1
بعد حرب أكتوبر بسنوات قليلة ؛ توجهت إلى مبنى الوزارة ؛ كان معى صديقى باهر ، فى المبنى العتيق لوزارة الصحة بالدور السابع كان الزحام كثيفا ، كنا واقفين ، الطرقات تعج بالبشر ، موسم توزيع أطباء الامتياز على أنحاء القطر ،من المفترض أن نكتب أسماء المحافظات بأولوية الرغبات ، رائحة العرق تختلط بروائح عطنة تفوح من دورات المياه والمكاتب القديمة والأرضيات الخشبية التى تحدث ضجيجا لكثرة الأقدام التى تدهسها .
كان للطبيب الحق فى قضاء ستة شهور فى مستشفيات الجامعة ، والستة شهور الأخرى فى مستشفيات وزارة الصحة ، قيل لنا – أثناء الدراسة – من أساتذتنا؛ أن مستشفيات وزارة الصحة تؤوى الأطباء ذوى المستوى الضعيف .شعرت بأننا ربما نفقد التدريب الجيد فى مستشفيات المنيل الجامعى وقصر العينى القديم ؛ وهما منارة الطب فى بلدنا ؛ سألت نفسى : هل هناك خسارة حقا ؟ الإجابة :لا أدرى
كتبت فى أوراق الرغبات اسم مدينتى فى خانة الرغبة الأولى ، لم أتردد سوى لحظات قلائل ..كنا – أنا وباهر - متفقين تماما فى رغباتنا ، فى الحال وجدته يقف بجواري ويفرد استمارة تدوين الرغبات أمامه ويكتب فيها رغبته بأن يظل فى المدينة طوال العام.
سألت باهر:
هل هناك خسارة يا باهر ؟ ربما لا نجد التدريب الكافى فى مدينتنا؟!
رد فى إصرار:
شوف ..أى حاجة فى بلدنا أرحم من مصر..عاجبك الزحام والقرف والتعطيل فى المواصلات و فى كل حاجة؟ يا أخى ما فيه شارع إلا مليان حفر ونقر ، والمجارى طافحة فى كل مكان، والزحام والطوابير على الجمعيات.. هناك الأوضاع حلوة..مفيش زحمة الوايلى والدرب الأحمر والبساتين وشارع قصر العينى ووسط البلد ...من يومين والدى وقع من طوله قدام الجمعية ، كان بسلامته نفسه يشترى لنا فراخ مستوردة!!
ياه.. أبوك نفسه فى الفراخ!!
أيوه...أنت عارف اننا مازلنا مهاجرين فى شبرا ؛ من ساعة ما خرج على المعاش ، دائما يخرج وهو حاطط الكيس فى جيبه ، قلت له اننا حانرجع بلدنا ؛ خلاص ما تتعبش نفسك ..قال لى وانا جاى : أنا واخواتك جايين وراك
نفسه يرجع بلده..
طبعا ..بيته هناك وأصحابه ؛ وقهوة أتعود يقعد عليها؛ وجامع جنب البيت..
أنا ماشفتش أبوك بيقعد على قهوة
سرح باهر بعينيه ؛ وقال:
والدى من ساعة قبولى بالتنسيق فى كلية الطب؛ عارف عمل إيه؟
إيه؟
رمى السيجارة اللى فى أيده تحت رجله ودهسها ، وقال لى : دى آخر سيجارة أدخنها ؛ من النهاردة ممنوع التدخين وقعدة القهوة ومصاريفها ؛علشان تقدر تمشى فى الكلية
قلت له مهتما :
و انت عملت له إيه؟
لسه ماعملتش حاجة..أنا ناوى أرجعه لأصحابه وأخليه مبسوط..
واخواتك ..حيرجعوا السويس؟
طبعا ..بيتنا ومصالحنا هناك ؛ و اخواتى ممكن يكملوا مدارسهم فى السويس..المصاريف هناك حتكون أقل.
أنهينا أوراقنا بصعوبة ؛ وخرجنا أنا وباهر نستنشق أنفاسنا ؛ بعد أن تسلمنا خطاب التوجه لاستلام العمل بمدينتنا.
***
بعد حرب أكتوبر بسنوات قليلة ؛ توجهت إلى مبنى الوزارة ؛ كان معى صديقى باهر ، فى المبنى العتيق لوزارة الصحة بالدور السابع كان الزحام كثيفا ، كنا واقفين ، الطرقات تعج بالبشر ، موسم توزيع أطباء الامتياز على أنحاء القطر ،من المفترض أن نكتب أسماء المحافظات بأولوية الرغبات ، رائحة العرق تختلط بروائح عطنة تفوح من دورات المياه والمكاتب القديمة والأرضيات الخشبية التى تحدث ضجيجا لكثرة الأقدام التى تدهسها .
كان للطبيب الحق فى قضاء ستة شهور فى مستشفيات الجامعة ، والستة شهور الأخرى فى مستشفيات وزارة الصحة ، قيل لنا – أثناء الدراسة – من أساتذتنا؛ أن مستشفيات وزارة الصحة تؤوى الأطباء ذوى المستوى الضعيف .شعرت بأننا ربما نفقد التدريب الجيد فى مستشفيات المنيل الجامعى وقصر العينى القديم ؛ وهما منارة الطب فى بلدنا ؛ سألت نفسى : هل هناك خسارة حقا ؟ الإجابة :لا أدرى
كتبت فى أوراق الرغبات اسم مدينتى فى خانة الرغبة الأولى ، لم أتردد سوى لحظات قلائل ..كنا – أنا وباهر - متفقين تماما فى رغباتنا ، فى الحال وجدته يقف بجواري ويفرد استمارة تدوين الرغبات أمامه ويكتب فيها رغبته بأن يظل فى المدينة طوال العام.
سألت باهر:
هل هناك خسارة يا باهر ؟ ربما لا نجد التدريب الكافى فى مدينتنا؟!
رد فى إصرار:
شوف ..أى حاجة فى بلدنا أرحم من مصر..عاجبك الزحام والقرف والتعطيل فى المواصلات و فى كل حاجة؟ يا أخى ما فيه شارع إلا مليان حفر ونقر ، والمجارى طافحة فى كل مكان، والزحام والطوابير على الجمعيات.. هناك الأوضاع حلوة..مفيش زحمة الوايلى والدرب الأحمر والبساتين وشارع قصر العينى ووسط البلد ...من يومين والدى وقع من طوله قدام الجمعية ، كان بسلامته نفسه يشترى لنا فراخ مستوردة!!
ياه.. أبوك نفسه فى الفراخ!!
أيوه...أنت عارف اننا مازلنا مهاجرين فى شبرا ؛ من ساعة ما خرج على المعاش ، دائما يخرج وهو حاطط الكيس فى جيبه ، قلت له اننا حانرجع بلدنا ؛ خلاص ما تتعبش نفسك ..قال لى وانا جاى : أنا واخواتك جايين وراك
نفسه يرجع بلده..
طبعا ..بيته هناك وأصحابه ؛ وقهوة أتعود يقعد عليها؛ وجامع جنب البيت..
أنا ماشفتش أبوك بيقعد على قهوة
سرح باهر بعينيه ؛ وقال:
والدى من ساعة قبولى بالتنسيق فى كلية الطب؛ عارف عمل إيه؟
إيه؟
رمى السيجارة اللى فى أيده تحت رجله ودهسها ، وقال لى : دى آخر سيجارة أدخنها ؛ من النهاردة ممنوع التدخين وقعدة القهوة ومصاريفها ؛علشان تقدر تمشى فى الكلية
قلت له مهتما :
و انت عملت له إيه؟
لسه ماعملتش حاجة..أنا ناوى أرجعه لأصحابه وأخليه مبسوط..
واخواتك ..حيرجعوا السويس؟
طبعا ..بيتنا ومصالحنا هناك ؛ و اخواتى ممكن يكملوا مدارسهم فى السويس..المصاريف هناك حتكون أقل.
أنهينا أوراقنا بصعوبة ؛ وخرجنا أنا وباهر نستنشق أنفاسنا ؛ بعد أن تسلمنا خطاب التوجه لاستلام العمل بمدينتنا.
***