الأخبار
طالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تعرى ... وخذلك عمود في مجلة مجانا بقلم:معاذ فراج

تاريخ النشر : 2011-12-29
تعرى ... وخذلك عمود في مجلة مجانا بقلم:معاذ فراج
  تعرى ... وخدلك عمود في مجلة مجانا


لا أستغرب حقيقة من سعي بعض المرضى النفسيين عاشقي الشهرة إلى استخدام العري كوسيلة للوصول إليها ، الذي أستغربه حقا هي تلك الخدمة المجانية التي تقدمها معظم الصحف العربية لأمثال هؤلاء ، فمبجرد أن تكشف لنا فلانة أو علانة عن صدرها أو فرجها أو مؤخرتها ، تقوم صحفنا العريقة على الفور بإهدائها عمودا مجانياعلى صفحتها الأولى ، يحكي لنا خبرها ، ويسرد لنا تفاصيل حياتها ، ويقص علينا تاريخها النضالي القديم من أجل حقوق الإنسان والحيوان ، كل ذلك فقط لأنها أصبحتعضوا جديدافي حزب العراة العالمي، محققة بذلك مطلب هذاالآدمي المتعري المريض من سعيه الدؤوب خلف شهرة مجنونة ، وتميز ساقط كاذب ، آدمي فضل النزعة الحيوانية البدائية، على نزعته الإنسانية الفطرية .

أكثر ما أضحكني في هذا النسق الشاذ الغريب ، قيام إحدى الصحف العربية ذات الطابع الفضاحي البحت ، بوضع صورة المتعرية علياء المهدي ضمن قائمة التصويت السنوي على أكثر النساء تميزا في عام 2011 ، لكني استمتعت حقا حين قرأت تعليقات القراء على هذا الاستفتاء ، فمعظم التعليقات جاءت لتشاركني ضحكاتي على الزج بصورة إنسانة متعرية مع صور نساء أقل ما يقال فيهن أنهن عملاقات العام 2011 ، كالناشطة توكل كرمان وأسماء محفوظ ، وكالبطلة الخنساء الفلسطينية والدة الشهداء الأربعة .

وأنا أتأمل وجه علياء المهدي في الصحيفة ومدى الشهرة التي وصلت لها ، خطرت ببالي ولو للحظة فكرة أن أتجرد من ملابسي الشتوية الثقيلة وأن أتعرىبالكامل ، وأن أهدي صورة جسدي الغير متناسق لقراءي على صفحتي الخاصة في موقع تويتر أو فيس بوك ، لعليأغدو بطلا عربيا بامتياز من وجهة نظر هذه الصحيفةوما شاكلها ، وقد أحظىكذلك بعمود مجاني فيها يشيد ببطولاتي التاريخية في نصرة قضايا الرجال أثناء وقوفهم راكبين في باصات النقل العام في عواصمنا العربية ، بالإضافة لفرصة وضع صورتي بجانب صورة البطل الشهيد محمد البوعزيزي أو الشيخ يوسف القرضاوي ، ضمن قائمة أكثر الرجال تميزا لهذا العام ، لكني آثرت التراجع عن فكرتي حين خطر ببالي منظر تلك الباروكة الكثيفةمن الشعر التي نبتت على قدماي وفخذاي ، التي قد تثير ذعر وحساسية المشاهدين والقراء ، وتسد أنفاسهم ومنافسهم ، فيسبوا علي عدوا بغير علم ، ويقاطعوا أي صحيفة تجرأت على نشر هذا المنظر الذكوري القبيح ، فمنظر علياء المهدي أو الفنانة التونسية عارية الصدر مع جريمة عريهما ، إلا أنه قديبدو مقبولامألوفاللمشاهد العربي على الأقل بسبب الأنوثة المفرطة المثيرة ، أكثر من منظر رجل قبيح مثلي ، جن جنونه فخلع ملابسه من أجل شهرة زائفة .

دعيت مكرها قبل أيام لحضور احتفال عيد ميلاد لأحد الأصدقاء ، كان الحفل عائليا مختلطا ، ومع أني لم أمكث في الحفلة سوى دقائق معدودة ، إلا أن أكثر ما لفت انتباهي هو مستوى العري النسائي الغير مبرر في تلك الحفلة ، عري فاحش يكتنف الحاضرين من كل حدب وصوب ، خيل لي بأن النساء تلك الليلة كن يتبارين فيما بينهن بإظهار أجسادهن العارية ، وكأن العري أصبح مقياسا للتحضر والرقي في نظرهن ، وأنا أتأمل تلك الجموع الجرارة من المحتفلين سرحت بمخيلتي بعيدا ، بعيدا جدا ، كنت أرتشف العصير وآلاف الأفكار تجوس خلال أديرة رأسي تلك الليلة ، فجأة وبدون سالف ترتيب وقف عقلي برهة في محطة دارون للتطور والنشوء والارتقاء ، فتأملت كلامه حين قال بأن الإنسان ما هو إلا قرد متطور ، كان قردا عاري الجسد يعيش في الغابة ، ثم تطور عقله وجسده فأصبح إنسانا ، فاهتدى بعدها لستر عورته وبناء مسكنه وصنع حضارته ، حتى دارون في نظريته الشاطحة ، اعتبر العري مرحلة بدائية في حياة الإنسان المتحول ، ثم اهتدى بعدها لصنع الحضارة ومن بينها ستر عورته بالتأكيد .



سرحت أكثر ، وغصت بعقلي أكثر فأكثر ، فوقف عقلي مرة أخرى في محطة فرويد ... تلميذ دارون الأول ، الذي آمن مطلقا بنظرية معلمه في التطور والنشوء ، وزاد على نظرية معلمه فقال بأن الإنسان يتحرك في هذه الحياة فقط بشهوة جنسية ، يأكل بشهوة ، ويجلس بشهوة ، وينام بشهوة ، ويتبرز بشهوة ، تماما كالحيوان ، فلا فرق بينه وبين الحيوان لأن أصله حيوان ، شاءت الطبيعة بعدها أن يتطور إلى إنسان .

 

وهكذا بقيتْ تتقاذفني الأفكار ككرة مضرب بين لاعبين هنا وهناك كلما مرت بجانبي إحدى الآنسات العاريات ... أخيرا أخيرا وقف عقلي عند شاطئ الحكمة ، ونبع المعرفة ، وبرهان الحق ، فغصت في سرحاني أكثر وأكثر وأكثر ، فتأملت قول الله تعالى حين قال يصف نزول آدم للأرض : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ... ياه ما أجمل هذا الوصف ، أي أن الإنسان في بدء خليقته لم يكن عاريا أبدا ، ولم يعرف العري مطلقا كما يعرفه الآن ، بل كما يتفنن فيه الآن ... تركت تلك الآية ، ورحت أردد بشغف تلك الآية التي وصفت قصة آدم وحواء حين أكلا من الشجرة ، فتوقفت عند قوله تعالى : فبدت لهما سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وعصى آدم ربه فغوى ... ياه ما أغرب هذه العقوبة الربانية ، وما أغرب ردة فعل آدم وحواء تجاه هذه العقوبة ، عقوبة ربانية تمثلت فقط بكشف العورات ؟ آسف ... ليست العورات ، إنما هي السوآت ، كما وصفها رب العزة جل في علاه ، غريب ... وهل كشف العورة عقوبة في نظر الله ؟ لا أدري ، وهل كان ستر عورتيهما نوع من الإكرام والإجلال لجنس بني آدم كله ، وفي لحظة ما أراد ربهما أن يحرمهما من تلك الميزة حين عصيا أمره ؟ لا أدري ، ولماذا طفق آدم وحواء ينزعان ورق الجنة ليسترا نفسيهما ؟ أيمكن أنهما كانا يريدان بذلك الصنيع استرجاع تلك الكرامة المسلوبة من الرب ... لا أدري ... الأغرب من هذا كله هو قوله تعالى في موضع آخر ، يصف إبليس حين قال محذرا آدم وحواء منه : ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ... والآية الأخرى : فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ... أمر غريب حقا ... وكأن الشيطان كان يعلم بالعقوبة مسبقا ، فحثهما على أكل الشجرة ليظهرا عاريين بعيدين عن فطرتهما الإنسانية الأصيلة السوية ، قريبين من الفطرة الحيوانية الدخيلة ... لا أدري أيضا ...


هذا السيل الجارف من الأفكار جف وانقطع حبله بمجرد أن مشيت مبتعدا عن صالة الاحتفال ... ابتعدت وما زال صوت ذلك الفنان يغني ويصدح في صالتهم ويقول : على دلعونا على دلعونا ، راحو الحبايب ما ودعونا ... وآه آه ما أروع الفلسفة حين تأخذك معها لسبر أعماق الحقيقة الغائبة ، ودمتم سالمين ، في زمن العري والعريانيين ...

معاذ فراج - كاتب ومدون من الأردن
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف