروبيين. وجاء الاحتلال التركي، الذي ادخل العالم العربي في ركود طال 400 سنة، ليقضي على آخر أمل بظهور طبقة تجارية ذات مشروع نهضوي. ثم جاءت الثورة الصناعية في اوروبا لـتـقـضي على الصناعات الحـرفـيـة العـربية. ولم يبقَ امام العالم العربي الا الاكتفاء بزراعات بسيطة مثل الحبوب والقطن في مصر والشام، والصوف في العراق، والزيوت في شمال افريقيا... الخ. ثم دخلنا في عصر الاستعمار الحديث، وما زلنا في عراك معه حتى اليوم.

ان معظم الذين تعاركوا مع أدونيس على مفهوم انقراض الحضارة لم يـفـرقـوا بين الحضارة والثقافة. الحضارة الاغـريـقـية انـدثـرت، والحضارة الرومانية انقـرضت، والحضارة المجرية لا يسمع بها أحد اليوم، والحضارة الفارسية كـفـَّت عن الحضور منذ أكثر من 1500 سنة. لكن بلاد اليونان والرومان والهنغار وايران ما برحت تنتج ثـقـافـة متعـددة الألوان ورفيعة المستوى بالتأكيد. وهذا هو حال العالم العربي الذي تئن الثقافة في أرجائه جراء العـُسف والظلم... لكنها تئن بالتأكيد، أي انها موجودة وتحاول التجدد.  العرب الحاليون لا علاقة لهم بالحضارات العظيمة التي قامت في هذه الـمـنـطـقـة ثم بادت، وهذا هو مفهوم الانقطاع الحضاري. فالعـراقيون لا صلة لهم بالحضارة السومرية ـ الآشورية ـ الكلدانية. والمصريون الحاليون هم على هذا المنوال. وينطبق الأمر نفسه على السوريين وصلتهم بالحضارة الآرامية العظيمة. ولعل في ذلك برهان أولي عـلى ان الحضارات تندثر، أما الثقافات فتستمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كـاتب وأكاديمي فلسـطيني مـقـيم في السـويد .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف