الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بيت المقدس زمن الصليبيين عرض وتقديم : د . فتحي عبد العزيز محمد

تاريخ النشر : 2014-04-08
كتاب في مقال
(1)

بيت المقدس
في زمن الصليبيين


JERUSALEM IN THE TIME OF THE CRUSADES
Society, landscape and art in the Holy City under Frankish rule
Adrian J. Boas


عرض وتقديم : د . فتحي عبد العزيز محمد

أعرض لكتاب من الكتب التي صدرت حديثا , فهو صادر عن دار روتلدج بلندن العام 2001م , ويقع في 272 صفحة . وهو من بين العديد من الكتب التاريخية التي تتناول الحركة الصليبية وأثرها علي الشرق الإسلامي . والمعروف أن الحروب الصليبية بدأت بدعوة من البابا أربان الثاني Urban11لأمراء وفرسان الغرب الأوربي لشن حرب علي الشرق الإسلامي بحجة تخليص مسيحي الشرق من ظلم المسلمين وتحرير الأماكن المقدسة في فلسطين من قبضتهم ومهما يكن في هذا الأمر من تجني علي المسلمين ورعايتهم لتلك الأماكن عبر تاريخ حكمهم الطويل للشام وفلسطين ,إلا أن البابا أراد بقوله ذلك إثارة الحماسة الدينية لدي أبناء الغرب الأوربي , والذين استجابوا لدعوته لا بسبب الحماسة الدينية وإنما لسوء أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية , وإن كان الدافع الديني هو العباءة التي تدثروا بها لتبرير حربهم التي توالت في موجات متعاقبة بدءا من 1096,وحتي تم الخلاص منهم عام 1291م علي يد الأشرف خليل بن قلاوون الذي اقتلع جذروهم من عكا .
ومؤلف الكتاب هو أدريان بووز وهو بعنوان ” القدس في زمن الصليبيين ” ويحاول المؤلف أن يرسم صورة لبيت المقدس تحت الحكم الصليبي واستعان في ذلك العمل بالمصادر والمراجع التاريخية إلي جانب الاستفادة مما حققه علماء الآثار من كشف عن آثار تلك الحقبة وقد عاونه في التعرف علي مدينة القدس عندما زارها أحد الملمين بدروب المدينة .
يقدم الكاتب لعمله بالقول أن فترة الحكم الفرنجي ( الصليبي) ليست طويلة في تاريخ المدينة بالمقارنة مع فترات أخري مرت بها , وتنقسم تلك الفترة إلي مرحلتين منفصلتين الأولي والرئيسية منها تمتد منذ الغزو للمدينة في 15يوليو1099م مع نهاية الحملة الصليبية الأولي وحتي الفتح الأيوبي لها في 2 أكتوبر 1187م عقب معركة حطين . أما المرحلة الثانية والقصيرة فتبدأ بإعادة احتلال المدينة ضمن إطار معاهدة يافا في 18فبراير 1229م . وبعد انقضاء المعاهدة عام 1239صارت القدس بيد الناصر داود حاكم الكرك , والذي قام بتركها ليحتلها الفرنجة عام 1241م . وقد انتهت تلك المرحلة المتقطعة من حكم الصليبيين عام 1244م بدخول الخوارزميين المدينة عام 1244م. إن هاتين الفترتين من حكم الفرنجة لايتجاوزا معا المائة عام إلا أن المؤلف يري أنها أحدثت تحولا في شكل المدينة عن فترات سابقة من الحكم الروماني والبيزنطي مهملا التطور الذي أحدثه المسلمون بها .
ومهما يكن من أمر , فإن التطور الذي يري المؤلف أنه أخذ جهدا كبيرا كان يهدف إلي إضفاء صبغة مسيحية علي المدينة تمثل ذلك منذ اللحظة الأولي لدخولهم إليها , فقد قام الصليبيون باجراء ما أطلق عليه الؤلف عملية تطهير عرقي حيث تم تنفيذ مذبحة بحق المسلمين بالمدينة فيما بين 15و18يوليو 1099م . وقد أورد المؤرخ الصليبي فوشية الشارتري تفاصيل هذه المجزرة البشعة , والتي ترتب عليها أن صارت القدس مدينة أشباح . لقد بدأ التغيير في شكل المدينة بالعنصر السكاني فتغيرت الديموغرافية السكانية . لكن قلة عدد السكان وعودة كثير من المشاركين في الحملة الصليبية الأولي دفع بالملك الصليبي بلدوين الأول ملك بيت المقدس إلي جلب المسيحيين الشرقيين الذين فروا من المدينة غداة الغزو وأن وجدوا معاملة سيئة ذكرتهم بما كانوا يلقونه من حسن المعاملة في ظل الوجود الاسلامي .
وفي إطار تغيير معالم المدينة قام الصليبيون بإنشاء العديد من الكنائس والأديرة وإعادة ترميم ما كان مهدما , وقد اعتمدوا في هذا الشأن علي ماوجدوه من ثروات خلفها الفاطميون ورائهم بعد خروجهم من المدينة , إلي جانب المساعدات التي كانت تأتيهم من الغرب وهبات كبار الزائرين لها
كذلك قاموا بتحويل المساجد إلي كنائس وكان ذلك العمل كما يري المؤلف مخالف لما فعله المسلمون في الفتح عام 638م فقد أبقوا الكنائس والممتلكات المسيحية دون أن تمس, و ذكر المؤلف طبقا لما نقله عن عماد الدين أن صلاح الدين بعد أن أخرج الفرنجة من بيت المقدس قام بإ عادة المساجد التي حولت إلي كنائس إلي سيرتها الأولي كما أنه انزل الصليب المذهب من فوق مسجد قبة الصخرة, وتم غسل وتنظيف المسجد . كما قام كذلك بتحويل المنشئات الفرنجية بالمدينة إلي مساجد ومدارس .
وبعد المقدمة التي استعرض فيها الكاتب رغبة الفرنجة في التغيير وأسبابه قسم عمله إلي ثلاثة أجزاء الأول منها بعنوان بيت المقدس في العصور الوسطي: وفيه يذكر مكانة القدس بالنسبة للمسيحيين لاحتوائها علي مواقع حج متعددة يقبلون عليها – يهمل المؤلف كونها مدينة مقدسة لدي المسلمين – ويمكن تقسيم السكان فيها إلي أهلين وزوار ولا توجد احصائية لمعرفة النسبة بين الجانبين . وقد سعي الصليبيون إلي زيادة الجانب الثاني بإنشاء العديد من الكنائس والأديرة وتلفيق أماكن يمكن للحجاج زيارتها بوصفها أماكن مقدسة مما أدي إلي زيادة في عددهم . وهو الأمر الذي فشل فيه البيزنطيون عندما كانت المدينة خاضعة لحكمهم . وكان المؤلف منصفا عندما ذكر سماحة المسلمين منذ فتحهم المدينة واستمرار عملية الحج اليها في ظل الحكم الإسلامي بلا توقف .
ويتطرق المؤلف إلي موضوع تناوله كثير من الباحثين بالدراسة وهو انشاء ماعرف بالنظم الدينية الحربية , وهي هيئات تضم فرسان يحيون حياة ديرية متقشفة , اقيمت للدفاع عن مملكة بيت المقدس وأظهر أفرادها البعد عن ماديات الحياة , إلا أنهم صاروا في وقت قصير ينعمون بممتلكات وثروات ضخمة من قلاع وضياع وأموال ليس في القدس وحدها بل وفي الغرب الأوربي .
وفيما يتعلق بالتعليم بالمدينة إبان الحكم الصليبي فقد كان هزيلا , وإن وجد نابهين ممن نشأوا بها فإنهم تلقوا تعليمهم في الغرب . ويستمر المؤلف في هذا الجزء في التعريف بطبقات السكان فهم طبقتين نبلاء وبورجوازيون كما يعرض لحال المسلمين بالمدينة فهم أتوا اليها بعد الغزو كتجار , ومع عودة المدينة للمسلمين بعد موقعة حطين وبحيدة تامة يقر المؤلف مدي الإزدهار السكاني الذي حدث والتسامح مع كل من قصد المدينة المقدسة من غير المسلمين , سواء للإقامة أو التجارة أو الزيارة .
أما الجزء الثاني من الكتاب عن الآثار الباقية من الحقبة الصليبية , مثل القلاع والحصون والأسوار والبوابات والأبراج والقصور الملكية وأحياء المدينة ومقار رجال الدين . كما يعرض للآثار الباقية من تلك الفترة خارج الأسوار والطرقات والميادين والأسواق والمشافي والمؤسسات التجارية ومصادر المياه من عيون وآبار وقنوات . وهو في هذا الجزء اعتمد تماما علي ما حققه الأثريون وما وصلوا إليه في حفرياتهم من معلومات ,إلا أنه عندما تحدث عن القصور الملكية للفرنجة ببيت المقدس فان الكتابات التاريخية والمعلومات الأثرية لا تقدم كثيرا التاريخية في هذا الصدد . وربما أقام ملوك بيت المقدس أولا في برج داود ( محراب داود ), ثم انتقل بلدوين الأول للإقامة في المسجد الأقصي عام 1104, وإن تركه بعد قليل لمنظمة الداوية وهي أحد المنظمات الدينية الحربية. غير أن المقام النهائي للملوك كان قصرا منيفا شيد بجوار محراب داود ومن المؤكد أن ذلك كان بدءا من عام 1169م . ومن الغريب أن المؤرخ عماد الدين لم يأت علي ذكر هذا القصر عند وصف استرداد صلاح الدين الأيوبي للمدينة وذكر أن صلاح الدين أقام في خيمة خارج أسوار بيت المقدس . كما لم يأت ذكره ضمن قائمة الممتلكات التي حولها إلي أوقاف . وقد حاول المؤرخ في هذا الجزء أن يعطينا صورة حية للحياة الإقتصادية بالمدينة من خلال العرض الموثق للنشاط التجاري والصناعي وذكر العديد من الصناعات التي ازدهرت ببيت المقدس , وبالطبع فإنه حرص علي تحديد أماكنها فالمدن في العصور الوسطي فرضت للصناعات أماكن خارج اسوارها أو الفضاء المتوفر داخلها . ومن بين تلك الصناعات صبغ الملابس وانفرد به اليهود وهم قلة قليلة سمح لهم قي أخريات القرن الثاني عشر بالإقامة بجوار محراب داود مقابل دفع مبلغ من المال سنويا . وهناك حرفة دبغ الجلود وكان موقعها في الجنوب الشرقي من القدس مناسبا لقربه من مصدر المادة الخام وهو سوق الغنم , وأيضا لقربها من واد يمكنها من صرف المياة ذات الرائحة الكريهة الناتجة عن عملية الدباغة . أيضا كانت الحاجة ماسة لصناعات الفراء بسبب الجو البارد الذي ساد المنطقة في العصور الوسطي خلال فصول الشتاء . كما عرض لصناعة الحلي من ذهب وفضة والتي سجلت بعض وثائق المدينة وجودها في العام 1130م , وربما ساعد علي إزدهارها قدوم الحجاج إليها ورغبتهم في الاحتفاظ بتذكار منها . ومن المنطقي أن تكون محال تلك الصناعة قريبة من المزارت التي يقصدونها . كما أشار إلي أعمال الحدادة وصناعة الأواني الفخارية وصناعة القناديل . والجدير بالذكرأنه علي الرغم من تعدد الحرف كان هناك من يبحث عن فرصة عمل بين من يقصدون بيت المقدس ولو لبعض الوقت .
وفي الجزء الثالث والأخير , فإن الكاتب خصصه للفن الفرنجي , وما قاموا به من أعمال في هذا الجانب مثل اللوحات الجدارية وأعمال الفسيفساء وغيرها من المشغولات الذهبية والفضية وأيضا تزيين المخطوطات بأشكال فنية تأثر فيها الفنان الصليبي بفنون الغرب اللاتيني .
وفي الخاتمة يقر المؤلف أنه علي الرغم من محاولته تقديم صورة لبيت المقدس معتمدا بصفة خاصة علي الاكتشافات الأثرية , إلا أن الكتاب به كثير من الثغرات . فهو يري أن كتاب بهذا الحجم لا يمكن أن يغطي تماما حقبة بهذا الثراء في تاريخ العلاقات بين الغرب اللاتيني والشرق الإسلامي . وهو يشير في ذكاء يدل علي حس تاريخي إلي أن ضياع القدس من يد المسلمين عند مجئ الحملة الصليبية الأولي إليها عام 1099م أحدث صدمة لدي المسلمين لم يفيقوا منها إلا بعد مضي ثلاثة عقود , الأمر الذي مكن الصليبيون من صبغ المدينة بصبغة لاتينية استمرت حتي عام 1187م عندما استردها صلاح الدين ليعيد إلي المدينة وجهها المشرق ويزيل ما كان من دنس واستخفاف بمقدسات المسلمين ببيت المقدس .
والكتاب مهما كان الأمر , جاء محاولة جادة لكاتب غربي يحاول أن يعرض في حيدة تامة حقيقة ماحدث في حقبة من التاريخ , منصفا للحقيقة خاصة فيما ذكر عن تسامح المسلمين عند فتحهم المدينة عكس الموقف الصليبي منها والمذابح التي تعرض لها سكانها المسلمون إبان الغزو وتسابق الصليبيون بالاستيلاء علي ممتلكاتهم, بل وتسامح المسلمين مع سكان المدينة عند استردادها علي يد صلاح الدين , وهو المسلك الذي أشاد به الكثير من المؤرخين في الغرب .
د . فتحي عبد العزيز
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف