الأخبار
هل أوشكت إسرائيل على دخول حرب أهلية؟خطة إسرائيلية لبناء معبر رفح البري في موقع جديدالاحتلال يوسع المنطقة العازلة بمحور فيلادلفيا ويخطط لمعبر جديد للسفرمحلل سياسي: حماس الأكثر دهاء بالمعارك العسكرية مع إسرائيلالصحة بغزة تناشد لإدخال وقود عاجل لمنع توقف محطات الأكسجين في المستشفياتسموتريتش: لا مفر من حرب حاسمة مع لبنانإسبانيا تطلب رسمياً الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام "العدل الدولية"إدارة بايدن تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار بغزةاطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنينمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 16 جندياً باستهدافهم بعبوة ناسفة في جنينأفضل وسطاء الفوركس لتعزيز تجربتك في تداول الذهب
2024/6/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

صناعة الواقع شعراً في ديوان" حتى لو " لراشد عيسى بقلم د. محمد عبدالله القواسمة

تاريخ النشر : 2012-06-17
"حتّى لو" لراشد عيسى
صناعة الواقع شعراً
د. محمد عبدالله القواسمة
ما يلفت الناقد في مجموعة الشاعر راشد عيسى "حتى لو" أنّها تنطلق من نقطة ما في الواقع لتصنع منها الذات الشاعرة، وغالباً ما تكون الأنا، حالات شعورية واضحة أو ملتبسة، مستفزّة أو مريحة، بدائيّة متخلّفة أو حداثيّة متحضّرة. ويمكن معاينة هذه التقلبات الشعرية في موقف الذات من القضايا التي تطرحها المجموعة، مثل قضايا: المرأة والحب، والحنين إلى الوطن، وذكريات الماضي؛ فالمرأة وما يتصل بها من شؤون تشكل مركزية الواقع التي تتجمع حولها معظم القصائد؛ ففي قصيدة "أكواخ صغيرة" مقطوعة قصيرة تقوم على حوار بين الذات الشاعرة وصاحبها، والموضوع الرئيسي هو " السيجارة" وما تجرّه من ويلات على مدمنها؛ وتزج المرأة في الحوار لتبدو معادلةً للسيجارة.
يقول صاحبي:
تقودني سيجارتي لألف داءْ
بكبرياءْ
لأنني بداية كرّمتها على فمي
وبعد أن شربتها هرستها بأسفل
الحذاءْ
أجبته:
ما هكذا تُعامل النساءْ.(ص71)
ويتناسب مع هذه النظرة الدونيّة للمرأة استخدام التعابير المستمدّة من واقع الحياة الشعبيّة، وما يدور على ألسنة العامة في أحاديث بعضهم لبعض "وبعد أن شربتها هرستها بأسفل الحذاء" فالسيجارة تُشرب كما الماء، والحذاء َيهرَس كما المهراس.
وفي مقطوعة أخرى من القصيدة ذاتها نعاين تلك النظرة المتخلفة إلى المرأة لكنها هذه المرّة تتبدى في شكل يعتمد وزن الخليل بن أحمد الفراهيدي.
لديك خصر ثقافي وطلــــة فنيـــة
أرجوك ألا تخافي من سحنتي البدوية
فإنني باعترافي مشاعري ذئبية
لكنني في عفافي أصابعي أمّيّـة(ص75)
من الواضح، أنّ الشاعر يصوغ ما يسمعه من الناس شعراً يعكس مشاعرهم وأفكارهم ورغباتهم المكبوتة، فكثيراً ما نسمع مثل هذه التعابير: " خصر ثقافيّ..طلّة فنيّة..سحنة بدويّة، من أفواه العمال وتلاميذ المدارس في الأسواق والشوارع.
وفي قصيدة " ازدهاء " تتغنى الذات الشاعرة بالحب، وتبالغ في وصف العناصر الفيزيقية للمرأة بأسلوب القسم وتكرار واوه وبائه:
قسماً بمعناك الذي تمحو عذوبته عذابي
ويكرْم شعرك حين غارت منه آمال الرّوابي
وبحاجبيْك تبادلا أسرار تشريني وآبي
وبمقلتيك وقد تطاير فوق تحْتهما شبابي(ص 121)
فلا نكاد نظفر بدلالات ذات معان في تعابير: أسرار تشرين وآب، أو آمال الروابي التي غارت في شعر تلك المرأة ، أو فوق تحتهما، إنّها صور وتعابير تؤدي وظيفتها الصوتيّة الخاوية.
وتنتقل القصيدة إلى إعلان الذات الشاعرة عن حبها تلك المرأة، والاستغراق في بيان طبيعة هذا الحب بتوظيف تكرارات لا تضيف جديداً إلى المعنى .
إنّي أحبك حب صحراء لأنفاس السحاب
حب الفقير لخبزه، حب المهاجر للإياب
حب الأزرة للعُرى، حب الشعوب إلى التراب
حب الحمام لبرجه وقد اختشى عين العُقاب
حب الضلال إلى التُقى حب السؤال إلى الجواب(ص122)
وتنتهي القصيدة إلى واد ملتبس يمتزج فيه الحب المادي بالوجد الصوفي، والنتيجة غياب آفاق التوقع لدى المتلقي وسط تكرارات افتتاحية وصور مستهجنة يبكي فيها المفتاح في عين الباب، ويجب الا نسأل كما تلك المخاطبة عن جمال الحب في خطأ صواب :
لا تسأليني كيف يستسقي سرابك من سرابي
لا تسأليني كيف يستهدي اغترابك باغترابي
لا تسألي، ما أجملن الحبّ من خطأ صواب
إني أحبك حبّ مفتاح بكى في عين باب (ص123)
وتعيد قصيدة حملت عنوان " احتفالية الحب " في ركاكة واضحة، وتعثّر إيقاعي، المعاني المتداولة عن الحب، ودوره في الحياة، وأنّّه قادر على إنقاذ الناس من حيرتهم وشقائهم.
معك الله أيها الحب أخشى إن ترددت أن نؤول دمارا
حرّر الأرض من دم الحقد حاول طمئن الخلق لا تدعهم حيارى
ها همو ميتون من غير موت أو سكارى وما همو بسكارى (ص88)
أمّا ذكريات الماضي فتتبدى في قصيدة " ما تبقى من أبي" وتؤسرنا القصيدة بحركتها السردية، وبعثها الماضي المضيء لعائلة كانت سعيدة في وطنها، وباسترجاعها ذكريات الطفولة، وبما فيها من توظيف موفق للتراث ، واستخدام رموز شفيفة تتركز حول الأب، الذي رحل مخلفاً نايه وألحانه الشجيّة عن الوطن.
وما زال ناي أبي ماشياً في دروب
الرعاة ينوح على كل قلب تلظى بلا زمن
أو وطن
ويعجن إيقاعه بهواء فلسطيننا
كلما هبت الريح من غربنا
{ميجنا ميجنا } (ص101)
ومن القضايا التي اهتمت بها مجموعة " حتى لو " قضايا الزمن واللغة ونهاية محمد بوعزيزي التي أشعلت ثورة تونس؛ فمن نقطة تأمل الواقع في قصيدة " ماذا عليك " ترى الذات الشاعرة الحياة فسحة قصيرة، يتلظى فيها الانسان أنواع العذاب، ويعيش في خطر دائم.
هذي حياتك يا بنيّ فراشة موقد
أو وردة في قنبلة!! (ص14)
ويستحيل هذا الموقف رغبة شديدة وحنيناً قويّاً إلى العودة إلى المكان الأول بطن الأم، فهو أفضل من هذه السجون التي تزج فيها الذات من وقت لآخر، بل وأكثرها أمناً وسلاماً.
إلهي أعدني إلى بطن أمي فأي الفضاءات ليست سجوني
كأني بأمي وقد ولدتني تناست بأني سأحيا بدوني
إلهي أعدني إليها جنيناً وخذ كل عقلي ودع لي جنوني(ص75)
وإذا كان ثمن الجنون متوافقاً مع الرجوع إلى بطن الأم في هذا الموضع فإن الدعوة إليه باعثة للغرابة في قصيدة "حتى لو " التي حملت المجموعة عنوانها، وبخاصة عندما تأتي في صورة حكمة على لسان الأب.
يا ولدي
هذا طبع الدنيا
مجنون من يوم ولادته الأول
فاضحكها..اضحكها
لا تأخذها بالعقل
فالعاقل يا ابني من يفقد عقله. (ص35_36)
أما لغتنا العربية فقد حظيت بقصيدة طويلة على بحر البسيط، وجاءت تحت عنوان " رسالة إلى اللغة العربية" والقصيدة تتبنى ضمير الأنا، ليظهر في كل بيت من أبياتها، حتى نكاد نرى أنّها تتركز على توجعات الذات وليس على اللغة العربيّة:
قلبي عليك! فماذا بعد يا لغتي قد ملّ من سفني ميناء أجوبتي
قلبي عليّ! فمرآتي مغبشة ولم تكن قدّ هذا التيـه بوصلتي
حرّيتي أنت، لن أسلوك ذات مدى مهما تحامت على عيني أسيجتي ص 17
هكذا ،كما يبدو في الأبيات، تبدأ الذات بالتوجع على اللغة العربية، وهو توجع يستنفد القول المحكي" قلبي عليك!" ونحن لا نعرف كنه هذا التوجع ، الذي يتمثل في الما بعد ، أو في الما قبل. ونعجب من الحديث عن تيه الذات وسأمها، ونتساءل كيف لن تسلو الذات اللغة، وما هي هذه الأسيجة التي تحامت على العينين. لا شك أنّه اضطرارت الوزن، ومحاولات إنقاذ المعنى، واقحامات ضمير الأنا تجعلنا نستمع إلى الصوت دون أن يتعمق فهمنا المعنى، هكذا تبهرنا الجراءة على الخروج على قوانين اللغة؛ فهنالك كلمات أجنبية واشتقاقات لا مرجعية لها في القواعد الصرفيّة. كما في استخدام التعابير: " دوزنت قلبي " شعوذتني موسيقاي " " كم مرحلوني " فرنجني سيف اللغات"، "العصر دبلجني"، "تعولمت"، كنت خصخصتي" انّها استخدامات مقبولة في مواضع أخرى غير أن تكون في قصيدة تمتدح اللغة العربية، وتعلي شأنها.
أمّا تفاعل الشاعر راشد عيسى مع ثورة تونس فتتجلى بقصيدة " من البوعزيزي إلى أبي القاسم الشابي " وهي ان تجاوبت مع ما جرى في ربيع تونس، وانتفاضة الشعب التونسي على نظام الطاغية زين العابدين بن علي فإنّها لم تخرج عن المدح التقليدي والتفاخر المتداول: فتونس دارة الكبرياء، أم الكرام، كل طفل هنيبال أو صلاح الدين، الطأطأة باحترام وهل تكون بغير احترام في مثل هذا الموقف؟ والموت ليس له من مقام في ديار الأهل ..لقد ظلت القصيدة أسيرة التصنّع: تصنّع المعنى، وتصنّع الشكل.
كذب الخوف تونس سوف تبقى دارة الكبريـاء..أمّ الكـرام
كل طفل إذن..(هنيبال)حيٌّ طأطأ الكون عنده باحترام
خجل الموت من كرامات أهلي ما لـه في ديارنا من مقام (ص 30)
هكذا نرى أن مجموعة "حتّى لو" للشاعر راشد عيسى وفيّة للواقع الذي يتعايش فيه الناس، ويختبرونه في حياتهم اليومية، وهذا يفسر لنا في كثير من القصائد إقحام الكلمات والتعابير الشعبية المتهافتة، وطرح رؤى مستسلمة لأفكار العامة. وهنا يحسن القول: إنّ مقدرة الشاعر واضحة في صناعة الواقع شعراً لكنها صناعة تحتاج إلى أن تتحكّم فيها رؤية عميقة، تتبنى همّ الإنسان، وتساعد على صقل وجدانه، وتحريك خياله، ودفعه لمراجعة عواطفه وأفكاره، بهذه الرؤية وحدها يمكن أن يجمع الشاعر شتيت نزعاته الفنيّة، وفتوحاته التعبيرية الشعبية؛ فيغدو شعره أكثر تألّقاً، وأعمق عاطفة، وأبهى جمالاً[email protected]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• راشد عيسى، حتى لو، عمان: فضاءات؛ 2012، 158 صفحة من القطع المتوسط..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف