**********
رنت بعينيها إلى السماء رافعة يديها ثم دعت " اللهم ابتله بما ابتليت به ابني و لا تره مكسباً في حياته...نهرها , وكزها في صدرها ,لم تستطع قدماها الضعيفتان الهزيلتان أن تتحملاها خارت قواها ..سقطت مغشياً عليها.. كنت بجانبها حاولت منع جسدها من السقوط لكن ذهول الموقف أخذني فلم يَدُر بخلدي أن في البشر من هم بهذه الوحشية وكأنما شُقَّت صدورهم ووُضِع لهم جلمودٌ من صخر تلكم الحاجة سنية جارتي العجوز .. لم يكن لها سوى ولد وحيد هو كل حظها من الدنيا .. قرة عين لها, أصيب ياسر بفيروس سي الذي ينهش الأكباد كما تنهش السباع فرائسها ...أخبرها الأطباء بأن مرض ابنها مستعصٍ على العلاج ولابد له من زراعة كبد ... أسقط في يدها ..لجأت إلي ..نصحتها أن تذهب إلى الحاج فوزي وهو من أثرياء منطقتنا و لا يعز عليه أن يتحمل تكاليف العملية برمتها ولو كانت مئات الألوف .. صادف ذلك وقت ترشحه في انتخابات مجلس الشعب ..ما شجعها أكثر تلك الملايين التي ينفقها على الدعاية , و المبالغ العينية التي يكسر بها عيون أهل القرى والعزب .. ذهبت إليه استقبلها في حفاوة وترحيب ,أحست أن الدنيا مازالت بخير ..دق قلبها دقة الفرح ليبدد ما في كهفه المظلم من أحزان الدهر- ولو مؤقتاً - .. وعدها أنه إذا نجح في الانتخابات فسيتحمل تكاليف العملية حتى ولو أجريت في الخارج.. انبسطت تجاعيد وجهها وارتسمت عليها أمارات البشر وارتدت شابة في ثلاثينيات عمرها ..وثبت خفيفة نشيطة ..دعت له بالخير و السعة والبركة
أجريت المرحلة الأولى للانتخابات ..سيدخل جولة الإعادة أمام الأستاذ رأفت ...كان لزاماً أن ينجح .. يحتاج الحصانة التي تغطي له أعماله ومصالحه فهو يدرك أنه مهما بالغ في النفقات فلا ضرر من ذلك ..يستطيع أن يعوض كل ذلك مع أول شهر له تحت القبة ... عرض على رأفت عشرة ملايين جنيه ليتنازل له .. لكنه رفض تحت تهديد أبصاره .. في الإعادة.. اشتريت الأصوات وسودت البطاقات..وزورت الانتخابات .فقد كان مرضياً عنه من أمين السياسات في الحزب ...نجح في الانتخابات فرحت كثيراً..لعله لم يفرح أحد بذلك مثلما فرحت الحاجة سنية ..أرسلت إلي ..كي أرافقها..تبارك له وتجدد طلبها وعساه أن يجود عليها بالمال فأحمله لها ..وقفت أمامه لم يتحرك من مكانه مازالت ساقاه إحداهما على الأخرى .. ماذا تريدين ياست انت ..أنا كلمتك في موضوعي قبل ذلك ووعدتني بالمساعدة بعد نجاحك في مجلس الشعب.. آه آه ..افتكرت ..ألست أم الشاب الذي يريد زرع كبد ؟..بلى سيدي ..دس يده فيجيبه أخرج ورقة نقدية فئة مائة جنيه ووضعها في يدها قائلاً أنا مقدر أعملك أكثر من ذلك .. صعقت أنا لذهولها لم تستطع أن تتكلم ..ثم دعت عليه ..لم يمض شهرٌ واحد ..بدأ يخالط بياض عينيه سحابة صفراء ..بطنه تعلو شيئاً فشيئاً..أخبره الأطباء أنه بحاجة إلى عملية زرع كبد .. تواً شرع يجهز أوراق السفر إلى الصين .. اضطراب وقلق في البلاد .. يوم الأربعاء والخميس قبل جمعة الغضب خسر كل ما يمتلكه من مال في البورصة ..حُل مجلس الشعب .. لا يستطيع السفر بقرار النائب العام ..صار رهين محبسين.. وطن استباح لحم أهله ومرض نهش جسمه ....
20 / 5/ 2012
رنت بعينيها إلى السماء رافعة يديها ثم دعت " اللهم ابتله بما ابتليت به ابني و لا تره مكسباً في حياته...نهرها , وكزها في صدرها ,لم تستطع قدماها الضعيفتان الهزيلتان أن تتحملاها خارت قواها ..سقطت مغشياً عليها.. كنت بجانبها حاولت منع جسدها من السقوط لكن ذهول الموقف أخذني فلم يَدُر بخلدي أن في البشر من هم بهذه الوحشية وكأنما شُقَّت صدورهم ووُضِع لهم جلمودٌ من صخر تلكم الحاجة سنية جارتي العجوز .. لم يكن لها سوى ولد وحيد هو كل حظها من الدنيا .. قرة عين لها, أصيب ياسر بفيروس سي الذي ينهش الأكباد كما تنهش السباع فرائسها ...أخبرها الأطباء بأن مرض ابنها مستعصٍ على العلاج ولابد له من زراعة كبد ... أسقط في يدها ..لجأت إلي ..نصحتها أن تذهب إلى الحاج فوزي وهو من أثرياء منطقتنا و لا يعز عليه أن يتحمل تكاليف العملية برمتها ولو كانت مئات الألوف .. صادف ذلك وقت ترشحه في انتخابات مجلس الشعب ..ما شجعها أكثر تلك الملايين التي ينفقها على الدعاية , و المبالغ العينية التي يكسر بها عيون أهل القرى والعزب .. ذهبت إليه استقبلها في حفاوة وترحيب ,أحست أن الدنيا مازالت بخير ..دق قلبها دقة الفرح ليبدد ما في كهفه المظلم من أحزان الدهر- ولو مؤقتاً - .. وعدها أنه إذا نجح في الانتخابات فسيتحمل تكاليف العملية حتى ولو أجريت في الخارج.. انبسطت تجاعيد وجهها وارتسمت عليها أمارات البشر وارتدت شابة في ثلاثينيات عمرها ..وثبت خفيفة نشيطة ..دعت له بالخير و السعة والبركة
أجريت المرحلة الأولى للانتخابات ..سيدخل جولة الإعادة أمام الأستاذ رأفت ...كان لزاماً أن ينجح .. يحتاج الحصانة التي تغطي له أعماله ومصالحه فهو يدرك أنه مهما بالغ في النفقات فلا ضرر من ذلك ..يستطيع أن يعوض كل ذلك مع أول شهر له تحت القبة ... عرض على رأفت عشرة ملايين جنيه ليتنازل له .. لكنه رفض تحت تهديد أبصاره .. في الإعادة.. اشتريت الأصوات وسودت البطاقات..وزورت الانتخابات .فقد كان مرضياً عنه من أمين السياسات في الحزب ...نجح في الانتخابات فرحت كثيراً..لعله لم يفرح أحد بذلك مثلما فرحت الحاجة سنية ..أرسلت إلي ..كي أرافقها..تبارك له وتجدد طلبها وعساه أن يجود عليها بالمال فأحمله لها ..وقفت أمامه لم يتحرك من مكانه مازالت ساقاه إحداهما على الأخرى .. ماذا تريدين ياست انت ..أنا كلمتك في موضوعي قبل ذلك ووعدتني بالمساعدة بعد نجاحك في مجلس الشعب.. آه آه ..افتكرت ..ألست أم الشاب الذي يريد زرع كبد ؟..بلى سيدي ..دس يده فيجيبه أخرج ورقة نقدية فئة مائة جنيه ووضعها في يدها قائلاً أنا مقدر أعملك أكثر من ذلك .. صعقت أنا لذهولها لم تستطع أن تتكلم ..ثم دعت عليه ..لم يمض شهرٌ واحد ..بدأ يخالط بياض عينيه سحابة صفراء ..بطنه تعلو شيئاً فشيئاً..أخبره الأطباء أنه بحاجة إلى عملية زرع كبد .. تواً شرع يجهز أوراق السفر إلى الصين .. اضطراب وقلق في البلاد .. يوم الأربعاء والخميس قبل جمعة الغضب خسر كل ما يمتلكه من مال في البورصة ..حُل مجلس الشعب .. لا يستطيع السفر بقرار النائب العام ..صار رهين محبسين.. وطن استباح لحم أهله ومرض نهش جسمه ....
20 / 5/ 2012
