الأخبار
دائرة الشؤون الفلسطينية: الأردن يواصل دوره بالتخفيف من أزمة (أونروا) الماليةأميركية تحاول إغراق طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 3 سنواتالاتحاد الأوروبي: إرسال المساعدات دون الوصول إلى غزة "غير مجدٍ"بعد مزاعم تخزين أسلحة داخله.. جولة لوزراء وسفراء بمطار بيروتروسيا: الولايات المتحدة متواطئة في الهجوم الصاروخي على القرمسنجاب تركي يعشق المعكرونة وشرب الشايالمتطرف سموتريتش يهدد بضم الضفة إلى إسرائيلمصدر مصري: القاهرة ترفض تشغيل معبر رفح بوجود إسرائيليمنظمة إنقاذ الطفولة: 21 ألف طفل مفقود في غزةالشركات المدرجة في بورصة فلسطين تفصح عن بياناتها المالية للربع الأول من العام 2024إعلام إسرائيلي: السماح بمغادرة الفلسطينيين من غزة عبر معبر كرم أبو سالمالجيش الإسرائيلي: حماس تعيد تسليح نفسها من مخلفات ذخيرتناالإعلامي الحكومي بغزة: الرصيف العائم كان وبالاً على الشعب الفلسطينيجنرال أميركي: الهجوم الإسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسعاستشهاد عسكريين أردنيين اثنين بتدهور شاحنات مساعدات متوجهة إلى غزة
2024/6/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأرض المنسية بقلم:سهام البيايضة

تاريخ النشر : 2012-05-22
الأرض المنسية بقلم:سهام البيايضة
الأرض المنسية
سهام البيايضة

لم تكن الحياة سهلة أو طائعة ،بكل ما يتعلق بأبو راكان ،عمل موظفاً في الحكومة ، وبعد التقاعد عمل بصعوبة في إحدى المؤسسات العامة التي طلبت منه تقديم استقالته ، ضمن خطة تقليص النفقات، بسبب الفساد المالي الذي استنفذ مواردها، فكان الحل الوحيد تقليص الوظائف من اجل تخفيض النفقات .
السلامة رأس المال، في هذه الأجواء الفاسدة :هذا ما كان يردده أبو ركان عقبت تركه للعمل ،و بعد تسلمه قيمة تعويض آخر الخدمة، التي أضافها فوق ما استطاع أن يوفره هو وزوجته، ليخصص نصف المبلغ ثمناً للأرض، ويحتفظ بالباقي من اجل وضع أساسات بيت صغير لعائلته .

قرار شراء الأرض جاء متأخراً جداً،وبعد تخطيط لسنوات طويلة في اختيار المكان المناسب ..قرار يحجمه الارتفاع المهول في الأسعار التي فوق طاقته، وتجبره على التأجيل لحين انفراج الأحوال ،وبعد جهداً جهيد اختار قطعة ارض، في أحدى ضواحي عمان.
مضى أكثر من عامين على وضع أساسات البيت، وأبو راكان ، يحاول أن يكون بصورة مقبولة وحسب ميزانيته المحدودة .
أثناء مروره المتكرر على موقع البناء ،تعرف على شيخ طاعن في السن كان يحضر إلى موقع البناء ،يتبعه احد أحفاده، بإبريق الشاي ليجلس مع أبو راكان ،يتبادلان أطراف الحديث .
عَرف الرجل الكهل بنفسه:أبو جبر من يافا !!....مشيراً إلى باب بيته، المطلي باللون الأخضر والمحاط بسور من الطوب، تحيط به أشجار باسقة بين البيوت الحديثة، المبنية من الحجر والقرميد الأحمر.
معظم الأحاديث بينهما ، كانت تدور عن أحوال الناس بين الحاضر والماضي،والغلاء والأسعار ،وعن بيع وشراء الأراضي والمبالغ الضخمة التي لا يستطيع أبناء البلد تحملها في هذه الظروف الصعبة ، وان ثمن خمسة أمتار بالسعر الحالي للأرض،في بعض الأماكن في عمان ،مكنت الكهل أبو جبر وأولاده من شراء خمسة دونمات قبل ثلاثون عاماً!!
اخذ أبو راكان نفساً عميقاً ، وهو يستمع إلى حديث الكهل أبو جبر ،مستغرباً كيف استطاع الوصول إلى هذا المكان بعد مرور أكثر من ستين عاماً على النكبة الفلسطينية .
قال أبو جبر :خرجت من يافا في بداية الخمسينات من القرن الماضي قصف اليهود بيتنا ،وسقط سقفه وجدرانه على رؤوسنا ،لم نكن الوحيدين، كان هناك العديد من العائلات التي دفنت تحت أنقاض القصف .
قاوم والدي وأعمامي اليهود واستماتوا في الدفاع عن الأرض والممتلكات، لكن.. كنا الأضعف من حيث الاستعدادات والإمكانيات الحربية ،بعد أن دخلوا إلى بيوت الناس واستولوا على أراضيهم وبياراتهم بحجة أنهم يملكون الحجج و"الكواشين" ، تثبت ملكيتهم للأراضي التي اغتصبوها .!
تابع أبو راكان، حديث الكهل أبو جبر، باهتمام ،مستغرباً حيناً ومقاطعاً يريد من أو جبر ان يفسر أقواله .
قائلا:يا أبو جبر... تقول أن اليهود دخلوا إلى يافا والى الضفة الغربية، ومعهم ما يثبت أنهم يملكون الأراضي والبيوت ؟..فمن أين حصلوا على هذه "الكواشين" ؟
أبو جبر :يا ولدي الخونة والعملاء في كل مكان ، لم أكن في حينها أعي، ما كان يحدث حولي ،كنت صغيراً جدا لم يتجاوز عمري العشرة أعوام، لكن وكالات البيع والشراء كانت منتشرة في فلسطين ، يقتنصون الحاجة عند ضعاف النفوس والجهلة ،ويستغلون بساطة الناس، وتبادلهم لشؤون حياتهم من حيث البيع والشراء، الذي كان يحدث بأسماء عربية، ثم تنتقل إلى أسماء يهودية، عن طريق الأفراد أو الشركات التي كانت تستملك الأراضي وتوزعها بعد حين.. أو تبني عليها المستعمرات ..ولا تستغرب يا ولدي أنهم منتشرون على مساحة الوطن العربي ولا يخفَ على أحد ، أن لهم عملاء عرب، يسهلون معاملاتهم ويتقاضون ،مبالغ طائلة من وراء هذه الصفقات .الخائن أو السارق..يا ولدي .. لا تهمه قضية فلسطينية، ولا تهمه حقوق شعب،أو كرامة عربية طالما هو متمتعاً بالسلطة والمال ..ومستعد أن يقتل كل من يحاول إيقافه أو منعه، من القيام بعملة ،انها الخيانة والعمالة التي تدفع الناس للتفريط بالحقوق والأرض.
صمت أبو راكان وهو يسترجع قصص يسمع بها ،عن بيع أراضي الدولة للشركات ،وعملاء غسيل الأموال المنتشرين في كل مكان، يشترون الأراضي البعيدة ببخس الأثمان !
استفاق أبو راكان من جولته الذهنية ،وقد استشعر خطورة ما يقوله الكهل أبو جبر، على وطنه وارض أجداده وان تصريحات القادة الصهاينة في الأخبار،تكرر بان الأردن لهم وكل البلاد العربية ،ولعل هذا لا يأتي من فراغ ...وشعر أن ما قام به اليهود قبل أكثر من ستين عاماً لا يزال يمارس لغاية الآن، في شراء الأرضي، ودعم العملاء وسماسرة الشعوب،وهذا يفسر ارتفاع أثمانها التي أصبحت فوق طاقت أبناءها ومواطنيها ..حتى وصلت إلى تلك الأراضي التي يطلق عليها أبناء الوطن : الأرض المنسية !
وليتأكد من ظنونه سأل الكهل أبو جبر قائلاً :وهل تعتقد يا عم.. أن هناك أراضي يملكها اليهود في الأردن ؟
نظر أبو جبر، إلى أبو راكان، وهو يومئ برأسه إلى الأمام ،قائلاً:ربما لن تصدقني إن أخبرتك بقصة حقيقية حصلت معي ،وربما ستعتقد أنني أخرف في كلامي ،ولكن يشهد الله على صدق قولي ..رغم اعترافي بجهلي في تلك الأوقات الا أنني أقولها، ليكون أبناء هذه الأمة حذرين ويقظين على أوطانهم. ..استمع يا ولدي.. لما ساقول وخبر به ، أولادك وأحفادك، لتكون لهم عبرة و ليحافظوا على أراضيهم، وان لا تباع للأغراب بأي ثمن مهما على، فالأرض هي العرض .ومن سهل عليه بيع أرضه، سهل عليه بيع عرضة.. انظر حولك يا ولدي ..لتتأكد أنني لست مدعياً ولا مبالغاً في قولي :
بعد استشهاد والدي وأعمامي ،لم يبق للناجين منهم معيلاً بعد الله ..إلا أنا ،فذهبت لأبحث عن عمل في إحدى مزارع تربية الأبقار ..التي كان يمتلكها احد اليهود وكان يدعى عمران.
مهمتي كانت العناية بالأبقار وحلبها، كل يوم... ووضع الحليب في عبوات كبيرة،انقلها في الصباح الباكر إلى يهودي آخر، يعيش في بيت قريب من المزرعة اسمه "كوهين "يصنع من الحليب الجبن ،وبعد أن يستلم حمولتي من الحليب،يزنها.. ثم ينقدني ثمن الحليب، لأعطيه لصاحب المزرعة .
مضى أكثر من عام وأنا اعمل عند اليهودي ،لم يختلف يوماً عن سابقه ..كل شيء العمل كان يسير برتابة وانتظام .
في احد الأيام فكرت في أن احصل على بعض القروش، الزيادة من صانع الجبن ،وقمت بإضافة بعض الماء إلى الحليب، بما لا تزيد عن مبلغ قرش واحد فقط .كنت احتفظ به لنفسي ،بعد أن أعيد المبلغ للخواجة عمران!
وبعد اقل من عشرة أيام ، توجه صانع الجبن إلى الخواجة عمران ،متهماً إياه بغش الحليب ،كون كمية الجبن المستخلصة من الحليب اقل مما هو معتاد عليه في المرات السابقة، ودار على اثر هذا الاتهام نقاش حاد حول خيانة الأمانة وفقدان الثقة بينهما ،هدد فيه كوهين الخواجة عمران ،انه سيدفعه الثمن غالياً ،مقابل فعلته وانه سيشكوه إلى احد زعاماتهم ، من اجل الحكم له برد حقه الذي استهان به الخواجة عمران، الذي أصر على رفض التهمة ،وانه سيقبل التحكيم مهما كانت النتائج !
في اليوم التالي استدعاني الخواجة عمران ،وأصر على مرافقتي له للتحكيم ،رغم محاولاتي التحجج بالانشغال لكنه دفعني أمامه ونحن متوجهان إلى بيت زعيمهم اليهودي ،حيث وقفا أمامه ، يشرحان المشكلة ويتبادلان الاتهامات وأنا انظر إليهما من بعيد واستمع للحديث الدائر بينهم .
انتهى التحكيم ، وحكم زعيمهم، لصانع الجبن بالحق، وطلب منه ما يريده من الخواجة عمران حتى يرد له اعتباره وثقته، وعقاباً على خسارته من الحليب المغشوش.
فكر صانع الجبن قليلا ثم قال لزعيمهم :اسمع خبيبي ..أنا لازم عمران يتنازل لي، عن أرضه في أم الرصاص!!
صمت أبو جبر وقد لاحظ الذهول في وجه أبو راكان !!.مستطرداً في الحديث :كان هذا في بداية الخمسينات وعمري لم يتجاوز الخامسة عشر بعد ، وكنت لا اعلم من حديثهما، الا أنني سوف اطرد من عملي ،ولم أكن افقه تماما ما تعني أرضهم في أم الرصاص !!
خرج ابو راكان من ذهوله قائلا:لعنة الله على إسرائيل وعلى الخونة والعملاء، إنهم لا ينتهون على هذه الأرض ..أكمل حديثك .. فلقد أرعبتني على وطني، ومصير أولادي وأحفادي .أكمل ...أكمل !
أكمل أبو جبر :ما فائدة القصص وأخبار الناس - يا ولدي – إن لم تكن عبرة لنا.. حتى لو لم نصدقها ..وهل ترى أن ما آلت إليه أحوالنا فيه مجال لتكذيبها ؟؟
من اجل قروش فقدت عملي ،ولضيق الحال توجهت للعمل في الخليل ومكثت فيها سنوات تزوجت فيها وأنجبت أولادي الأربعة وبناتي الثلاثة ..وكنت اعمل في تجارة الألبان والجبن بالتحديد ...حتى عام 1967 وكان عمري قد تجاوز الخمسين عاماً.حيث نزحنا مع النازحين إلى الأردن ،واستقر بنا الحال في منطقة المحطة وما يطلق عليه "جسر النورّ" ،كانت أيام صعبة على أولادي الذين هاجروا إلى أمريكا والى ألمانيا وبقي أكبرهم معي نعمل في تجارة الألبان .
في السبعينات ، بعد مضي عشر سنوات على احتلال فلسطين بالكامل ،كنت أتوجه وولدي إلى مناطق الجنوب في الأردن للتجارة ،وشراء بعض منتجات الحليب من الكرك والطفيلة والشوبك وباقي المحافظات .التي كنا نصلها بواسطة حافلتنا صغيرة "ميكروبص" ، كان ابني يضع فيها بضاعتنا ويوزعها على التجار في عمان .
في إحدى رحلاتنا وبعد خروجنا من منطقة " الجيزة " متوجهان إلى الكرك ،وقف احد الجنود بلباسه العسكري وحيداً على طرف الطريق،ينتظر وسيلة مواصلات لتقله، كان الجو بارداً وعاصفاً،ومن قبيل الإحسان، طلبت من ولدي أن يقله معنا إلى اقرب نقطة يريدها ، في طريقنا على الصحراوي ، فهذا أفضل بكثير من بقاءه في هذا البرد القارص .
جلس الجندي في المقعد الخلفي ، وبعد أن قطعنا شوطاً لا باس به من الطريق طلب من ابني أن يتوقف على جانب الطريق المقفر قائلا :الله يكرمكم ما قصرتوا،من هنا ،أريد الحق هلي في آخر الأرض المنسية ..بارك الله فيكم !!!
انطلقت مني ومن ابني ضحكة تعبر عن تشبيهه القريب للمكان الذي نقف به، وانقطاعه عن كل مظاهر الحياة على الطريق الصحراوي الطويل .
ودعنا الجندي شاكراً ومصراً على استضافتنا ،اعتذرنا منه بسبب التزامات العمل وضيق الوقت.. وأننا سنعمل على زيارة مضاربهم في يوم من الأيام ،وقبل أن تتحرك الحافلة سالت الجندي مداعباً: بما أننا في آخر الأرض المنسية .. على حد وصفك .... فأين تقع مضاربكم ؟؟
توجه الجندي غرب الطريق .قائلا :هناك ....في أم الرصاص !!!
حينها فقط ..عرفت أين تقع أم الرصاص !!!

في عام 2010 وقف أبو راكان في عزاء جاره الحاج أبو جبر الذي توفاه الله عن عمر يناهز التسعين عاماً ،لا يزال يتذكر كلماته : "ما فائدة القصص - يا ولدي – إن لم تكن عبرة لنا ..حتى لو لم نصدقها.. وهل ترى أن ما آلت إليه أحوالنا فيه مجال لتكذيبها ؟؟؟

انتهت
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف