الأخبار
"إعدادنا مستمر".. كتائب القسام تبث مشاهد حديثة من تجهيز عبوات ناسفة بغزةمصر ترفض دخول قواتها إلى قطاع غزة وتتمسك بموقع معبر رفحهل أوشكت إسرائيل على دخول حرب أهلية؟خطة إسرائيلية لبناء معبر رفح البري في موقع جديدالاحتلال يوسع المنطقة العازلة بمحور فيلادلفيا ويخطط لمعبر جديد للسفرمحلل سياسي: حماس الأكثر دهاء بالمعارك العسكرية مع إسرائيلالصحة بغزة تناشد لإدخال وقود عاجل لمنع توقف محطات الأكسجين في المستشفياتسموتريتش: لا مفر من حرب حاسمة مع لبنانإسبانيا تطلب رسمياً الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام "العدل الدولية"إدارة بايدن تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار بغزةاطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنين
2024/7/1
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وجه بلون الدخان بقلم: محمد جبر الريفي

تاريخ النشر : 2012-07-29
وجه بلون الدخان


من نافذة غرفته في فندق فلسطين بالقاهرة نظر إلى شارع بور سعيد المزدحم بالمركبات والناس، لم يكن ميدان العتبة الخضراء بعيداً عنه، تذكر مطعم سحس الذي يقدم طبق الكشري الشعبي اللذيذ، في الغد مساءً سيذهب إليه وستعود إلى مخيلته أيام الزمن الجميل، يوم أن جاء في الستينات من القرن الماضي إلى القاهرة للدراسة، في غرفة الفندق يتمدد أبو خليل على السرير ساقه المبتورة ونظراته اليائسة، كان العم مدبولي عامل الفندق أكثر اهتماماً به يأتي له بالكرسي ليقعد عليه ليطل على حركة الشارع وعندما يستيقظ في الصباح يتطلع إليه بحزن وهو يمد ساقه المبتورة فوق السرير يقول أبو خليل لمحمود بضجر واضح لماذا تستمر في الوقوف طويلاً عند النافذة؟ ألا تجلس على كرسي مثلي وبعدها تمضي وقتاً طويلاً وأنت تتذكر؟ فيرد محمود مبتسماً وقد أدار جسده مبتعداً قليلاً عن النافذة: لقد عشت سنوات جميلة في هذه المدينة وها أنا أتذكر كل شيء هدوء العيش في حي المهندسين وزملاء الدراسة الذين توزعوا في أماكن أخرى فينظر العم مدبولي بصمت ويقول بينه وبين نفسه أمعقول أن يكون محمود قد أتى إلى هنا قبل أربعين عاماً! فيما يقول أبو خليل الذي ما زال متمدداً على السرير: لم يسبق لي أن حضرت إلى القاهرة قبل هذه المرة ثم ينظر مرة أخرى إلى ساقه المبتورة ويتمنى من الأعماق لو كانت له القدرة على المشي ليذهب إلى مطعم سحس!. تلازم محمود كآبة لا حدود لها أيام قليلة على وصوله للقاهرة بهدف العلاج وهو يبذل جهداً كبيراً ليشعر بالسعادة، في المساء ينزل إلى الشارع بخطوات بطيئة، يوزع نظراته في الأشياء، رائحة الناس في المدينة، لم يكن يعرف كيف يخفي وجهاً شوهته الحرب، يجلس على العشب الأخضر قرب الكورنيش، يحدق في المياه ويراقب المراكب الشراعية وأتوبيس النيل الذي ينقل الركاب بين الضفتين، يلفح النسيم وجهه الحزين الذي غابت عنه الابتسامة الحقيقية، يغرق في تأملاته مع رشفة من كأس الشاي كان قد اشتراه من عربة صغيرة واقفة بجانب الرصيف، مشاهد الحرب تحضر في مخيلته لتحل مكان الألم النفسي الذي يعانيه، أصوات القصف وأزيز الطائرات وإياد الذي قسم الصاروخ جسمه إلى نصفين ولم يعد يذهب بعد ذلك إلى المدرسة حاملاً حقيبته.. في أيام الحرب على غزة لم يكن خائفاً على حياته بقدر ما كان يشعر بالخوف على زوجته وأولاده كان عليه في تلك الليلة أن يعود إلى البيت مبكراً، كانت طائرات الأباتشي تحوم في السماء الظلام أطبق على كل شيء كيف حدث ذلك؟ فجأة لمعت السماء، ذاب وجهه من نار الفسفور، قال لزوجته في مستشفى كمال عدوان أريد مرآة.. أية مرآة لأتأكد من سلامة وجهي فنظرت إلى وجهه الذي اسود كعتمة الليل وقالت له بخفوت فيه حزن: وما حاجتك للمرآة الآن .. ولم تكن تعرف كيف تخفي دموعها عن الأنظار...
هكذا يمضي الوقت في ذلك المساء ومحمود ما زال يجلس في تلك البقعة، لقد ترك الفندق لأكثر من ساعة وهو يحس الآن بالراحة، يتطاول العشب الأخضر بجانبه ومياه النيل ليست بعيدة عنه، الهواء الناعم ينساب فيحس به بارداً ينعش جسمه ويشعره بالحيوية والكورنيش ما زال تدب فيه الحياة وبائع الشاي ما زال يملأ الأكواب...
في المستشفى الذي يتعالج فيه بالقاهرة يشعر بالراحة أكثر ينسى وجهه المشوه ويرفع رأسه نحوها، تبادله النظرات، تسأله عن الحرب والحصار بكلمات ناعمة، تسأل وهو يجيب، يرى على خدها خيطا دموع، لقد بات وجهه المشوه مألوفاً لتلك الممرضة، تراه عن قرب وهو يرى عينيها العسليتين وخدها الجميل وكلما ذهب إلى المستشفى كان لا همّ له إلا التحديق في وجهها الأبيض الملائكي.. قال الطبيب: ناظراً إلى وجهه يتمعن: كل هذا حدث لك من الفوسفور الأبيض فأجاب بنعم، كان وجه محمود الذي بلون الدخان يمثل تحت عيني الطبيب كأنه يتهيأ لتقبيله.. حقاً إنها حرب عدوانية قذرة قال الطبيب ذلك بتأثر... في ذلك المساء يتذكر محمود وهو في جلسته المتيقظة قرب ماء النهر أبا نجيب الذي احترق وجهه هو الآخر بفعل انفجار مولد الكهرباء فأصبح أنفه مثلوماً.. يعرف أنه يريد أن يخرج أيضاً للعلاج لكنه بقي في غزة كالآخرين، وأخذ يهمس بينه وبين نفسه: لماذا يا أبا نجيب تخبئ وجهك المشوه في وجه التاريخ، كان عليك أن تخرج من معبر رفح كما فعلت، هناك في المعبر كنت سأفسح لك مكاناً بجانبي في أتوبيس 48.. .
القاهرة في الليل لا تنام ولكن محمود عليه أن يعود الآن إلى الفندق لينام، سيجد هناك في الغرفة أبا خليل متمدداً كعادته على السرير وساقه المبتورة أمامه.. بماذا كان يفكر أبو خليل في تلك الليلة؟ أبالموت الذي حصد بعض أفراد أسرته؟ أم بالبيت الذي دمره الإسرائيليون؟
الأضواء الساطعة بدأت تخفت على الكورنيش وعربة بائع الشاي قد غادرت الرصيف، يمضى سواد الليل تاركاً وجه محمود المشوه وحيداً في ذلك المكان، لم تعد النظرات المتطفلة تحدق فيه... في تلك اللحظة كان لمحمود الحق في أن يشعر بالخوف، فجأة اقترب رجل منه وأخذ يرمقه بنظرات حادة ثم جلس على مقعد بالقرب منه.. عند ذلك نظر محمود في ساعة يده، بدا منزعجاً، لم ترتفع نظراته إلى ذلك الرجل لكأنه كان يتجاهل وجوده، ثم نهض وبكل القوة التي في قدميه غادر المكان، كان عليه ألا يلتفت وراءه وألا يتوقف أيضاً عن المسير فخطوات الرجل النشطة كانت تلاحقه في الشوارع تتابع سيره.. .

اسم الكاتب : محمد جبر الريفي
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف