الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المنطقة العربية الى كارثة الجفاف والعطش وحروب المياه إعداد : المهندس فضل كعوش

تاريخ النشر : 2012-01-31
المنطقة العربية الى كارثة الجفاف والعطش وحروب المياه

 
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم

{{وأنزلنا من السماء ماء بقدر فَأَسْكَنَّاهُ فِي الارْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ به لَقَادِرُونَ}}

صدق الله العظيم

 

إعداد : المهندس فضل كعوش    

رئيس سلطة المياه السابق

الرئيس السابق للجنة المفاوضات للوضع الدائم حول المياه

Email /  [email protected]

 


يواجه العالم العربى كارثة جفاف شديدة تحدق بمستقبل بقاء الامة العربية واجيالها
وتشكل مشكلة نقص المياه اهمية كبرى  وخطورة حقيقية تتصدر قائمة التحديات الكبرى وتتجاوز طبيعتها وابعادها القدرات التنموية المتاحة، ما لم تتوفر العلاجات السريعة والصحيحة القائمة على قواعد وأسس التخطيط السليم لتحقيق متطلبات  ألأستدامة وألأمن ألمائي لكل دولة من دول المنطقة العربية .

معظم الدول العربية تعانى من ندرة المياه وتعتمد بنسبة 65% على الموارد المائية من خارج حدودها، كما بلغ عدد الدول العربية التى تقع تحت خط الفقر المائى 19 دولة منذ بداية العام الحالى نتيجة لازدياد عدد السكان وقلة نصيب الفرد من الموارد المائية عن ألف متر مكعب، وهو المعدل الذى حددته الأمم المتحدة لقياس مستوى الفقر المائى للدول. كما بلغ عدد السكان العرب المحرومين من خدمات مياه الشرب النقية بنحو 65 مليون نسمة يضاف إليهم 110 مليون نسمة أخرى محرومون من خدمات الصرف الصحي.

تقع معظم الدول العربية تحت خط الفقر المائي،وتعتبر حصة الفرد من المياه اقل المعدلات في العالم  ففى عام 1960 كانت حصة الفرد فى المنطقة العربية من المياه العذبة المتجددة والمتاحة للأستخدامات المختلفة تزيد على معدل 4000 متر مكعب سنوياً، أما اليوم فحصة الفرد لا تتجاوز 350 متراً مكعباً فى السنة، وهى أدنى كمية متوافرة للفرد عالميا وينتظر أن تصل هذه النسبة إلى اقل من 200 مترامكعبا فى بداية العام 2015 ، بمعنى أن معظم الدول العربية وربما جميعها  اصبحت تحت خط الفقر المائي وهذا يعنى أن هناك أزمة مياه عميقة وشديدة الخطورة تتجه الى كارثة حتمية ستواجه غالبية الدول العربية إن لم تكن جميعها .


90% من المناطق العربية تصنف بأنها مناطق صحراوية قاحلة وتتميز بموارد مائية منخفضة ومحدودة وتبخر مرتفع تصل نسبتة الى 88% ،  وتعرف الموارد المائية الاجمالية العذبة والمتجددة ، بأنها حاصل مجموع المياه الجوفية المتجددة والموارد المائية السطحية الداخلية والموارد المائية السطحية الخارجية أي التي تأتي من خارج حدود ألأقليم.. ويقدر حجم مصادر المياه العذبة والمتجددة أي المياه الطبيعية التقليدية في كامل المنطقة العربية بحوالي 338 بليون متر مكعب سنويا ، 65% منها تأتي من خارج الحدود ، وتتراوح معدلات ألأمطار بين 18 مليمتر في السنة في مصر ودول الخليج العربي الى 800 مليمتر في لبنان  أي بمعدل متوسط 156 مليمتر في السنة للمنطقة العربية، علما بأن 50% من ألأمطار تسقط فوق السودان.

 

إلطلب على المياه في تزايد كبير نتيجة للنمو السكاني وإتساع المناطق الحضرية والتطور الصناعي وما شابه ذلك ، ويقدر حجم ألأحتياجات المائية حاليا بحوالي 270 بليون متر مكعب أي ما يقارب 79% من إجمالي المياه المتاحة ، علما بأن حجم المياه غير التقليدية المستخدمة والمنتجة من محطات التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة والمعاد إستعماها بألأضافة الى المياه الجوفية الضاربة الى الملوحة وصلت الى حوالي 42 بليون متر مكعب، وإذا أخذنا بعين ألأعتبار مخاطر إتساع الملوحة العالية للمياه الجوفية بسبب عمليات الضخ الزائد وتقدم مياه البحر والتلوث الزراعي والصناعي مما أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لمصادر المياه الجوفية العذبة وخزاناتها الجوفية ، ندرك من خلال ذلك طبيعة وحجم التحديات التي اصبحت تواجه المنطقة العربية وشعوبها وتشكل خطرا حقيقيا في حدوث الكارثة الكبرى بتحول معظم المناطق العربية الى مناطق صحراوية قاحلة ، ستكون كافة  مصادرها المائية  مالحة اوملوثة  ... عندها ستكون  الحياة فيها صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة فلا حياة في أراض لا ماء فيها .

لدى العراق والسودان ومصر أعلى موارد مائية سنوية بين البلدان العربية، مقدرة على التوالى  75و65و58 بليون متر مكعب فى السنة إذ ان أكثر من 50 فى المئة من الموارد السطحية هى خارجية، مما يولد مزيداً من الضغوط على وضعها المائى. وتبين أن الجزائر ولبنان وموريتانيا والمغرب والصومال وسورية وتونس واليمن تأتى فى المرتبة الثانية من مجموع الموارد المائية، وهى بين 8 بلايين و30 بليون متر مكعب فى السنة ولدى بقية البلدان العربية موارد مائية تقل عن 5 بلايين متر مكعب في السنة

على رغم أن مجموع الموارد المائية الجوفية السنوية فى المنطقة العربية يبلغ حوالى
35 بليون متر مكعب فإن أكثر من 50 فى المئة من المياه فى شبه الجزيرة العربية هى مياه جوفية ، ونتيجة لعدم وجود انهار في معظم الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي فأن  احواض المياه تعتبر المصدر الرئيسي والوحيد للمياه العذبة والمتجددة ، ونتيجة للضغط والسحب الزائد من الأحواض الجوفية فأن نسبة عالية جدا من مناطق تلك الأحواض قد وصلت الى حالة من ألأستنزاف القصوي والملوحة العالية والتلوث العضوي وغير العضوي وبالتالي فأن إحتمال حدوث الدمارالكامل للطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية لم تعد مستبعدة ، وقد تكون مسألة وقت قريب وليس بالبعيد...


لهذا لا نبالغ اذ قلنا اننا قد دخلنا في مرحلة الخطر الحقيقي  وان العالم العربي اصبح يعيش كارثة جفاف شديدة تحدق بمستقبل بقاء الامة العربية واجيالها وكل وجه من وجوه الحياة ،وتشكل مشكلة نقص المياه اهمية كبرى  وخطورة حقيقية تتجاوز طبيعتها وابعادها عن أى مشكلة أخرى،ما لم تتوفر العلاجات السريعة، ، مما يجعلها تأتى فى سلم اولويات المشاغل..




وتواجه جميع البلدان العربية وضعاً مايئاً هشاً، ماعدا العراق الذى لديه حصة
مائية تزيد على 2900 متر مكعب للفرد فى السنة. ولبنان وسورية يواجهان حالياً
إجهاداً مائيا يقل عن ً900متر مكعب للفرد فى السنة  فيما تواجه بقية البلدان
العربية شحاً مائياً(أقل من 120متر مكعب للفرد فى السنة).

تهدد الوضع المائى فى المنطقة العربية ضغوط بيئية وإجتماعية وإقتصادية وتلاحظ تأثيرات سلبية كثيرة لتغير المناخ على نظم المياه العذبه وفق دراسات حديثة ، هذه التأثيرات ناتجة أساساً من زيادات ملوحظة ومتوقعة فى تقلب درجات الحرارة والتبخر ومستوى البحر والتساقطات.

وسوف تواجه مناطق جافة وشبه جافة كثيرة إنخفاضاً فى الموارد المائية نتيجة تغير المناخ. ومع نهاية القرن الحادى والعشرين يتوقع أن يزداد تدفق الأنهار الواقعة فى مناطق مرتفعة، بينما يميل التدفق من الأنهار الكبرى فى الشرق الأوسط وأوربا وأمريكا الوسطى إلى الإنخفاض، لكن مقدار التغير غير محقق إلى حد بعيد. وعلاوة على ذلك، وسوف يوسع إرتفاع مستوى البحر مساحة المياه الجوفية المالحة، ما يؤدى إلى إنخفاض فى توافر المياه العذبة للبشر والنظم الايكولويجية فى المناطق الساحلية. وأضافة إلى ذلك ، سوف تنخفض إلى حد بعيد القدرة على سد النقص فى المياه الجوفية فى بعض المناطق التى تعانى أصلاً من إجهاد مائى.


التوقعات المتعلقة بتغير المناخ، وفق الاتجاهات السريعة الحالية للزيادة السكانية،أظهرت أن الجزائر وتونس ومصر والمغرب وسورية وألأردن وألأراضي الفلسطينية تشهد نقصاً حاداً قي الموارد المائية، والعراق وحده قد يكون فى وضع أفضل نسبياً وتقليدياً،

هناك إعتماد كبير على المياه السطحية والجوفية فى جميع بلدان المنطقة، حيث يستهلك60الى 90فى المئة من المياه فى الزراعة، ويزداد الطلب على المياه فى كافة بلدان المنطقة، فيما تنخفض الإمدادات المائية بشكل مطرد .


ويتفاقم نقص الموارد المائية نتيجة عوامل تتعلق بإمكانية الوصول إلى المياه وتأتى نوعية وأوضاع مجمعات المياه والبنية التحتية والسياسة والنزاعات فى رأس قائمة أولويات استراتيجيات تأمين الوصول إلى المياه فى المنطقة. وحالياً تتأثر نوعية الموارد المائية فى المنطقة العربية بالتلوث والتوسع المدينى والفيضانات والاستخدام المفرط للموارد المائية. ويتوقع أن يزيد تغير المناخ مستويات ملوحة البحيرات والمياه
الجوفية نتيجة إزدياد درجة الحرارة.

وعلاوة على ذلك، أدى ارتفاع تركيزات الملوثات فى الأنهار إلى ازدياد تلوث المياه الجوفية، ويتوقع أن يزداد ارتشاح الكيماويات الزراعية إلى المياه الجوفية نتيجة تغيرات فى جريان مياه الأمطار التى تغذى المجمعات المائية. وتواجه مجمعات المياه حالياً جفافاً متكرراً تصحبه حالات هطول مطرى غزير مفاجىء تتسبب بانجراف ترابى خطير وعمليات تصحر. وفى ظروف التغير المناخى سوف يشتد تدهور مجمعات المياه وعمليات التصحر.

يتوقع حصول تأثيرات من المرتبة الأولى لتغير المناخ على النظم المائية المتوسطية، مثل فصول شتاء أكثر رطوبة وفصول صيف أكثر جفافاً ،وفصول صيف أكثر حرارة وموجات حر، وأحداث مناخية أكثر تقلباً وتطرفا
هذه التأثيرات قد تحدث زيادة فى التبخر من الاجسام المائية والأتربة الطبيعية
والاصطناعية، مما يخفض الامدادات المائية المتوفرة. إلى ذلك ،سوف تزيد التأثيرات
معدل البخر/ النتح من المحاصيل والنباتات الطبيعية. وقد أجريت عدة دراسات من قبل باحثين مصريين لتقصى تأثير التغيرات المناخية فى النتح، على أساس تغيرات فى
درجات حرارة الهواء وفق سيناريوهات مختلفة. وأشارت الدراسة إلى أن التغيرات
المناخية فى المستقبل ستزيد الطلبات المحتملة على الرى فى مصر بنسبة 6إلى 16 فى
المئة نتيجة الزيادة فى النتج مع نهاية القرن الحادى والعشرين.


تأثير ازدياد الجفاف

الجفاف من الكوارث الخطيرة المتعلق بالمياه والتى تهدد المنطقة العربية بالمقاييس الزمنية الحالية والمسقبلية ،من الناحية المناخية، يمكن تعريف الجفاف بأنه "انخفاض موقت فى توافر المياه أوالرطوبة أدنى كثيراً من الكمية المعتادة أو المتوقعة لفترة محددة. أما من الناحية المائية، فالجفاف هو"فترة من الطقس الجاف على نحو غير معتاد تمتد وقتاً كافياً لكى يسبب انعدام التساقطات خللاً مائياً خطيراً،ما يحمل دلالة على حدوث نقص فى الرطوبة فى ما يتعلق بإستعمال الانسان للمياه


تؤثر موجات الجفاف فى الانتاج الزراعى الذى يروى مطرياً وفى الامدادات المائية لأغراض منزلية وصناعية وزراعية. وقد عانت بعض المناطق شبه الجافة وشبه الرطبة فى العالم من موجات جفاف أكثر شدة وتستمر سنوات عدة، ما سلط الضوء على إمكانية تعرض هذه المناطق لمزيد من حالات الجفاف المتوقعة فى المستقبل نتيجة التغير المناخى.

لقد ازداد تكرار الجفاف خلال السنوات العشرين إلى األأربعين الأخيرة فى المغرب وتونس والجزائر وسورية. وتغير فى المغرب من سنة جفاف فى فترة 5
سنوات قبل العام 1990 إلى سنة جفاف سنتين. وفى لبنان، حدث تغير فى أوضاع نقص
المياه من حيث توافر الموارد المائية فى العقد الأخير.
وفي بلدان المغرب العربي، حدثت عشر سنوات جفاف خلال العقدين الأخرين من أصل 22 سنة جفاف فى القرن العشرين، وقد أشتملت على سنوات الجفاف المتتالية الثلاث وهى 1999 و2000 و2001. كما أن الجفاف حدث متكرر فى الشرق شهد نواقص مائية مزمنة وعانى من نواقص حادة منذ ستينات القرن العشرين. وكانت موجات الجفاف الأخيرة فى سوريا أسوأ ما تم تسجيله خلال عقود.

إن مناخناً أدفأ، مع ما يرافقه من تقلب مناخى متزايد، سوف يزيد خطر حدوث فيضانات وموجات جفاف ويحتمل أن تزداد المناطق المتأثرة بالجفاف، كما يحتمل أن تزداد حالات التساقط المطري، من حيث التكرار والشدة، وسوف يتفاقم خطر حدوث فيضانات وستكون هناك الفيضانات وموجات الجفاف ويشكل نقص المياه العائق الرئيسى فى معظم بلدان المنطقة، وتشير الدراسة محاكاة أجرتها الهئية الحكومية المشتركة لتغير المناخ إلى أن شح المياه قد يتفاقم إلى حد بعيد نتيجة تغيرات الأنماط المناخية فى المستقبل..

كما تسببت مواسم الجفاف المتكررة منذ العام 1980 وحتى الوقت الحالي بتراجع كبير وخطير في مستوى المياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية وفي ألأردن وسوريا ، مما أدى إلى جفاف عدد كبير جدا من الينابيع الهامة ومن ألأبار الزراعية في مناطق الضفة الغربية وفي مناطق غور ألأردن والشونة  وسهول حوران، وهو مؤشر خطير ينذر بفقدان مصادر المياه الجوفية التي تتغذى منها تلك الينابيع وألأبار..وهذه كارثة حقيقية خاصة بالنسبة للفلسطينيين حيث تعتبر المياه الجوفية المصدر الوحيد المتاح لهم  في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء



وبالتالى فأن الوضع المائي صعب للغاية حيث لم تعد الموارد المائية المتاحة تكفي لتلبية ادنى متطلبات الحياة اليومية من المياه لدى معظم دول المنطقة العربية ،
ويتوقع تقرير صادر عن البنك الدولى أن يشهد مؤشر حصة الفرد مزيداً من الانخفاض إلى حوالى 65 مترا مكعبا عام 2025، وان المنطقة ستعانى من عجزا مائيا يصل الى 300 بليون متر مكعب بحلول عام 2030، مع العلم أن عددا من دول المنطقة دخل فعليًا فى مرحلة الندرة الشديدة، كما هو الحال فى اليمن والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها
وأشارت دراسات حديثة للأمم المتحدة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجى تحتل مراكز متقدمة من بين عشرين دولة -معظمها من الدول العربية- تعانى من نقص مزمن فى المياه
وتشير هذه الدراسات إلى أن كمية المياه المستخدمة سنويًا من مختلف المصادر فى دول الخليج العربى فى تزايد مستمر؛ حيث تبلغ نسبتها للأغراض البشرية 17 بالمائة و7 بالمائة للأغراض الصناعية. ويزيد من حدة أزمة نقص المياه، التى يمكن أن تواجهها منطقة الخليج، أن تلك المنطقة تعانى من جفاف فى أغلب فصول السنة، ومن قلة وعدم انتظام تساقط الأمطار، وانخفاض المناسيب.

إن قضية المياه لها شق سياسى يتعلق بدول الجوار وخاصة تركيا وإسرائيل وبعض الدول الأفريقية. فإسرائيل تسيطر على الينابيع المتجددة فى الاراضى المحتلة والجولان وجنوب لبنان وهناك مخطط إسرائيلي لا زال قائما لسحت مياه نهر الليطانى  وكذلك هناك أزمة مائية بين دول العراق وسوريا، وتركيا التى تسعى إلى استغلال مياه دجلة والفرات واستهلاك قدر أكبر من حصتها، من خلال تنفيذ مشروع "غاب" الذى يتضمن بناء 21 سداً سعة تخزينها حوالى 186 بليون متر مكعب وذلك على حساب حصة سوريا والعراق".
لقد أصبحت المياه قضية استراتيجية وأنها منذ القدم تشكل مصدرا من مصادر الصراع والنزاعات ومن بين هذه الصراعات إقامة حدود مائية تعتمد فى المقام الأول على الحد المائى وليس على الأرض، واستخدمت فى ذلك مختلف السبل ومنها احتلال الأرض وسحب المياه من أنهار اليرموك ونهر الأُردن وبحيرة طبريا كما أدخلت مياه نهر الليطانى فى حساباتها، واحتلت جنوب لبنان واستولت على أكثر من 1290 مليون متر مكعب من مياه حوض الأُردن والليطاني .

 إن قضية المياه مازالت محل صراع بين دول المصب العربية ودول المنابع، وتلك الصراعات تهدد الدول العربية بالوقوع تحت خط الفقر المائى وذلك نتيجة لخضوعها لمحاولات الاستحواذ التركية والإسرائيلية، وهو ما يتطلب مزيدا من التعاون العربى وتكوين استراتيجية عربية للمياه

فتركيا ترفض الحديث عن حقوق مياه لجيرانها العرب سوريا والعراق وتعتبر ان كامل مياه النهرين الدوليين دجلة والفرات من حق تركيا وحدها بأعتبارها صاحبة المنابع لمعظم التصريف السنوي للنهرين ، وإن ما تقوم تركيا بتخصيصه لجيرانها العرب ليس إلا مكرمة وحسن جوار ، بمعنى ان إحتمالات وقف تقديم تلك المكرمة واردة في كل وقت بحكم ان تركيا لا تعترف بأية حقوق مائية للسوريين والعراقيين في مياه دجلة والفرات. كذلك ألأمر بالنسبة للمصريين ، حيث يجري في الخفاء تحريك دول أعالي حوض النيل وخاصة أثيوبيا وغيرها للمطالبة في إعادة التحصيص ، بمعنى تهديد قائم وصراع مستمر ودائم لمصر وأمنها المائي خاصة وأن مياه نهر النيل هي بمثابة شريان الحياة بالنسبة للمصريين . وعلى جبهة ساخنة ثالثة من جبهات الصراع على المياه ، تشكل عمليات السيطرة والنهب الأسرائيلي لمياه حوض نهر ألأردن وألأحواض الجوفية للضفة الغربية للأراضي الفلسطينية دوافع وأسباب قائمة لأندلاع حروب مياه جديدة في المنطقة ، في ظل التهديات الخطيرة التي تواجه الموارد المائية في المنطقة العربية وفي ظل رفض ألدول وألأطراف المجاورة للعرب ألأعتراف بحقوق ألمياه  لأصحابها من الدول العربية المشاطئة ....     

ولعل ما يترافق من مشاكل تسهم فى تعميق الازمة هو عدد السكان مدفوعا بالمعدلات وتزايدهم بنسب نمو عالية تزيد عن باقى الامم على سطح الارض. فعدد السكان فى العالم العربى حوالى 388  مليون نسمة ونسبة النمو اكثر من 3% ومن غير المتوقع ان تحافظ هذه النسبة على مستواها بل ستزيد ومما سيترتب عليه زيادة عدد السكان الى حوالى   الى 500 مليون نسمة عام 2020. ولا يجب ان ننسى ان نسب الوفيات منخفضة وان معدل متوسط العمر ارتفع الى حوالى 66 سنة بعد ان كان 45 فى عام 1960 مما سيسهم فى زيادة مضاعفة فى عدد السكان فى العالم العربى الذى يعتبر من الامم الناشئة لان نسبة جيل الشباب عالية جداً. وبالتالى فان زيادة السكان تعنى زيادة الطلب على الماء ومن المعروف ان الموارد المائية محدودة جداً وهى فى طريقها الى النضوب.
ومن العوامل الاخرى التى ستسهم فى تفاقم الكارثة، هو عدم الاكتراث الشامل، بكل مستوياته، فالحكومات قد تنفق الكثير من الأموال على شراء أسلحة او اقامة استثمارات غير موثوقة العائد الا انها تتجاهل الاستثمار فى توفير المياه، او فى البحث عن "مصادر بديلة" للمصادر التقليدية. والمواطن العادى لا يدرك خطورة هذه الازمة طالما انه يرى ان بامكانه ان يشرب ويغتسل وان الماء متوفر فى بيته ومكتبه وعمله، وبالتالى فلن يبالى فى هدره باستخدامه بشكل غير عقلاني.
والمشكلة هنا، فى واحد من أوجهها على الأقل، هى مشكلة ثقافة يومية يجب ان تتحمل الحكومات ومؤسساتها مسؤولية اعادة توجيهها للتنبيه الى خطورة ما سنؤول اليه، وما هو الثمن الذى سيدفعه ابناؤنا لقاء هدرنا لهذه الثروة.
ويقول خبراء انه لابد من خلق هذه الثقافة لتكون جزءا من يوميات الانسان العربى تسهم فى تطويرها المدارس والجامعات والبلديات والمراكز الاجتماعية وغيرها ليصبح الاقتصاد فى استخدام المياه عادة اجتماعية تدفع الى احترام الاشخاص الذين يوفرون فى استخدام واستهلاك الماء من جهة، وعدم تقبل الذين يهدرون الماء والعمل على ايقافهم عند حدهم من جهة أخري. كما أنه من الضرورى أن تقوم الحكومات العربية بإعادة النظر فى طرق استخدام المياه، خاصة فى الزراعة، التى تستهلك حوالى 87 فى المائة من المياه العذبة المتاحة؛ وذلك بغية ترشيد الاستعمالات، والحد من الهدر والتصحر والملوحة، ومن التلوث الذى يصل فى بعض الحالات إلى حوالى 50 فى المائة.
ولابد ان تسعى الدول العربية الى تطوير وسائل الرى الزراعية لاستخدام تقنيات توفر هدر الماء فى اساليب الرى التقليدية بتبنى وسائل الرى بالتنقيط والرذاذ، والامتناع عن الزراعات التى تستهلك كميات كبيرة من الماء اذا امكن توفيرها من خلال الاستيراد بعد النظر الى سلم ومصفوفة الاولويات، اى معرفة ما اذا كانت تكلفة استخدام الماء لانتاج ذلك المحصول الزراعى اكبر من استيراده ام العكس؟ وهل الاهمية الاستراتيجية لهذا المحصول تستحق التضحية بالمياه المستهلكة لانتاجه؟ بناء على الجواب ربما يكون مفيدا اتخاذ قرارات بعدم زراعة بعض المحاصيل. ولا سيما ان استيراد بعض المحاصيل خير من استيراد المياه.
وقد ادى النمو الاقتصادى وتحسين الحالة المعيشية الى زيادة استعمال المياه وحتى الافراط فى استعمالها وانعكس تأثيرها أكثر فى 70% من المناطق التى تعانى من مشاكل المياه. تستعمل فى الدول المتحضرة حوالى 70% من المياه فى مجال الزراعة وحوالى 20% للصناعة وحوالى 10% للحياة المنزلية، بينما تستعمل المياه فى دول الشرق الاوسط مابين 85% والى اكثر من 95% للزراعة من مجموع المياه الموجودة والباقى منها مابين 5% ـ 15% تستعمل لأغراض الصناعة والحياة المنزلية.
ويقول خبراء انه لا بد من الاسراع باقامة محطات لتحلية مياه البحر والمياه غيرالعذبة لاستخدامها فى قطاعات الزراعة والصناعة على الاقل، بدلا من هدر الموارد المائية العذبة. ولا بد أيضا من الاسراع باقامة محطات تعتمد الطاقة النووية لتحلية المياه نظراً لرخص استخدامها على المدى الطويل ولاستقرار هذا المصدر للموارد المائية بشكل عام.
وقدرت كلفة مشاريع التحلية من عام 2000 ولغاية 2010- بحوالي 11 مليار دولار على الأقل؛ حيث تبلغ فى السعودية 2.4م ليار دولار، وفى الإمارات بنحو 2.3 مليار، فيما تتوزع المشاريع الباقية على كل من البحريين ومصر والكويت وعمان وقطر.
ويدفع التفاقم المتسارع لمشكلة نقص المياه الى الاسراع الى تبنى استراتيجية وطنية تراعى معطيات هذه الازمة وتبحث سبل حلها من خلال اقامة مراكز للابحاث ومعاهد وكليات جامعية لدراستها والتنبؤ بمستقبل الاحتياطات المائية من خلال أبحاث ميدانية تتبنى حلولا ومقترحات تتناسب وحال كل دولة عربية على حدة، وتستشرف مستقبل الموارد المائية فى حال تم استخدام الوسائل الحديثة التى تبنتها الدول المتقدمة.
الضرورة تتطلب ان ننظر بامعان لبرامج استخدام وتقنين المياه فى الدول الاوروبية التى تتعامل مع قضايا المياه بحذر بالرغم من كونها تعتبر من الدول الغنية بالموارد المائية الا انها مع ذلك تعقد المؤتمرات والندوات الدولية لمناقشة المخاطر الناجمة عن نقص المياه، وما هى المقترحات والبدائل المتاحة لمعالجتها؟ وكيف يمكن استخدام موارد مائية فى دول اخري؟ وهل من الضرورى عقد اتفاقات من الآن بخصوص توفير هذه الثروة المائية؟ ومتي..؟ واين..؟
ومن الواضح ان الدول ذات المياه الغزيرة تولى اهتماما كبيرا بالموارد المائية، وهى أقل حاجة لها، بينما لم يبدر الكثير من الاهتمام من الدول الفقرة بالموارد المائية بالرغم من انها تقف على اعتاب كارثة تصحر.
وربما تراهن بعض الحكومات العربية على ما لديها من ثروات، الا ان اتجاه هذه الثروات المحتوم نحو النضوب يضاعف أهمية المياه ويجعل أهميتها الاستراتيجية أكثر خطورة بما لا يقاس مع أى خطر استراتيجى آخر.
وقد تجعلنا الحاجة الى المياه من بين افقر الدول فى العالم، لنكون "صومال" واسعة تنتظر المساعدات.
كل المؤشرات تقول: اذا لم نتحرك الآن ونغير هذه المعطيات فاننا..."نعم" فأن كارثة  الجفاف والعطش القاتل لا محال قادمةً......

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف