الأخبار
أفضل وسطاء الفوركس لتعزيز تجربتك في تداول الذهبأولمرت يشن هجوماً على نتنياهو ويتهمه بالتخلي عن الأسرى الإسرائيليين وإطالة أمد الحربالبيت الأبيض: ندعم إسرائيل بالسلاح ونقدم مساعدات إنسانية لغزة.. ولا نرغب بحرب في لبنانالمتطرف بن غفير: سياستي حصول الأسرى الفلسطينيين على الحد الأدنى من الطعامتقرير: تكتيك حماس العسكري يحرم إسرائيل من النصرأردوغان: نتنياهو يسعى لشن حرب في لبنانأونروا: انهيار شبه كامل للقانون والنظام في غزةأردوغان يعلن دعمه لبنان ويستنكر الدعم الأوروبي لإسرائيلمؤسس موقع ويكيليكس "حر" بعد اتفاق مع القضاء الأميركيالاحتلال يغتال فادي الوادية أحد أعضاء (أطباء بلا حدود) بغزةسارة نتنياهو تتهم الجيش بمحاولة تنظيم انقلاب عسكري ضد زوجهاالأردن: لن ننظف وراء نتنياهو ولن نرسل قوات إلى قطاع غزةالقضاء الفرنسي يصدّق على مذكرة توقيف بحق بشار الأسد بشأن هجمات كيميائيةمهاجمة كلب إسرائيلي مسنة فلسطينية تشعل منصات التواصلثمانية شهداء على الأقل في قصف للاحتلال على شمال ووسط قطاع غزة
2024/6/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أم دياب بقلم:محمد عبده العباسي

تاريخ النشر : 2012-07-24
أم دياب
== قصة قصيرة ==
انطلق مع أمه يده بيدها في اتجاه السوق في إذعان .
نهبت السيارة الطريق . توقفت وسط ضجيج سيارات بلا عدد . قال السائق :
ـ الطريق مسدودة .
قالت الأم :
ـ لا يهم . سنصل سيراً علي الأقدام .
أنقدته أجره ومضي متأففاً .
كانت أمه قد أمرته :
ـ ستأتي معي للسوق . كن مستعداً .
دب علي الأرض رافضاً . زغدة واحدة في الكتف . وافق بعد أن كان ضجراً :
ـ أكرهها . لن أذهب .
لامته :
ـ ياعيب الشوم ولد أحمق يرفض أمر أمه في وقت غياب أبيه ؟
استسلم قائلاً :
ـ حقاً . سيعود أبي في الغد .
تألقت عيناها . ابتسمت . ترددت في صدرها بهجة . اقتربت منه . ضمته لصدرها ومسحت علي شعره :
ـ أنت رجل الآن جميل . أنت تشبه بابا تماماً .
سوق ضيقة مكتظة بخلق . مسقوفة بقماش لافتات إنتخابات البرلمان . عاث بها مطر الشتاء الماضي واختلط به غبار الطريق . توسخت الحروف .
أفواج من بشر زادوا تدب بقسوة . أحدهم دهس رجله ولوث حذائه دون أن يبالي . نظر له بغرابة . لم يأبه . أدرك أن أمه لم تشعر به . انشغلت بنقاش مع المرأة ذات الأثداء الضخمة عن مغالاتها ورفعها سعر " البطة المرجان " . خاطبتها المرأة بفظاظة . أسكتتها الأم بنظرة قاسية . قالت المرأة وهي جالسة علي الأرض مثل طود تشرب من زجاجة بلاستيكية وترد علي الهاتف المحمول بكلمات فحش وجراءة لا تليق بأذن صبي . نظرت بعدها شبه معتذرة وغمزت بعينها الكبيرة :
ـ ما هو اسم الأمير ؟
لم يرد ولا ردت أمه بل أشاح بوجهه بعيداً . نفحتها أمه الثمن وجذبت يده . همست بأن يصبر . أشارت علي نسوة كثيرات يصحبن أطفالهن بقوة . تقبض كل أم علي يد طفلها خشية أن يتسرب فيتوه وسط ضباب البشر .
سارا معاً يدها بيده . السوق ضيقة ومتعرجة . ضاقت أكثر عند المنحني . ثمة روائح عطنة تفجرت من أسماك ميتة ملقاة عند رأس حارة . دائرة من قطط تتعارك وسط زحام ولهاث رجال أشداء غلاظ السحنات يحملون فوق أكتافهم صناديق الأسماك وتنز منها قطرات ماء مثلج ذات رائحة نفاذة وأقفاص طماطم وأجولة بطاطس وبصل وهم يدفعون الناس في غلظة وتتساقط من أفواههم كلمات سيئة وسباب لا يليق . قالت الأم مُطمئنة :
ـ هانت .
كانت تمسك البطة المرجان بيد من حديد والبطة تقاوم وتصدر صوتاً منفراً .
جاءت رائحة من أقفاص البط والدجاج والأرانب خانقة مع ارتفاع حرارة الجو ثم حصار بركة مياه لا احد يعرف عمقها كونتها دماء الذبائح وتل من الريش المسلوق وأكياس سوداء تضخمت كالقرب . البركة أشبه بمستنقع فوقه تحط وتعلو جيوش ذباب يطن بشكل منفر ويضرب وجه من اقترب . اختلطت رائحة عفن مع نداءات باعة عبر ضجيج مكبرات صوت تحامقت مزعجة . اقتحمت عربة القمامة المكان عنوة يقودها عملاق شبه أبله مفتول العضلات معلناً عن نفسه بسباب مقذع ينز عرق كثيف له رائحة كريهة من جسده . شعر صدره اختلط بأوساخ . نفرت عروقه وزفر دخاناً من فم يعلوه شارب كث يطبق علي سيجارة يمص دخانها دون أن تقترب منها يده الملوثة . اشتبك مع نجار بدائي بخل أن يمنحه بضع مسامير يرتق بها نعله . قال له :
ـ فك الصرة أيها البخيل . حتي متى تظل تكنز النقود ولا تنفقه . لا زوجة ولا عيال .
بادله سباباً فجاً . اشتبك النجار مع نسوة يستأجرن رصيفه :
ـ أين أجر اليوم ؟
رائحة الغراء تحت النار المنبعثة . ثمة مسامير احتلت فمه أخرجها . انتبه لأرجيلة وضعها ولد صغير . نفث دخانها المقيت ودفع برجله القط العجوز الذي كان تحت الطاولة .
اجتازا المكان إلي باب أفضي لفراغ سقفه سماء بلا سحاب . ثمة قطط صغيرة تتشمم كل شئ . دجاج ينقر الرض المتربة . جراء تتحسس خطوها وتلحس كل شئ . شمس حامية تصب جام غضبها . شجرة توت ارسلت فروعها فأظلت المكان . اشتهي جميل ثمرة توت . نهرته أمه وأفزعته الجراء التي اجتمعت من حوله . أمه حبلي أجلستها أم دياب علي كرسي له ثلاثة أرجل . أم دياب نادته :
ـ تعال يا قمر كي أحضنك .
لم يقبل . راقب أمه وهي تشيح بوجهها عن البطة التي كانت تزعق منذ قليل وهي تذبح ثم ترنحت متخبطة في دمها . همدت . تناولتها أم دياب وسألت ألام عن ثمنها . ابتسمت :
ـ تأكلونها في الهناء . أقترب يوم الوضع ياأم جميل ستضعين بنتاً كالقمر مثلك .
شكرتها الأم . يد أم دياب الضخمة نشلت البطة من وعاء الماء المغلية . وضعتها أمامها في الطشت . جعلت تنتف الريش وتشق البطن وتخرج الأمعاء وتشرط الصدر . يد أم دياب غليظة كأنها يد دب . قالت للبنت الصغيرة التي تماثله في العمر وتقضم من رغيف به جبن أبيض :
ـ اعط لأخيك قطعة .
نظر فلم أجد أحداً سواه . رفضت البنت . شتمتها . وصمتها بالبخل كأبيها . أم دياب قامت للقلة المعلقة بحبل وتدلت بفرع من شجرة التوت وأخذت ترشف منها . سال الماء من حول طرفي فمها وتسلل إلي صدرها .
انشغل بمطاردة العنزة الصغيرة وأسراب الدجاج حتي أنتهي إلي جحر ضب . ارتاعت نفسه . صرخ . أم دياب ابتسمت . البنت طاردت الضب ثم دعته لتقديم طعام للطيور وهي تخرط قشر البطيخ في صحن به ماء وتطقطق بفمها تدعو:
ـ تعال .
ضاقت نفسه وهو ينتظر علي مضض كي تفرغ أم دياب من عملها . غسلت البطة جيداً في دلو ماء . لملمت وركيها الضخمتين من انتصابهما حول الطشت الكبير . نظرت لوجه الأم المشرب بحمرة اكتسبتها من وهج الإنتظار والشمس . انتقت كلمات حلوة قالتها للأم . تصافحتا بحرارة والتقمت كفها الأجر من الأم وسط دعوات لها بأن تضع حملها بسلام :
ـ لا تنس المُغات .
أخرجت من صدرها كيساً من القماش دست فيها النقود .
ثم أطلقت ضحكة في الهاتف الذي رن بأغنية رديئة فأصابه بذعر . سكتت عصافير الدوري في صدره حين رأيت طفلاً يضع علي راسه ريش مثل أمير جاء من زمن الهنود الحمر ويمسك سيفاً خشبياً يحارب به الهواء .
أشارت أمه لسيارة حملتهما للبيت وسط ضجر لا زال يملأ صدره . قال لأمه :
ـ لن أذهب للسوق مرة أخري .
قالت الأم :
ـ هذا هو الهاتف . سأخاطب أم دياب لتأتي .
قال :
ـ سأذهب .


=======
محمد عبده العباسي
بورسعيد
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف