الأخبار
2024/6/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بلاد ما وراء الجدار بقلم: عبد الغفور عويضة

تاريخ النشر : 2012-07-06
بلاد ما وراء الجدار
بقلم: عبد الغفور عويضة
حيفا30/6/2012
ربما هي الصدفة التي قادته الى مقهى في المدينة لياخذ فيه قسطا من الراحة، او لينتظر موعد الحافلة التي ستنتظره بعد الحدود لينطلق في رحلة الى بلاد ما وراء الجدار،لم يجلس مرة في هذا المقهى و لم يعلم ما اسمه رغم مروره المعتاد من امامه ولم يحال ان يعرف اسمه ايضا،غير ان هذا حدث صدفة مندفعا كان فيه ينتظر الموعد القريب البعيد سال عن اسمه و كأنه اراد ان يشرك نفسه في صالونات الأدباء و مقاهي المقامة اليسارية ، فنفحات الدكتور ارنستو جيفارا قد هبت عليه، و قصائد مطر و النواب لاحت له، و الحان مارسيل و أشعار درويش قد اطربته...
- مقهى التغريبة...
كان هذا جواب رفيقه في هذه الرحلة، ضحك للاسم و تساءل...
- ربما يعود لأحد اللاجئين في المخيم القريب من المدينة.
فقام مندفعا بحسه و فضوله الصحفي لالتقاط صورة للمقهى.
تلك البلاد ليست بعيدة بالمقياس المادي و لكنها او المعنوي بل بتعقيدات الاحتلال و ما يفرضه على اهلها من الحرمان. فالحد الذي وضعه المحتل لا يحتاج لدقيقة لان يكون هناك بالمفهوم المادي الخاضع لعدل القياسات الطبيعية، غير ان بعدا ماديا اخر وضعه المحتل يحول هذه الدقيقة لساعات طويلة ليتمكن من عبور الحدود اذا ما اتيح له ذلك، لا اختلاف بين الطبيعتين فالارض و الهواء و السماء و بعض البشر كلها واحدة تحكي قصة الوطن الضائع و البلاد المسلوبة، حكايات تاريخ يعلمه يرويه البحر بصدق ، لكن أي صدق فيما رآه على شاطئ واد النسناس؟؟؟ سفينة العودة الراسية فيما يشبه ميناء بري صنعته القوة المسيطرة ، المؤسسة على الاساطير بكذبها الديني و هذيانها السياسي و دعم الناس اللامحدود و بالموت الكامن في فوهات السلاح... لا بل انه الصدق ... و الصدق ذاته التي ترويه البيوت القديمة على ذات الشاطئ ، تاريخها ... طرازها المعماري... حجارتها... الكتابات على مداخلها، كلها تروي قصة قوميتها المنسية ..ز تلك البيوت لم يبق لها أنيسا الا البحر بحديثه اليومي بلسانه الممتد على طول الشاطئ.
للمرة الاولى يقدم طلبا للحصول على تصريح من الاحتلال لدخول ارضه المحتلة ، حصلت الموافقة و حصل على التصريح، لكن خطبا ما الم به عندما قرا عبارة على التصريح تقول " يسمح له بالدخول الى اسرائيل بالرغم من الشذوذ" تصاريح اخرى كتب عليها " يسمح بالدخول الى اسرائيل برغم الحظر"تلك هي الاوص2اف و التصنيفات التي يطلقها المحتل على اصحاب البلاد ، لا احد " نظيف " بالمعنى الذي يريده الاحتلال، أي نظافة هذه؟؟؟ كم هي رائعة تلك الاوساخ التي يلصقها الاحتلال باصحاب البلاد، و كم هي سيرة هولاء المتهمين بالشذوذ و الحظر و الرفض ، وكم هي مدعاة للفخر ان نكون شاذين و مرفوضين و محظورين من قبل الاحتلال، ذلك ليس امتيازا لان كل من حصلوا على التصاريح وصفوا بهذه الاوصاف و كتبت على تصاريحهم هذه العبارات و لا غرابة في ذلك ولا ينتظر العدو من عدوه الا الرفض و الشذوذ و الرفض فهذا امر طبيعي بين الاعداء ، فالشعب الفلسطيني باجمعه مرفوض و شاذ و محظور من قبل الاحتلال ... ربما لم يعلم من وقّع له على التصريح أي شجون و طنية كان سيثيرها في نفسه و أي قرب بالرغم من البعد سيحققه؟ و أي احساس بالعزة الوطنية ستنزفة المحبرة على ورقة التصريح هذه ليغدو الانين في محبرة الماغوط هتافا و ضجيجا وطنيا يعلو على شاطئ الكرمل.. هناك قامت دولة دلال ، و هو سيعلن دولته حيث تطئ قدمه و ان كانت لدقائق او لثواني ... بقلم الالوان خطّ على صخور الشاطئ اسمه و " دولة فلسطين" .
تلك البلاد يزورها لاول مرة و لا يعلم هل ستكون هناك اخرى ام لا.. لم يشعر بالغربة و لم يحتج لدليل سياحي فكل المعالم معروفة لديه و درسها في جغرافية اليلاد في المدرسة و في الجامعة و في تاريخ القضية و زاد عليها واقعه الثقافي و حديث العامة في الحياة اليومية، فاي غربة سيستشعرها .
بينه و بين الكرمل دار حديث و هنا ايضا لم يحتج لمترجم لان اللغة واحده... حادث البحر بحكايات التاريخ... هجرات البالست ... حروب الجبارين... حضارة كنعان... حكى التاريخ المجبول بالعزة و الذل معا...
- أي تناقض هذا الذي تحمله ايها البحر؟
لا يعلم ان كان هذا البحر اخا لميخائيل نعيمة يهزج لمن سادوا و يشمت بمن دان، و ان كانت المشاعر في بعض الاحيان لا تؤخذ على الاطلاق لان فيها انية او شيئا من النسبية التي ترقى الى الشعور الحقيقي بكلاهما، ربما كانت من ان شر البلية ما يضحك، او لربما هي الفلسفة التبريرية للحق في الوجود،هو حق طبيعي لا منة فيه لاحد او من احد ، فهذه الارض ارضه و هو لا ينسلخ عنها و هي لا تنسلخ عنه... هو الان على الكرمل ينظر الى الغرب فيرى فضاء الحرية المقيد و ينظر الى الشمال و الجنوب فيرى قوميته ظاهرة حينا و مختفية احيان و ينظر الى الشرق فيرى عازلا يحول بينه و بين التواصل الدائم مع هذه الارض و هذه الفضاءات الثلاث لتصير هذه البلاد حلما يراوده في كل حين، و قبلة يشد اليها الرحال دون تردد كلما واتت الفرصة لذلك ففي ذلك تاصيل للحق و تاكيد على ترابط الشعور و تحقيق للهوية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف