مَلعون أبوكم
بقلم : عصام أبو فرحة
في قلبه من الغل ما يكفي لإبادتهم عن بكرة أبيهم , وفي نفسه من الكبت ما يكفي لإشعال النار تحت أقدامهم , وفي قلمه من الأفكار ما يكفي لفضح قبحهم وزلزلة عربدتهم , وفي شخصه جُبنٌ يثنيه عن فعل أي شيء مما ذُكر .
سيحرقون يدي إن كتبت , وسيقطعون لساني إن تكلمت , وسيبقون في تماديهم أن أبقيت على صمتي , فأي الشرور أصعب وأيها أسهل ؟؟ كان ذلك الحديث يدور بينه وبين نفسه في تلك الليلة , حيث كان بصره معلقاً بشعاع نورٍ ينبعث من المصباح , واستمر الحديث حتى لاح الصباح .
هو : هل كان والدي على حق حين كان يقول لي ( الأيد الي ما بتقدر تقطعها بوسها ) ؟؟
نفسه : وما الذي جنيته من نصيحة والدك في السكوت ولثم الأيادي ؟
هو : عشتُ بأمان ونعمت بالسلام .
نفسه : بل غرقت في الذل وأغرقتني معك , لثمت يد زميلك طفلاً كي لا يصفعك , فلطمك , لثمت قدم زميلتك شاباً كي تحبك , فكرهتك , لثمت يد مديرك كي يرضى عنك , فسبك ومن ثم أقعدك , لثمت أيادي الناس في الشوارع , حتى غدت كرامتك تحت نعالهم , فهل ستلثم أيادي هؤلاء أيضاً ؟؟
هو : وهل لي أن أواجه هؤلاء ؟ وهل أمتلك مقومات المواجهة ؟
نفسه : نعم , فأنك تمتلك قلمك , اسحبه من غمده واشهره في وجوههم .
هو : سيكسرون قلمي إن وقف في وجوههم , وسيحرقون يدي إن كتبت ما يسوؤهم .
نفسه : يدك محروقة من غلك وكبتك , وقلمك مكسور مما تكتبه عن توافه الأمور .
كان بصره ما زال معلقاً بضوء المصباح , حتى أطفأته أشعة الشمس التي بدأت تتسلل إلى حجرته , فملأ النور المكان , وفاض على بصيرته فانتفض , أحس للمرة الأولى أنه يلقي عن كاهله ما يعتريه من توتر وخوف وقلق , فاستل قلمه , وقام من مكانه يبحث عن الورق .
أحضر ورقة بيضاء , وسطر في وسطها العنوان ( ملعون أبوكم ) , نزل إلى بداية السطر الأول فأحس بيده ترتجف , ارتعشت أوصاله , اصطكت أسنانه , تعرق جبينه , وراحت حبات العرق تتساقط من مقدمة أنفه وتستقر فوق الورقة لتنتشر في دوائر شفافة , صاح بعلو صوته :
أيتها النفس اللعينة , تباً لك , تبعتك إلى التهلكة , ما الذي صنعته ؟ كيف طاوعتك ؟ وهل أنا ندٌ لهؤلاء ؟ يا ويلي , سيعلمون بفعلتي , سيحرقون يدي , ذلك إن لم يقطعوها من حدها , كلا وألف كلا , لن أخوض معك تلك المغامرة , اتركيني وشأني .
كان يصرخ بتلك الكلمات وما زال يمزق الورقة إرباً إربا , حتى صارت الورقة كومةً من القطع الصغيرة وكأنها عش فأر , وكان يقلبها ذات اليمين وذات الشمال , متفحصاً تماسك أحرف العنوان , وحيث أن كومة القطع التي آلت إليها الورقة لم تكن قادرة على تهدئة روعه , قام مسرعاً وأحضر ماعوناً وجالون كاز وعلبة كبريت , وبهمة ونشاط , وبتوتر واضطراب , وضع قطع الورق في الماعون وأغرقها بالكاز حتى ارتوت ومن ثم أشعلها .
كان ينظر إلى اللهب فيختلط لون النار بحمرة عينيه , وكانت حبات العرق تتساقط على ألسنة اللهب فلا يدري هل تؤججها أم تحد من اشتعالها , يمد يده بين الحين والآخر ليقلب قطع الورق لضمان اكتمال احتراقها واختفاء حروفها .
وما هي إلا لحظات حتى دوى صراخه ليهز أرجاء المكان , فلقد سحب أصابع يده من بين ألسنة اللهب , بعد أن أصبحت جزءاً من الحريق , حمل كفه المتفحمة بكفه الأخرى وهرع إلى الصنبور , يصب الماء عليها بغزارة ويصيح ألماً , ودون أن يدري كان صوته يعلو فيرتد صداه ليملأ المكان , ودون أن يعي خرجت من بين الأنات والآهات عبارة :
( ملعون أبوكم , ملعون أبوووووووووووووووووووووكم ) .
انتهت
بقلم : عصام أبو فرحة
في قلبه من الغل ما يكفي لإبادتهم عن بكرة أبيهم , وفي نفسه من الكبت ما يكفي لإشعال النار تحت أقدامهم , وفي قلمه من الأفكار ما يكفي لفضح قبحهم وزلزلة عربدتهم , وفي شخصه جُبنٌ يثنيه عن فعل أي شيء مما ذُكر .
سيحرقون يدي إن كتبت , وسيقطعون لساني إن تكلمت , وسيبقون في تماديهم أن أبقيت على صمتي , فأي الشرور أصعب وأيها أسهل ؟؟ كان ذلك الحديث يدور بينه وبين نفسه في تلك الليلة , حيث كان بصره معلقاً بشعاع نورٍ ينبعث من المصباح , واستمر الحديث حتى لاح الصباح .
هو : هل كان والدي على حق حين كان يقول لي ( الأيد الي ما بتقدر تقطعها بوسها ) ؟؟
نفسه : وما الذي جنيته من نصيحة والدك في السكوت ولثم الأيادي ؟
هو : عشتُ بأمان ونعمت بالسلام .
نفسه : بل غرقت في الذل وأغرقتني معك , لثمت يد زميلك طفلاً كي لا يصفعك , فلطمك , لثمت قدم زميلتك شاباً كي تحبك , فكرهتك , لثمت يد مديرك كي يرضى عنك , فسبك ومن ثم أقعدك , لثمت أيادي الناس في الشوارع , حتى غدت كرامتك تحت نعالهم , فهل ستلثم أيادي هؤلاء أيضاً ؟؟
هو : وهل لي أن أواجه هؤلاء ؟ وهل أمتلك مقومات المواجهة ؟
نفسه : نعم , فأنك تمتلك قلمك , اسحبه من غمده واشهره في وجوههم .
هو : سيكسرون قلمي إن وقف في وجوههم , وسيحرقون يدي إن كتبت ما يسوؤهم .
نفسه : يدك محروقة من غلك وكبتك , وقلمك مكسور مما تكتبه عن توافه الأمور .
كان بصره ما زال معلقاً بضوء المصباح , حتى أطفأته أشعة الشمس التي بدأت تتسلل إلى حجرته , فملأ النور المكان , وفاض على بصيرته فانتفض , أحس للمرة الأولى أنه يلقي عن كاهله ما يعتريه من توتر وخوف وقلق , فاستل قلمه , وقام من مكانه يبحث عن الورق .
أحضر ورقة بيضاء , وسطر في وسطها العنوان ( ملعون أبوكم ) , نزل إلى بداية السطر الأول فأحس بيده ترتجف , ارتعشت أوصاله , اصطكت أسنانه , تعرق جبينه , وراحت حبات العرق تتساقط من مقدمة أنفه وتستقر فوق الورقة لتنتشر في دوائر شفافة , صاح بعلو صوته :
أيتها النفس اللعينة , تباً لك , تبعتك إلى التهلكة , ما الذي صنعته ؟ كيف طاوعتك ؟ وهل أنا ندٌ لهؤلاء ؟ يا ويلي , سيعلمون بفعلتي , سيحرقون يدي , ذلك إن لم يقطعوها من حدها , كلا وألف كلا , لن أخوض معك تلك المغامرة , اتركيني وشأني .
كان يصرخ بتلك الكلمات وما زال يمزق الورقة إرباً إربا , حتى صارت الورقة كومةً من القطع الصغيرة وكأنها عش فأر , وكان يقلبها ذات اليمين وذات الشمال , متفحصاً تماسك أحرف العنوان , وحيث أن كومة القطع التي آلت إليها الورقة لم تكن قادرة على تهدئة روعه , قام مسرعاً وأحضر ماعوناً وجالون كاز وعلبة كبريت , وبهمة ونشاط , وبتوتر واضطراب , وضع قطع الورق في الماعون وأغرقها بالكاز حتى ارتوت ومن ثم أشعلها .
كان ينظر إلى اللهب فيختلط لون النار بحمرة عينيه , وكانت حبات العرق تتساقط على ألسنة اللهب فلا يدري هل تؤججها أم تحد من اشتعالها , يمد يده بين الحين والآخر ليقلب قطع الورق لضمان اكتمال احتراقها واختفاء حروفها .
وما هي إلا لحظات حتى دوى صراخه ليهز أرجاء المكان , فلقد سحب أصابع يده من بين ألسنة اللهب , بعد أن أصبحت جزءاً من الحريق , حمل كفه المتفحمة بكفه الأخرى وهرع إلى الصنبور , يصب الماء عليها بغزارة ويصيح ألماً , ودون أن يدري كان صوته يعلو فيرتد صداه ليملأ المكان , ودون أن يعي خرجت من بين الأنات والآهات عبارة :
( ملعون أبوكم , ملعون أبوووووووووووووووووووووكم ) .
انتهت