الأخبار
الدفاع المدني: جيش الاحتلال حرق أجزاء كبيرة من مخيم جبالياأبو عبيدة: مستعدون لمعركة استنزاف طويلة مع الاحتلالالحوثيون يستهدفون مدمرة أميركية في البحر الأحمرإسرائيل تقرر استقبال 300 ألف عامل أجبنيالحوثيون يستهدفون مدمرة أميركية في البحر الأحمرإيرلندا وعدة دول يدرسون الاعتراف بدولة فلسطين الشهر الجاريأردوغان: إسرائيل ستطمع بتركيا إذا هزمت حماسحركة حماس ترد على اتهامها بالتخطيط لأعمال تخريبية في الأردنالصحة بغزة: ارتفاع شهداء العدوان الإسرائيلي لأكثر من 35 ألفانتنياهو: لن نسمح للفلسطينيين بإقامة دولة إرهابية يمكنهم من خلالها مهاجمتنا بقوةوزير الخارجية الأمريكي: لا يمكن أن نترك فراغا في غزة لتملأه الفوضىالأردن: إحباط محاولة تهريب أسلحة إلى المملكةقيادي بحماس: مصر لن تتعاون مع الاحتلال ويدنا لا تزال ممدودة للتوصل إلى اتفاقاستشهاد شاب برصاص الاحتلال عند المدخل الشمالي لمدينة البيرةالفلسطينيون يحيون الذكرى الـ 76 لـ النكبة
2024/5/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المدينة بقلم:اسراء كلش

تاريخ النشر : 2012-03-03
المدينة بقلم:اسراء كلش
  المدينة

 

في الليل، يبدو كل شيء مختلفاً، المدينة التي اعتدتُ وطأها صباح كل يوم، عدا أيام العطل، تبدو أكثر تصالحاً مع فطرتي وتسامحاً مع سذاجتي.

 

عندما أهربُ منها بعد نهاية دوامي في الجامعة، أستقلُّ سيارة القرية بسرعة، وآخذ بالتنفس حتى يسع الهواء صدري، وتتباطأ دقات قلبي التي أشعر بها في رأسي من فرط قلقي، وأنتعل خوفي، فيسكنني الهدوء بوصولي قريتنا التي تعوّدَت مساماتي على استنشاق صَباها المضمّخ برائحة الماشية، التي أخاف أن تتشربها ملابسي في الصباح؛ كي لا يقولوا: طاحت بنت القرية بريحة الغنمة المزريّة!

 

وتأخذني العزّة بقوامي وجمال وجهي وكتبي التي أزهو بها على أعين أمهات القرية الصغيرات، وكأنني أقول لهن: هؤلاء أبنائي يا جاهلات.

 

أخي الذي يتقدمني بخطوة يقودُني إلى مشواره المفاجئ الذي قرّر أن أصحبه فيه، كان يكرّر على مسمعي: أحلمتِ أن تَري الخليل يوماً في الليل؟

 

وأصمت؛ فلا وقت إلا للاستمتاع بنفسي التي تزهو على كل شيء في الشوارع المضاءة، على الشجر ومصابيح الكهرباء وأبواب المحلات نصف المغلقة وأطياف الفتيات الجريئات في النهار اللواتي يسلبن شوارع المدينة بعطورهن وزينتهن وغنجهن المفتعل وحركاتهن الماكرة، التي أقضي الساعات أمام المرآة وأنا أحاول تقليدها فلا أنجح إلا أن أكون مشروع شرطيّ، كما يصف أخي بنات القرية جميعاً.

 

أخي الذي يتقدمني بخطوة يقودني في مشواره المفاجئ إلى منتصف المدينة، فأمسكُ بذراعه خائفة ويبتسم من خوفي، ثم يتركني عند باب محل للملابس النسائية ويطلب مني الانتظار.

 

كان انتظاري مخيفاً وممتعاً، الفتياتُ الجريئاتُ الجالساتُ في بيوتهن الآن جعلنني ملكة في الليل، تتنفس ثقة بجسدها وصوتها الذي يثير انتباه المارين الذين كانوا أطياف رجالٍ في النهار وأصبحوا الآن رجالاً رجالا.

 

التفتُّ من الباب الزجاجيّ إلى أخي الذي كان يضاحك أحدهم في المحل، خجلتُ من تلصصي ثم غفر لي فضولي، فتابعتُ مراقبته يحادث ويضاحك، ثم شهقتُ وضربتُ بيدي على صدري عندما سمعتُ ضحكات فتاة تدانيه، فنعتّها بالوقحة، أما أخي فأشفقتُ عليه من فتيات المدينة اللواتي يصادقنَ الرجال.  وبقيتُ أراقبهما، حتى أحسستُ بظلٍ خلفي، وضع يده على كتفي فانتفض جسدي وارتجفت أطرافي عندما عرفت أنّه رجل.

 

ابتسم وقال: بإمكاني مساعدتك؟

 

لم أستطع الإجابة؛ خفتُ أن يراني أخي.

 

-       يبدو أنك لستِ من الخليل؟

 

ولم أجب؛ خفتُ أن يظن أنني وقحة.

 

-       أتعلمين أنّ عينيك جميلتان؟

 

لم أقل شيئاً، لكنني ابتسمتُ وشعرت أنني أقوى ملكة في الدنيا.

 

قال بسعادة: وابتسامتك ساحرة! أتركبين معي؟ هذه سيارتي، سنشرب العصير معاً، ثم أوصلك حيث تشائين.

 

جذبني بأطراف أصابعة، فشهقتُ بقوّة، والتصقتُ بباب المحل الزجاجي، ثم أفلتُ نفسي كالمجنونة وعدوت داخل المحل أنادي على شقيقي بفزع، بينما تقافزت العيون حولي تتساءل عن الغريبة الغريبة.

 

تباسمَ أخي وعرّفني بفتاته، ولم يسألني عن شيء، وتشبثتُ أنا بقميصه حتى عودتنا إلى القرية، واتكأتُ عليه إذ تهالكت روحي من فعليَ المُخجل، وحمدتُ الله على ليل القرية المعتم الذي يخفي ذلّ وجهي ورائحة المدينة الخارجة من مساماتي، التي طالما شَكَت من رائحة حليب الماعز الذي تحلبه الأمهات الصغيرات في القرية لأولادهن كل صباح، وأنا ذاهبة إلى الجامعة أحتضن كتبي بزهو وأمرّن قوامي على المشي المتمايل.

 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف