الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دولة الرجال ودولة القانون بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2012-07-15
منذ ظهور ما يعرف بالدول المدنية وبغض النظر عن تاريخ هذا الظهور إلا أن هذه الدول تطورت تاريخيا من دول الرجال لدول القانون عبر تطورها التاريخي , بدأت تلك المجتمعات من تكتلات بشرية عشوائية وتطورت شيئا فشيئا لتتحول لمجتمعات وضعت لنفسها نظام معين حتى ولو بشكل بدائي , ومع الوقت بدأت تلك التنظيمات تتطور وتتعقد وتتسع شيئا فشيئا في محاولة لاستيعاب كل مناحي الحياة القائمة والمحدثة والمتوقعة أحيانا , وربما كانت تلك التنظيمات في بداياتها تعتمد كليا على اجتهادات مجموعة من الرجال وجدوا أنفسهم أو أوجدوا أنفسهم لقيادة تلك المجتمعات بسبب أو بآخر , كانت تلك المجتمعات في بدايتها تعتبر دول رجال , أي أن أولئك الرجال هم من ينظـِّـرون لتلك المجتمعات ولكن في نفس الوقت يشكلون تلك القوانين لمصالحهم الخاصة وربما لمصالح الأغلبية المسيطرة غالبا , ويستطيعون تغيير تلك القوانين متى أرادوا وكيفما أرادوا , ولم تزل تلك المجتمعات تحت هذه التصنيفات تعتبر دول رجال رغم ظهور القوانين التي ترتب حياة الأفراد والمجتمع , ولكن تطويع تلك القوانين لؤلئك القلة الغالبة جعلها لا تخرج عن كونها دول رجال , وفي المقابل هناك مجتمعات لم تزل تحت وطأة قانون الفرد أو مجموعة أفراد تمسك بزمام الأمور لأي سبب كان سواء أكان تاريخيا أو عسكريا أو سياسيا ( يعني كنظام القبيلة وزعمائها المتوارثين لتلك السلطات , أو نظام الغلبة العسكرية والاحتلال العسكري من قبل مجتمع لآخر , أو كنظام السلطة الدينية الذي يمنح القائد للمجتمع استحقاق إلهي بالقيادة ورضى المجتمع بذلك ) , وهنا لا يوجد قانون مرجعي ينظم طبيعة تعاملات المجتمع فيما بينهم وينظم حياتهم بجميع نواحيها المختلفة , بل يعود الأمر اجتهاديا للقائد أو الشيخ أو الملك بشكل مطلق أو من منح حق التصرف من قبله نحو تنظيم أمور المجتمع , هذا النموذج هو نموذج كامل لدولة الرجال , والذي يعود كل شيء فيه لإرادة رجال محددين فقط دون غيرهم .
وليس مهما هنا استعراض أمثلة تاريخية , ولكن المهم هو هل المستقبل القريب أو البعيد سيقبل استمرار كلا النموذجين , أو أن الموت التاريخي سيكون حتما لأحدهما ؟
وربما هناك تداخل غريب وخفي بين معيار الاقتراب من كلا النموذجين , وخاصة في العالم الثالث , فللوهلة الأولى يتبادر للذهن أن دولة الرجال ربما اختفت أو بالكاد نجد لها وجودا في هذا التاريخ الحديث , ولكن الحقيقة أن كثير من دول العالم الثالث وربما بعض دول العالم الأول أيضا مازالت تعاني من تحكم بعض الرجال في قوانينها لتجعل منها دول رجال مقنعة بقناع القانون المطلق , أليس تغيير الدساتير وإدخال تعديلات أو المطالبة بحله أو الانقلابات العسكرية والسياسية هي نوع من سيطرة دولة الرجال على دولة القانون ؟
من المؤكد أن الصورة تبهت وتتضح أكثر بين مختلف الدول الحديثة , فهناك دول تعتبر دول رجال بشكل صارخ رغم كل قوانينها ودساتيرها وتشريعاتها , فهناك قلة من الرجال تستطيع التحكم أو تغيير قانون أو إدخال تعديلات أو حتى القفز على تشريع للوصول لمصلحة خاصة تصب في مصلحة قلة من أولئك الرجال , ودول أخرى تقع على الطرف المغاير فلا يستطيع أي رجل أو مجموعة رجال أن يغيروا أو يضيفوا أو يعدلوا إلا بموافقة أغلبية أصحاب السلطات المختلفة في مجتمعاتهم , وهنا نقترب كثيرا إن لم نلمس وجود ما نقصده بدولة القانون .
تظل المسألة مسألة مدى قدرة كل مجتمع في كبح فئة من رجاله من تمرير قوانين تخدم مصالحهم وحدها , أو قدرته على وضع تلك القدرة على التحكم في القوانين لآلية يرضاها هذا المجتمع , هنا نستطيع أن نقول أن دولة القانون واقعة بكل مثالية عبر هذا المجتمع .
وفي المقابل هناك مجتمعات يبدو أن النظرة التاريخية الواقعية تقول أنها ستظل دول رجال لأمد ربما بعيد , حتى لو حدثت تغييرات سياسية أو اجتماعية معينة , ولكن الإرث التاريخي والواقع وربما فقرنا ( لإثنولوجيا ) حقيقية يجعلنا نجهل استقراء المستقبل بناء على الماضي بشكل دقيق لوضع تصور دقيق لتطور دولة الرجال لتكون دولة قانون بشكل كامل وواقعي .
لا شك أن التطور الحقيقي للمجتمعات البشرية لن يكتمل حتى تتحول كل دول الرجال لدول قانون ( بغض النظر مبدئيا عن نوعية هذا القانون أو كيف نشأ أو من أين يستقي تفاصيله الدقيقة ) , فيكفي رضا المجتمع بأغلبيته (المعتبرة) عن هذا القانون ومن ثم الرضوخ لقواعده وتفاصيله لتكون مرجعا للجميع صغيرهم وكبيرهم , غنيهم و فقيرهم , عظيمهم وبسيطهم , دون تدخل من أيٍ كان في تغيير قواعده الأساسية وحتى الفرعية .
لا شك أن الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تنبع من تخبط القوانين عبر المجتمع الذي ينوء بتلك المشاكل , ومن تدخل الرجال في قواعده أو ربما القفز عليها , وكذلك من تطويعها لمصالحهم الخاصة .
وحتى في دول القانون المثالي ( لو وجد ) , لو خضعت بعض تلك المشكلات للدراسة والبحث لن تخرج عن كونها نتيجة خلل ما في القانون أو تدخل في طريقة تطبيقه سواء بالاجتهاد أو بالقهر والتسلط من قبل البعض لتمرير هدف معين (حتى لو كانت حوادث نادرة الوقوع كونها دولة قانون , وربما اتخاذ قرارات الدخول في الحروب الكبيرة أو الصغيرة خير مثال على ذلك ) .

إن نظرة من نوع ( الخيال العلمي ) لمجتمع بشري (كامل) منظم وسعيد وخالٍ من المشاكل والتعقيدات المختلفة أو كما يعرف بــ( ىالمدينة الفاضلة) , تتحكم في مفاصله الدقيقة يد القانون المحض (وحده) , هذا القانون الذي ربما سيخرج من رحم التجارب الإنسانية المختلفة والتشريعات المتفق عليها بين البشر , وربما تحويره بين مجتمع وآخر ليتماشى مع متطلبات ومسايرة الإرث التاريخي لكل مجتمع ( بدون قهر ) , واختفاء دولة الرجال تماما مع التطور التاريخي للمجتمعات البشرية عبر الزمن , سيخلق ذلك المجتمع الذي يمكن أن يوصف (بالمجتمع الفاضل ) .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف