الأخبار
الاحتلال يُفرج عن مدير مجمع الشفاء محمد أبو سلمية بعد أشهر على اعتقاله"إعدادنا مستمر".. كتائب القسام تبث مشاهد حديثة من تجهيز عبوات ناسفة بغزةمصر ترفض دخول قواتها إلى قطاع غزة وتتمسك بموقع معبر رفحهل أوشكت إسرائيل على دخول حرب أهلية؟خطة إسرائيلية لبناء معبر رفح البري في موقع جديدالاحتلال يوسع المنطقة العازلة بمحور فيلادلفيا ويخطط لمعبر جديد للسفرمحلل سياسي: حماس الأكثر دهاء بالمعارك العسكرية مع إسرائيلالصحة بغزة تناشد لإدخال وقود عاجل لمنع توقف محطات الأكسجين في المستشفياتسموتريتش: لا مفر من حرب حاسمة مع لبنانإسبانيا تطلب رسمياً الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام "العدل الدولية"إدارة بايدن تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار بغزةاطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤولية
2024/7/1
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أغنية الحياة بقلم نورة الخطيب

تاريخ النشر : 2012-07-10
أغنية الحياة
بقلم / نورة الخطيب *
تعالت أصوات الجمهور و تعالى هتاف الناس، أصبحت محط أنظار الجميع على رصيفٍ نُقِشَت عليه آثار قدميّ الحافيتين وآثار صندوق بالٍ يتغذى على أصوات القروش وهي تُرمى بكل بساطة من جيوب شبعتها. انحنيت أمام الجميع بعدما سمعت تشجيعاتهم و تصفيقهم، نظرت إلى الصندوق فتقطع قلبي على حاله، هناك بطون بانتظار أن تمتلىء وهناك جمهور بانتظار أن يستمتع، بدأت بالغناء، بدأ الصندوق يتغذى وبدأت الجيوب تشبع.
تسمرت في مكاني وأنا أنظر إلى بيتٍ استطاع بالرغم من جدرانه الضعيفة أن يحمل عائلة مكونة من أربعة أفراد، هذا البيت الذي لم يغمرنا بالدفء في أقسى أيام الشتاء، هذا البيت الذي لم يشعرنا بالأمان في أخطر بقعة في الحي، هذا البيت الذي أجبرني على تلطيخ لوحة زاهية الألوان باللون الأسود ونسيان كل ما تعنيه كلمة "بيت"، هذا البيت هو كل ما نملكه. فتحت الباب فإذ بي محاطة بأجسام صغيرة تتقافز نحوي لنيل المكافأة اليومية، نظرت إلى وجوههم الطفولية البريئة وتبمست ثم سألتهم بمرح : من يريد مكافأته؟ أنا أنا أنا ، ارتفعت أياديهم في الهواء في أمل أن أختار واحداً منهم. كان يوماً حافلاً وكان ربحاً وفيراً، فقررت أن أزيد من مكافآتهم حتى تسعد قلوبهم بما جنيته. أربعة قروش لريم ومنى وثمانية قروش لأحمد لأنه أكبر سناً. رحبت أمي بي فحضنتني وقبلتني ثم همست لي : يا سارة، لا تعوّديهم على المكافآت فيأتي يوم .. قاطعتها: أعرف، لكن الربح كان وفيراً اليوم و رؤية وجوههم حين يستلمونها لا تقدر بثمن، تشعرني بالارتياح. ضمتني أمي وتبسمت ثم قالت: العشاء في مكانه المعتاد.
قربت الشمعة من جسمي لكن الهواء البارد كان يدفع الحرارة التي تنبعث منها. نظرت إلى النافذة، نافذة بلا زجاج، أنام دوماً بالقرب منها حتى لا يتأثر إخوتي بالبرد، كم أتمنى أن أصلحها و أصلح العديد من الأشياء في حياتي. نمت على وسادة كالحجر و تغطيت بغطاء لا يتعدى سُمْكه سمْك لباسي، نمت فغادرت هذا المكان، نمت فذهبت إلى عالم الأحلام، نمت فلم أعد.
فتحت عينيّ فتداخلت أشعة الشمس فيها، أغمضتها، ثم فتحتها ثانية وحاولت النهوض، نظرت إلى السقف و لامست فراشي، ما هذا المكان؟ نهضت بسرعة و تفحصت الغرفة التي أنا فيها، جدران مطلية باللون الأبيض تغطيها اللوحات وأثاث جميل راقٍ يملأ الغرفة، نافذة كبيرة على يميني و أنا مستلقية على سرير أبيض ناعم. أين أنا؟ وقفت أمام النافذة ورأيت شارعاً أمام البيت تحتضنه الأشجار و بيوت كبيرة في الجهة المقابلة، حيٌ جميل. سمعت صوت شخص وراء الباب، إني أعرف هذا الصوت، فُتِح الباب ودخلت امرأة تتحدث على الهاتف، أمي! سعدت جداً برؤيتها، لعلها تخبرني بالمكان الذي نحن فيه.. حسناً حسناً، نعم بالتأكيد، لا لا مانع لدي، حسناً سنلقاك هناك، إلى اللقاء، سارة! لمَ لمْ ترتدي ثيابكِ بعد؟ لديك مقابلة مع منتج مهم! نظرت إلى أمي بدهشة وقلت لها : أي منتج؟ عدم معرفتي بكل ما يحدث حولي أغضبها، فقالت : هذه حياتك الآن ألم تفهمي بعد؟ يجب أن تتحملي مسؤولية عملكِ، ظننت أنك كبرتِ لكنكِ مازلتِ طفلة طائشة، سأكون بانتظاركِ في السيارة ولا تتجرئي على التأخير. تجمدت في مكاني وآثار الدهشة طُبِعَت على وجهي، مالذي يحدث؟ لم أرَ أمي غاضبة هكذا في حياتي!
فتحت خزانتي وارتديت ما كنت أظنه مناسباً، غادرت الغرفة ونزلت من الدرج تفقدت البيت وبحثت عن إخوتي، يا ترى أين هم؟ خرجت من الباب الأمامي وركبت سيارة سوداء. تحركت السيارة وأنا مازلت حائرة، تلفتُّ إلى أمي فرأيتها تستخدم هاتفها بتركيز، أمي؟ لمْ ترد، أين ريم ومنى وأحمد؟ نظرت إلي وقالت : من؟ ... أمي أين إخوتي؟ ... سارة ما بالك اليوم أنتِ تعرفين أنكِ ابنتي الوحيدة وليس لديك إخوة لمَ تسألينني هذه الأسئلة الغبية؟ نظرت إليها باستغراب، كلامها كان كالرصاص يدخل في أذني، إخوتي هم أهم شيء في حياتي! اشتقت لأصواتهم في الصباح، لابد أنني أحلم، نعم هذا حلم بالتأكيد وسينتهي قريباً وسأصحو من نومي وأراهم أمامي. توقفت السيارة أمام مطعم فاخر، فُتِح الباب لنا وترجلنا من السيارة، مشيت وراء أمي فأنا لا أعرف أين أنا ولمَ أتينا هنا. جلسنا مع رجل يبدو الاهتمام على وجهه، كان يتكلم مع أمي ويتفق معها على أشياء تخصني لكنني لم أفهم بعد ما هي هذه الأشياء فجلست صامتة طوال الوقت. ستبدئين بالغناء خلال الشهر القادم .. ماذا؟ نظرت إلى أمي بتعجب ... ما بكِ اليوم؟ ستسجلين أول ألبوم غنائي لكِ و السيد جابر سيقوم بتحقيق ذلك، ابتسمت وقلت نعم بالتأكيد. أخيراً سيتحقق حلمي وسأصبح مغنية مشهورة، لكنني لا أحس بأي إحساس قريب من السعادة، أشعر أنني ناقصة، فارغة .
في طريقنا إلى المنزل كان الصمت يغلب السيارة، وصلنا إلى المنزل وكان قد حان وقت العشاء، كان الصمت يغلب غرفة الطعام، بعد العشاء مباشرة ذهبت إلى غرفتي بنيّة النوم.استلقيت في فراشي فتزاحمت الملايين من الأفكار في عقلي، لمَ أشعر أنني غريبة مع أمي؟ آه كم أشعر بالوحدة، أريد أن أصحو من هذا الحلم بأسرع وقت فقد ضاق عليّ العيش بالرغم من سعة المنزل. نظرت إلى النافذة وضحكت، ها هي النافذة لم تُكسر، لكن روحي قد كُسِرَت، كم أتمنى أن أصلحها وأصلح العديد من الأشياء. نمت على وسادة كالحرير وتغطيت بغطاء باستطاعته أن يملأني بالدفء في ليلة شتاء شديدة البرودة، نمت فغادرت هذا المكان، نمت فذهبت إلى عالم الأحلام، نمت فلم أعد.
صهٍ، هي لم تستيقظ بعد .. لكن يا أمي لقد مللنا .. لا بأس ستستيقظ بعد حين. كانت أصواتهم عالية بالرغم من أنهم كانوا يحاولون أن يخفتوها خشية أن يزعجوني، كم أنا سعيدة أن ما رأيته كان حلماً وانتهى وكم أنا فرحة للعودة إلى المنزل وسماع أصواتهم التي أصلحت روحي. فتحت عيني فرأيت جهازاً به شاشة سوداء، قعدت بصعوبة، كل شيء في جسدي كان يؤلمني، رأيت أمي جالسة على كرسي بجانب الباب تقرأ مجلة وإخوتي كانوا يلعبون عند النافذة. صباح الخير، تلفت الجميع إلي، صباح النور كيف حالكِ اليوم يا بنيتي؟ .. سارة سارة لقد أحضرنا لكِ الوشاح الذي طلبتيه .. مدت ريم يدها إلي فأخذت الوشاح منها، لمن هذا الوشاح؟ ليس لدي أي وشاح!
أمي، ماذا حدث؟ لمَ أنا في المستشفى؟ .. نهضت أمي من الكرسي وجلست على طرف السرير .. يا سارة، ألا تذكرين ماذا حدث قبل ستة أشهر؟ .. لا، ماذا حدث؟ .. أغمضت أمي عيناها و تنهدت .. لقد انتشر في جسدك المرض، وكانت نتيجة الفحوصات هي .. هي ماذا؟ أمي مالذي تقولينه؟ .. نهضت أمي وقبلتني وبدا عليها الحزن .. سنعود في المساء .. أمي لا تذهبي، لا تتركيني. أُغلِق الباب.
أحسست بألم في صدري كاد أن يحرق لي قلبي، احتضنت نفسي فخنقتني العبرات، بكيت وبكيت، لم أبكِ منذ مدة. كان شعور غريب، كان كآلة الزمن أرجعني إلى اليوم الذي رحل فيه أبي عنا ولم يرجع. كنت في الثانية عشرة من عمري، أرى والديّ يتشاجران في معظم الأحيان، وكان الشجار ينتهي ببكاء أمي بسبب ضرب أبي لها وخروجه من المنزل. لكنه خرج يوماً ما ولم يعد. رحّب بنا الفقر بعد عدة أسابيع ثم حالفنا الحظ وحصلنا على البيت، وتطوعت بالعمل بينما ترعى أمي بالصغار. بكيت بعد رحيل أبي لأنني افتقدته ولأنني شعرت بالنقص والفقر، كنت أظن بأن ما كان يفعله بأمي هو شيء يحصل في كل بيت، لم أكره والدي لكنني كرهت الفقر.
فُتِح الباب ودخلت ممرضة، صُدِمْت عندما رأيتها فتوقفت عن البكاء، نظرت إلي وابتسمت ثم قالت: يجب ألا تضعفي يا عزيزتي، ستشفين قريباً .. أسأشفى حقاً؟ أسأرجع إلى البيت؟ .. ضحكَت بهدوء ثم قالت : عزيزتي، كل أنواع الأدوية والعلاجات متوفرة لكِ، أنت محظوظة جداً، معظم الناس لايستطيعون تحمل التكاليف! .. لكننا فقراء! .. ماذا؟ فقراء! عزيزتي
أنتم تملكون بيتاً قد يسع لكل الناس في هذا المبنى، ألا تعرفين منزلة أبيكِ هنا؟.. دُهِشْت من كلامها وتذكرت الحلم الذي رأيته، مالذي يحصل؟ أهذا حلمٌ آخر؟ هذا ليس حلماً، إنه كابوس! رحلت الممرضة بعد تفحصها للأجهزة والاطمئنان علي. ظللت مستلقية على السرير أحاول استيعاب كلام الممرضة، إننا أغنياء؟! ولدي أب؟! لكنني هنا بين أربعة جدران وجهاز ينتظر رحيلي حتى يصمت.
صوت الجهاز كان يملأ الغرفة وكان يتصادم مع أصوات أفكاري التي أصبحت تطير في أرجاء المكان بدون توقف، فكانت نتيجة التصادم هي صمت قاتل. قتلني صمت المكان الذي أشعرني بوحدتي، قتلني صمت المكان الذي ترك كل أسئلتي حائرة تبحث عن جوابٍ لها، قتلني صمت المكان الذي جعلني أتذكر حياتي .. حياتي في الحي المظلم .. حياتي على الرصيف الذي احتضنني ورعاني لأتمكن من ملء الفراغات وخلق الابتسامات .. حياتي المثالية. نمت على وسادة تحمّلت ثقل رأسي، وتغطيت بغطاء آنس وحشتي وغمرني بالحنان، نمت فغادرت هذا المكان، نمت فعدت إلى سريري الأرضي والنافذة المكسورة.
تعالت أصوات ضحكاتهم فاستيقظت بصعوبة، نهضت من مكاني فرأيت أمي والصغار، تلفتُّ فرأيت النافذة المكسورة، استمتعت بالهواء العليل الذي تُدخِله كل صباح، حضنت وسادتي وأغمضت عينيَّ فتسللت ابتسامة إلى شفتيّ وثبتت. قبلت أمي وحملت صندوقي ومشيت في الحي، ما أجمل هذا الحي. جلست على الرصيف وغمرني شعور كبير بالارتياح، استنشقت الهواء استعداداً للعمل. بدأت بالغناء، كان غنائي مترجماً لأحاسيسي، كنت سعيدة جداً، سعيدة بحالي، أحب بيتنا وأحب عملي وأحب إخوتي وأحب صندوقي .. وأحب أمي. كان الجمهور متجاوباً معي، كنت أسمعهم يغنون و يصفقون، حقاً إن الموسيقى هي لغة واحدة تجمع بين القلوب. انتهى عملي وكان الربح لا بأس به لكنني كنت سعيدة بالرغم من ذلك. حملت صندوقي وتوجهت إلى المنزل، أحسست بيدٍ تلمس كتفي فتلفتُّ لأرى صاحبها، كان رجلاً طويلاً يبدو من هندامه أنه رجل أعمال، قال لي : صوتك فريد من نوعه، لقد كنت أراقبك منذ ثلاثة أيام، لم أمل من سماعك .. شكراً. رحلت وأكملت طريقي ثم أوقفني مرة أخرى وقال : أيهمكِ إذا قلت لكِ إنني أستطيع أن أجعلك مغنية مشهورة؟ .. نظرت إليه باستغراب ثم ضحكت، هل هذا معقول؟ أسأحقق حلمي؟ أم سيتحقق حلمي؟

• كاتبة من دولة الإمارات العربية المتحدة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف