الأخبار
"إعدادنا مستمر".. كتائب القسام تبث مشاهد حديثة من تجهيز عبوات ناسفة بغزةمصر ترفض دخول قواتها إلى قطاع غزة وتتمسك بموقع معبر رفحهل أوشكت إسرائيل على دخول حرب أهلية؟خطة إسرائيلية لبناء معبر رفح البري في موقع جديدالاحتلال يوسع المنطقة العازلة بمحور فيلادلفيا ويخطط لمعبر جديد للسفرمحلل سياسي: حماس الأكثر دهاء بالمعارك العسكرية مع إسرائيلالصحة بغزة تناشد لإدخال وقود عاجل لمنع توقف محطات الأكسجين في المستشفياتسموتريتش: لا مفر من حرب حاسمة مع لبنانإسبانيا تطلب رسمياً الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام "العدل الدولية"إدارة بايدن تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار بغزةاطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنين
2024/6/30
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الضفادع"قصة قصيرة" للروائى توفيق عبيد

تاريخ النشر : 2012-06-11
الضفادع " " قصة قصيرة "
دولة (5) يونيو الجنوبية , عاصمتها " الوداد " , حبله مقطوع و نسيجه موجوع , يحدها من الجنوب الواد و من الشمال جميزة أبو عواد و من الغرب البحر و من الشرق غيلانة أبو الشر .

في مخيم يعشش الفقر في أزقته , ويسكن البؤس بيوته البسيطة , تجلد سكانه كرابيج الفاقة و العوز , في أحد بيوته الضيقة يسكن اللاجئ محمود الذي يبلغ من العمر أربعة و عشرين ربيعاً , طويل القامة , تعلو وجهه سمرة لوحتها شمس المخيم دائمة الحضور , متزوج و يعول طفل وطفلة , يعمل صياداً على قارب مجداف , تسكن هذا البيت الفقير أحلام بسيطة , أحلام بصيد وفير يسد الرمق و يسكت آلام الجوع على أمل الرجوع إلى القرية السليبة .
نام محمود و نامت معه همومه الكثيرة , وقبل بزوغ الفجر و الناس نيام , استيقظت زوجته وأخذت تهزه من كتفه هزات عنيفة حتى أيقظته مفزوعاً و أخذ يصيح ...

- لماذا توقظيني هكذا ؟ ما هذا ؟ هل الدنيا سقط عاليها واطيها ؟!!! من مات ؟!!!

- اهدأ يا محمود ... لم تسقط السماء على الأرض و لم يمت أحد و لكنني ... حلمت !!! .

- ماذا ؟! ما هذا الهراء يا امرأة ؟! حلمتِ ... ماذا حلمتِ ؟!!!

- خير اللهم اجعله خير... حلمت أن شباكنا مليئة بالأسماك , كثير من الناس يساعدونك في حمل الشباك .
- حلم الجعان عيش ... حلم جميل ولكن منذ أشهر عديدة لم اصطاد أسماك لها شأن بالكاد سمكة أو اثنين ... صيد لا يسمن ولا يغني من جوع ,أحيانا كثيرة أخرج الشباك وليس بها سوي الأعشاب البحرية !!! لكن شباك بها صيد وفير كما حلمت لم يحدث منذ سنوات عديدة ..لا ادري لماذا ؟ هل لأن طمي دلتا النيل انقطع ؟ أو بسبب انحسار طمي الوادي !!! أم كثرة الذنوب والمعاصي !!! .

أسرع محمود إلى شاطئ البحر حيث يرسو قاربه الخشبي , دفع القارب بهمة ونشاط في صباح يوم صيفي حار ، أبحر مئات الأمتار غرباً ونصب شباكه ,كان لا يدري أن هناك فتية آمنوا بربهم وزاد إيمانهم بعدالة قضيتهم , لا يبعدون عنه سوي بضعة مئات الأمتار شمالاً ,آمنوا بقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل . فتية حلموا بركوب البحر والغوص في أعماقه , يتعلمون السباحة ويحلمون بمقاومة المحتل !!!

محمود كان لا يدري أن أربعة من الفتية يغوصون تحت الماء منذ خمسين يوماً وخامسهم يتستر عليهم بقارب صيد خشبي مثل قاربه ويرمي شباكه بين الفينة والفينة كأنه يصطاد سمكاً , وسادسهم قائدهم يتمترس على الشاطئ .

محمود كان لا يدري أن يوم أمس يومهم الأول بقربه على شاطئ الزهراء يتسترون خلف قطع الليل المظلم هرباً من العيون المبثوثة في كل مكان !!!
محمود كان لايدري أن الفتية يخوضون برنامج تدريب مكثف ليكونوا ضفادع بشرية في مكان بعيد جداً عن مكان صيده ,ومع بزوغ فجر اليوم الخمسين للتدريب تم اعتقال الضفادع البشرية , اعتقلتهم مباحث أمن الدولة ,اقتادتهم إلى مركز العباس ابن فرناس ، تحقيق مكثف و عنيف , كشفوا عن هويتهم , كشفوا أنهم يحلمون أن يكونوا ضفادع ... يحلمون بالمقاومة يحلمون بالشهادة !!! دفع المحققون بنتائج التحقيق لمدير المركز ، اتصل بالقائد العام لمباحث أمن الدولة .....سمع الجواب ،حضر قائد الفتية(الضفادع) ، عاجله مدير المركز قائلاً : أخي...ممنوع الغوص .... ممنوع لبس لباس الغواصين ... ممنوع التدريب على الضفادع ...ممنوع....ممنوع !!!

ـ لكننا نحلم أن نكون ضفادع بشرية ، نحلم أن نقاوم ... نحلم أن نستشهد !!!

ـ ممنوع في دولة ( 5 ) يونيو الجنوبية ... ممنوع المقاومة و ممنوع الحلم ،دولة (5) يونيو الجنوبية بلاد محررة !!!
ـأطلب إخلاء سبيل الفتية !!!

ـ ليس قبل أن يوقعوا على تعهد بالامتثال لقائمة الممنوعات !!!

ـ حسناً لا مانع .وزم شفتيه على مضض... بل على قطعة من العلقم !!!
أخلي سبيل الفتية عصراً وقد أنهكتهم قسوة التحقيق الممزوج بالجوع والعطش والتعب ولكن ... كان في نظراتهم الحادة إصرار عجيب على إكمال المهمة !!!

فجأة غطت سطح الماء فرقاطة وعدد كبير من الزوارق الحربية ، الفرقاطة أنزلت عدد من الزوارق المطاطية محملة بخيرة القوات الخاصة البحرية ،اتجهوا مباشرة صوب قارب محمود ، اقتربوا كثيراً منه ، أخذ محمود يتوجس خيفة ،دب الرعب في قلبه بعد أن دار أول الزوارق دورة كاملة حوله ، أطلقوا الرصاص على رأسه ، سقط في المكان ولون أحمر أخذ يكسو صفحة الماء ، الرصاص انهمر باتجاه الشاطئ صوب والد محمود .
عين في المكان كانت تراقب , أخذت العين بالاتصال,أخذت بإعادة توجيه أحفاد قتلة الأنبياء ، أخذت العين تقول :
ـ هذا قارب خطأ ,القارب الهدف شمالاً حوالي خمسمائة متر... مطلوب تصحيح الهدف شمالاً .

انقضّت الزوارق على قارب الصيد الخشبي ،قتلوا الصياد الذي يعتلي القارب ،أحاطوا به من كل جانب ،كانت الضفادع البشرية قد غاصت عميقاً ولكن النفس مهما كان عميقاً دقائق ويكون منتهياً ،كان تنفسهم طبيعاً ولم يكن معهم أسطوانات أكسجين للغوص ، طفا الفتية الأربعة ،عاجلهم الرصاص الغادر ،رصاص غزير باتجاه الشاطئ من الزوارق المطاطية ومن الزوارق الحربية لمدة عشرين دقيقة القائد أصيب ...قذف بنفسه تحت دالية عنب ، أخذت كل دالية عنب تسلمه إلى دالية أخرى حتى ابتعد عن المكان .

قفلت الزوارق عائدة ،بزغ الفجر صوت المؤذن يصدح في المكان ،حاجز دائم للأمن في المنطقة رجاله تبخروا ، ناشد سكان المنطقة القلائل الإسعاف والنجدة ،ساعتين بعد الجريمة حضر الإسعاف برفقة مدير المباحث ، نظر نظرة استهزاء زادها بنظرة ازدراء للشهداء ثم التفت ناحية مساعده قائلاً :
ـ أليسوا هؤلاء من اعتقلناهم قبل ثلاثة أيام !!!

ـ نعم سيدي ،ووقعوا على تعهدات !!!
ـ انقلوهم إلى مستشفى الأقصى .
جمع غفير من الناس و أهالي الشهداء تجمهروا حول المشفى وفي الممرات وحول جثامين الشهداء والطبيب يوقع شهادة الوفاة ويكتب التاريخ 7 / يونيو / 2010 ، التفت الطبيب إلى زميله وقال : قتلوا الفتية في ذكرى النكسة ب (5) يونيو كي لا ننسى الهزيمة !!!
وما إن وّقع الطبيب شهادة وفاة نائل ... الشهيد نائل كان مدرب الضفادع ، هاجمت اّلام المخاض زوجة نائل ،نقلوها إلى المشفى ، أدخلوها قسم الولادة ....

طلب أهالي الشهداء من إدارة المشفى نقل الشهداء إلى بيوتهم بالإسعاف لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة من ذويهم ، أخذ الموظفون بالتلكؤ ... زاد ضغط الجمهور وأهالي الشهداء ، اتصالات مدير المشفى مع مدير مباحث أمن الدولة ومن ثم مع أهل الحل والعقد , برز بعدها مدير المستشفى وقال :
- ممنوع نقل الشهداء بالإسعاف !!!
- لماذا ؟ وكيف ننقل الشهداء ؟ سأل أبو نائل .

- انقلوهم بسيارة تاكسي! أو سيارة نصف نقل!! أو بعربة كارو !!!
حالة من السخط الشديد لفت المكان صوت جهوري من بين الجمهور يقول : رائحة الدم الذي يعبق ويملأ أوطان العالم فخراً وصموداً ليس مقبولاً في وطنه!!! , عناصر من مباحث أمن الدولة انتشرت في المكان , حضر قائد الفتية المصاب وهو يعرج , لوح بيمينه للناس وقال :
- لا نريد فتنة ... بندقيتنا شريفة وعفيفة ولم تفقد البوصلة يوماً , لا نريد سفك دماء بريئة ... إذا كنتم مع دماء الشهداء فهلموا نواريهم الثرى محمولين على الأكتاف ... لا نريد الإسعاف !!!

الصيادون في الجوار انتشلوا شباك محمود ,شبكة محمود كانت مليئة بالأسماك ... بل طفحت الشبكة سمكاً , تحقق حلم زوجة محمود وقالت في نفسها :
- لم يصطاد محمود سمكا قط مثلما اصطاد بعد شهادته .

مع آخر معول من الثرى الذي ووري جثمان نائل تحته خرج إلى الدنيا مولوده المنتظر , كان ذكراً , أسمته والدته على اسم أبيه "نائل " خرج نائل إلى الدنيا , أرضعته أمه حليب الكرامة سلمته راية نائل الأب ودفتره , فتح الدفتر ... وجد في الصفحة الأولى العرب العاربة والعرب المستعربة تطارد المقاومة , وفي الصفحة الثانية بني صهيون تطارد المقاومة , وفي الصفحة الثالثة وجد أن دولة (5) يونيو الشمالية تطارد المقاومة ,وفي الصفحة الرابعة دولة (5) يونيو الجنوبية تطارد المقاومة ، أخذ نائل الصغير يسأل نفسه ... هل يستمر في رفع راية والده ؟!!! أم يطارد نفسه ؟!!!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف