الأخبار
"إعدادنا مستمر".. كتائب القسام تبث مشاهد حديثة من تجهيز عبوات ناسفة بغزةمصر ترفض دخول قواتها إلى قطاع غزة وتتمسك بموقع معبر رفحهل أوشكت إسرائيل على دخول حرب أهلية؟خطة إسرائيلية لبناء معبر رفح البري في موقع جديدالاحتلال يوسع المنطقة العازلة بمحور فيلادلفيا ويخطط لمعبر جديد للسفرمحلل سياسي: حماس الأكثر دهاء بالمعارك العسكرية مع إسرائيلالصحة بغزة تناشد لإدخال وقود عاجل لمنع توقف محطات الأكسجين في المستشفياتسموتريتش: لا مفر من حرب حاسمة مع لبنانإسبانيا تطلب رسمياً الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام "العدل الدولية"إدارة بايدن تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار بغزةاطلع على قائمة رؤساء الولايات المتحدةواشنطن تقدم مساعدات لإسرائيل بنحو 6.5 مليار دولار وتراجعها مع غالانت سطراً بسطرمسؤول أمريكي كبير يطالب بإغلاق الرصيف البحري قبالة شاطئ غزةليبرمان: نحن نخسر الحرب بغزة والردع الإسرائيلي تراجع ونتنياهو يتحمل المسؤوليةجيش الاحتلال يشن عملية عسكرية مباغتة في حي الشجاعية ونزوح آلاف المواطنين
2024/7/1
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وأدها لحظة الاحتضار بقلم:فاطمة يوسف عبد الرحيم

تاريخ النشر : 2012-05-31
وأدها لحظة الاحتضار بقلم:فاطمة يوسف عبد الرحيم
وأدها لحظة الاحتضار

طرقات عنيفة على الباب، صوته المنتحب يخترق سمعي، اندفعت ليلى نحو الباب باكية: تأخرتَ يا جدّي، قتلوها قهرا! أوجعني حزنه الدامع بصمت، تسمّرت بمكاني وخناجر الخزيّ تلسعني، وأقبلت أمي بمكرٍ معزّية، فرماها بشرر من الغضب رافضا مصافحتها: قتلتها أنت وابنك، لستِ أختي بعد اليوم، احتجت بجبروتها المعهود: لم نفعل إلا ما أحلّه الله، أجابها بنفس كسيرة: لكن أين الرحمة فيما فعلت؟ وكرهت نفسي حين رماني بنظرات قاسية خلتها تجلدني بسوط العقاب ونكران الجميل، منذ أسبوع احتضنها القبر بحنان ووسدتُها حفرة الموت "كومة عظام" وأهلت عليها التراب ورويته بدمعي، تمنيت لو تُرد إليها الروح لحظة، رغبة في بقية من سعة صدرها لتسامحني، سؤاله الشرس يلسعني، ماذا فعلت بابنتي الحبيبة؟ ورحل مغادرا بعد أن ناولتْه أمي حقيبة ملابسها ليجد فيها رائحة ابنته التي قتلتها الأنانية، وبعثر روحها الظلم والمرض.

شرود قصريّ أعاد ذاكرتي إلى أول لقاء معها، حين رافقت أمي وخطيبتي لزيارة خالي الذي لم التقِ به منذ خمس سنوات بسبب غيابي للعمل في الخليج، ورحّب بنا، لم أدرِ ماذا أصابني حين رأيت ساميا التي لم أرها منذ طفولتها وها هي شابّة يافعة، وتقدم لنا القهوة برقة وحين حدّقت في وجهها الملائكي صافحتني مشاعرها الرهيفة ،وبهرني جمالها، وخلت عينيّ أغمضتا من وميض نورها ولفني دوار الهوى في نعيم حبها، لاحظت خطيبتي انجذابي نحوها، فرمتني بنظرة استنكار،وانصرفنا، بعد أن أمطرتني ساميا بوابل حبّ أحيا ربيع قلبي، وشردت جذلا إلى الحب الذي أغرقني، وأيقظتني أمي من شرودي قائلة بحزم: حدد موعدا لزفافك على "هدى"، وبدون تردد خلعت خاتم الخطوبة: اعتذري منها لا استطيع الزواج الآن، وكلّ ما قدمته من هدايا ومصاغ هو ملك لها، غضبت أمي لأتي خذلت ابنة أختها وحاولت ردّي عن قراري، ولم تفلح، سافرت في اليوم التالي وقد احتلت ساميا بحبها كلّ ذرة في كياني واستولت على روحي، والرسائل بيننا تلتهب بأصدق قصة حبّ، بعد سنة تقدمت لخالي طالبا الزواج ، وما زلت أذكر كلماتها حين قالت"أنا محظوظة وسعيدة لأني عروس لأكثر شباب العائلة وسامة وجاذبية".

تزوجنا، كانت مثالا للزوجة الصالحة، لكنّ غيرتها حارقة حين تلمح عيونا نسائية ترصدني، أو إذا جلست أمي قربي وهمّت برغبة أمومة جارفة احتضاني وتقبيلي، فتذوي كمدا وغيظا وتصمت احتراما، وترفض أن تناولني ابنتنا كأس ماء أو تتدلل في حضني، ويضحكني تعليق ابني" كلّ النساء تدلل الولد على حساب الزوج إلا أنت يا أمي، تدللين أبي على حسابنا" وإذا رغب في إغاظتها يردد على سمعها"اليوم شفت أبي يبصبص على فلانة" فيطير صوابها وأقنعها: لو اصطفت أمامي نساء الأرض لن أنظر إلي امرأة سواك، لأنك كلّ نساء الأرض في عيني"، وكم عنّفتها حماتي لهذا الاهتمام المبالغ به، وعنّفت ذاتها لغيرتها الطاغية، لكنّ اهتمامها بي أراح أمي، وكان حرصها على سعادتي من أولويات حياتها، كأنها غرست فيّ أنانية الحب، وما زال صدى ذبذبات صوتها الرخيم يشدو على سمعي في لحظة صفاء أغنية وردة "روحي وروحك حبايب من قبل دة العالم والله." كانت الزوجة والحبيبة والجارية والعشيقة.

ابتليت ساميا بالمرض وكشفت التحاليل عن وجود ورم سرطاني في الجهاز الهضمي، لم يقلقها المرض ولم تخف الموت، بل ما أقلقها من سيرعاني إذا أوهن العلاج الكيميائي قواها وأهدر عافيتها، أنظرُ إليها بإشفاق حين تغرقها موجة الألم في حوّام الأنات، وصدى أنفاسها يعبر عن شراسة الوجع، حضرت أمي من بلدنا، وتذمرت مما وصل إليه حالنا من فوضى: أيكون هذا حال صلاح المرفه والبيت والأولاد، أجابتها بوهن: ما بيدي حيلة يا عمتي، ليتك تبحثين لنا عن خادم لرعاية شؤون البيت، نظرتْ إليها باستخفاف: وهل الخادم تصلح للفراش؟ ردّت بأسىً: ماذا تقصدين بكلماتك المبطنة؟ تقتحمني نظراتُها الحائرة المعاتبة، ويلازمني صمت الاستسلام، وتسألني بانكسار: أين حبك يا صلاح،هل التهمه السرطان؟ ردّت أمي بكلمات مسمومة: الحاجة تفرض تغييرات كثيرة، صلاح يحتاج إلى زوجة وأنت لا تصلحين لشيء، ابني يجب أن يتمتع برجولته ويسعد بحياته، أيبقى محروما؟ ردت بحزن دفين: المرض يقتات عافيتي والموت قريب، ارحميني، انتظريني حتى أموت ثمّ زوّجيه، فأنا أحب صلاح ولا احتمل وجود امرأة في حياته؟ ردت بقسوة طاغية: لكنّه لا يستطيع انتظار موتك، هو بحاجة إلى امرأة، والمثل يقول "أعزب دهر ولا أرمل شهر" والعروس جاهزة، لم تصدق قول أمي، سألتني وهي في غاية الإعياء: أموافق على طلب أمك؟ ألجمني الصمت وهربتُ من نظراتها وسمعت قرع طبول لحرب ضروس في صدرها.

أخرجتها أمي من غرفة نومنا، وكلماتها القاسية: انتهى دورك يا ابنة أخي، لم تقصري! وأغلال الأنانية تكبلني، لم احتج لو على سبيل المجاملة، وسحبتها إلى فرشة رقيقة على الأرض لتنام في ركن قصي من غرفة الجلوس، وفي اليوم التالي شكت من قسوة الأرض التي آلمت عظامها وطلبت إعادتها إلى سريرها، ردت أمي بجفوة: نريد تجهيزها وتنظيفها من رائحة المرض والأدوية، وعليك أن تعتادي النوم أرضا على الفراش الرقيق حتى يأتي أمر الله.

مرّ الوقت عصيبا وهي تخضع لجلسات العلاج الكيميائي وأوجاعها المدمرة بازدياد وفي غيبوبة المرض، أحضرت أمي عروسي الجميلة، سألت: من هذه؟ ردت أمي بدهاء: أنها عروس صلاح، منذ شهور وأنت تستلقين على أعتاب الموت وتعانين صرعة الألم، هذا ما كتبه الله عليك، وصلاح يحتاج إلى امرأة عفية، رأيت دمع ابنتي يغرق خديها وابني يطرق رأسه في الجدار صارخا: ماذا تفعلون بأمي؟
كم كنت لئيما حقيرا حين ألزمت ابني توزيع الحلوى على سكان العمارة بمناسبة زواجي، ولم أعبأ بتوسلاته حين طلب مني استئجار بيت للعروس رحمة بأمّه، لكنّ أمي قررت أن هذه خسارة ماديّة لا مبرر لها وقريبا سينتهي أمرها.

دخلتُ وعروسي غرفة ساميا التي شهدت أروع لحظات حبنا، عندها سلّت من عينيها خناجر عتاب قاسية وطعنتني بها وتمنت الموت السريع، وسمعتْ تأوهاتنا وضحكاتنا ومناجاتنا، وأنانيتي لم تدرك أن روحا متألمة تقبع في زاوية قصيّة وتتقلب على نار الغيرة والقهر، ولسعات السرطان تهدّ أوصالها فوق الفراش الرقيق، وغابت في غيبوبة المرض، لكنّ روحها واعية لكل ما يدور حولها، ووجودي مع عروسي في غرفتها حرّقها أكثر من العلاج الكيميائي.

في الصباحية زغردت أمي، ورحّبت بكنتها الجديدة التي تتجول في البيت بملابس النوم الخليعة، وترمي رأسها على كتفي بدلال أو تغفو على صدري، ونظرات ساميا تسترحمني في أواخر أيامها، وعتابا صامتا فحواه كيف ذبحت إخلاصي لك بإحساس بارد؟ و ترد أمي بجفوة: لا تأبه لها إنها كومة عظام تنتظرها حفرة الموت، وتغافلتُ عن غزارة دمعها وكأنها تقول" ما زالت مشاعري نابضة بالحياة وجسدي هو الذي تآكل بفعل المرض، ثمّ طلبت مهاتفة أبيها، وسمعتُ نداءاتها الراجية: الموت ينازعني يا أبي، والقهر يحرقني، أرجوك أخرجني من هذا البيت، إرمني في أيّ مشفى أو مصح، أو على قارعة الطريق! لحظتها انتابني شعور قاسٍ بالذنب، ماذا فعلت بأم أولادي وحبيبتي وهي تستقبل الموت بحفاوة منقذ، لقد انتهكت حرمة مشاعرها الرهيفة بلؤم ، ووأدتها لحظة احتضارها.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف