الأخبار
2024/5/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دعوةٌ إلى تَهذيبِ النَّفْس بقلم:الشيخ الشاعر : مصطفى قاسم عباس

تاريخ النشر : 2012-08-02
دعوةٌ إلى تَهذيبِ النَّفْس بقلم:الشيخ الشاعر : مصطفى قاسم عباس
دعوةٌ إلى تَهذيبِ النَّفْس
إن أمرَ النفس البشرية لعجيبٌ جِدُّ عجيب , والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق النفسَ وسوّاها , وألهمهما فجورها وتقواها , فالذي يزكي نفسه كان من الفائزين , والذي يُدَسِّيها فهو من الخائبين...
وهذه النفس إذا لم يكبحْ صاحبُها جِماحها فإنها تسير به في مهاوي الضلال , وتزجّ به في أوحال الرّدى , فتُبقيه أسيراً عندها , متبعاً لشهواته وهواه , وغارقاً في بحار العصيان , ودائماً تُسوِّل له بأنه لا يزال على الشاطئ..
والنفس تُزين لصاحبها القبيحَ فيراه جميلاً , وقد تشوِّه له الجميلَ فيراه قبيحاً , وعلى كل الأحوال , فعندما يرتكب الإنسان أمراً خاطئاً , وجريرةً عظمى , فإنه بعد ذلك لا بد أن يعود إلى رشده...وعندما يعود إلى رشده فإنه يخاطب نفسه قائلاً : ليتني لم أفعل كذا , وليتني لم أقم بكذا...ويكرر ما قاله السامِريُّ في سورة طه : ..وكذلك سوّلت لي نفسي....
والنفس عيوبها كثيرة , فعلى المرء دائما أن يصلح هذه العيوب , وصلاحها يكون بالتزكية والتحلي بالأخلاق الحميدة ....
ومن عيوب النفس إعجابُ المرء بنفسه. حيث يظن المرءُ أنه أفضل من الجميع , فيتكبَّر على الآخرين , ويمشي الْخُيلاءَ , مُصعِّراً خدَّه للناس ,ومُعجباً بنفسه , ويظلُّ سادراً وهو لا يدري أنه يمضي في طريق الهلاك , لأن الإعجاب بالنفس إحدى المهلكات الثلاث فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
الْمُهْلِكَاتُ ثَلاثٌ : إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ.رواه البزار
ومن عيوب النفس أنها قد تكون حريصةً كل الحرص على جمع المال , والإكثار منه , وربما لا يبالي صاحبُها أَمِنْ حلالٍ جمع ماله أم من حرام ؟! فعلى الإنسان أن يُروّض نفسه بالقناعة , لأن الحرصَ هو الفقر الحقيقي , والقناعةَ هي الغنى الحقيقي , وذلك كما قال عمرو بنُ مالك الحارثي في (نهاية الأرب في فنون الأدب ) :
الحرصُ للنفس فقرٌ والقنوع عنـًى
والـقوت إن قنعت بالقوت يجزيها
والنفسُ لو أنّ ما في الأرض حِيْزَ لها
مـا كـان إنْ هيَ لم تقنعْ بكافيها
فكما تعوّدُ نفسكَ فإنها تعتادُ , فإذا رغَّبتها رغبت , وإذا رددتها إلى القليل قنعت , كما قال أبو ذؤيب الهذليُّ :
والنفـسُ راغـبـةٌ إذا رغّبتَـهـا
وإذا تُـرَدُّ إلـى قلـيـلٍ تـقنعُ
وهناك تشبيه قريبٌ من هذا المعنى للشاعر البوصيري في ميميته المشهورة, حيث يقول :
والنفسُ كالـطفلِ إنْ تُهمـله عـلى
حب الرَّضاع وإن تفطمه ينفطمِ شبَّ
كما يحث البُوصيري في القصيدة ذاتِها على مخالفة النفس , وعصيان الشيطان , حتى وإن تظاهرا بإخلاص النصح لك , وقدَّما لكَ صافي المحبة والوداد , فيقول ناصحاً :
وخالفِ النفسَ والشيطان واعصِهِما
وإن هُـما مَحَضاكَ النصح فاتَّهمِ
...فعلى الإنسان إذاً أن يصونَ نفسَه عن كل ما يدنسها , وأن يرتفع بها إلى قمم الفضائل والمزايا , وكلنا نحفظ البيتَ المشهورَ من سينية البحتري الذي يقول فيه :
صنتُ نفسي عمـا يُـدنس نفسي
وترفــعتُ عن جَدا كل جبسِ
والنفس البشرية قد لا تقبلُ النصح , وكثيراً ما تُماطل في اتّباع الحق , وكثيراً ما تُسوِّف , وما أروع ما قاله موسى بن عمران المارتلي في أبياتٍ تصوِّر حالة الإنسان مع نفسه , وكيف تحدثه نفسه بطول البقاء , مع أن منادي الموت في كل يوم يناديه , فنراه يقول كما في كتاب (المغرب في حلى المغرب ) :
إلى كم أقـولُ ولا أفعـلُ
وكـم ذا أحومُ ولا أنزل!
وأزجـُر عيني فلا ترعوي
وأنصـحُ نفسي فلا تقبلُ
وكم ذا تُعـلّل لي ويحَـهَا
بعَـلَّ وسوفَ وكم تَمْطُل !
وكم ذا أُؤَمـل طولَ البقا
وأغفُـل والمـوت لا يغفُلُ!
وفـي كل يوم يـنادي بنا
منادي الرحيلِ : ألا فانزلوا
وعلينا أن لا ننسى أن هناك بعضَ النفوس الكبيرة , والتي ولِعِظَمِ هِمّتها وعلوّها وسموها فإنها كثيراً ما تُتعب صاحبها , ولله در المتنبي عندما قال :
وإذا كانت النفـوسُ كباراً
تعـبت في مرادها الأجسامُ
والحديث عن النفس وأنواعها يطول ويطول , ولكنها إحدى ثلاثٍ : النفس المطمئنة , والنفس اللوامة , والنفس الأمّارة بالسوء ....
وعلى المرء منا أن يخاطب نفسه , وأن يهمس في سرها بين الفينة والأخرى :
كـفى يا نفـسُ مـا كـانـا
كـفـاكِ هـوىً وعصـيـانا
خطوتِ خُطــاكِ مـخـطئةً
فَسِـرْتُ الـدّرب حـيـرانـا
أمــا آنَ الـمـآبُ ؟بـلـى
بـلـى يـا نـفـسُ قـد آنا
ونختم بالدعاء الذي رواه الإمام مسلمٌ والذي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به كثيراً فيَقُولُ :
(اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا , وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا, أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا)
الشيخ الشاعر : مصطفى قاسم عباس
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف