الأخبار
دائرة الشؤون الفلسطينية: الأردن يواصل دوره بالتخفيف من أزمة (أونروا) الماليةأميركية تحاول إغراق طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 3 سنواتالاتحاد الأوروبي: إرسال المساعدات دون الوصول إلى غزة "غير مجدٍ"بعد مزاعم تخزين أسلحة داخله.. جولة لوزراء وسفراء بمطار بيروتروسيا: الولايات المتحدة متواطئة في الهجوم الصاروخي على القرمسنجاب تركي يعشق المعكرونة وشرب الشايالمتطرف سموتريتش يهدد بضم الضفة إلى إسرائيلمصدر مصري: القاهرة ترفض تشغيل معبر رفح بوجود إسرائيليمنظمة إنقاذ الطفولة: 21 ألف طفل مفقود في غزةالشركات المدرجة في بورصة فلسطين تفصح عن بياناتها المالية للربع الأول من العام 2024إعلام إسرائيلي: السماح بمغادرة الفلسطينيين من غزة عبر معبر كرم أبو سالمالجيش الإسرائيلي: حماس تعيد تسليح نفسها من مخلفات ذخيرتناالإعلامي الحكومي بغزة: الرصيف العائم كان وبالاً على الشعب الفلسطينيجنرال أميركي: الهجوم الإسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسعاستشهاد عسكريين أردنيين اثنين بتدهور شاحنات مساعدات متوجهة إلى غزة
2024/6/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللقاء الأخير بقلم: جوزفين كوركيس البوتاني

تاريخ النشر : 2012-07-26
بقلم: جوزفين كوركيس البوتاني

دخلت إلى غرفتها العتيقة والآيلة للسقوط، ووقفت أمام مرآتها لتجد بأنه رغم الشروخ التي أحدثها الزمن للمرآة، فهي لازالت ترى نفسها بوضوح. فتحت مشبك شعرها الأسود الطويل، وتأملت نفسها- نظرت في عيناها اللوزيتان كما وزادت من تفحص جسدها الممشوق اللدن، وثم وقعت نظرتها إلى قلادة فضية حول عنقها، وكانت عبارة عن مرساة صغيرة ألبسها لها يوم كان مغرمًا بها. تذكرت كيف ألبسها القلادة وهو يردد هامسًا في أذنيها: "آه كم أنت جميلة..." كان كعادته يحدثها عبر نظرات الوله كاشفًا عن مكنونات حبه لها. كان حبه يدوخها ويلتهمها وبلحظة يشعل كل براكينها الخفية والخامدة. تنهدت وهي تعيد الكلمات التي تلاها عليها يوم أهداها القلادة قائلاً: "أهديك هذه المرساة لأنك مثلها تغوصين في أعماقي، وتذكري هذا دائمًا وأبدًا. أنت مرساتي..."
تركت مرآتها وتمددت فوق فراشها البالي وهي تستعيد آخر نظراته إليها. كانت تحاول عبثًا بتغذية قلبها المنكسر لتهدأ من روعة غضبها الذي لم يهدأ يومًا. يومها لم تكن تعلم ماذا تعني الفروقات الإجتماعية ولم تكن تفهم معنى المصطلحات التي كان يتداولها الناس عن العملة والمستوى العلمي والمادي والتكافؤ من عدمه واللائق والغير اللائق. كل ما كانت تعرفه أنذاك هو اليقين التام بحبها له بكل ما لديها من القوة والصدق. ومضت الأيام...كما تمضي الطيور المهاجرة أسرابًا أسرابا... كل سنين عمرها مضت أمام عيناها دون أن تشعر بأنها عاشتها حقًا. هاهي اليوم على أعتاب النهاية لحياة مملة ورتيبة. لقد كبرت وهرمت وفقدت جمالها بمعنى ما... لم تعد ودودة- لقد فقدت القدرة على الحب منذ خذلها...
**
واليوم، بعد كل تلك السنين، هاهي تدخل إلى غرفة حفيدتها بحجة التعب، بعد ان أعتذرت من عائلتها الكبيرة وانسحبت من بينهم بلطف. وهاهي اليوم تقف أمام المرآة من جديد –مرآة حفيدتها هذه المرة- وتأملت نفسها للمرة الأخيرة. نزعت عويناتها وشعرها المستعار وطاقم أسنانها، ثم أسندت عكازتها على الدولاب ونزعت عنها ثوبها المخملي الأسود ووقفت تتأمل نفسها في المرآة الجديدة التي خلت من أي شروخ كالتي في مرآتها، ولكن لتجد شروخ كثيرة تغطي جسدها هذه المرة، ومع ذلك كانت قلادة المرساة لاتزال معلقة في رقبتها المتهدلة...لا أحد يعرف سر اعتزازها بتلك القلادة. وانهمرت الدموع على خديها- دموع كانت تنهمر لسنين طويلة داخلها- وابتسمت بمرارة وهي تحدث نفسها التعبة عن تفاصيل اللقاء به بعد كل تلك السنين. عيناه كانتا تخبرانها بأنها لازالت جميلة كما عهدها في السابق...
تركت المرآة وتمددت فوق سرير حفيدتها الواسع الوثير وهي تحاول شد حبل ذاكرتها التي اصبحت تخونها كثيرًا هذه الأيام... وغفت هي تحاول استعادة آخر نظراته لها، ولم تستيقظ بعدها أبدًا...
**
ودخل هو غرفته وأغلق الباب خلفه بأحكام. أراد ان يختلي بنفسه كي يمعن في بعض الذكريات التي لم يفلح الزمن بمحوها من ذاكرته، وتمنى أن يحضنها بشدة ولو في الحلم...ثم تذكر بحسرة كيف تخلى عنها يومها متعمدًا بحجة إنها لم تكن تلاءم مركزه المرموق، وكيف من يومها لم يكف عن التفكير بها قط. لم يستطع أن يطيل من وقوفه، فجلس على سريره الواسع وهو يئن من آلام المفاصل وداء النقرس الذي بات يرافقه منذ زمن. تعجب من نفسه وكيف أن شعوره تجاهها لم يتغير بعد كل تلك السنين... وكيف شعر وكأنه يراها للمرة الأولى- بل وكأنه لم يفارقها البتة...وغفى وهو يحلم بها...
وفي اليوم التالي دخل إلى مكتبه الفخم ووجد صحيفة يومية على طاولته وأخذ يتصفحها بملل، وعندما فتح صفحة الوفيات قرأ خبرًا قصيرًا شبه مخفي في زوايا الصحيفة عن نعيها وبدأ يبكي بصوت عال ودون مراعاة للذين حوله من موظفين وزملاء. بدأ يلعنها مرددًا: "كان يجب أن لاتموتي قبلي! لما لم تتريثي ولو ليوم آخر؟ كنا على الأقل سنستغل ماتبقى لنا من الوقت يا مرساتي!"
وخسرها للأبد، تلك التي طعنها يومًا بحجة غير مقنعة، هاهي اليوم تطعنه بحجة دامغة! أستند على كرسيه وشعر بألم في جهته اليسرى...
وامتلأت الصحف بخبر نعيه في اليوم التالي بخبر مفاده بأن السيد المهم والكبير قد توفي أثر نوبة قلبية...ذلك الكبير الذي لم يعش يومًا من أجل ذاته...
كركوك 2009
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف