الأخبار
اطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنينمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 16 جندياً باستهدافهم بعبوة ناسفة في جنينأفضل وسطاء الفوركس لتعزيز تجربتك في تداول الذهبأولمرت يشن هجوماً على نتنياهو ويتهمه بالتخلي عن الأسرى الإسرائيليين وإطالة أمد الحربالبيت الأبيض: ندعم إسرائيل بالسلاح ونقدم مساعدات إنسانية لغزة.. ولا نرغب بحرب في لبنانالمتطرف بن غفير: سياستي حصول الأسرى الفلسطينيين على الحد الأدنى من الطعامتقرير: تكتيك حماس العسكري يحرم إسرائيل من النصرأردوغان: نتنياهو يسعى لشن حرب في لبنانأونروا: انهيار شبه كامل للقانون والنظام في غزةأردوغان يعلن دعمه لبنان ويستنكر الدعم الأوروبي لإسرائيلمؤسس موقع ويكيليكس "حر" بعد اتفاق مع القضاء الأميركي
2024/6/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الطريق الى المانيا بقلم:شاهر جوهر

تاريخ النشر : 2012-06-30
الطريق إلى ألمانيا



شاهر جوهر | سوريا




كنت أنوي النوم عندما تدحرج صوت أبو عبده كارلو ببيتي وباغتني بسؤاله :
- هل وجدت عمل ..؟
- ليس بعد
- اتبعني إذاً..
تبعته فعلاً وأمام أحد الأبواب الصدئة في حارة ضيقة تعج برائحة الدهن الزنخ زعق بصوت عالٍ :
- دلدار .... دلدار
فمد شاب عنقه من شُباك البيت وأخذ يفرك عيناه ويتمطط من النعاس وقال :
- تفضل الباب مفتوح .
دخلنا وبعد التحية عاجله كارلو قائلاً :
- هذا الشاب هو من أخبرتك عنه نازح من الجولان ويسكن في أقصى المدينة ولازال يبحث عن عمل ..
قال دلدار :
- تشرفنا أخي , هل عملت يوماً في متجر .. ؟
رد كارلو :
- لم أخبره بعد .. اسمع يا بني هذا دلدار يعمل في أحد المحال التجارية في دمشق القديمة وقد وجد فرصة عمل في الخليج وسيبقى مكانه شاغراً لذا ستحل محله إلى أن يعود .. ها .. ما رأيك ؟
رددت مسرعاً :
- طبعاً موافق فأنا مذ تخرجت من الجامعة وأنا أبحث عن عمل ..
ابتسم دلدار وقد همى الدمع من مآق عينيه لفرط تثاؤبه وقال ولا حول له أو قوة من النعاس :
- أظن أني أحببتك , رغم أني لا أطيق النازحين ...
ثم ضحك ضحكة باهتة لا روح فيها أو نداوة ثم أكمل :
- كنت أمزح معك كل الناس خير وبركة , انتظرني غداً صباحاً حتى آخذك للمحل .

فعلاً انطلقنا في اليوم التالي إلى المكان المنشود , فهاهي دمشق مثل سائر العواصم العربية تختصر الصباحات المضيئة بأغنية رقيقة لفيروز وفنجان قهوة وبضع كلمات مبخرات بالحب و باللهجة الشامية الناعمة .
صاحب المحل اسمه جميل وهو رجل في الأربعين , يرتدي دوماً على رأسه طاقية شتوية تشبه تلك التي يرتديها إخوتنا في موسكو وبلاد الاسكيمو ..

وبعد التحية أضاف دلدار وقد أشار بإصبعه إليّ :
- شاب جامعي رائع ولغته الإنكليزية جيدة نوعاً ما, وهو من سيحل مكاني إلى أن أعود, بعد موافقتك طبعاً.
ثم اقترب مني جميل ومد يده ليصافحني وسألني :
- من أين أنت ..؟
قلت قلقاً :
- من الجولان ومقيم في مخيم اليرموك حي النازحين في ريف دمشق ..
- نازح ..!!!
قالها متفاجئاً وكأني قلت له " أنا من ألمانيا ومقيم في ميونخ منذ 1939 " , فرد عليّ وكأنه يقول لي " نازيّ..!!"
عندما رأى دلدار ذاك الجواب تبدل شكله وطلب مني انتظاره خارجاً , فقام بإغلاق الباب الزجاجي للمتجر وأخذا يتشاطران وجهات النظر حولي , فأحسست أنه لن يوافق على تشغيلي , فشمائله المتجهمة ويديه السابحتين في الهواء والمستغربتين أثناء حديثهما ينبئني أنه لن يقبل بي , وبين اللحظة والأخرى كان دلدار يرسل إلي ابتسامات كاذبة خلف وجه محمر أشهب ..
وبعد ربع ساعة تقريباً من اجتماع لا يذكرني سوى باجتماعات العرب الطارئة . قال دلدار معتذراً :
- أطلنا انتظارك يا رجل , وافق السيد جميل على قبولك في العمل , لكن تعرف جيداً أن الرجل يجهلك وكما ترى المحل مليء بالأشياء الثمينة لذا ستبقى هويتك لديه مؤقتاً.. إن لم يكن لديك مانع..
- وليكن فأنا بحاجة لهذا العمل ..
رد جميل :
- اتفقنا إذاً .
ثم مد يده وصافحني بحذر ..وأخذ يشرح لي طريقة العمل وآلياتها بعد أن ودعنا دلدار المشغول بإجراءات السفر ..
تسلمت العمل فعلاً بمحل صغير يحتوي على واجهة زجاجية تُظهر الساعات والخواتم والأواني القديمة والموزاييك الشامي وبعض الأجرار , وخلفها الكثير من الشالات القطنية والكوفيات وبعض الخرائط والكتب القديمة , والمطلة على شارع ضيق يعج بالمارة من السياح العرب والأجانب ..

مضت أيام عدة كانت عادية وباهته وليس بها ما يغري فعلاً سوى العشرة آلاف ليرة التي أستأهلها نهاية الشهر كأجر لي من صاحب المتجر , إلى أن قدمت صبية جميلة شقراء , حاملة تسعة عشرة عاماً من عمرها ,وجنسيتان وثلاث لغات هي الألمانية والعربية والتركية والقليل من الفرنسية , ربطت خصلات شعرها الأسيلة إلى خلف على هيئة ذيل الحصان وعندما اقتربت مني تسألني حاجتها لعمل بانت قامتي القصيرة بالقرب من أردافها الممتلئة الطويلة , فعرفت أن الاختراعات الكبرى والنظريات الكبرى لا يخطها سوى أولئك الممتلكون عقدة نقص وأولئك الناظرون إلى أجسامهم قبل غيرها لأن العرب لم يخترعوا الصفر إلا لأنه يشبهنا أمام قامات الأوربيين الطويلة المنتصبة كالرقم واحد , كذلك عرفت لمّا غرقت يدي السمراء في يدها البيضاء البضّة لتصافحني عرفت وقتها لما يسميني الناس " أبو سوده " .
كنت دوماً أضحك على نفسي وأقول أن الأبدان أكثر إشراقاً وتلألؤا مما تبدو في المرآة , لكن يدها تلك تخبرني كم هو رائع " هتلر " في نظريته العرقية التي أنتجت هذا الملاك , وكم هو سفيه ذاك الذي اخترع المرآة ودمرني .

صببت لها كأس شاي بعد أن أقعدتها على الكرسي لحين خروج جميل من الحمام في زاوية المتجر , وعندما تأخر كلّمته من خارج الباب وأخبرته أن فتاة ألمانية تبحث عن عمل , لم أكد أكمل الكلمة حتى خرج وهو يزر بنطاله وقال بجوع :
- أين هي ..؟
- تشرب الشاي ..
فخطا نحوها تسبقه يده الممدودة للتحية , أمسك يدها وقال بعينان غارقتان بالرغبة :
_ You are welcome...
وفي غمرة الاستقبال طلب مني ترتيب البضاعة في الخارج فعرفت أنه يريد إبعادي عما سيجري من حديث , كان استقباله مبالغ به , فلقائي به أول مرة جعلني أعتقد أن معادلته في الحياة هي ( نازح + ألماني = نازي ) لكني علمت مذ وصول تلك الفتاة أن النازح لا يساوي عنده سوى النازي بكافة المعايير .

يقولون " تمخض الجبل فولد فأًراً " لكني أقول في تلك الليلة وبذاك الاجتماع بالتعيين تمخض الفأر فولد جبلاً , وذاك عندما صرخ عليّ بصوت أجش لم يكن له أبداً , ربما استعاره ليحمض فحولته أمامها قائلاً :
- يا نازح .. تعال ..
ذهبت وكنت أعلم أنها ستحل مكاني , لكن فاجئني عندما قال :
- هذه " جيهان خان " ستكون إلى جانبك في العمل منذ الغد وعليك الاعتناء بها .. فلا نريد لأزمة أن تحصل بيننا وبين الألمان بسبب سوء معاملتك..

وعندما لم يجد سوى نفسه ضاحكاً على نكتته تلك شعر بالحياء وتداركه قائلاً:
- أنا ذاهب إلى البيت وسأوصل جيهان بطريقي لذا اعتني بالمحل .. تفضلي سيدتي ..

في اليوم التالي كان المحل مفتوحاً باكراً على غير العادة وكان جميل وجيهان يكرعان القهوة ويتناولان أطراف الحديث وما زاد في شرودي هيئة جميل الجديدة فبعد مرور تلك المدة من العمل معه لم أره قد خلع قبعته أما اليوم فمثبتات الشعر ورائحة العطر الباريسي التي تفوح منه بطريقة تشدخ الأنفاس تثبت أنه على نية ليست طيبة بتلك الفتاة.

هي فتاة رائعة , فرغم صغر سنها كنت أراها تحمل أفكاراً في غاية الروعة حتى أني أصنفها من أنصار التيار الكوسموبوليتاني الداعي إلى أن بلاد العالم لكل العالم , فهي من علمني أن القوميين العقلانيين هم أولئك الذين لا يعترفوا بغير البشرية كاملة وطنهم وقوميتهم , بعيداً عن اعتبارات الحدود والتاريخ واللون واللغة أو الدين .
ربما طبيعة حياتها من جعلها على تلك الفطنة , فوالدها من أصول تركية ومقيم في سوريا قبل ولادتها بأعوام ويعمل في مجال السياحة مع زوجته الألمانية العاملة أيضا كدليل للسياح الألمان في دمشق وبرلين على حد السواء وهي امرأة ناعمة جداً ارتدت الحجاب واعتنقت الإسلام بعد وفاة زوجها إثر جلطة دماغية قبل ستة شهور من معرفتي لجيهان .
فدوماً تحدثني جيهان الابنة الوحيدة لتلك العائلة عن أوربا وعن الإتحاد الأوربي وكيف تبدلت ألمانيا من دولة صغيرة قبل الإتحاد إلى دولة شريكة لسبعة وعشرون أمة , وكيف أنها تسبح في فضاء أوربا دون أن تخنقها فوضى الحدود أو يزعجها حمل جواز سفر في جيبها .

وقتها كان أخي " علي " رساماً مغموراً يجول في شوارع دمشق بين محل وآخر حاملاً رسوماته وأحلامه الكبيرة فهو لم يرتد الجامعة لسوء تحصيله العلمي , كما هو مثل كثر من إخوتي في عرض هذا الوطن العربي الكبير , من الأشخاص اليائسين الحاملين في رؤوسهم صرّة من المبادئ وخزاناً من الأحلام , ومثلهم جميعاً ينتظر دوماً المعجزة التي تحمله إلى النجومية والشهرة.
في إحدى جولاته في شوارع دمشق القديمة عرج إلى مكان عملي وهناك تعرف على جيهان فعندما اقترب منا قلت لها باسماً وممازحاً :
- هذا أخي علي مشروع فنان وهو آتٍ إتيان سيل جارف وسيقلب الحركة التشكيلية في سوريا والوطن العربي ككل ..
كانت تلك الكلمات القليلة و المبالغ بها كفيلة بأن تمنحه انطباعاً راسخاً بالثقة وجرأة في الحديث, تحدثوا طويلاً عن الفن وأخبار الفنانين التشكيليين وعن الحركة الفنية ككل في الوطن العربي وأوربا وأمور كثير ما عدت أذكرها .
ومذ ذاك اليوم بدأت أفكاره تنزغ في رأسي الضيق , إذ جاءني ذات ليلة وبيده كتاب " ثروة الأمم" لآدم سميث ثم قال :
- هل قرأت هذا الكتاب ..؟
قلت تعباً :
- لا .. ولا أريد أن أقرأه..
- لأنك غبي , أتدري مذ رأيت هذه الفتاة - (يقصد جيهان) - وأنا أشعر أن الله بعثها لتخرجنا من هذا الوضع السيئ , لأنها هي من سيقلب حياتنا للأفضل , لذا في رأسي خطة جهنمية لو تسمعها..
- هه .. وما هي يا " بيكاسو العرب " ..؟
- لا تهزأ من كلامي يا أبله ,كلنا سنموت قريباً ... كلنا.. لذا كما علمتنا فضائلنا الطيبة والأدب ستساعدنا رذائلنا كي نحقق أحلامنا هذه المرة. قل لي .. أنت تحلم أن تكون كاتب مشهوراً صح..؟ وأنا أحلم أن أصبح فناناً مشهوراً , أتظن أن عملك بغير شهادتك وبذاك المحل الأجرب سيحقق حلمك وأن بيعي اللوحات في شوارع دمشق القديمة كمتسول سيجعل اسمي مكشوفاً للملأ , افهم يا غبي أننا لسنا سوى حجارة رميت في برك موحلة فلنُثر روحاً حتى تحين ساعتنا عندها نهمد وننام وقد عملنا شيئاً لحياتنا ..
- وما دخل تلك الفتاة بكل ما قلت ..؟
- إن بقينا هنا سيتحتم علينا أن نصرف سبعين قرناً وربما أكثر وما صنعنا شيء.. القضية سهلة يجب أن نغادر هذه الديار, أنت ستحب هذه الفتاة وستتزوجها ومن ثم ستحصل على الجنسية الألمانية وهناك ستحقق حلمك وحلمي.

وأخذ يشرح لي كيف سنصبح أثرياء , وأن العمل أو البحث عن وظيفة في بلاد العرب لن يجني ثروة , مدللاً على ذلك بكلام الكثير من الفلاسفة والمفكرين ممن تحدثوا عن النجاح والثروة مستشهداً بتجارب الأثرياء في العالم . .
من حيث النظرية كلامه أعجبني , لكن البرهان والدليل أصعب من كل تلك المثاليات , لأن السؤال الأهم كان بالنسبة لي هو كيف ستحبني ..؟ فأخي مقتنع تمام الاقتناع أنها ستسقط في شاعريتي بسهولة بالغة لأني أملك كما يقول مخزون عاطفي وعلاقات عابرة كثيرة, لكن عندما لاحت على وجهه ثقة مفرطة بقدرتي على تلك المهمة لعنت في قرارة نفسي الساعة التي بها كذبت عليه عن علاقاتي النسائي المتعددة , فأنا في واقع حياتي لم أعرف سوى فتاة وحيدة تدعى "صفاء" وعندما فاجأتها بمحبتي ذات يوم فاجأتني بجواب موجع ومقنع عندما كشرت في وجهي بعبوس وقالت بكدر:
- أنظر إلى المرآة لخمس دقائق فقط عندها تعرف هل سأحبك أم لا ..

لكن بعد كل تلك الحماسة وكل ذاك التحفيز منه وشحذ الهمم , كذلك تذكيره لي بين حين وآخر بعلاقاتي الغير موجودة أصلاً , قلت له بكبرياء زائف :
- صحيح يا أخي أن لدي علاقات نسائية كثيرة وأني عرفت الحب مع أكثر من فتاة , لكن لا أظن أني قادر على ذلك , ليس لشيء إنما لأني قررت الإقلاع عن تلك العادة فهي عادة سيئة , فأنت لم تقم علاقات مثلي لذا لا تعرف كم هو مؤلم أن نتلاعب بمشاعر الفتيات عندما يقعن في محبتنا .. حرام ولا يجوز من الله أن نفعل ذلك.. كما هذه الفتاة ليست خياري.. والأهم من هذا كله أنا ضد هجرة الأدمغة ..

قال حانقا :
- اتركنا إذاً من هذه الأراجيف, فأنا أكبر منك سناً وأعلم بمصلحتنا من فلسفات لم تغننا يوماً, لذا ستحبها يعني ستحبها.. ثم من قال لك أننا نختار نحن هنا لا نختار يا غبي نحن من يشار إلينا بأصابع غليظة حتى نسير بهذا الطريق أو ذاك...
ثم أكمل ساخراً وهو ينقر بسبابته على رأسي :
- .. أتظن أن في رأس الديك هذا دماغ, لو كان فيه دماغ وتخشى عليه حقاً لكنت قبلت بما أقوله, وليس " أنا ضد هجرة الأدمغة "...

شيء ما في كلامه كان يذكرني بأبيقور, شيء ما يقول لي دوماً "إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون".
لذا مرّ أسبوع وقد قررنا سوياً المضي في هذا الطريق وأن نسعى لما نريد, وانطلاقا من أن " لا عمل بلا مبادئ " مددنا الورق والأقلام على الطاولة وأخذنا نسطر مجموعة من القواعد حتى تكون النتائج مضمونة.

القاعدة الأولى: " اعتني بشكلك.. تثق بنفسك "
لأول مرة منذ ثلاثة وعشرون عاماً لم أقم بانقلاب كهذا الانقلاب الحاصل في شكلي , أظنه الانقلاب الأعنف والأكثر جمالاً من كل الانقلابات التي عرفتها بلادي , فقد كلفني هذا الحراك أكثر من ستة آلاف ليرة سورية هي الميزانية الأضخم في حياتي والمخصصة لبعض السراويل والقمصان والأحذية و كلها تحاكي الموضة طبعاً, كما قمت بتغيير تسريحة شعري واقتنيت بعض العطور, حتى أني بلحظة عابرة لم أعرف نفسي أمام المرآة .
ياه لو تراني صفاء الآن وتطلب مني المحبة عندها سأصرخ في وجهها بثقة وألوّح بسبابتي أمام وجهها وأقول لها " أنظري إلى وجهكِ بالمرآة لدقيقة - يا مؤخرة الدجاجة - وستعرفين لما سأرفض حبك.. هه ".
لكن وبصدق الخيار الأصعب بالنسبة لي في هذه القاعدة كان حلق شارباي , فإصراري على إبقائهما لم يدم أمام ممانعة أخي على حلقهما , حجته في ذلك " أن زمن الشوارب ولّى وانتهى وأن هتلر دمر أوربا وكاد أن يحتل العالم بشاربان صغيران " ..


القاعدة الثانية : " نظف أسنانك .. ابتسم .. وكن لطيفاً "
بما أن " الشكل دأباً يستدعي شكله.. " كما يرى ابن حزم الأندلسي فإن " .. المِثل إلى مثله ساكن ٌ " كما يرى أيضا .
وانطلاقا من هذه القاعدة كان لابد وأن أتعلم الكياسة واللباقة لذا بدفع من أخي قرأت كتب المرحوم " إبراهيم ألفقي " كاملةً وأخذت أُبرمج نفسي لغوياً على التبسم , إذ أقف أمام المرآة يومياً وأبتسم لمدة خمس دقائق , كما أخذت أقرأ الكثير من المسرحيات والروايات الألمانية لأن الأوربيين يمجدون الأدب ( هذا ما قاله لي علي ) .
وأخذت أتقرب أكثر فأكثر من حياة فرسان العصور الوسطى لأتعلم منهم اللطف والنبالة ..
وبالفعل تلك القاعدة كانت الأجود والأيسر بالنسبة لي -لأني أشعر منذ صباي أن روحي هي روح فارس- إذ سرعان ما انقبضت المسافة بيننا و تقربت منها بسرعة , وبعد مضي شهرين بينما كنت أقرأ لها بابتسامتي الزائفة ذاك الكتب الممل والمعنون باسم " هكذا تكلم زرادشت " للفيلسوف الألماني فردريك نيتشه اقتربت مني بهمس و قالت بالإنكليزية :
- You are kind..

القاعدة الثالثة : " اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب "
تقضي هذه القاعدة بأن أكون كريماً أمامها , وألا اهتم أدنى اهتمام للمال انطلاقا من أن النساء يمقتن الرجل البخيل , إنما يعشقن الرجل اللطيف الكريم لأن اللطف يحتاج إلى كرم وكونها اعترفت لي بلطفي بقي أن تعترف بكرمي وعليه كنت أصرف راتبي من ذاك المحل عليها في المطاعم والمقاهي فظلاً على الهدايا الفاخرة التي يشتريها أخي من بيعه للوحات وأقدمها لها في كافة المناسبات سواء عيد الأم وعيد المعلم وعيد الشجرة وعيد الثورة وغيره كثر ...
كانت هذه القاعدة من أكثر القواعد كرهاً بالنسبة لكلينا, لأننا نعرف أن الكرم يحتاج إلى ميزانية ضخمة, لكنه يهوّن مصابي دوماً بالقول أن" كل شيء يهون لأجل الحلم الأكبر.. لأجل ألمانيا.."
........

نقاشاتنا وخلواتنا تلك كانت تزعج " جميل " خصوصاً بعدما علم أننا نصرف أوقات ما بعد العمل لديه بالتسوق في شوارع دمشق , لذا اتجهت إلى العقل المدبر ومخطط عملياتي الحربية , أقصد أخي علي الذي أدخلني بتلك المعمعة وحولني إلى فأر تجارب , فاتجهت إليه وأخبرته امتعاض صاحب المتجر من قواعدنا السالفة , فغمغم قليلاً ثم طلب مني أخذ إجازة لمدة أسبوع أو أكثر بذلك نبعد عن مخيلته أي نية سيئة , كما والأهم أن جيهان ستشتاق إلي .
وأي حيل أو قوة لي على كلامه فهو الآمر الناهي لكل تلك العملية .
فعلاً غبت أسبوع وعندما هاتفني جميل بأن أعود إلى العمل على وجه السرعة , زادت ثقتي بأفكار أخي وتخطيطاته ..
كان المتجر مفتوحاً وكان جميل وزوجته وثلاث رجال شرطة قد ذرعوا المتجر جيئة وذهاباً , وعندما دخلت وقبل أن ألقي التحية صرخ جميل مشيراً إليّ بيده قائلاً :
- هذا هو ..هذا هو يا حضرة الشرطي ..

ماذا يعني "هذا هو" يا ترى .. ؟ لم أقدر أن أسأل ماذا يعني "هذا هو" حتى , لأن سيارة جيب تنتظر أن تقلني إلى مخفر المدينة موجودة في الخارج .
وهناك في المخفر وبعد معرفة اسمي وعمري ركزّ المحقق أسئلته التالية لي عن علاقتي بجيهان , لكني أضعف من ألا أقول كل شيء اعرفه لأني اعلم أن الطريق الذي اخترناه إلى ألمانيا ليس بالطريق المحرم أو المسدود بقواعد القانون السوري , كما أعلم أن علاقة حب حتى لو كانت كاذبة مع فتاة ألمانيّة ليس بالجنح الذي يعاقب عليه أي قانون في العالم , لذا أخبرت المحقق بقصتي وعن رغبتنا أنا وأخي بالارتحال إلى ألمانيا وان تلك الفتاة هي طريقنا , وعندما سمع ذلك ضحك وألقاني في السجن .

في زنزانة ضيقة كنت عندما جذفت أيدي السجان الثخينة أخي علي بالقرب مني , حاولت أن أساعده على النهوض لكنه وقف وألقى نظرة حواليه دون أن يتكلم بحرف ثم ذهب إلى زاوية الزنزانة واستلقى على ظهره وقد توسد يداه واضعاً ساق على ساق , وأخذ ينظر إلى السطح المخرم بالسواد ولاح في المكان سكون هادئ , لكني أوهن من أن أنتظره حتى يتكلم , لأني أعرفه لن يتكلم , فسألته محتاراً :
- ما الذي جرى .. لما نحن هنا ..؟
غمغم قائلاً :
- لأن ألمانيا خانتنا يا ولد..
سألته بغضب :
- ماذا تعني , هيه حدثني جيداً قبل أن افقد صوابي ..
اضطجع في مكانه وقال وعيناه في الأرض :
- صديقتك الألمانّية...
- ما بها يا رجل ..هل أصابها عارض ..؟
- عارض ..؟ اختلست من جميل مئة ألف ليرة وبعض من التحف الأثرية ورحلت ..
فترت أطراف أطرافي عندما سمعت ذلك, وبدت للوهلة الأولى أن نبضات قلبي المتهالك تدب بأذنيّ . أسندت ظهري إلى الجدار الفاحم وتسايلتُ إلى الأرض كقطرة محكوم عليها السقوط , وعندما أسقطت وجهي بين يداي , حاول أخي مواساتي قائلاً :
- لا تحزن اعرف انك لم تكن ترغب بذلك من البداية, في النهاية لم نخسر شيء.. أنظر إلى نفسك يا رجل قد أصبحت شخصاً آخر مذ عرفت تلك الفتاة..
قلت له بصوت خافت :
- لكنها ...
- لكنها ماذا ..؟
- لكنها استدانت مني خمسون ألف ليرة .. كما أني ..
سمع مني ذاك الجواب فصرخ مقاطعاً و نائحاً :
- كنت أعرف أنك غبي وستتصرف بغباء ,كنت أعرف ذلك , ولما لم تخبرني ها ..
ثم هدأ قليلاً وقال بحذر :
- لحظة قلت إنها استدانت منك خمسون ألف ليرة " وكما أني ", كما انك ماذا..؟
قلت ولستُ أفكر بشيء سواها :
- كما أني أحببتها يا أخي .. أحببتها ..

في الطريق إلى البيت بعد أن أقرّ القاضي بأننا ضحية غبائنا وتم الإفراج عنا, قال علي بثقة أحسده عليها بعد أن أحاط يده على كتفيّ:
- هل أخبرتك عن " صوفيا " ..
- من ..؟
- إذاً لم أخبرك عنها, هي فتاة أمريكية تدرس اللغة العربية هنا في دمشق تعرفت عليها أثناء تجوالي كالعادة في بيع اللوحات الدمشقية. لكن تعرف أن لغتي الإنكليزية ضعيفة لذا فوراً فكرت بك ..هذه المرة ستوقعها في شباكك بسهولة يا ولد لأنك تتكلم الإنكليزية جيداً كما تجربتنا السابقة مع جيهان أعطتنا بعض الخبرة حتى نتجه إلى أمريكا , أمريكا ..آه ما أحلى أمريكا , لكننا سنحتاج إلى بعض القواعد الجديدة ..

لم أقدر فور سماعي كلامه إلا أن ضغطت رأسي بيديّ وصرخت:
- آ آ آ ... علي ...
لكنه ركب أقرب سرفيس متجه إلى عمله بعد أن سمع صراخي وعلى بعد بضع سيارات مد رأسه من الشباك وصرخ لي مقهقهاً :
- هيه .. القاعدة الرابعة " لا تثق بأحد "
ضحكت وركضت خلفه قائلاً :
- القاعدة الخامسة " لا قواعد بعد اليوم" , القاعدة السادسة" حلّ عني واتركني وشأني ".

تمت في 2332012
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف