الأخبار
اطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنينمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 16 جندياً باستهدافهم بعبوة ناسفة في جنينأفضل وسطاء الفوركس لتعزيز تجربتك في تداول الذهبأولمرت يشن هجوماً على نتنياهو ويتهمه بالتخلي عن الأسرى الإسرائيليين وإطالة أمد الحربالبيت الأبيض: ندعم إسرائيل بالسلاح ونقدم مساعدات إنسانية لغزة.. ولا نرغب بحرب في لبنانالمتطرف بن غفير: سياستي حصول الأسرى الفلسطينيين على الحد الأدنى من الطعامتقرير: تكتيك حماس العسكري يحرم إسرائيل من النصرأردوغان: نتنياهو يسعى لشن حرب في لبنانأونروا: انهيار شبه كامل للقانون والنظام في غزةأردوغان يعلن دعمه لبنان ويستنكر الدعم الأوروبي لإسرائيلمؤسس موقع ويكيليكس "حر" بعد اتفاق مع القضاء الأميركي
2024/6/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أفكار في الكتابة الروائية بقلم: محمد جبر الريفي

تاريخ النشر : 2012-07-24
أفكار في الكتابة الروائية

الظاهرة التي تبدو واضحة على مستوى النظام الثقافي السائد حالياً في الوطن العربي هي أن الثقافة العربية المعاصرة في مرتكزاتها السياسية والاقتصادية تتراوح بين التأثر بالثقافة العربية القديمة وبين التأثر بالثقافة الغربية الأوروبية والأمريكية وذلك بسبب آلية الاستعمار الغربي التي غزت أسواق الوطن العربي وأحدثت تنميطاً استهلاكياً للإنتاج الاقتصادي العربي ما زال تأثيره سائداً على مستوى مختلف جوانب الحياة العربية.
ولا شك أن الأدب العربي الحديث في تطور أجناسه وأدواته الفنية وتعاظم حجم تأثيره على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية العربية كان ضمن المحصلة التاريخية المنتظرة لحالة التأثر والتفاعل بين الثقافتين والكتابة الروائية التي تعتبر في المرحلة الحالية من أهم الأجناس قدرة على تصوير الواقع الاجتماعي ورصد أحداثه المختلفة كانت إحدى الظواهر الأدبية الهامة التي ظهرت في الأدب العربي بفعل عامل التأثر والتفاعل هذا.

إن الرواية كعمل فني في الأصل ظهر وتطور في أوروبا بظهور وصعود الطبقة البرجوازية حيث سادت العلاقات الاجتماعية البرجوازية في الحياة الأوروبية بعد تفسخ وانحلال دعائم المجتمع الإقطاعي الأوروبي اقتصادياً واجتماعياً.. وفي الوطن العربي وبلدان العالم الثالث عموماً ظهرت الرواية في بعض الأقطار العربية والبلدان النامية بداية مع نمو الطبقة البرجوازية الوسطى وصراعها ضد النظام الإقطاعي الرجعي حيث العلاقة وثيقة بين ظهور الرواية الفنية في هذه الأقطار وبين الفكرة الوطنية والقومية والمطالبة بالاستقلال..
وفي كلتا الحالتين فإن الرواية كفن أدبي هي في الواقع إفراز برجوازي قائم للتعبير عن الواقع الجديد باعتبار أن لها ارتباطاً عضوياً بالتحولات الاجتماعية كأساس موضوعي.. وفي المرحلة الحالية لها أيديولوجيتها ونظامها السياسي الرأسمالي فإن الرواية بالطبع تكون أكثر من غيرها من الأجناس الأدبية قدرة على رسم الأحداث والتعبير عن المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وتناول مشاكل الطبقة البرجوازية نفسها والكشف عن تناقضاتها وفضح علاقاتها الاجتماعية المتفسخة وطرح أعمق القضايا الثورية والإنسانية في إطار من الواقع التاريخي والاجتماعي تماماً كما قامت بالدور نفسه في مرحلة صعود البرجوازية وتفسخ علاقات المجتمع الإقطاعي.
هكذا فإن الرواية قياساً على ذلك تعتبر مصدراً هاماً من مصادر التاريخ الاجتماعي لا غنى عنه لكثير من الباحثين المتخصصين في شتى فروع الثقافة والفكر الإنساني لأن مضمون الرواية مرتبط دائماً بأحداث التاريخ ووقائعه وحركته الاجتماعية الحاضرة والمستقبلية كما أن الرواية كأسلوب أدبي فسيح تتطور في شكلها ومضمونها بقدر تراجع واندحار المفاهيم الثقافية الرجعية وبقدر تعاظم دور الجماهير على مسرح الأحداث العالمية وهي بذلك تكتسب أهميتها في بلدان العالم الثالث النامية خاصة منها التي تنبذ الاتجاه الرأسمالي في التقدم لأنها تلعب دور المحرض على معاداة البرجوازية حيث شروط النتاج الروائي في العالم الرأسمالي ليست بالضرورة هي شروطه في العالم الثالث..

الوعي التاريخي والأيديولوجيا:
إن العمل الروائي بالتأكيد لا يصدر عن فراغ بل يصدر عن محيط اجتماعي موضوعي عن تحولات اجتماعية يحققها المجتمع، عن تطور العقل البشري وطفرة العلم والتكنولوجيا عن هزيمة واندحار الثقافة والأيديولوجية التقليدية الرجعية. ومن الضروري تبعاً لذلك أن تكون هناك علاقة وثيقة بين الرواية والرؤية المستقبلية، ذلك أن الرواية في المرحلة الحالية لا تكون ثورية تقدمية إذا كانت تميل في غالبية أحداثها للماضي "ماضوية" فالزمن في الواقعية الثورية يتطور ويتحرك ولكن في حدود الوعي التاريخي حيث التفكير دائماً يصبح مستقبلياً لأن الأدب يثبت أن الناس في كل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لديهم ما يتطلعون إليه ويناضلون من أجل تحقيقه حتى قبل مرحلة الوعي بطبيعة النضال وقانون الصراع.
إن الفن الروائي باعتباره نشاط أدبي إبداعي يفترض منذ البداية بأن ما هو موجود في العالم الموضوعي لا يأخذ صيغة الاستمرار والركود بل التحول والتقدم وبذلك يكتسب الوعي التاريخي للروائي أهمية كبيرة لأن من خلاله يستطيع نقد المجتمع القائم وذلك من حيث تشكيلته الاقتصادية والاجتماعية والتخيل لمراحل تطوره فأهمية أي عمل روائي ليس في قراءة الواقع فحسب بل في المقدرة المختزنة على تصور شكل العلاقات المستقبلية حيث صيغة التحريض على تغيير الواقع المرفوض أولاً ثم تقريب المتوقع من لحظة الحاضر.. وفي كلتا الحالتين فإن الأهمية المطلوبة في العمل الروائي هي ضرورة خلق الوعي الاجتماعي الثوري بإرهاصات المستقبل وبلورته بشكل لا يغفل أية جزئية فيه ..
ومع الوعي التاريخي الذي يعني التغير والتبدل حيث الواقع القائم الذي يمتلك صفة الثبوت غير موجود أبداً لأن حركة المجتمع تحمل معها دائماً قوانينها التاريخية والاجتماعية والرؤية المستقبلية المقصود منها الانعتاق من ضغط الحضارة الاستهلاكية التي تضم في إطارها الناس والمصانع وما تنتجه هذه المصانع من وسائل وأدوات إنتاج جديدة وذلك في دائرة مأساوية مغلقة حيث سلع الاستهلاك الذي ينتجها النظام الرأسمالي على المستوى العالمي في محاولة لتجديد حيويته والخروج من أزماته المتفاقمة لا حدود للاكتفاء منها ولا مجال أيضاً للكف من بريقها وجاذبيتها مع الوعي التاريخي هذا الذي يعمل على الابتعاد عن الانغلاق في دائرة الحاضر لأن الحاضر يتحول بفعل حركة الزمن الكوني والاجتماعي إلى الماضي وعند ذلك يصبح الإنسان مرهوناً لماضيه.. تظهر شكل الأيديولوجية الثورية التقدمية باعتبارها أداة من أدوات العمل الروائي يحدد به الكاتب مضمون الرواية وكيفية استخدام اللغة والشخصيات والنهاية لأن أي شكل للأيديولوجية يحمل دائماً معه موقفاً معيناً من الفن والأدب..
إن الرواية الجيدة هي التي تصدر دائماً عن رؤية أيديولوجية ثورية تقدمية تحمل معنى التغيير وتعبر عن ظروف النضال سياسياً واجتماعياً والعمل الروائي الفاشل هو الذي يتجاهل هذه الحقيقة في نشاطه الإبداعي لأن استخدام الأيديولوجيا الثورية التقدمية فنياً في العمل الروائي دون تجاهل الأيديولوجية الرجعية القائمة من شأنه كشف مظاهر الرأسمالية الاحتكارية التي أغرقت الأسواق الرأسمالية وأسواق بعض دول العالم الثالث التابعة لها بالسلع الاستهلاكية وفضح طبيعة عقلية المجتمع الاستهلاكي ونسيج علاقاته الاجتماعية كالجشع والنفعية والانتهازية والوصولية ومواجهة إبداعات (الأنا) في العمل الأدبي والذي يشكل الأدب البرجوازي تعبيراً عنها.. ذلك كله من أجل تصوير الواقع الاجتماعي بصدق، تصوير يقوم على الوعي بقوانين صراع المتناقضات في الطبيعة والمجتمع وحتمية انبثاق علاقات جديدة مناصرة في ذلك لقضية الثورة والتقدم وبعيداً عن مساعي التكيف مع الواقع الذي يتسم بطابع الرجعية والفساد.
إنه من الضروري أن تكون بين الرواية وبين الأيديولوجية علاقة وثيقة لأن تاريخ الأدب يعكس ويوازي تاريخ الفكر وفي الغالب فإن أكثر الأعمال الأدبية الحديثة تظهر انتماء الأديب إلى فكر معين ويمكن القول بأن الفكر الثوري المعتمد على التحليل العلمي الاجتماعي هو الأقدر على تحليل ظروف المجتمع وكشف أساليب الاستغلال واكتشاف الواقع، الزمان والمكان وما بينهما من حركة إنسانية جماعية شاملة، الأمر الذي يجعل مقياس الجودة في الكتابة الروائية هو بقدر ما تحتوي الرواية في إطارها على أيديولوجية ثورية تقدمية قادرة على التعبير عن العلاقات الاجتماعية الجديدة الآخذة في التشكيل أي بصورة توضح الانسجام الكامل بين بنية الرواية والواقع الجديد في تطوره للمستقبل، باللغة القومية وبالتراث المتسم بنزعة ثورية بالصراعات الوطنية والاجتماعية..

هوية البطل:
ومع الوعي التاريخي والأيديولوجيا الثورية التقدمية تتشكل ملامح وهوية البطل في الكتابة الروائية لأن معالجة قضية البطل لا تلبي فقط رغبات القارئ بل تعكس بصورة أدق رؤيا الكاتب وثقافته وموقفه الأيديولوجي من العالم الذي يعيش فيه والمجتمع الذي ينتمي إليه وبقدر ما تكون الرواية لها المستقبل لأنها منبثقة من حركة اجتماعية بقدر ما يكون البطل فيها إيجابياً غير سلبي معبراً عن الظاهرة الثورية، مؤكداً انتماؤه الحقيقي في مواجهة محاولات الاستلاب والتشويه..
إن البطل الإيجابي هو بطل جماعي من خلاله تتبلور ملامح الشخصية الوطنية والاجتماعية للشعب وهو ضرورة هامة للرواية العربية وللرواية في العالم الثالث حيث الرواية في هذه الدول عموماً ما زالت تبحث عن هويتها القومية خاصة أنها أي (الرواية) تمر في مرحلة التكون والتأسيس والبطل الإيجابي هو الذي يجعل منها عملاً فنياً إبداعياً مجدياً.. بل إن الضرورة الأدبية والفنية تقتضي تطويراً لنموذج البطل الإيجابي ليغدو بذلك دوره أكبر في العملية الإبداعية ما دامت الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يمر بها العالم الثالث بشكل عام تشهد صراعاً حاداً بين قوى التقدم والتمرد وقوى الرجعية والتخلف.
والآن.. كيف ننظر إلى واقع فن الرواية في الوطن العربي؟
من الرواية العربية التي تناولت مساحة اجتماعية محددة لا تتعدى الرواية العربية المنعزلة عن الحاضر، التي تدور في دائرة الموروث الثقافي.. إلى الرواية العربية التي تقترب من التقرير السياسي لواقع معاش راصدة كل معالمه ولكن دون معايشة أعمق.. هذه النماذج الروائية العربية المتهافتة في جملتها على الشكل الروائي الغربي المستورد (المتشائل: أول ابتكار في الشكل الروائي العربي) ظلت مفتقرة في أكثرها إلى عنصر الوعي التاريخي الذي يساهم في عملية الصراع وحسمه لمصلحة المستقبل من أجل تسريع انتقال المجتمع العربي بالثورة من مرحلة التخلف والتبعية إلى مرحلة التقدم..
لقد أنجزت الرواية العربية في حدود القضايا السياسية والاجتماعية التي تناولتها محققة بذلك وجودها كجنس أدبي أكثر قدرة من غيره على الرصد والتعبير غير أنها بالمقابل على اختلاف طبيعة الأيديولوجية التي انطلق منها كتابها لم تحتو على كل تناقضات الحياة الاجتماعية العربية ولم تهتم على مستوى أعمق بتصوير الحياة الاجتماعية الشعبية العربية وهموم الجماهير الكادحة ونضالاتها وأحلامها إلا فيما ندر وذلك كله بسبب ضحالة التجربة الحياتية والثقافية وسيطرة الوعي البرجوازي والاستغراق في النزعة الذاتية التي اعتمد عليها الفن الروائي العربي في مجمله كبديل عن الوعي التاريخي..
إن فن الرواية في الوطن العربي وهو يبحث عن علاقته بالتحولات الاجتماعية عليه أن يحقق رؤية متقدمة للواقع العربي مرتبطة بشكل جديد للكتابة الروائية وذلك حتى يجسد في مضمونه أهداف حركة التحرر والتقدم العربية المنبثقة عن حركة الوعي الاجتماعي الثوري المتنامي ويعبر عن الحقيقة الموضوعية بما يخدم تطورها التاريخي.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف