بقدرة قادر أنهت اللجنة إياها صياغة الدستور المقترح بعد يومين فقط من الإعلان الفرعوني "أنا ربكم الأعلى" ، وسريعا ما تم تحديد موعد الاستفتاء ليلة تسلمه ، دونما أي اعتبار لكون تلك اللجنة مطعونا في شرعيتها ، وكون قطاع عريض من الشعب المصري ، بما فيهم القضاة والدستوريون ، ضد منجزها الذي سيستفتى الشعب عليه ، وضد الاستفتاء عليه كذلك . فهل تظن جماعة الرئيس أن إقرار الدستور عبر اللعبة التي يجيدونها في كل استفتاء وكل انتخابات ، سيجعل الشارع يستقر ؟ بالطبع لا . وأنا شخصيا لا أعتقد أنهم غبيون كما يبدو من كل سلوكهم السياسي ، وكما يحكم الكثيرون عليهم ، فالحكم بالذكاء والغباء يحتاج معيارا ، وعند هؤلاء الحق عندما يقيسون سلوك جماعة الرئيس إلى المعيار العام ، ولكن الحقيقة أن لهذه الجماعة معيارا آخر خاصا جدا ، وقياسهم إلى هذا المعيار سيظهر أنهم عباقرة في تنفيذ مخططاتهم . إن المخطط الإخواني يتجاوز مسألة الوصول للحكم بكثير ، فلو انحصر هدفهم فيه فقد تحقق بوجود أحد أعضائهم على رأس الدولة بكل ما زرعه في الجهاز الإداري للدولة من جماعته ، وسيكتمل بانتخابات مجلسي الشعب والشورى وحصولهم على الأغلبية المطلقة التي يحترفون صناعتها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة . لكن المخطط أكبر بكثير من مجرد حكم مصر .. فلنتساءل معا : لماذا أفرج الرئيس وعفا عن قتلة التيارات الإسلامية ؟ ولماذا سمح بعودة مقاتلون وليس قتلة فحسب من الأفغان المصريين ؟ ولماذا أعطى الجنسية المصرية للمئات من الفلسطينيين من إخوانهم فقط ؟ بل لماذا أصدر هذا الإعلان الفرعوني ؟ وفي هذا السياق لا تنسوا الدعم المؤكد عليه لصناع الفوضى في سوريا وكذلك الرسالة العاطفية التي أرسلها الرئيس من جماعة الإخوان المسلمين لإرهابي الهاجاناه الصهيوني "شمعون بيريز" ، فالاثنان يقعان في الهدف نفسه . إن أي تأمل في هذه القرارات الرئاسية سيكتشف أنها لا تخص حكم مصر لا من قريب ولا من بعيد . إنها تقع في المشروع الدولي للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ، ويطمئنهم ما يخيفنا ، نحن المصريين ، يطمئنهم الدعم الأمريكي ، ويخيفنا هذا الدعم نفسه . فلا أظن أن أمريكا اكتشفت فجأة مدى ظلمها لتيارات الإسلام السياسي من القاعدة إلى الإخوان حين وصفتهم بالإرهابيين ، ولا أعتقد أن إدارة أوباما قد اسلمت وأنها تخفي إسلامها من باب "التقية" !! لا أظن ولا أعتقد ، ولكن المشروع الدولي لابد له من أطراف دوليين ، وحين يكون موقع أصحاب المشروع هو مصر فالطرفان الدوليان لا يمكن أن يكونا إلا "أمريكا" اللاعب العالمي الوحيد ، و"إسرائيل" اللاعب الإقليمي المدعوم من السابق . إذن فالإخوان يؤمّنون الأطراف الفاعلة في مصر لتمرير مشروعهم الدولي ؟ وما الذي يمكن أن يقدمه الإخوان مقابلا لهذا الدعم الصهيو – أمريكي لهم ؟ . فلنتفق أولا أن الجماعات العقائدية تمتلك استراتيجية ممتدة في الزمن إلى نهايته ، أعني يوم القيامة ، وبالتالي فتكتيكاتهم المرحلية تكون دائما ملتبسة على البعض ، نظرا لأن مرحليتها أطول كثيرا مما يمكن أن يكون لأي تكتيك في أي هدف . وحينما يتسع المدى الزمني للتكتيك يصبح كل ما نسميه نفاقا وكذبا وخداعا وتقلبا في المواقف آليات تمريرية لهذا التكتيك . وقد أسخر وتسخرون من طرح مفهوم "الخلافة" في القرن الواحد والعشرين ، وفي ظل القوة الواحدة التي تقود العالم ، ولكنني لا أستطيع إلا أن آخذ هذا الطرح الإخواني مأخذ الجد في تفسير تكتيكاتهم . والخلافة الدينية لا جغرافية بامتياز ، وهي تتسع عن الجغرافية المؤمنة بدينها لتهيمن على من سواهم أيضا باسم الدين ، حتى وإن جلبت مفسدة ودرأت مصلحة ، فمفهوم أستاذية العالم لحسن البنا عبد الرحمن الساعاتي لا يشترط فيمن يعلمه الأستاذ دينا ولا مكانا . وبداية هذا المشروع التمكين في مصر من الأمصار وحبذا لو كان مصر ، فقد وجد في السودان فحقق من الخسائر للسودان نفسه ما لم يحققه من المكاسب للدين . إذن ، فمصر صارت القاعدة ، القاعدة لكل المؤمنين بفكرة الخلافة (هنا نفهم قرارات الإفراج وقرارات العفو وقرارات السماح بالعودة) من أول الإخوان وليس انتهاء بالقاعدة وطالبان . ولكن كيف يمكن للإخوان أن يحققوا تمكينهم في مصر ؟ السؤال طرحوه على أنفسهم من بدايات الثورة ، وبسرعة فائقة امتلكوا إجابته الفادحة الأثر ، إنها الرقص على حافة الهاوية ، فأي حكم ديمقراطي ديمقراطية كاملة يمكنه أن يتحول إلى ديكتاتورية في لحظات الخطر ، وهنا يجب دفع البلاد إلى حافة الخطر للقفز على المطلب الثوري بنظام حكم ديمقراطي والتحول إلى الديكتاتورية الدينية ، وكل ديكتاتورية دينية هي – بلا أدنى شك – ديكتاتورية مطلقة . وإذن فلتكن إثارة جماهير الثوار تحديدا تكتيكا يوميا ، بل يجب العمل لدفعهم إلى العنف والتخريب حتى يمكن ، في لحظة حاسمة منه ، أن يمتلك الرئيس من جماعة الإخوان المسلمين مبررات فرض ديكتاتوريتها . وهنا تأتي الاعتداءات المسلحة ولكن المحدودة في الوقت نفسه ، على الثوار يوميا ، لدفعهم إلى التخلي عن سلميتهم . فإن لم يحدث كان اصطناع حرب شبه أهلية أو طائفية هي الحل . المهم لابد من إيصال البلاد إلى حافة الهاوية ليصبح تحول الرئيس المنتخب إلى ديكتاتور مبررا وشرعيا . أما الحليفان ، فهما يدفعان الإخوان المسلمين دفعا لينجحوا في هذا التمكين ، مراهنين على صراعهم فيما بعد مع الجماعات الأشد تطرفا التي أيدتهم ، وربما كانوا يدعمونها سرا ليصبحوا هم حكام المرحلة الثانية ، فإذا ما حكموا تيسر للعالم ممثلا في مجلس أمنه أن يمنح دول الناتو حق التخلص من دولة الشر في مصر ، ويطل التدخل الأجنبي ومشروع تقسيم المنطقة كلها وليس مصر فحسب بقبضته العسكرية .. فهل هذا ما تريدون أيها الإخوان المسلمون !!