أحلام (أيدول ) العصرية
بزغ الفجر وشتت أشعته ذيول ليل مدلهم . خرج صابر ومنصور لاحتساء قهوة الصباح تحت شجرة صفصاف وارفة الظلال تُقبِلُ
بطرابينها تجاعيدَ وجْهين حملا وشمَ الماضي والحاضر والآت. كان كُرسيَّا القش يئنان مثلهما وتعرجُ ذواتُ الأربع هذه كسوقيهما. منظرٌ يأخذُ بتلابيب ما بقي من عقولٍ في زمن يعترفُ بالجنون وبصاحبِ السوابق والمجون.
خرج صابر من باب داره متدثرا بوشاح العبوس , يُتمْتمُ يتأففُ ويندبُ حظاً عاثرا رغم مشوار عمرِه في حقل السنين.هالَ منصور ما سمع من صديقه الأنين وقد لُفَتْ رجلُه اليُمنى بجبيرةٍ ورأسه بكومةٍ من ضمادٍ حتى تَخيلها للحظةٍ لفةً لرجلٍ من علماء الدين.
منصور : سلامات, سلامات يا صديقا عزيزا غزتْهُ جحافلُ الوجعِ والأنين.
صابر, بصوتٍ خفيض: الله يسلمك, أنا أستحق ما ترى فهو حصادُ غباءٍ قبض على خناقي حيث إجتمعت من حولي كلُّ الأبالسة والشياطين في جوف الليل وهي تغريني بمال كثير وتحميني من كلمة- هات- والجيب يكاد يفرغ من زغردة النقود .
منصور باسما: أخشى أن تكون قد تزحلقت من على السرير أو طالتك دفشة من شريك.
صابرمبتسما على مضض: ابداً ابداً, نعم كنت في الفراش أتقلب أحسبُ أخماسا بأسداسٍ وأغوص في أفكار قد تجلبُ لي نقودا بأقل مجهود. فكَّرتُ وتدبرت وصحت بسري وجدتها وجدتها.
منصور بشغف الشامتين: من التي وجدتها؟ أضرة للزوجة أم صرة فيها نقود؟
صابر: لا هذه ولا تلك. بالأمس كنت أتابع برنامجاً لسباق الأغاني فخطفتني الأضواء وإستولت عليَّ شهوةُ الشهرة وقلت: لماذا لا أجرب حظي فربما أجد مكانا بين عبد الوهاب وعبد الحليم؟
منصور ضاحكا وقد بانت لهاتُه ومواقع أضراس عقله المقلوعة من سنين: مطرب يا صابر, حرام عليك وما هو ذنب المستمعين؟
صابر : بلا طول سيرة, تسللت إلى الحمام بإعتباره موقعا مناسبا لإكتشاف المواهب وإخراج ما استعصى فيَّ من كنز دفين. بدأت بالدندنة فانسجمت وركبني الطرب أو ركبته لا أدري فإهتزت أركان الحمام, لا أدري بهجةً أم إحتجاجا, المهم أنها إهتزت فأفاقت زوجتي مذعورةً وهي تصيح: صابر : يبدو أن هزة ارضية
أسقطت من على الرفوف كلَّ الطناجر والقدور, أُخرُجْ بسرعة فمكانُ موتكَ بالحمام غير محمود. قلت: لا عليك , الوضع آمن والأصوات التي سمعتها هي مجرد كابوس ليلي إذا امتلأت الكروشُ بحلة فول. عودي إلى النوم قريرة العين يا زوجتي المصون.
منصور: آه منك أيها المحتال الخبيث.
صابر : دعني أُكمل لك مشواري الطويل. بعد أن هدأت العاصفة , إعترفتُ بهزيمتي لكنني لم أستسلم وقلت: ألا يمكن ان يكون لي بالرقص نصيب؟
منصور مندهشا : رقص أيها المفتري الاثيم؟
صابر هذا ما جرى بالتأكيد. وقلت في نفسي الرقص يتطلب بعضا من إظهار بعض المفاتن فرفعت جلابيتي فإذا بي بساقين لا تسر الناظرين, أقنعت نفسي بإمكانية إزالة ما إحتلهما من شعر منذ سنين. خلعتُ تلك الجلابية حاضنةَ البلاوي وبدأتُ أول خطوة في مشواري الطويل, واحد إثنان, إثنان ثلاثة, أربعة واحد, خمسة ثلاثة , تسعة إثنان, فوجدتني في حالة من الذوبان في هذا الفن الأصيل, قمت بحركة دائرية تبصم هوية المستقبل , فاستقبلني حوض الحمام برجلي وبصنبوره راسي.
منصور يكاد ينفجر من الضحك والقهر معا: وبعدين؟
صابر : لا أدري, صحوت من مرقدي في المشفى وأنا أردد : واحد اثنين.
منصور : يا فضيحتك يا صابر.
صابر: إن شاء الله ما في فضايح ولا يعلم بالامر إلا الله وأنا وأنت يا أبو لسان طويل.
منصور: عليك الأمان يا كازانوفا الفاشل.
صابر: بالأمس جمعتُ وطرحتُ وقسَّمْتُ ما حصدته من حقول أشواك الحياة فأصابتي صدمة أن حصيلة عمري لا تساوي أجرَ مغنٍ أو مغنيةٍ أو راقصة في ليلة واحدة , أحدهم كان أجره سبعمائة الف دولار في ليلة رأس السنة. فهل هذا معقول؟
منصور: نعم, معقول في زمن الجنون والامعقول وهزِّ الخصور لا هز العقول.
صابر: لا بد من طريق, غدا سأشتري عوداً للتفرغ للتلحين .
منصور: إتق الله في نفسك أيها الطموح إلى الفشل الذريع.
صابر: إطمئن يا صديقي فتجربة الحمّام كشفت فيَّ خيبتي وعلمتني كيف أضع نفسي على خريطة الرزق الجميل, لكن ما يجري يقهرني يستفزني يصيبني أحيانا بالجنون متمنيا أن أكون فحلاً هولنديا صاحب أطول قرون يفقدُ أعصابه في الطريق فيكنس مَنْ أمامَه إما إلى المشافي وإما إلى القبور.
منصور: عُدْ إلى فراشك وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإلا ستعاود تجربة نفس المصير.
صابر : ألقاك غدا علَّني أكون منهمكاً في مشروعٍ جديد.
بزغ الفجر وشتت أشعته ذيول ليل مدلهم . خرج صابر ومنصور لاحتساء قهوة الصباح تحت شجرة صفصاف وارفة الظلال تُقبِلُ
بطرابينها تجاعيدَ وجْهين حملا وشمَ الماضي والحاضر والآت. كان كُرسيَّا القش يئنان مثلهما وتعرجُ ذواتُ الأربع هذه كسوقيهما. منظرٌ يأخذُ بتلابيب ما بقي من عقولٍ في زمن يعترفُ بالجنون وبصاحبِ السوابق والمجون.
خرج صابر من باب داره متدثرا بوشاح العبوس , يُتمْتمُ يتأففُ ويندبُ حظاً عاثرا رغم مشوار عمرِه في حقل السنين.هالَ منصور ما سمع من صديقه الأنين وقد لُفَتْ رجلُه اليُمنى بجبيرةٍ ورأسه بكومةٍ من ضمادٍ حتى تَخيلها للحظةٍ لفةً لرجلٍ من علماء الدين.
منصور : سلامات, سلامات يا صديقا عزيزا غزتْهُ جحافلُ الوجعِ والأنين.
صابر, بصوتٍ خفيض: الله يسلمك, أنا أستحق ما ترى فهو حصادُ غباءٍ قبض على خناقي حيث إجتمعت من حولي كلُّ الأبالسة والشياطين في جوف الليل وهي تغريني بمال كثير وتحميني من كلمة- هات- والجيب يكاد يفرغ من زغردة النقود .
منصور باسما: أخشى أن تكون قد تزحلقت من على السرير أو طالتك دفشة من شريك.
صابرمبتسما على مضض: ابداً ابداً, نعم كنت في الفراش أتقلب أحسبُ أخماسا بأسداسٍ وأغوص في أفكار قد تجلبُ لي نقودا بأقل مجهود. فكَّرتُ وتدبرت وصحت بسري وجدتها وجدتها.
منصور بشغف الشامتين: من التي وجدتها؟ أضرة للزوجة أم صرة فيها نقود؟
صابر: لا هذه ولا تلك. بالأمس كنت أتابع برنامجاً لسباق الأغاني فخطفتني الأضواء وإستولت عليَّ شهوةُ الشهرة وقلت: لماذا لا أجرب حظي فربما أجد مكانا بين عبد الوهاب وعبد الحليم؟
منصور ضاحكا وقد بانت لهاتُه ومواقع أضراس عقله المقلوعة من سنين: مطرب يا صابر, حرام عليك وما هو ذنب المستمعين؟
صابر : بلا طول سيرة, تسللت إلى الحمام بإعتباره موقعا مناسبا لإكتشاف المواهب وإخراج ما استعصى فيَّ من كنز دفين. بدأت بالدندنة فانسجمت وركبني الطرب أو ركبته لا أدري فإهتزت أركان الحمام, لا أدري بهجةً أم إحتجاجا, المهم أنها إهتزت فأفاقت زوجتي مذعورةً وهي تصيح: صابر : يبدو أن هزة ارضية
أسقطت من على الرفوف كلَّ الطناجر والقدور, أُخرُجْ بسرعة فمكانُ موتكَ بالحمام غير محمود. قلت: لا عليك , الوضع آمن والأصوات التي سمعتها هي مجرد كابوس ليلي إذا امتلأت الكروشُ بحلة فول. عودي إلى النوم قريرة العين يا زوجتي المصون.
منصور: آه منك أيها المحتال الخبيث.
صابر : دعني أُكمل لك مشواري الطويل. بعد أن هدأت العاصفة , إعترفتُ بهزيمتي لكنني لم أستسلم وقلت: ألا يمكن ان يكون لي بالرقص نصيب؟
منصور مندهشا : رقص أيها المفتري الاثيم؟
صابر هذا ما جرى بالتأكيد. وقلت في نفسي الرقص يتطلب بعضا من إظهار بعض المفاتن فرفعت جلابيتي فإذا بي بساقين لا تسر الناظرين, أقنعت نفسي بإمكانية إزالة ما إحتلهما من شعر منذ سنين. خلعتُ تلك الجلابية حاضنةَ البلاوي وبدأتُ أول خطوة في مشواري الطويل, واحد إثنان, إثنان ثلاثة, أربعة واحد, خمسة ثلاثة , تسعة إثنان, فوجدتني في حالة من الذوبان في هذا الفن الأصيل, قمت بحركة دائرية تبصم هوية المستقبل , فاستقبلني حوض الحمام برجلي وبصنبوره راسي.
منصور يكاد ينفجر من الضحك والقهر معا: وبعدين؟
صابر : لا أدري, صحوت من مرقدي في المشفى وأنا أردد : واحد اثنين.
منصور : يا فضيحتك يا صابر.
صابر: إن شاء الله ما في فضايح ولا يعلم بالامر إلا الله وأنا وأنت يا أبو لسان طويل.
منصور: عليك الأمان يا كازانوفا الفاشل.
صابر: بالأمس جمعتُ وطرحتُ وقسَّمْتُ ما حصدته من حقول أشواك الحياة فأصابتي صدمة أن حصيلة عمري لا تساوي أجرَ مغنٍ أو مغنيةٍ أو راقصة في ليلة واحدة , أحدهم كان أجره سبعمائة الف دولار في ليلة رأس السنة. فهل هذا معقول؟
منصور: نعم, معقول في زمن الجنون والامعقول وهزِّ الخصور لا هز العقول.
صابر: لا بد من طريق, غدا سأشتري عوداً للتفرغ للتلحين .
منصور: إتق الله في نفسك أيها الطموح إلى الفشل الذريع.
صابر: إطمئن يا صديقي فتجربة الحمّام كشفت فيَّ خيبتي وعلمتني كيف أضع نفسي على خريطة الرزق الجميل, لكن ما يجري يقهرني يستفزني يصيبني أحيانا بالجنون متمنيا أن أكون فحلاً هولنديا صاحب أطول قرون يفقدُ أعصابه في الطريق فيكنس مَنْ أمامَه إما إلى المشافي وإما إلى القبور.
منصور: عُدْ إلى فراشك وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإلا ستعاود تجربة نفس المصير.
صابر : ألقاك غدا علَّني أكون منهمكاً في مشروعٍ جديد.