الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التقارب المر بقلم:عادل بن مليح النصاري

تاريخ النشر : 2012-02-20
التقارب المر بقلم:عادل بن مليح النصاري
نحن في دول الخليج على الأقل ما هي معضلتنا مع التشيع والشيعة ؟
(لعادل بن مليح النصاري)

ربما تبدأ القصة منذ سقوط شاه إيران وبدء النمو للقوة الشيعية على يد الخميني , ورغم كون الشاه وكما يقال الشرطي الأمريكي في المنطقة إلا ان سقوطه في تلك الفترة يمكن تتبعه عن طريق مواقع كثيرة وبالتفصيل , وهذا ليس مقصدنا الآن .
السؤال : كيف سمحت الدولة العظمى بسقوط شرطيها على يد رجل مجهول في ذلك الوقت ويتم تغيير جذري في تلك الدولة الحليفة لتصبح العدو الأول لها ؟
ربما كان الحدث مباغتا لدرجة عجزت عن مسايرته المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز السافاك , وبدأ الخميني يروج لنظريته ( أن الإسلام يتطلب حكومة إسلامية يتزعمها ولي فقيه ) , وربما مما ساعد الخميني في مشروعه عدم مراعاة الشاه للحالة الاقتصادية للبلاد عبر التبذير والفساد وكان التضخم بديلا عن (حضارة عظيمة كما وعد الشاة) , وهنا توحدت نظرة العلمانيين والليبراليين والمتدينين والقوميين بكل طوائفهم ضد الشاة وسياساته , وبدأت الحرب الإعلامية بين الخميني والحكومة , وفي صيف 1978 كان الشلل العام نتيجة للاضراب العام .
الخميني لم يترك فرصة سانحة لبلورة الاتفاقات المكوكية بين الحكومة الامريكية وبين الشاة لإنقاذ نظامه , وبين خطة وخطة وأخذ ورد كانت الضربة الخمينية المفاجئة للجميع .
ظهرت وقتها أول ( يوم جمعة ثوري في عصرنا الحديث في 8 سبتمبر 1978 ) ,
وبخروج مليوني متظاهر في كانون الأول ديسمبر في ساحة (آزادي) وطالبوا برحيل الشاه وعودة الخميني , وغادر الشاة وعائلته ودمر كل أثر لهم في إيران , وعاد الخميني وسط بهجة ملايين الإيرانيين .

بعدها سقط المعارضون للشاة جميعا من ماركسيين وعلمانيين وشيوعيين وبقى الخميني فقط , وبدأ انقلاب الخميني على كل التوقعات الوطنية من حكومة ومن منظمات ثورية , وبعد أن قدمت حركة الحرية مشروع الدستور برئاسة (باذرخان) والذي عين من قبل الخميني نفسه , إلا أن مجلس الخبراء والخميني رفضوه , وهنا أعلنها الخميني صريحة ( أن الحكومة يجب أن تكون شيعية مئة بالمئة) , باختصار بدأ الصدام بين الخمينيين وأصدقاء الأمس وبدأت سلسلة من التصفيات والمظاهرات والانتكاسات واتهت بسيطرة الخمينيين على مفاصل الحياة الإيرانية .
وبدأ دخول العراق للمشهد الإيراني فكما يقال أن اجتمع مستشار الأمن القومي الامريكي بصدام حسين والحسين بن طلال لعمل انقلاب ضد الخميني بالتعاون مع ضباط إيرانيين بقيادة وتخطيط ( بختيار) , ولكن ( بني صدر ) كشف الخطة وأعدم الكثير من الضباط الإيرانيين .

ثم أكمل صدام المسيرة ببدء الحرب الضروس على الإيرانيين , فبعد ظهور التوجه الإيراني الرديكالي الشيعي والحديث عن تصدير الثورة وإحلال حكومات إسلامية بدلا عن الحكومات المجاورة , بدأ القلق ينتاب الحكومات المجاورة خاصة دول الخليج .
ودخول صدام بهذا العمق ربما له أهداف واضحة أو أخرى لم يتم توضيحها , وربما كانت الأحواز ذات الأغلبية العربية وما بها من نفط سبب قوي من ضمن الأسباب المعلنة وغير المعلنة , وربما استفادت الثورة الإيرانية كثيرا من الحرب الطاحنة بينهم وبين العراق , ففي ظل هذه الحرب تم المزيد من القمع والتصفيات , وقويت اللحمة الوطنية بين افيرانيين في مواجهة العدو الخارجي , وأنهك صدام وعرض الصلح على الخميني ولكنه رفض إلا أن يسقط نظام صدام وتحل محله حكومة إسلامية (شيعية طبعا) .
ورغم فشل إيران بتصدير الثورة للعراق إلا أنهم نجحوا لأول مرة في تصديرها عبر ولادة (حزب الله في لبنان) , ولكن خميني وقع لإيقاف الحرب مع العراق طبعا بضغوط أمريكية قوية .

الثورة الشيعية في نظر البعض ربما اراقت من الدماء أكثر مما أراقته الملكية في إيران , فالتعذيب وقتل المخالفين والمنتقدين وتصفيات الجنرالات والأقليات وسوء وضع المرأة , وإعدام اكثر من 200 من أتباع المذهب البهائي , وحرم الآلاف من العمل والتعليم والتقاعد , ثم عزل إيران عن العالم الخارجي .

السلطة الشيعية في إيران لم تكتف بذلك بل بدأت بتصدير المشاكل المذهبية لبعض الدول فبالإضافة لحزب الله في لبنان هناك الحوثيين في اليمن , والشيعة في البحرين وشرق السعودية , وأخيرا برنامجها النووي والذي تتخوف منه دول المنطقة الخليجية قبل إسرائيل (فالفكر الشيعي يؤمن بتصدير الثورة بأية وسيلة وبدفع أي ثمن ) .

وربما الكارثة الأكبر على المنطقة الخليجية هي ابتلاع الشيعة للعراق , والتي كانت شوكة كأداء في طريقهم أيام صدام حسين , ولا نبالغ إذا قلنا أن ابناء الثورة الشيعية لم ولن ينسوا للعراقيين كبتهم لحرية مذهبهم في العراق طوال سنوات حكم البعث , وإرادة المشيئة الإلهية أن تستفيد إيران بكل ما يحدث للعراق منذ تهديد صدام (بحرق نصف إسرائيل) لمسيرة تصفية صدام من قبل اسرائيل وامريكا وانتقمت من العراق عبر أكثر من طريق وبأكثر من حجر , وخرجت كمستفيد وحيد من جراح العراقيين .

هنا أقتربت إيران الثورة من دول الخليج كثيرا وبشكل خطير بكل ما تعنيه هذه الكلمة , فبسقوط العراق وما يحدث في البحرين والقطيف , أصبحت الثورة الشيعية ترقص داخل الحلبة الخليجية ولا بد من تكاتف هذه الدول لوقف هذا الخطر (الحاقد) ضدهم .

إن سقوط صدام في العراق يشبه من أبعد الذبابة عن وجهه ليقبل بالدبور , وحتى احتلال الكويت من قبل صدام هو ليس نتيجة لما أراده صدام بل كانت الكويت ضحية لإرادة سقوط صدام , فهي لم تكن إلا ورقة من ورقات اللعبة الكبرى التي اطاحت ( بقاهر الشيعة في العراق ) , الكويت هنا تشبه ما يعرف في اللغة العربية (خبر مقدم) , ربما كان صدام غبيا وساذجا إذ بلع الطعم الكويتي , وربما كان ضحية سهلة للاعبين كبار ولم يكن بوسعه فهم ابعاد اللعبة التي أطاحت به للأبد , ليخرج المارد الشيعي العراقي من تابوت صدام .

مازالت أحجار اللعبة قائمة ولن تهدأ ( فالشيعة ماضون فيما يريدون ) , وهناك مصالح استراتيجية لكبار اللاعبين مازالت لم تطرح , وهناك ورقة القدرة النووية وتهديد (طفل أمريكا المدلل) , وهناك الخليج النفطي الذي لا يحتمل أن يكون ساحة معركة .

كل الخيارات مطروحة ..
إلا خيار واحد ..
وهو التقارب السني الشيعي الذي يمكن أن يطفيء حرائق الخليج وحتى العالم الإسلامي , وربما لن يقبل اللاعبين الكبار بهذا الخيار ؟
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف